بخلاف الاحتجاجات والحرب.. ما هي أخطر التهديدات التي يواجهها نظام الأسد؟
بعد أشهر من الجمود الكبير على مختلف الجبهات، تدخل الحرب في سوريا مرحلة حساسة للغاية "ما يهدد استقرار نظام بشار الأسد وذلك في خضم أزمة اقتصادية شديدة".
وتطرق موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي إلى ما يحدث في الجزء الشمالي، حيث تحاول الجماعات القريبة من أنقرة تحقيق مكاسب في منطقة منبج على حساب مليشيات قوات سوريا الديمقراطية "قسد" الموالية للأكراد.
ويدور قتال أيضًا شرق الفرات، حيث تحتدم المعارك بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية في الأسابيع الأخيرة.
أما في جنوب البلاد، فتتواصل المظاهرات والاحتجاجات ضد نظام الأسد خاصة في محافظة السويداء التي لم تصلها الحرب المندلعة منذ عام 2011 وتعيش فيها أقلية الدروز "المحافظة دائمًا على موقف الحياد في الصراع"، وفق وصفه.
ويعد هذا مؤشرا على "وضع حرج للغاية" من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما وأن الأسد بات مطالبا الآن بمواجهة شبح التوترات السياسية الجديدة في المناطق التي يسيطر عليها نظامه.
اشتباكات منبج
ووصف الموقع الإيطالي منطقة منبج الواقعة في شمال شرق محافظة حلب والتي احتلها تنظيم الدولة عام 2014 قبل أن تطرده قوات سوريا الديمقراطية، بأنها "من أكثر المناطق حساسية في سوريا".
ويضيف بأن قوات قسد احتلت المنطقة وكثيرًا ما دخلت في صراعات مع الأغلبية العربية التاريخية من السكان ولذلك ظلت التوترات في المنطقة متواصلة.
يشرح إنسايد أوفر استمرار هذا الوضع قرب منبج من الحدود التركية، حيث تعارض أنقرة دائما فكرة إنشاء منطقة كلية تحت النفوذ الكردي على طول حدودها الجنوبية وكثيرا ما هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتدخل العسكري.
وأشار الموقع إلى أن أنقرة لم تشرع في عملية رسمية تزامنا مع اندلاع اشتباكات جديدة في الأيام العشرة الثانية من شهر أغسطس/آب، دون أن يستبعد فرضية دعم قوات موالية لها في المنطقة.
وينقل عن مصادر سورية مختلفة، تأكيدها اندلاع اشتباكات بين العشائر العربية المقيمة وقوات سوريا الديمقراطية بهدف اختراق المناطق الخاضعة للنفوذ الكردي.
ويشير الموقع إلى أن الروس يدعمون أيضا قوات سوريا الديمقراطية، مفترضا أن ذلك شكل "ظرفا خلق صورة متناقضة من وجهة نظر جيوسياسية".
ويشرح بأن القوات الكردية كانت دائمًا مقربة جدًا من الولايات المتحدة، وقد دعم البيت الأبيض في الواقع قوات قسد في الحرب ضد تنظيم الدولة، لافتا إلى أن المنطقة لا يسكنها فقط الأكراد.
ومع إعلان الرئيس الأميركي آنذاك، دونالد ترامب، الانسحاب الجزئي من سوريا عام 2019، خشيت هذه القوات التحرك التركي المحتمل ضدها وسارعت لإبرام اتفاقيات مع نظام دمشق بوساطة روسية.
وقد نصت هذه الاتفاقيات على إعادة تمركز قوات النظام في منبج، ولذلك فإن روسيا تنظر إلى الهجمات التي تشنها الجماعات الموالية لتركيا في هذه المنطقة على أنها أيضًا تستهدف حليفها السوري.
وذكر الموقع أن ملف سوريا كان حاضرا على طاولة قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي أردوغان في سوتشي (4 سبتمبر/أيلول 2023) في حين كانت الجماعات التي يدعمانها في منبج تتشابك على جبهات مختلفة مفترضا ذلك عنصرا يظهر "حساسية الوضع شمال حلب".
الوضع في الشرق
شملت المعارك أيضا الجزء الشرقي من سوريا وهناك أيضًا يبدو السياق الجيوسياسي معقدا وحساسا للغاية، يضيف إنسايد أوفر.
بينما يقع غرب البلاد تحت سيطرة نظام الأسد وبالتالي فهو تحت النفوذ الروسي، تتمركز في شرق الفرات بعض الوحدات الأميركية وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على المنطقة.
ووصلت القوات الكردية إلى هناك بين عامي 2017 و2019، أي في السنوات الأخيرة من القتال ضد تنظيم الدولة، وقد عاد الوضع إلى التوتر خصوصا أن العديد من المناطق ذات أغلبية عربية.
ينقل الموقع عن العديد من المحللين قولهم إن انفجار التوترات كان مجرد مسألة وقت ويشير إلى وقوع حالات تمرد ضد قوات سوريا الديمقراطية منذ الأيام الأخيرة من أغسطس.
واندلعت الاشتباكات المسلحة إثر اعتقال "قوات سوريا الديمقراطية" أحمد الخبيل، الذي كان يرأس مجلس دير الزور العسكري التابع لها.
وكان الخبيل قائدا عربيا بارزا في هذه القوات التي تمثل تحالفا شكلته الولايات المتحدة من مسلحين من العشائر ومقاتلين أكراد، وتمثل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري.
وزعم الموقع الإيطالي أن توقيت هذه التطورات مثير للشكوك خاصة فيما يتعلق بوجود تنسيق محتمل بين الجماعات العربية في منبج والعشائر العربية في دير الزور.
ويذكر انشقاق العديد من المقاتلين العرب في صفوف قوات سوريا الديمقراطية، واضطرار قادة التحالف ذي الأغلبية الكردية إلى التحرك لوقف التمردات.
كما نجحت العشائر العربية في السيطرة على عدة قرى على طول الشريط الذي يمتد على طول الضفة الشرقية لنهر الفرات.
فيما لا تزال الاشتباكات مستمرة في عدة مناطق تواجه فيها قوات "قسد" العديد من الصعوبات في إعادة الوضع إلى ما كان عليه في شهر أغسطس.
انتفاضة الدروز
علاوة على ذلك، شدد الموقع على أهمية ما يحدث في محافظة السويداء، مرجحا وقوع عواقب سياسية مهمة للاحتجاجات التي بدأت في الأسابيع الأخيرة رغم طابعها السلمي إلى حد الآن.
ويشرح ذلك بما أسماه "حياد الطائفة الدرزية"، الممثلة على نطاق واسع في المنطقة طيلة فترات الأزمة، مضيفا كذلك أن جيش النظام يضم أفرادا من هذه الأقلية أبرزهم الضابط عصام زهر الدين.
وظهرت شعارات مناهضة للأسد في عدة احتجاجات، بينما أزيلت في الأيام القليلة الماضية صورة عملاقة لرئيس النظام السابق حافظ الأسد من مبنى حكومي في السويداء.
واحتج المواطنون على إلغاء الدعم عن جزء من السكان ونددوا بفساد السلطات المحلية.
ووصف الموقع الإيطالي ما يحدث في هذه المحافظة بالشرارة التي يمكن أن تشكل جرس إنذار آخر لنظام دمشق.
كما أن الاحتجاجات ضد الظروف الاقتصادية في السويداء تعكس وضع بلد يكافح من أجل التعافي على الرغم من أن الصراع ظل منخفض الحدة.
وكذلك تعكس الاستقرار الكبير الموجود في أكبر المدن التي يسيطر عليها النظام، على حد قول الموقع الإيطالي.
وأشار إلى أن عملية إعادة الإعمار لم تنطلق بشكل كامل في المدن التي مزقتها الحرب، في حين أدى انتشار جائحة كورونا أولا والحرب في أوكرانيا بعد ذلك إلى ارتفاع الأسعار وبالتالي المزيد من تدهور الظروف المعيشية للأسر الأقل ثراء.
يضاف إلى ذلك بحسب إنسايد أوفر، تأثير العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رغم تعليقها جزئيًا بعد الزلزال الذي دمر شمال البلاد في 6 فبراير/شباط.
واستنكر بأن ما يحدث والعوامل السابق ذكرها يمثلان "مزيجا قاتلا" لاقتصاد متوقف وغير قادر على التعافي.
وفي الختام، أكد أن الجوع ونقص الضروريات الأساسية يمثلان حاليًا أخطر التهديدات لنظام الأسد وللاستقرار العام للمجتمع السوري، وفق وصفه.