"كبش فداء".. كيف كشف اعتقال مدير في وزارة النفط فساد حزب عراقي بارز؟
فتحت قضية اعتقال مدير مصافي نفط الوسط في العراق، عائد جابر عمران، إثر تهم تتعلق بالفساد المالي وغسل الأموال، الكثير من علامات الاستفهام تجاه "تيار الحكمة الوطني" برئاسة عمار الحكيم، كونه الجهة السياسية التي ينتمي إليها، وباتت تعرف كثيرا بمثل هذه الحالات.
قضية اعتقال "عمران" أثارت جدلا واسعا بين العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي، واصفين "تيار الحكمة" بأنه أحد أركان الفساد في البلاد بعد عام 2003، رغم الادعاءات المتكررة، لزعيمه عمار الحكيم، بأنه مع "محاسبة رؤوس الفساد بشكل علني".
ومع أن الحكيم أعلن منذ حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، والحالية بقيادة محمد شياع السوداني، أنه لن يشارك في التشكيلة الحكومية بوزراء ومسؤولين، فإن "تيار الحكمة" يمتلك العديد من المناصب التنفيذية في الوزرات والمحافظات العراقية.
"كبش فداء"
في 19 سبتمبر/ أيلول 2023، أعلنت هيئة النزاهة العراقية (حكومية) اعتقال مدير عام شركة مصافي الوسط في وزارة النفط (عائد جابر عمران)، وذلك بعد آخر ظهور إعلامي له في 29 أغسطس/آب خلال اجتماع دوري لمجلس الإدارة أكد فيه التزام الشركة بالبرنامج الحكومي.
وبحسب البيان، فإن عملية القبض جاءت تنفيذا للأمر الصادر عن قاضي تحقيق محكمة جنايات مُكافحة الفساد المركزية بحق مدير عام شركة نفط الوسط (دون ذكر اسمه)، وذلك "بتهمة التضخم وغسل الأموال التي ناهزت قيمته 8 مليارات دينار (6.1 ملايين دولار)".
وأشار إلى ضبط "عقود مشاركة بفندق ومعمل بحوزة" مدير مصافي الوسط، الذي ألقي القبض عليه "وفق أحكام المادة قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب، قبل عرضه بصحبة المُتَّهم والمضبوطات التي كانت بحوزته، على قاضي التحقيق المختص؛ لتقرير مصيره".
وتضمن التقرير بحسب النزاهة "وجود مؤشر تضخم في أمواله وتقديم معلومات كاذبة، وعدم التصريح عن العقارات التي يملكها خارج العراق".
وقد نقل التقرير عن مكتب مُكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب "امتلاك المتهم 6 عقارات في أحد المجمعات السكنية بسلطنة عمان".
وكذلك حددت النزاهة "وجود عقار في منطقة متميزة وسط العاصمة بغداد باسم زوجة مدير مصافي الوسط، فضلا عن مبلغ في الحيازة وآخر عبارة عن نقد مودع في المصارف، وبعض المصوغات الذهبية، وعقود مشاركة بفندق وشركات".
قبل ايام تم اعتقال مدير عام لديه اكثر من عقار في خارج العراق وحصص لا تعد ولا تحصى بمعامل وفنادق إضافة الى النقد.
— هشام علي :: husham ali (@husham_ali1) September 21, 2023
تخيل معي عزيزي المتلقي ، عندما استضفته في احدى الحلقات، اتصلت عليّ احدى الجهات السياسية لتبدي امتعاضها من خشونة الاسئلة وعدم قدرته من الاجابة لانه "فقير" بل وصفوه…
وتعليقا على ذلك، قال الإعلامي العراقي هشام علي، على حسابه بمنصة "إكس" (تويتر سابقا) في 21 سبتمبر، إنه "قبل أيام تم اعتقال مدير عام لديه أكثر من عقار في خارج العراق وحصص لا تعد ولا تحصى بمعامل وفنادق، إضافة إلى النقد".
وأضاف: "تخيل معي عزيزي المتلقي، عندما استضفته في إحدى الحلقات (برنامج تلفزيوني يقدمه على قناة عراقية)، اتصلت عليّ إحدى الجهات السياسية لتبدي امتعاضها من خشونة الأسئلة وعدم قدرته من الإجابة لأنه فقير، بل وصفوه بأنه خلوق ومحترم ونزيه".
وأردف علي قائلا: "والأدهى أنه تم اتهامنا بأننا نستهدفهم من خلال رجالهم الأكفاء الذين وضعوهم بمفاصل الدولة، والأمثلة كثيرة. إذا كفاءة وعنده مليارات وفلل وشقق وفنادق ومعامل، لعد اللي مو كفاءة شو مسوي".
وفي تغريدة أخرى سبقت الأولى، أكد هشام علي أن "مدير شركة مصافي الوسط جرى اعتقاله في الساعة 4 فجرا بعد تطويق المنطقة لمدة 3 ساعات حيث حاول المقاومة بسلاحه لكنه فشل".
وردا على ذلك، كتب علق أحد المغردين العراقيين ويدعى علي الزيدي على تغريدة الإعلامي العراقي، قائلا: إن "الجهة السياسية هي تيار الحكمة"، في إشارة إلى الحزب الذي ينتمي إليه عمران.
من جهته، قال الناشط السياسي عصام حسين خلال تغريدة له في 18 سبتمبر، إن "مدير شركة نفط الوسط يمثل نهاية كل فاسد يوافق على خيانة شعبه مع الجهات الفاسدة ثم يقدمونه كبش فداء للتغطية على فسادهم".
ورأى حسين أن "ما حدث له بمثابة جرس إنذار لجميع الرتب الخاصة بأن مصيركم سيكون مثل هذا الرجل الذي كان يعمل في حزب مؤثر موجود اليوم ويمثل دور الدولة في دعايتها الانتخابية، وقد تخلوا عنه بكل بساطة ولعبوا دور الشخص الصادق الحريص على المال العام".
يمثل مدير شركة نفط الوسط نهاية كل فاسد يوافق على خيانة شعبه مع الجهات الفاسدة ثم يقدمونه كبش فداء للتغطية على فسادهم.
— عصام حسين (@IssamHussein19) September 18, 2023
وما حدث له هو بمثابة جرس إنذار لجميع الرتب الخاصة بأن مصيركم سيكون مثل هذا الرجل الذي كان يعمل في حزب مؤثر موجود اليوم ويمثل دور الدولة في دعايتها الانتخابية، وقد…
"بؤرة فساد"
لم يكن عمران أول شخصية تنتمي إلى تيار الحكمة تطاردها السلطات العراقية بتهمة الفساد المالي، إذ سبقته العديد من الشخصيات البعض منهم ألقي في السجن وآخرون هربوا وصدرت بحقهم أحكام غيابية، وكانوا يشغلون مناصب كبيرة في الدولة.
ومن أبرز تلك الشخصيات، وزير النقل العراقي الأسبق، كاظم فنجان الحمامي، الذي تولى منصبه من 2016 إلى عام 2018، في حكومة رأسها حيدر العبادي، ممثلا عن تيار الحكمة الوطني.
وفي 9 مارس/آذار 2023، أكّدت هيئة النزاهة في بيان لها صدور قرار حكم غيابي بالحبس الشديد على الحمامي، لإقدامه على ارتكاب ما يخالف واجبات وظيفته عمدا.
وقالت الهيئة إن محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية أصدرت قرار حكم غيابي يقضي بالحبس الشديد لمدة سنتين على وزير النقل الأسبق، إثر إبرام عقد بين الشركة العامة لموانئ العراق وإحدى الشركات لاستئجار قطعة أرض بمساحة (67,000) مترا مربعا في ميناء المعقل؛ لغرض إنشاء مجمع علمي، خلافا للقانون.
ونشرت قناة "دجلة" العراقية عام 2017 وثائق رسمية من وزارة النقل تتحدث عن أن قيمة الاستثمار التي أبرمها الحمامي، مع شركة يطلق عليها اسم "سيركو العالمية" بلغ 400 مليون دولار، لتدريب المراقبين الجويين العراقيين.
وفي 2 يناير، أعلنت لجنة النزاهة توقيف محافظ البصرة السابق ماجد النصراوي على خلفية هدر 23 مليار دينار (17.6 مليون دولار)، وذلك بعد تسليم نفسه جراء المداهمات المتكررة لمنزله كونه هاربا.
وأكد البيان أن الاعتقال جرى على خلفية هدر بالمال العام ناتج عن إعفاء إحدى الشركات الأجنبية من الضرائب والرسوم الجمركية.
ويعد النصراوي أحد أعضاء مجلس محافظة البصرة عن كتلة "المواطن" التابعة لتيار الحكمة، والذي جرى انتخابه محافظا للمدينة، في يونيو/ حزيران 2013.
وفي 15 يوليو/ تموز 2019، اتهم عدي عواد النائب العراقي عن تحالف "الفتح" الشيعي بزعامة هادي العامري، تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم بالتسبب في دمار محافظة البصرة جنوب العراق، وانتشار الفساد المالي والإداري فيها، وذلك بسبب المحافظ الفاسد ماجد النصراوي.
وفي أبريل/ نيسان 2021، ألقى الأمن العراقي، القبض على محافظ بابل، حسن منديل، على خلفية اتهامات بـ"الفساد"، حسبما نقلت وكالة "الأناضول" التركية عن ضابط في الشرطة العراقية (لم تكشف هويته).
وقال الضابط، إن "القوة الأمنية اقتادت المحافظ إلى مركز أمني في بابل تمهيدا لمثوله أمام القضاء، وذلك بعدما أصدرت محكمة استئناف بابل الاتحادية مطلع أبريل 2021، مذكرة قبض بحق منديل، بتهمة "الرشوة".
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2019، أصدرت محكمة جنائية في بغداد حكما بالسجن ست سنوات على محمود ملا طلال النائب في البرلمان العراقي عن تيار الحكمة، بعدما أدين بتقاضي رشوة.
وألقت "هيئة النزاهة" القبض على النائب ملا طلال في نوفمبر 2019، خلال "كمين محكم"، وأدين بتقاضيه رشوة من إحدى الشركات المرتبطة بوزارة الصناعة.
وينتمي ملا طلال إلى تيار الحكمة، وشغل منصب محافظ واسط (جنوب بغداد) قبل أن يفوز بمقعد برلماني في الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو/ أيار 2018.
في أبريل 2022، كشف بيان صادر عن هيئة النزاهة العراقية عن "صدور قرار قضائي يدين النائب السابق في البرمان (عن تيار الحكمة) حسين المسعودي بسبب هدر في المال العام".
فساد الرأس
صفقات الفساد التي تورطت فيها قيادات من تيار الحكمة الوطني، ليست بعيدة عن الشبهات التي تدور حول زعيمهم عمار الحكيم، الذي نالته هو الآخر اتهامات بتأسيس شركات والاستيلاء على منازل لمسؤولين في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
في عام 2015، كشفت مواقع محلية عراقية عن تأسيس عمار الحكيم شركة طيران تدعى "فلاي بغداد" والتي بدأ يدعمها شيئا فشيئا من خلال وزراء النقل الذين توالوا على الوزارة التابعين للمجلس الأعلى الذي كان يرأسه قبل تشكيله تيار الحكمة عام 2017.
وقال موقع "نخيل" العراقي إنه بعد تأسيس شركة فلاي بغداد المملوكة لزعيم المجلس الأعلى (تيار الحكمة حاليا) عمار الحكيم، بدأ وزير النقل (باقر جبر الزبيدي) بالتعاون مع وزير النفط (عادل عبد المهدي)، التابعين لنفس الحزب، بتحويل أهم المحطات الرئيسة من الخطوط الجوية العراقية إلى فلاي بغداد ونقل ملكية طائرات الجوية العراقية لهم.
وأوضح الموقع في ديسمبر 2015 أن "وزير النقل (السابق) باقر جبر صولاغ تعمد عدم تحديث البيانات الخاصة بطائرات الخطوط الجوية العراقية (الحكومية) التي تطالب بها منظمات مراقبة الطيران وجودته منذ أكثر من سنة، وعلى رأسها منظمة ESAA الأوربية والمعنية بإجراءات السلامة".
وتابع: "الأمر الذي اضطر المنظمة الأوروبية إلى اتخاذ قرار بتاريخ 31 يوليو 2015، يقضي بمنع تحليق الخطوط الجوية العراقية في أجوائها، وكان أول المستجيبين مطارات لندن والسويد. وقد أعطت المنظمة حق الاستئناف للقرار خلال شهرين ولم تستجب وزارة النقل لها".
وبحسب قوله، فإن تصرف وزير النقل هذا، يأتي بعد تطور الخطوط الجوية العراقية في عهد الوزير الذي سبقه (هادي العامري)، بالرغم من العراقيل، تطورا غير مسبوق وذلك باعتراف أغلب الخطوط العالمية، وفتحهم محطات مع أغلب الدول الأوربية والتي تعد من أهم المحطات العالمية.
وأشارت إلى أن حقبة العامري شهدت زيادة غير مسبوقة بعدد المسافرين، إذ لم تشهد معظم رحلاتها حجزا شبه كامل لرحلات الذهاب والعودة، من ضمنها محطة إسطنبول التي تخضع لقوانين السلامة الأوروبية، إذ بلغت رحلات الخطوط الجوية العراقية إلى الأخير أكثرة من أربع رحلات يوميا.
ووفقا للموقع العراقي، فإن "الخطوط الجوية العراقية غذت الخزينة العراقية في عام 2014، بنحو مليار دولار، الأمر الذي جعل عيون (عمار) الحكيم بصفته يملك شركة فلاي بغداد على هذه المنطقة بشكل خاص، وهذا سهّل إحلال الأخيرة محل الخطوط الجوية العراقية بعد منعها في عهد الوزير الزبيدي".
وأكد أن "شركة فلاي بغداد اشترت طائرات الإيرباص المملوكة للخطوط الجوية العراقية بأبخس الأثمان، والتي بإمكانها تنفيذ الرحلات الأوروبية"، وذلك بعدما تحجج الوزير (الزبيدي) بأنه يريد توحيد طائرات الشركة الرسمية، لتكون جميعها طائرات بوينغ.
وفي 4 مارس/آذار 2018، اتهم زياد، نجل وزير الخارجية العراقي الأسبق طارق عزيز، زعيم تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم، بمصادرة منزل والده في العاصمة بغداد، واتخاذه مقرا له، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وتأسس "الحكمة" الذي ينضوي حاليا ضمن قوى الإطار التنسيقي الشيعي، في بغداد عام 2017.
إذ أعلن تأسيسه عمار الحكيم من رحم "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي" الذي نشأ في إيران عام 1982، وتولى رئاسته عام 2009 بعد وفاة والده عبد العزيز.
المصادر
- تفاصيل جديدة حول اعتقال مدير مصافي الوسط.. عقارات وفنادق وذهب وأموال
- مصدر:إدانة نائب سابق من تيار الحكمة بسبب الفساد
- سجن النائب "قرصة أذن".. معركة الفساد تحتدم في العراق
- فضائح جديدة تخص شركة "فلاي بغداد" التابعة للمجلس الاعلى
- رئيس «تيار الحكمة» العراقي يدعو لمحاسبة رؤوس الفساد ومحاكمتهم بشكل علني
- توقيف محافظ عراقي سابق بتهم فساد… ومسؤولون يكشفون ذممهم المالية
- العراق.. توقيف محافظ بابل على خلفية تهم "فساد"
- الفتح: دمار البصرة “تيار الحكمة” وتظاهراتهم مثيرة للسخرية
- فنجان وزير تكنوقراطي يهتف لبيك ياحكيم