عددهم 3 فقط.. ما دلالات احتفال يهود مصر بالسنة العبرية لأول مرة منذ 70 عاما؟

12

طباعة

مشاركة

عقب غروب شمس يوم 15 سبتمبر/أيلول 2023، تجمع عشرات الأشخاص في معبد (كنيس) "فيتالي ماجار" في منطقة مصر الجديدة شرق القاهرة للاحتفال، لأول مرة بعيد "رأس السنة اليهودية"، وسط حضور كبير ملفت، وحشد أمني.

وهذا المكان الذي يعد ضمن 11 معبدا يهوديا بالقاهرة، وواحد من 19 دار عبادة يهودية في كل أنحاء مصر، افتتح عام 1928، وجرى تجديده عدة مرات، آخرها عام 2017، وشهد في 20 ديسمبر/كانون أول 2022 احتفال اليهود أيضا بـ "عيد حانوكا".

وعلى الرغم من أن يهود مصر تقلص عددهم تدريجيا من 80 ألفا قبل قيام الدولة الصهيونية عام 1948، إلى 9 أفراد عام 2009 ثم ثلاثة فقط حاليا، فقد حضر احتفال عامهم الجديد عدد ضيوف ضخم يقدر بحوالي 100 شخص.

وكان بعضهم من الجالية، وآخرون دبلوماسيين أجانب ومغتربين يهود ومصريين مسلمين ومسيحيين وصحفيين.

أهمية هذا الاحتفال أنه كان موسعا وعلنيا على عكس سابقيه، حيث يعد إحياء اليهود المصريين إحدى المناسبات الدينية بشكل علني حدثا نادرا منذ خمسينيات القرن الماضي، بعدما هاجر أغلبهم لإسرائيل وأميركا ودول أوروبية.

ومع أنهم احتفلوا بعدة مناسبات يهودية في السنوات الأخيرة، منها رأس السنة اليهودي وعيد حانوكا وغيرها في عدة معابد، فقد كان الاحتفال بالعام اليهودي ملفتا هذه المرة في هذا المعبد، لأنه يقام به لأول مرة قرابة 70 عاما.

إذ ظل معبد "فيتالي ماجار" مغلقًا منذ عقود، لكن جمعية "قطرة اللبن" التي تعمل على ترميم المعابد والمقابر اليهودية، بالتعاون مع السفارة الأميركية بالقاهرة والحكومة المصرية، جددته أخيرا.

وتتولى جمعية "قطرة اللبن" مسؤولية الحفاظ على تاريخ اليهود في مصر، خصوصاً بعد تراجع عددهم، وترأس هذه المؤسسة رئيسة الجالية اليهودية ماجدة هارون.

تفاصيل الحفل

وقبل ثلاثة أشهر، طلبت "ماجدة هارون" من الجهات الأمنية والرسمية المصرية السماح بإقامة الاحتفال برأس السنة العبرية في هذا المعبد.

إذ بدأت الطائفة تخرج من معبدها الرسمي بوسط القاهرة، للاحتفال بالأعياد في المعابد التي جرى فتحها وترميها في مناطق أخرى شرق وجنوب القاهرة.

"هارون" قالت لموقع "المنصة" 17 سبتمبر/أيلول 2023: "منذ ثلاثة أشهر والطائفة تسعى للحصول على الموافقات الأمنية لإقامة الاحتفال، وبالفعل جاءت أخيرا".

لذلك وصفت الاحتفال في هذا المعبد الذي جرى تجديده، بأنه "حدث مهم لأنه لم يحدث منذ 70 عامًا".

وأشارت إلى أن "الحكومة المصرية (نظام عبد الفتاح السيسي) أصبحت تهتم بالطائفة ووجودها، وهذا الأمر اتخذ أشكالًا مختلفة، منها تطوير وترميم معابد اليهود والسماح لهم بإقامة احتفالاتهم الدينية".

أضافت أن "هناك رسائل حكومية إيجابية ومبشرة لعودة اليهود الراغبين في العودة إلى ديارهم مرة أخرى".

ومن هذه الرسائل الانتهاء من تطوير معبد بن عزرا اليهودي قبل الاحتفال برأس السنة العبرية، وهو الذي لم يحدث أي ترميم به منذ عام 1991، وفق قولها.

وكان الاحتفال بعيد رأس السنة العبرية قد توقف منذ قرار رئيس النظام الأسبق جمال عبد الناصر بطرد اليهود المصريين ومنع إقامة شعائرهم والاحتفال بأعيادهم في مصر، واستمر هذا الوضع حتى معاهدة السلام 1979.

وقبل ذلك كان اليهود يجتمعون في المعابد لتلاوة صلواتهم الخاصة، وينفخون الشافاز (بوق مصنوع من قرون الكباش له دلالات خاصة في التلمود اليهودي) للإعلان عن بدء العام الجديد. 

وقد أعلنت الصفحة الرسمية لـ "الطائفة اليهودية" على فيسبوك أنها احتفلت بالسنة اليهودية الجديدة، ونشرت بعض الصور من الاحتفال، الذي يصادف يومي 16 و17 سبتمبر 2023.

وكان ملفتا حضور جمع كبير الحفل بينهم أعضاء السفارة الإسرائيلية بالقاهرة ويهود من دول أجنبية ومسلمون ودبلوماسيون أجانب، وأثار هذا العدد الكبير من الحضور استغراب ناشطين بالنظر لقلة عدد اليهود رسميا.

وفي كلمتها، حرصت رئيسة الطائفة اليهودية ماجدة هارون، أمام عشرات الحضور على توجيه الشكر لنظام عبد الفتاح السيسي، لرعايته وتجديده معابد ومقابر اليهود في مصر.

واعتاد يهود مصر الاحتفال في المعبد الرئيس "بوابة السماء" في شارع عدلي بوسط القاهرة، بحضور دبلوماسيين وضيوف أجانب، لكنهم منذ بدء ترميم المعابد الجديدة أصبحوا يحتفلون كل مرة في معبد جديد.

وآخر هذه الاحتفالات كانت في 20 ديسمبر/كانون أول 2022 حين احتفل يهود مصر داخل معبد "مئير بيطون" في حي المعادي جنوب القاهرة، بعيد الأنوار اليهودي (حانوكا) وسط إجراءات أمنية مشددة.

بعدها بيوم، قالت سفيرة إسرائيل بالقاهرة أميرة أورون عبر تويتر إنهم شاركوا في الاحتفال بعيد حانوكا (عيد الأنوار) في كنيس "مئير بيطون" في حي المعادي، حيث يقيم أعضاء السفارة الإسرائيلية.

كيف حضر 100؟

بسبب الهجرة منذ عام 1948 من مصر، ووفاة غالبية من تبقوا، يبلغ العدد الفعلي ليهود القاهرة الأصليين المقيمين حاليا ثلاث سيدات فقط حاليا، لكن احتفال هذا العام كان موسعا وكبيرا وحضره قرابة 100 شخص، فمن أين أتوا؟

سر حضور هذا العدد الكبير يتلخص، حسبما ذكرت مصادر مصرية لـ "الاستقلال"، في إرسال سفارة إسرائيل موظفيها للاحتفال، ودعوتها دبلوماسيين أجانب ويهود مغتربين في الخارج للحضور، ضمن خطة لجذب اليهود مجددا لمصر.

وهو ما أكدته ضمنا رئيسة الطائفة" هارون" في تصريح لموقع "المنصة" 17 سبتمبر 2023 حيث قالت إن ممثلين من السفارة الإسرائيلية بالقاهرة شاركوا في الحفل، ورفضت ذكر أسمائهم.

وتوقعت "عودة بعض اليهود إلى بلدهم خلال الفترة المقبلة، بعدما تأكدوا من تحقيق الأمن والأمان وأصبح بإمكانهم الاستقرار في مصر".

قالت إن الكثير منهم "أجبر على ترك بلدهم في الخمسينيات والستينيات، وتركوا منازلهم وأراضيهم خوفًا على حياتهم" على حد قولها.

أيضا كان من بين الحضور مسلمون ومسيحيون مصريون حضروا للتهنئة، حيث ظهرت محجبات في الحفل، وعدد كبير من الصحفيين.

لكن مصريين أثاروا جدلا حول عدد اليهود ومن أين جاء هؤلاء الذين احتفلوا بالعام اليهودي الجديد إذا كانوا فعلا يهود، في حين أنهم ثلاث سيدات فقط باقيات في مصر؟

وقالت ماجدة هارون لصحيفة "المصري اليوم" 11 يوليو 2017 إن "عدد اليهود في مصر 6 فقط، وأنا واحدة منهم، وأنا الوحيدة منهم اللي ماشية على رجلي، والباقيين على كراسي بعجل".

وتابعت "هارون" في حوار لاحق مع موقع "المونيتور" الأميركي 22 ديسمبر 2022، أنه "بقي ثلاثة يهود مصريين فقط، جميعهم نساء مسنات، من الجالية اليهودية"، بسبب وفاة ثلاثة آخرين.

وأكدت أنها تشعر بالقلق من أنه في غضون بضع سنوات أخري، لن يتبقى يهود في مصر، لذلك تؤكد إنها عملت مع المسؤولين (المصريين) لضمان الاهتمام بالتراث اليهودي في البلاد والمواقع التاريخية، بعد رحيلها، بحسب شبكة سي بي إس نيوز 15 ديسمبر 2022.

ورئيسة الطائفة اليهودية (ماجدة) نفسها، متزوجة من مسيحي وابنتاها مسلمتان وتقول إنهم يحتفلون بشهر رمضان والأعياد المسيحية واليهودية معا، بحسب ما أكدت في حوار مع قناة "الحرة" الأميركية 15 يوليو/تموز 2017.

وقالت "هارون" لـ "المصري اليوم": "هناك يهود مصريون دخلوا في الدين الإسلامي عن اقتناع وليس خوفا أو تحايلا على القانون، وهناك يهودي دخل الإسلام ليتزوج من فتاة مسلمة كان يحبها، وهكذا".

أضافت:" أنا تزوجت شخصا مسلما ولم أتخل عن ديانتي وعشت ولا أزال في مصر".

وكتب مصريون يهنئون يهود مصر برأس السنة اليهودية، ويفرقون بينهم وبين "الصهاينة"، ويقولون إن من يهاجمون الاحتفال اليهودي برأس السنة اليهودية لا يعلمون أن شحاتة هارون والد ماجدة هارون رئيسة الطائفة حالياً، كان شيوعيا ومناهضا للصهيونية.

أكدوا أن "هارون" قُبض عليه لأنه كان معارضا لاتفاقية كامب ديفيد للسلام، كما كان من مؤسسي الرابطة اليهودية لمكافحة الصهيونية 1946.

ورصدت "الاستقلال" عشرات التهاني من مصريين بصورة مريبة على مواقع التواصل لليهود بعيد رأس السنة اليهودية.

واشاد بعضهم برئيس النظام عبد الفتاح السيسي لأنه "جمع الإبراهيمية (أي الأديان التي تعود في أصلها لنبي الله إبراهيم) في مصر".

بين الهدم والترميم

حرصت الحكومة المصرية منذ سنوات على تطوير وترميم معابد اليهود ومقابرهم وعدها من المواقع والمزارات التاريخية.

ويوجد في مصر 19 معبدا يهوديا، موزعة على محافظتي القاهرة والإسكندرية، وكانت تمارس فيها الشعائر الدينية بشكل منتظم، قبل خروج اليهود من مصر في خمسينيات القرن الماضي، منها 11 معبدا في القاهرة.

وفي الإسكندرية توجد سبعة معابد، أشهرها معبد "إلياهو النبي" في شارع "النبي دانيال"، كما يوجد معبد واحد في محافظة الغربية، هو معبد "خوخة".

ولا تمارس أغلب الشعائر الدينية في هذه المعابد، ليس فقط لقلة عدد اليهود في مصر، ولكن لسبب يتعلق بالشعائر نفسها؛ فإقامة الصلاة بالمعبد لا تتم إلا في وجود عشرة رجال على الأقل، وهو عدد لا يتوافر حاليا.

وبالتزامن مع هدم مقابر تراثية تاريخية للمسلمين، افتتح رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، في 3 سبتمبر 2023 معبد بن عزرا اليهودي، بعد انتهاء مشروع ترميمه، في حضور وزيري السياحة والآثار والتنمية المحلية، ومحافظ القاهرة.

ولفتت صحيفة "هآرتس" العبرية 3 سبتمبر 2023 إلى أنه "لم يحضر أي يهودي حفل افتتاح رئيس وزراء مصر ترميم معبد بن عزرا الشهير، بسبب قلة عدد اليهود هناك".

يعد المعبد أحد أهم وأقدم المعابد اليهودية في مصر، حيث أُنشئ في القرن 12، ويضم نفائس الكتب المرتبطة بعادات وتقاليد اليهود وحياتهم الاجتماعية في البلاد، بحسب وزير السياحة والآثار أحمد عيسى.

وتضم مصر عددا من المعابد اليهودية التي يرجع تاريخ بعضها إلى القرن 17 وتتميز بقيمة أثرية وتاريخية، وقد تم ترميم عدد منها وإعادة افتتاحها.

وذلك على غرار معبد "إلياهو هانبي" في مدينة الإسكندرية، الذي أعيد افتتاحه سنة 2020 بعد عمليات ترميم استغرقت سنوات.

ترميم المعبد الذي استغرق 26 شهرا، قُدرت كلفته 6 ملايين دولار، وشمل ترميم المبنى ونوافذه الزجاجية الخضراء وبنفسجية اللون والأعمدة والأقواس، ما أثار تساؤلات حول سبب تكلف نظام السيسي بهذه النفقات.

وانتقد مصريون اهتمام نظام السيسي في مصر بتجديد وترميم المعابد والمقابر اليهودية والحرص عليها، بينما يدمر في المقابل المعالم وأشهر المقابر الإسلامية.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، جرى افتتاح وتجديد أشهر مقبرة يهودية في مصر "ليشع ومنشة" في منطقة البساتين (جنوب)، بفضل منحة قدرها 150 ألف دولار قدمتها وزارة الخارجية الأميركية.

وأصدرت السفارة الأميركية بالقاهرة، بيانا في 20 نوفمبر 2022 تؤكد فيه تدشين المقابر اليهودية بعد تطويرها، بالشراكة مع مركز الأبحاث الأميركي ومنظمات يهودية أميركية ومصرية، في البساتين، والتي يطلق عليها مقابر "ليشع" و"منشة".

قبل هذا، سحقت جرافات رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي تراث مصر الإسلامي دون احترام للتاريخ والقانون.

ولم تسلم مقابر صحراء المماليك من معول وبطش السيسي بتاريخ مصر ودهس "بلدوزر فضة المعداوي" تراث البلاد الإسلامي دون رحمة، ولقيت نفس المصير مقابر الإمام الشافعي الشهيرة، و مقابر السيدة عائشة التاريخية.

ولم يسلم من التشريد بعد الموت، رفات علماء الدين الإسلامي ولا الشخصيات التاريخية، والمشاهير، لأن أحدا لم يعترض وإلا اعتقل، خاصة أن الجيش هو الذي يقوم بالمهمة لكن مقابر اليهود وجدت من يهتم بها ويرعاها.

ومنذ تولى السيسي الحكم عبر انقلاب عسكري نفذه في يوليو 2013، عبر في أكثر من مناسبة عن ترحيبه بعودة الجالية اليهودية إلى مصر، ووعد بتدعيم هذا الاتجاه، مع بناء المعابد اليهودية والمساعدة بتقديم الخدمات ذات الصلة، كما أمر بترميم مقابرهم.

وفي 25 فبراير/شباط 2019، وخلال لقائه مع وفد يهودي أميركي، رحب السيسي بعودة اليهود لمصر إذا أرادوا، وتعهد بأن يبني لهم معابدهم ومؤسساتهم المجتمعية الأخرى.

قال: "إذا كان اليهود مهتمين بتأسيس جماعة يهودية في مصر، فإن الحكومة ستبني لهم معابد يهودية وغيرها من المؤسسات المجتمعية"، بحسب صحيفة جيروزاليم بوست 25 فبراير 2019.

وكان ملفتا أن السيسي أكد للوفد اليهودي بعد تلبية مطالبهم أنه "إذا لم يحصل على دعم أميركي، فقد يستعيد الإخوان المسلمون السلطة في البلاد"، حسبما نقل عنه رئيس الوفد "عزرا فريدلاندر" في حديثه لـ "جيروزاليم بوست".

وبعد ترميم أشهر معبد يهودي بالإسكندرية تساءل تقرير نشرته مجلة الإيكونوميست البريطانية في، 22 فبراير 2020: هل يعود اليهود إلى مصر؟

قالت إن "الحكومة ترسل إشارات مختلطة لليهود، فهي رممت كنيسا يهوديا قديما، فهل يريدون (السلطات المصرية) ملأه (باليهود)؟".