"ليس مستعمرة أو محمية".. لماذا يرفض المغرب ضغوط فرنسا بشأن زيارة ماكرون؟

12

طباعة

مشاركة

في وقت أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية عن زيارة رسمية مرتقبة للرئيس إيمانويل ماكرون إلى المغرب، نفت حكومة المملكة برمجة أي زيارة لرئيس قصر الإليزيه.

و تحدثت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، ضمن حوار تلفزيوني مع قناة "أل سي آي" المحلية في 15 سبتمبر/أيلول 2023، عن برمجة زيارة للرئيس ماكرون إلى المغرب، بدعوة من الملك محمد السادس.

ومباشرة بعد تصريحات الوزيرة، نشرت وكالة الأنباء المغربية الرسمية نقلا عن مصدر حكومي، قوله إن "زيارة ماكرون للمغرب ليست مُدرجة في جدول الأعمال ولا مُبرمجة".

وأعرب المصدر الحكومي ذاته، في 16 سبتمبر 2023، عن استغرابه لكون كولونا اتخذت "هذه المبادرة أحادية الجانب ومنحت لنفسها حرية إصدار إعلان غير مُتشاور بشأنه بخصوص استحقاق ثنائي هام".

سوء تفاهم

ويأتي النفي المغربي في وقت تعيش العلاقات المغربية الفرنسية منذ أزيد من سنتين أزمة لم تعد صامتة، ظهرت معالمها مجددا في أعقاب الزلزال الذي ضرب وسط المغرب في 8 سبتمبر 2023.

فبعد الزلزال، تحدث الإعلام الفرنسي عن "رفض" الرباط لمساعدات باريس، وهو ما ردت عليه وزيرة الخارجية كولونا، قائلة إن "المغرب بلد ذو سيادة ويعود له أن ينظم عمليات الإغاثة"، مشيرة إلى أن الرباط لم "ترفض أي مساعدة" وأن "هذا الجدل في غير مكانه".

وكان المغرب قد قبل المساعدات من 4 دول، إسبانيا وبريطانيا وقطر والإمارات، ولم يرد على عرض فرنسا تقديم الدعم في الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة الحوز قرب مدينة مراكش.

وينضاف هذا الجدل الذي أثاره الإعلام الفرنسي بخصوص "رفض" المغرب للمساعدات الفرنسية إلى الفتور الشديد الذي طبع العلاقات بين البلدين منذ اتهام صحف فرنسية في يوليوز/تموز 2021، باختراق هواتف مسؤولين فرنسيين عبر برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس".

غير أن الحكومة المغربية نفت في 28 يوليو 2021 هذا الاتهام، وأعلنت في بيان عن رفع دعوى قضائية ضد كل من صحيفة "لوموند" وموقع "ميديا بارت" و"فرانس راديو" بتهمة التشهير.

وزاد حدة هذه الأزمة، قرار باريس تشديد شروط منح التأشيرات للمواطنين المغاربة بسبب ملف المهاجرين غير النظاميين الذين تريد باريس ترحيلهم.

وفي سبتمبر 2021، أصدرت باريس قرارا يقضي بخفض تأشيرات الدخول الممنوحة للمغاربة إلى النصف، بحجة إحجام المملكة عن إعادة استقبال رعاياها المقيمين في فرنسا بصورة غير قانونية.

كما أن السفير المغربي يغيب عن باريس منذ الإعلان عن إنهاء مهام السفير السابق، محمد بنشعبون، في يناير/كانون الثاني 2023، بعد أن تم تعيينه مديرا عاما لـ"صندوق محمد السادس للاستثمار" (رسمي)، بعد عام فقط على تعيينه سفيرا للمملكة بفرنسا.

وفي تعليقه على إعلان وزيرة الخارجية الفرنسية برمجة زيارة ماكرون مقابل النفي الرسمي المغربي، قال الخبير في العلاقات الدولية، أحمد نورالدين، إن "نفي مصدر حكومي مغربي برمجة أي زيارة للرئيس الفرنسي للمغرب هو بعبارة أخرى بمثابة تكذيب لوزيرة الخارجية الفرنسية".

وأضاف نورالدين لـ"الاستقلال"، أن" هذا النفي/التكذيب يمكن افتراضه أنه أبلغ إشارة رسمية إلى حد الآن عن تفاقم الوضع وعن سوء تفاهم كبير بين الجانبين". 

من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالعاصمة الرباط، العباس الوردي، أن تصريح وزيرة الخارجية في هذه المرحلة "غير مبرر".

ورأى الوردي لموقع "هسبريس" المحلي في 17 سبتمبر 2023، أن التصريح فيه "استفزاز للمغرب وضرب للأعراف والمبادئ الدبلوماسية التي تدبر مثل هذه الزيارات بعرض الحائط".

وأكد أن "الزيارات الثنائية بين البلدين لا تدبر بالفجائية والتصريحات الأحادية"، مضيفا أن "ماكرون عليه أن يبرّر هذه التحركات والخرجات الأخيرة غير المحسوبة تجاه المملكة".

وسجل الوردي أن "الممارسات الصادرة عن باريس وساكن الإليزيه في الآونة الأخيرة، تُظهر استخفافا بالعلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية الفرنسية والمملكة المغربية"، واصفا الأمر بـ"غير المقبول" لكون "المغرب ليس مستعمرة أو محمية فرنسية".

ورطة كبيرة

أما الأستاذ الجامعي ورئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني، عبد الرحيم المنار السليمي، فقال إن "تصريح وزيرة الخارجية أظهر بشكل واضح جدا أن الرئاسة الفرنسية باتت في ورطة كبيرة، لذلك فهي تناور بكل الطرق لإعادة العلاقات مع المغرب إلى حالتها العادية".

وأكد السليمي لموقع "زنقة 20" المحلي في 16 سبتمبر، أن "إعلان وزيرة الخارجية الفرنسية أن ماكرون سيزور الرباط بعد تحديد التاريخ من طرف السلطات المغربية والرد الرسمي الحكومي الذي ينفي برمجة أي زيارة يبين بوضوح محنة الرئيس ماكرون".

وأوضح أن "المملكة حددت شروط إعادة العلاقات مع فرنسا بأن تصحح الرئاسة أخطاءها وتعلن عن موقف إيجابي واضح في ملف الصحراء المغربية شبيه بالاعتراف الأميركي والإسباني بالسيادة المغربية".

وفي وقت أعلنت إسبانيا القوة الاستعمارية السابقة لإقليم الصحراء الغربية في 18 مارس/آذار 2022 دعمها لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 كأساس لتسوية الخلاف، لم تبد فرنسا أي تغيير في هذا الاتجاه.

ويقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادته، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

وفي محاولة لتفسير هذا التوتر الواضح في العلاقات المغربية الفرنسية، يرى الخبير في العلاقات الدولية، أحمد نورالدين، أنه "في غياب معطيات رسمية، لا يمكن أن نفسر هذه الوضعية من خلال مبررات سطحية كالتأشيرات ولا حتى مزاعم التجسس فيما يعرف بقضية بيغاسوس".

وأكد نورالدين لـ"الاستقلال"، أن "التعاون الأمني والعسكري بين البلدين لم يتأثر بتلك المزاعم، بدليل إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين الجانبين بعد ذلك التاريخ". 

وتابع أنه "بقي لنا أن نعتمد أدوات التحليل والاستقراء التي تقودنا إلى أن هناك أشياء مسكوتا عنها من الجانبين، وأن هناك رغبة لدى كلا الجانبين في الحصول على تنازلات أو امتيازات".

وعد أن هذا "الصمت" هو في حقيقة الأمر مفاوضات صاخبة بوسائل أخرى غير مرئية للإعلام، تماما مثل لعبة عض الأصابع التي يعد الخاسر فيها، من يصيح قبل الآخر من شدة الألم، مردفا "وهنا سنلجأ مرة أخرى لاستقراء الاحتمالات والمطالب المفترضة".

ففي الجانب الفرنسي، يبيّن نورالدين، أن "هناك حديثا عن ضغوط كبيرة للحصول على صفقات بعشرات المليارات من الدولارات قد شرع المغرب في الترتيب لها، ومنها صفقة المحطة النووية، والغواصات، وأنبوب الغاز، والهيدروجين الأخضر، والخط الثاني للقطار فائق السرعة، والتي قد تصل في مجملها لأزيد من 50 مليار دولار".

وأضاف أن "هناك حديثا عن احتمال وجود اعتراض فرنسي على تمرير 60 طائرة حربية من الجيل الرابع، فرنسية الصنع، ترغب الإمارات في تقديمها هدية للمغرب، مع العلم أن صفقات التسلح توجد فيها بنود تمنع تحويل الزبون لأي سلاح إلى طرف ثالث إلا بموافقة الدولة المصنعة للسلاح".

وتابع أن "هذه العرقلة الفرنسية قد تكون ضمن الضغوطات الممارسة على المغرب في الصفقات والملفات الأخرى، ولكنها أيضا قد تكون قربانا تقدمه فرنسا للجزائر مقابل الحصول على الغاز الطبيعي وامتيازات التنقيب في حقول جديدة تم التوقيع عليها بين باريس والجزائر وتمتد إلى سنة 2045".

اللعب على الحبلين

وأشار نورالدين إلى أنه سبق للرئيس الفرنسي أن صرح بأنه يتطلع إلى "المضي قدما لتعزيز العلاقة مع كل من المغرب والجزائر، بمعنى اللعب على الحبلين".

ولفت إلى أنه من "المعروف أن الجزائر تمارس دبلوماسية الابتزاز في قضية الصحراء المغربية، وقد افتضح أمرها بعد سحب سفيرها من إسبانيا وتجميد اتفاقية الصداقة بين البلدين احتجاجا على ما وصفه بلاغ الخارجية الجزائرية بالانقلاب الدبلوماسي في الموقف الإسباني من قضية الصحراء لصالح المغرب".  

في المقابل، يقول نورالدين، فإن "المغرب ينتظر من فرنسا موقفا واضحا من وحدته الترابية (إقليم الصحراء)، خاصة أن فرنسا كانت أحد الفاعلين الرئيسين وسببا في ظهور المشكلة من أساسها".

وأشار إلى "التدخل العسكري الفرنسي الذي تم انطلاقا من الجزائر الفرنسية آنذاك، لفك الحصار عن الجيش الإسباني المحاصر في مدينة العيون (جنوب) من قبل جيش التحرير المغربي في معركة إكوفيون سنة 1958".

وأفاد نورالدين، بأنه "لولا ذلك التدخل الفرنسي لكان المغرب قد حرر الساقية الحمراء ووادي الذهب قبل استقلال الجزائر نفسها"، مشيرا إلى أن "هناك مؤامرات أخرى قامت بها فرنسا الاستعمارية أدت إلى تقسيم واقتطاع أجزاء من الأراضي التاريخية للمغرب".

وفي السياق ذاته، أوضح نورالدين، أنه لا يمكن تجاهل معطى آخر في عملية تفسير الوضعية الحالية للعلاقات المغربية الفرنسية، وهو تصريح الكاتب المعروف الطاهر بن جلون، الذي قال فيه بأن ماكرون كان قد تحدث "بسوء أدب" مع العاهل المغربي في إحدى المكالمات الهاتفية بينهما.

وقال نورالدين، "لا أظن مثقفا من قامته سيتحدث في موضوع كهذا دون أن تكون مصادره موثوقة"، مشيرا إلى أن هذه بعض العناصر التي تتداخل وتتفاعل لتلقي بظلالها على العلاقات بين باريس والرباط.

وبخصوص مستقبل العلاقات المغربية الفرنسية، رأى نورالدين، أنه "إذا لم تكن هناك مبادرة من الرئيس الفرنسي من قبيل الاعتراف الصريح والواضح بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، فإن الجفاء سيستمر إلى نهاية الفترة الانتدابية للرئيس ماكرون". 

وشدد على أن "الظروف مهيأة من الناحية الموضوعية لاتخاذ موقف فرنسي يصحح الأخطاء التاريخية في حق المغرب، خاصة وأن أصواتا كثيرة لسياسيين فرنسيين من اليمين واليسار تطالب بالاعتراف بمغربية الصحراء".

ودون أن ننسى، يضيف نورالدين، الموقف الأميركي والمراجعة الإسبانية وغيرهما من المواقف الدولية التي تنتصر للشرعية التاريخية، والتي بإمكانها أن تشجع فرنسا على تصحيح جزء مما اقترفته في حق المغرب وحدوده الحقة.