السعودية تواصل جهودها للتطبيع مع إسرائيل.. فكيف تشتري صمت سلطة عباس؟ 

حسن عبود | a year ago

12

طباعة

مشاركة

بعد تجاهل لسنوات، عاد الاهتمام السعودي بالقضية الفلسطينية بقوة خلال عام 2023، وسط أحاديث مستمرة عن قرب تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.

وفي تعاملها مع الأطراف الفلسطينية المختلفة، خففت السعودية اليوم من الحدة التي انتهجتها تجاه الفلسطينيين خلال السنوات الماضية، خاصة في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

وخطت المملكة عدة خطوات أخيرا عدها كثيرون "إيجابية" تجاه سلطة محمود عباس، فيما قرأها آخرون على أنها محاولة للإيحاء باهتمام الرياض بالقضية الفلسطينية تمهيدا لتخفيف وقع اتفاق التطبيع المحتمل مع إسرائيل.

استئناف الدعم

آخر تلك الخطوات، كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، في 29 أغسطس/آب 2023، من أن "السعودية عرضت استئناف تمويل السلطة الفلسطينية".

وأوضحت الصحيفة أن مسؤولين فلسطينيين وسعوديين مطلعين على المناقشات الأخيرة أكدوا عرض استئناف الدعم المالي للسلطة الفلسطينية.

وبحسب قولها، طرح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فكرة تجديد المساعدات المالية لأول مرة في اجتماع مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أبريل/نيسان 2023.

وبرزت قضية قطع السعودية الدعم المالي عن السلطة الفلسطينية عام 2016، وهو أمر عبر عنه عدد من المسؤولين الفلسطينيين الذين أكدوا وقتها مرور الحكومة في رام الله بضائقة مالية شديدة.

ففي أكتوبر/تشرين الأول 2016، أكد رئيس الوزراء السابق، رامي الحمدالله، أن السلطة الفلسطينية تواجه أزمة مالية خانقة، داعياً الدول والجهات المانحة إلى الوفاء بالتزاماتها تجاه الفلسطينيين، بناء على اتفاق أوسلو الموقع عام 1993 بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وفي ذات الشهر، أعلن مدير دائرة الميزانية في وزارة المالية الفلسطينية، فريد غنام، امتناع السعودية عن سداد التزاماتها المالية للسلطة منذ أبريل 2016، والتي كانت تقدر قيمتها بـ140 مليون دولار، حيث كانت قيمة مساهمات الرياض الشهرية لميزانية السلطة تبلغ 20 مليون دولار.

وحرصت السعودية منذ يناير/كانون الثاني 2013 على زيادة حصتها في ميزانية السلطة من 14 إلى 20 مليون دولار شهريا دعما لها، قبل أن تتوقف عام 2016.

وأكد عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير، أحمد مجدلاني، خلال تصريحات صحفية في أكتوبر 2016 عدم وصول الدعم السعودي إلى السلطة.

وعزا ذلك إلى عوامل اقتصادية، لما تعانيه الخزينة السعودية من مشاكل مالية، ارتباطا بحربها في اليمن التي استنزفتها وانخفاض أسعار النفط.

لكن مصادر غربية عديدة من بينها موقع "المونيتور" الأميركي، أرجعت وقف التمويل في ذلك الوقت إلى "غضب السعودية من عباس" لعدم موافقته على إعادة محمد دحلان القيادي المفصول من حركة التحرير الوطني "فتح" إلى صفوفها.

واتخذت السعودية هذا الموقف إلى جانب أنظمة مصر والإمارات والأردن، وهي دول تدعم رئاسة دحلان للسلطة خلفا لعباس.

بدوره، قال موقع "تايمز أوف إسرائيل" في أكتوبر 2016 إن الدفعات السعودية توقفت منذ أكثر من نصف عام دون إعطاء سبب واضح لذلك.

وأردف: "في الأسابيع الأخيرة، دخل عباس في خلاف مع عدد من القادة العرب الذي مارسوا ضغوطا عليه للعمل على رأب الصدع داخل حركة فتح والتصالح مع رجل غزة القوي سابقا، دحلان، الذي يُعد خصمه الرئيس".

كما تحدثت مصادر أخرى أن سبب انقطاع الدعم يعود إلى "فساد السلطة الفلسطينية وجمود ملف المصالحة الداخلية". 

وازدادت الأمور سوءا في ظل رئاسة ترامب البيت الأبيض، عندما خرج بخطة سلام مزعومة تدعى "صفقة القرن" لقيت دعما من دول عربية، أبرزها السعودية.

وانتهكت صفقة القرن المزعومة، القوانين والأعراف الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، التي تنص على إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وطرحت إقامة دويلة في صورة أرخبيل تربطها جسور وأنفاق، وجعل مدينة القدس عاصمة لإسرائيل.

كما تعدّت على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وتعويضهم، المكفول دوليا، إلى جانب الاحتفاظ بالأغوار وكامل الحدود الشرقية للضفة الغربية، والإبقاء على المستوطنات وضمّها إلى أراضيها.

وبعد تساوقه مع هذه الخطة التي لم يكتب لها النجاح، وجه ابن سلمان انتقادات شديدة اللهجة للفلسطينيين من الولايات المتحدة خلال لقائه عددا من مسؤولي الجاليات اليهودية الأميركية، نهاية أبريل 2018.

ونقلت القناة الإسرائيلية العاشرة، وقتها قول ولي العهد السعودي لمن التقاهم: "لقد أضاعت القيادة الفلسطينية على مدار الأربعين عاما الماضية الفرصة تلو الأخرى، ورفضت كل الاقتراحات التي قدمت لها، آن الأوان لأن يقبل الفلسطينيون الاقتراحات المعروضة عليهم، وأن يقبلوا بالحضور لطاولة المفاوضات، أو فليصمتوا ويتوقّفوا عن الشكوى".

وذكر ابن سلمان لرؤساء المنظمات اليهودية أن "الموضوع الفلسطيني لا يقف على رأس أولويات حكومة السعودية ولا في أوساط الرأي العام السعودي، هناك مواضيع ملحّة أكثر وذات أهمية أكبر لمعالجتها، مثل إيران". 

وفاجأت تصريحات ابن سلمان هذه، بحسب أحد مصادر القناة العاشرة، الزعماء اليهود الذين شاركوا في اللقاء، لا سيما ما يتعلق بانتقاداته للفلسطينيين، ورأوا أنها شبيهة بالانتقادات التي توجهها دولة الاحتلال والإدارة الأميركية.

الأهداف الحقيقية

خلال العقد الأخير، بات من الواضح لدى الفلسطينيين أن الدعم الذي تقدمه دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات لهم مشروط بالتزام السلطة بخطهما السياسي.

ولذلك تقول صحيفة "وول ستريت جورنال" في الكشف الأخير: إن الاستئناف المحتمل للدعم المالي للسلطة "قد يكون إشارة إلى أن المملكة تبذل جهدا جديا للتغلب على العقبات التي تحول دون إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل".

وقال مسؤولون سعوديون كبار للصحيفة الأميركية إن العرض يهدف إلى توجيه رسالة للفلسطينيين بأن التطبيع مع إسرائيل لن يأتي على حساب تطلعاتهم نحو دولة مستقلة.

ونقلت عنهم قولهم إنهم "يحاولون تأمين دعم عباس لعلاقات مفتوحة مع إسرائيل، وتوفير المزيد من الشرعية لأي اتفاق نهائي، وإحباط أي اتهامات بأن المملكة ستضحي بالجهود الفلسطينية لإقامة دولة مستقلة لتحقيق أهدافها الخاصة".

وطمأن ابن سلمان الزعيم الفلسطيني بأنه إذا نجحت إجراءات سلطته الأمنية في الضفة الغربية، فإن السعودية لن تدخل في أي اتفاق تطبيع من شأنه أن يقوض الجهود الرامية إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق ذات المصدر.

وأوضح ولي العهد أنه إذا تمكنت السلطة الفلسطينية من إثبات قدرتها على التحكم بالأمور الأمنية في أراضيها، فإنها ستكون قادرة أيضا على السيطرة على دولة مستقلة لا تشكل أي تهديد لإسرائيل.

وبالمثل، فإن السيطرة الفلسطينية الكاملة على المسائل الأمنية في الضفة الغربية من شأنها أن تسمح للجيش الإسرائيلي بتقليص عملياته هناك، وفق "وول ستريت جورنال".

وذكرت، أيضا، أن وفدا من كبار المسؤولين الفلسطينيين سيزور السعودية قريبا لبحث مستقبل محادثات التطبيع مع إسرائيل.

وفي 27 أغسطس، التقى مسؤولون فلسطينيون السفير السعودي غير المقيم لدى فلسطين، نايف السديري، في عمان.

وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ، إنه "جرى خلال اللقاء، التأكيد على عمق ومتانة العلاقات الثنائية بين المملكة ودولة فلسطين، وبحث أوجه التعاون بين البلدين الشقيقين".

وأضاف أن مدير جهاز المخابرات العامة الفلسطيني، اللواء ماجد فرج، ومستشار رئيس السلطة للشؤون الدبلوماسية، مجدي الخالدي، حضرا اللقاء معه.

وضمن آخر الخطوات الإيجابية، تسلمت السلطة الفلسطينية في 12 أغسطس 2023، نسخة من اعتماد السديري كأول سفير للسعودية، غير مقيم لديها.

وجاء التعيين وسط تزايد التصريحات الإسرائيلية الرسمية بشأن مفاوضات لتطبيع العلاقات مع السعودية بوساطة أميركية، غير أن المملكة اشترطت في أكثر من مناسبة، حل القضية الفلسطينية أولا.

وفي تعليقها على الأمر، توقعت صحيفتا "معاريف" و"يسرائيل هيوم" أن يكون قرار السعودية تعيين سفير لها لدى السلطة الفلسطينية مقدمة للتطبيع مع إسرائيل.

ويرى محللون من بينهم الخبير في الشأن الإسرائيلي، صالح النعامي، أن ما يعضد ذلك هو أن نظام الحكم في الرياض معني بتقديم بادرة حسن نية للفلسطينيين لتقليص تأثير قرار التطبيع (المحتمل) مع تل أبيب، وفق ما قال في تغريدة على منصة "إكس" في 12 أغسطس.

ومن بين الأسباب التي قد تكون تقف وراء الخطوة، رغبة السعودية بإرسال رسالة إلى الأردن، الوصية على شؤون المقدسات الإسلامية في القدس، باهتمامها في إثبات حضورها هناك مهما كلف الأمر، وفق تقدير صحيفة معاريف.

موقف عباس

بعد تدشين الإمارات موجة تطبيعية جديدة مع إسرائيل في أغسطس/آب 2020، تبعها فيها البحرين والمغرب والسودان، ردت السلطة الفلسطينية بلهجة حادة غير معهودة استنكرت فيها الاتفاق.

وذكر بيان أصدره المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة وقتها أن الاتفاق "خيانة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية"، كما استدعت السلطة سفيرها بشكل فوري من الإمارات.

وتابع أبو ردينة قائلا "تعد القيادة الفلسطينية هذه الخطوة نسفا للمبادرة العربية للسلام وقرارات القمم العربية، والإسلامية، والشرعية الدولية، وعدوانا على الشعب الفلسطيني، وتفريطا بالحقوق الفلسطينية والمقدسات، وعلى رأسها القدس والدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من (يونيو) حزيران للعام 1967".

لكن في الشهر التالي، خففت سلطة عباس من انتقادها، قبل اجتماع الجامعة العربية في القاهرة، لمناقشة اتفاق التطبيع، بعد أن خلا مشروع قرار قدمه المندوب الفلسطيني من أي دعوات للتنديد بالإمارات أو للتحرك ضدها.

وذكر مشروع القرار الفلسطيني، قبل مناقشته من قبل وزراء الخارجية العرب، أن الإعلان الثلاثي بين إسرائيل والولايات المتحدة والإمارات "ليس من شأنه الانتقاص من الإجماع العربي على القضية الفلسطينية"، (..) ودعم الدول الأعضاء كافة لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وغير القابلة للتصرف".

واختفت اللهجة الأولى بشكل ملحوظ، كما أصدر عباس تعليمات، تحظر أي تصريحات أو أفعال مسيئة للزعماء العرب، ومن بينهم حكام الإمارات، وفق ما كشفت وقتها تقارير عديدة.

ومن هنا تسود تخوفات بقبول سلطة عباس الإغراءات المالية السعودية مقابل الصمت على أي اتفاق تطبيع محتمل بين المملكة وإسرائيل.

وأفادت مصادر عبرية بأن دبلوماسيين أميركيين حصلوا على تأكيدات من قيادة السلطة الفلسطينية بأنهم "لن يرفضوا أو يقوضوا علنا محادثات التطبيع التي يرعاها البيت الأبيض بين السعودية وإسرائيل".

ونقل موقع "ميديا ​​لاين" الأميركي في 4 سبتمبر 2023 عن دبلوماسي بوزارة الخارجية في واشنطن أن "السلطة الفلسطينية تعهدت بعدم انتقاد أي اتفاق تطبيع محتمل مع إسرائيل علنا، لتجنب إحراج السعودية".

وأشار إلى أن "إدارة الرئيس جو بايدن تعمل بشكل وثيق مع السعودية"، مبينا أن الجانبين "يهدفان إلى تطوير حزمة مالية وسياسية تهدف إلى استرضاء الفلسطينيين ومنع رد فعل مماثل كالذي نتج عن اتفاقيات أبراهام عام 2020".

وأكد الدبلوماسي أن المحادثات تتمحور حول "حزمة مالية سخية ستخرج اقتصاد السلطة الفلسطينية (المأزوم) من وضعه الحالي".

وقال مسؤول في السلطة الفلسطينية للموقع: "السعودية دولة ضخمة ذات ثقل سياسي هائل وموارد طبيعية هائلة، وليس لدينا أي فرصة للوقوف في وجهها. ولذلك نطلب إشراكنا في مفاوضاتهم مع الأميركيين".

وفي نهاية أغسطس، زعم تقرير عبري، أن السلطة الفلسطينية قدمت قائمة من المطالب للسعودية، التي تتطلع أن تطرحها الأخيرة خلال المحادثات الرامية للتوصل إلى اتفاق يتضمن منح "ضمانات أمنية أميركية للرياض مقابل التطبيع مع تل أبيب".

ونقل موقع "واللا" العبري، عن ستة مصادر أميركية وإسرائيلية وصفها بـ"المطلعة"، إلى أن مطالب السلطة الفلسطينية تتعلق بالضفة الغربية والقدس، وتشمل "تبادل أراض مع سلطات الاحتلال ودفعها لاستئناف المفاوضات".

وكانت وسائل إعلام عربية قد أشارت إلى "زيارة مرتقبة لوفد من السلطة الفلسطينية يترأسه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير،  إلى الرياض، (خلال الأيام العشرة الأولى من سبتمبر)، ضمن المساعي السعودية لتجنب معارضة السلطة لاتفاق التطبيع المحتمل"، لكن لم تخرج تأكيدات أو صور من هذه الزيارة ولم يتأكد إجراؤها من عدمه.

وقال المحلل السياسي المقيم في رام الله، نور عودة، لموقع "ميديا لاين" إنه مقابل التطبيع السعودي، يمكن للفلسطينيين أن يتوقعوا مساعدات مالية ومشاريع واستثمارات، مع مكاسب سياسية محدودة، مبينا أنه “بالتالي، ستحاول الرياض شراء موافقة السلطة الفلسطينية”.