تقاومها القبائل العربية.. كيف تحصل مليشيات قسد على دعم واشنطن وتتعاون مع الأسد وإيران؟
تتواصل منذ أيام اشتباكات عنيفة بين مليشيات قوات سوريا الديمقراطية "قسد" الموالية للولايات المتحدة ومقاتلين محليين عرب في محافظة دير الزور في شرق سوريا المحاذية للعراق، ما أسفر عن عشرات القتلى بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وتعليقا على ذلك، أفاد مركز "سيتا" التركي للأبحاث والدراسات، بأن "الثورة السورية الثانية بدأت في دير الزور ضد حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) والنفوذ الأميركي بالمنطقة".
ثورة ثانية
وقال المركز، إن معارضة القبائل العربية ضد حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية تحولت إلى صراع في منطقة دير الزور النفطية السورية.
فقد استولت هذه المليشيات على المنطقة واحتقرت سكانها كما فعلت عائلة بشار الأسد، الأمر الذي أزعج السوريين وجعلهم يقولون 'كفى' وبدأوا باستخدام الأسلحة.
وهكذا، بدأ الهيكل الذي قام الأميركيون بتسويقه في الماضي تحت اسم قوات سوريا الديمقراطية والآن قوات الدفاع السورية في الانهيار.
إذ تم اختراع الهيكل المسمى قوات سوريا الديمقراطية من قبل القوات الخاصة الأميركية كغطاء لحزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب من أجل محاربة تنظيم الدولة.
واستدرك: لكن 'حلفاءنا' الأميريكيين الذين رفضوا خطاب تركيا بأنه لا يمكن استخدام منظمة إرهابية ضد منظمة إرهابية أخرى في الحرب ضد تنظيم الدولة زعموا أن قوات سوريا الديمقراطية ليست حزب العمال الكردستاني.
وفي المرحلة التي وصلنا إليها، انهار هذا الدفاع اللفظي.
في الواقع، دخلت القبائل العربية في صراعات مسلحة مع حزب العمال الكردستاني بسبب اضطهاده وانتهاكاته لحقوق الإنسان وعنفه في دير الزور.
وعلى إثر ذلك انتشرت الاشتباكات بعد اعتقال شخص يدعى أمهد المابل من قبل أعضاء التنظيم. وقُتِلَ أو أُسِر العشرات من مقاتلي حزب العمال الكردستاني في هذه الاشتباكات.
واستندت الشرارة التي حشدت القبائل العربية في الواقع إلى التراكم، فبينما أهدى الأميركيون التنظيمَ الإرهابي حوالَي ثلث سوريا، بما في ذلك حقول النفط، عامل التنظيم العربَ السوريين معاملة تنظيم الدولة.
كما قدم معلومات مبالَغا فيها وكاذبة عن القبائل العربية للمخابرات الأميركية لأنهم كانوا يعرفون حساسية الأميركيين في هذا الموضوع.
وفي نطاق الإجراءات التي يتخذها التنظيم في المنطقة، فإن المجالس ومراكز الشرطة ونقاط التفتيش البرية المقامة في كل مستوطنة تضع الشعبين العربي والتركماني في مأزق.
وقد أدى هذا الوضع إلى دوامة من الرشوة والعنف.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تعرض زعماء القبائل العربية وجماعاتهم المسلحة لسوء المعاملة باسم "تلقين درس لأهالي المنطقة". وبعبارة أخرى، فقد تم اتباع إستراتيجية تشويه السمعة.
وحاولت "قسد" التي سَعَت لأن تصبح "أساسا" و"بنية شبيهة بالدولة بحكم الأمر الواقع" بدعم من الأميركيين، إملاءَ نظامها الأيديولوجي الخاص على شعوب المنطقة.
وهكذا بدأت المنظمة بالفعل تفضيل التطهير الديمغرافي والتحول. وبذلك فإن أولئك الذين لم يبايعوا التنظيم إما تعرضوا لاتهامات بأنهم تنظيم الدولة أو تم نفيهم من المنطقة.
ويجب أن نتذكر أن هناك مئات الآلاف الذين اضطروا للهجرة من دير الزور إلى تركيا أو العراق أو الأردن، بسبب ذلك.
استغلال علني
ولفت المركز التركي إلى أنه من أسباب بقاء "قسد" هو استغلال الموارد النفطية التي يملكها الشعب السوري بأكمله مع شركة تدعى دلتا كريسنت إنيرجي وبيعها لنظام الأسد بشكل خفي.
وبهذه الطريقة، تم إنشاء مصدر دخل للمنظمات وأصبحت بذلك تخدم المصالح الأميركية. وهكذا تحولت مهمة حماية مصادر النفط التي منحها ترامب للجنود الأميركيين إلى مهمة يقوم بها الإرهابيون نيابة عنهم.
وبينما كان الأميركيون مستفيدين من تجارة النفط التي تقوم بها "قسد"، كان ينظر إلى الشعب العربي على أنه مشكلة في هذا الاتجاه. لذلك تم البدء في عملية السيطرة والضغط على العرب.
وأشار الكاتب إلى أن "قسد" تمارس سلطاتها في المناطق الصالحة للزراعة وتستغلها لزراعة المخدرات.
ومن خلال استغلالهم لزراعة المخدرات وتجارتها بدلا من إنتاج الغذاء، تمكنت "قسد" من كسب مصدر هائل للدخل عن طريق التعامل مع نظام الأسد.
وهذه الممارسات التي وصلت إلى حد التدخل في الحياة اليومية للقبائل العربية المخلصة لقدسية القيم الدينية أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية للأسر العربية التي تواجه صعوبات في كسب لقمة العيش.
ومن ناحية أخرى، فإن "قسد" التي اتفقت مع الأسد بتجارة المخدرات خلقت بديلا جيدا للأميركيين في المنطقة.
حيث إن الاقتصاد القذر الذي تنتجه المخدرات وكذلك النفط خلق رابطا عضويا بين "قسد" والأسد.
وفي ظل هذا الاقتصاد القذر الذي يشمل أيضا المخدرات المستوردة من إيران، ترى "قسد" مرة أخرى أن السكان المحليين عراقيل محتملة.
ثورة جديدة
ومضى المركز التركي يقول: بدأت "ٌقسد" ممارسات التجنيد قسرا في شمال شرق سوريا وكذلك في مناطق أخرى خاضعة لسيطرتها.
وقد أدى تجنيد السوريين في سن مبكرة – بهويتهم العرقية الكردية أو العربية – إلى زيادة ردود فعل سكان المنطقة.
وعلى الرغم من أن صرخات العائلات من الحسكة وصلت إلى فرق الاستخبارات الأميركية، إلا أن الأميركيين ظلوا غير مبالين بالمناطق التي يسكنها العرب مثل دير الزور.
في الواقع، إن العقلية الأميركية، التي ترى في الشباب الذين تحولوا إلى جانب قسد مكسبا في الحرب ضد تنظيم الدولة، قد "تسامحت" مع حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب التي تستغل هذا الضعف لصالحها.
ولذلك، فإن التجنيد يُعد تدبيرا آخر من المنظمة للبقاء في سياق إنشاء الموارد البشرية.
وكما يمكن أن نرى، فإن قسد تحت رعاية الولايات المتحدة وبالتعاون مع الأسد تحاول تقسيم سوريا، بل وتقلل من شأن الشعب العربي، وتطرد أولئك الذين لا يتعهدون بالولاء لسلطتها.
مع زيادة الاستياء والاحتجاجات ضد الأسد في سبع مدن في جنوب سوريا، فإن واقعة تعرض حزب العمال الكردستاني لنفس المصير تستحق الاهتمام من حيث التوقيت.
فلم يعد الشعب السوري يريد التضحية بالحرية والازدهار اللذين حرم منهما لمدة ثلاثة عشر عاما سواء لقسد أم للأسد.
لهذا السبب، فإن "الثورة" الجديدة التي أطلقت ضد حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب تتجه نحو تحدي النظام الأميركي في المنطقة.
من ناحية أخرى، من غير المعروف كيف نفسر حقيقة أن الولايات المتحدة لا تزال يدا في ذراع مع قسد و"تتجاهل" حقيقة أنها تتعاون مع الأسد وإيران.