ماذا وراء الخطة الخمسية الإسرائيلية التي تضاعف معاناة الفلسطينيين بالقدس؟
في 20 أغسطس/آب 2023، صدّقت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، على خطة خمسية تلحق الضرر بالمجتمع العربي بمدينة القدس المحتلة.
وتهدف الخطة الخمسية إلى تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية للسنوات 2024 - 2028 في القدس المحتلة، وفق المزاعم الإسرائيلية.
وجاءت المصادقة بالإجماع بعد إصرار بتسلئيل سموتريتش وزير المالية المعروف بمواقفه الفاشية والعنصرية، على إخراج البند المتعلق بتعزيز التعليم الأعلى للشبان المقدسيين، بمبلغ 200 مليون شيكل (1 دولار = 3,76 شيكلا)، من الخطة.
وأوضحت حكومة الاحتلال في تصريح مكتوب: "صادقنا على الخطة الخمسية للأعوام 2028-2024، بمبلغ إجمالي يقارب 3.2 مليارات شيكل"، أي ما يعادل 864 مليون دولار.
وقالت إن الخطة: "تتعامل مع التعليم والتوجيه المهني، وتشجيع العمالة والتوظيف عالي الإنتاجية والتنمية الاقتصادية، والنقل العام والطاقة والكهرباء والصرف الصحي، والتخطيط القانوني والمباني العامة والصحة والرعاية والاستدامة، والأماكن العامة، والثقافة والمجتمع والترفيه والأمن الشخصي".
وتشمل "مركبات لرقابة وضمان أجواء دراسية لائقة وعقد لقاء محترم بين طلاب يهود وعرب في إطار الحياة داخل الحرم الجامعي".
ويصف ناشطون هذا البند بأنه يهدف إلى أسرلة المجتمع الفلسطيني في القدس المحتلة، أي تعزيز تدريس المنهاج الإسرائيلي.
وجاءت ميزانية الخطة أكثر بحوالي مليار شيكل من ميزانية الخطة الخمسية السابقة للقدس المحتلة وكانت بمبلغ 2.1 مليار شيكل.
وبعد ضغوط مارسها وزير الأمن القومي المتطرف، إيتمار بن غفير، ستشمل الخطة بندا يقضي بتمويل زيادة عدد أفراد الشرطة ومفتشي البلدية وإضافة كاميرات مراقبة وإقامة مراكز أخرى للشرطة في القدس المحتلة.
وبعد تصديق الحكومة، أعلن إيتمار بن غفير، عن تخصيص 120 مليون شيكل (31.5 مليون دولار) لما أسماه "تعزيز السيادة الأمنية في القدس الشرقية".
مبررات معيبة
ووفقا لورقة أعدها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فإن التفسيرات التي قدمها الوزير بتسلئيل سموتريتش لهذا القرار معيبة بشكل كبير، كما أنها تشير إلى نهج تقسيمي قائم على القومية.
"علاوة على ذلك، فهي تتعارض مع سياسة قائمة منذ عام 2015 لتشجيع التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع العربي في إسرائيل، والتي تقوم على مبدأ الاندماج المطلوب للأقلية العربية في الدولة".
وأردف المعهد أن هذه الخطة "ستضر بشكل خطير بالجمهور العربي الضعيف وسلطاته المحلية، وكذلك النمو الاقتصادي، والعلاقات الحساسة بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية في إسرائيل".
"كما يمكن أن ينجم عن ذلك أيضا زيادة معدلات الجريمة، وتصاعد العنف الصادر عن الجمهور العربي، مما يقوض الأمن الداخلي بشكل كبير"، بحسب تقديره.
ويرى معهد دراسات الأمن القومي أن هذا القرار فيه إشكالات قانونية، وتداعيات اقتصادية خطيرة، وعواقب سلبية.
جدير بالذكر أن الخطة الخمسية للمجتمع العربي للأعوام (2022-2026) أقرت كجزء من ميزانية إسرائيل في فبراير/شباط 2023.
وأشار المعهد إلى أن الخطة استندت على المفهوم الذي شكل الخطة الخمسية الأولى للقطاع العربي (ديسمبر/كانون الأول 2015)، والذي قبلته الحكومة آنذاك بقيادة بنيامين نتنياهو.
وقد عدت هذه الخطة تضييق الفجوات الاجتماعية والاقتصادية بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية في إسرائيل هدفا إستراتيجيا بعيد المدى.
وأردف المعهد: "كانت الفكرة الأساسية أن يؤدي ذلك إلى تغيير جوهري ودائم في السياسة تجاه المجتمع العربي، والذي سينعكس بدوره على نمو الاقتصاد الإسرائيلي بأكمله".
وأوضح: "كانت الخطة تنفرد في إحداث تغيير مستدام في طريقة تخصيص الميزانية للسكان العرب وفقا لحجمهم النسبي في عدد السكان، وذلك من خلال التقليل التدريجي للتمييز المستمر في تخصيص الموارد للمجتمع العربي وتوزيع أكثر عدالة للميزانيات بين المجموعات المختلفة".
تناقضات إسرائيلية
وبالتالي، فإن تجميد وزير المالية ميزانيات السلطات المحلية العربية، ووقف الميزانية المخصصة لطلبة شرق القدس، يتناقض مع الاتجاه المهم المذكور أعلاه، حسب المعهد. وتبرر هذه التناقضات، من وجهة نظره، من خلال سرد أعذار واهية.
ففيما يتعلق بميزانية السلطات المحلية، كجزء من قرار الحكومة، ادعى وزير المالية أن هذه الميزانية تتدفق إلى المنظمات الإجرامية، وفق زعمه.
ويعقب معهد دراسات الأمن القومي: "يشير هذا الادعاء إلى مشكلة مهمة في الاستخدام المناسب والكامل لميزانيات الحكومة في السلطات المحلية العربية".
واستدرك: "ومع ذلك، فإنه يتجاهل عمل الموظفين الشامل المنجز كجزء من برنامج المسار الآمن في الحكومة السابقة".
وأوضح أن هذا البرنامج قدم للحكومة في مايو/أيار 2022، وينصب تركيزه الرئيس على إنشاء طرق تمويل آمنة للسلطات المحلية.
"وبالتالي، فإن كل ما يجب فعله حاليا هو تنفيذ التغييرات التنظيمية المقترحة وتفعيل آليات الرقابة عليها"، وفقا للمعهد.
وينتقد ادعاءهم أن هذه الأموال خصصت في الحكومة السابقة كجزء من اتفاقات ائتلافية، وأن ذلك "يشكل استمرارا لسياسة التمييز ضد اليهود، من خلال السماح لعناصر معادية للصهيونية بسيطرة غير مسبوقة في إدارة الوزارات الحكومية".
وأشار المعهد إلى أن القرار الخاص بالخطة الخمسية للأعوام 2023-2028 لشرق القدس، والتي أقرتها الحكومة في مايو 2023، جاء فيه أن "الهدف ذا الأهمية الأولى هو تنمية المدينة وازدهارها لصالح جميع سكانها".
إضافة إلى أن "تقليص الفجوات يعد تحديا وطنيا"، وكذلك "خطة تقوم على دمج سكان القدس الشرقية في نسيج الحياة الحضرية والمجتمع الإسرائيلي"، وفق قوله.
وفي ذات السياق، ادعى وزير المالية أن العرب في شرق القدس يحرضون على العنف ويعززون المواقف القومية الخطرة من خلال إجراء الدراسات الأكاديمية. وهنا ينفي المعهد صحة هذا الادعاء، قائلا: "ليس له أساس واقعي".
وأتبع: "تشير التجربة إلى أن هذا التوجه ليس فقط لا يشجع على الإرهاب، لكنه في المقابل يعزز التكامل بين السكان".
عواقب أمنية
وأضاف: "تأثير البرنامج (البرامج الأكاديمية في الجامعات الإسرائيلية) على شباب القدس الشرقية واندماجهم في المجتمع الإسرائيلي واضح بالفعل".
ووفقا لبيانات المكتب المركزي للإحصاء، يتضح أنه منذ بداية عام 2018 حتى 2023، تضاعف عدد الطلاب المقدسيين الذين يدرسون في السنة الأولى للحصول على درجة البكالريوس من إسرائيل بنسبة 85 بالمئة.
وزعم المعهد أن "حصول الطلاب على الدرجات العلمية من المؤسسات الأكاديمية في إسرائيل ستسهل على الشباب الاندماج في سوق العمل الإسرائيلي وستساهم في كبح التوترات القومية".
وتشير التقديرات إلى أن إلغاء الميزانية سيزيد من دوافع العنف القومي في شرق القدس، وهي واحدة من أفقر المناطق، كما أنها محور مركزي للاحتكاكات والتوترات القومية، وفق قوله.
ولفت إلى أنه "من حيث المبدأ، فإن اقتطاع الميزانيات المخصصة في خطط تنمية المجتمع العربي، يشير إلى اتجاه أيديولوجي، ترتكز أسسه على إقصاء قومي معاد للعرب".
من زاوية أخرى، رأى المعهد أن خطوة وزير المالية تنطوي على انتهاك قانوني صارخ، كما أنها تشير إلى عدم احترام قرارات الحكومات السابقة.
هذا إلى جانب أن انتهاك الوعود الحكومية على أساس الهوية السياسية والقومية والدينية يعد انتهاكا فادحا لمبادئ الديمقراطية والمساواة، وفق قوله.
وحول الكلفة الاقتصادية والاجتماعية لمثل هذه القرارات، يقول المعهد إن هناك افتراضا يزعم إمكانية السيطرة على الأقلية العربية من خلال الإقصاء والتهميش الاقتصادي والاجتماعي.
وهو ما يعده افتراضا خاطئا، وقد يتسبب في نتائج عكسية؛ مثل تعميق مشاعر الإحباط والكراهية الممزوجة بالقومية، وهو ما قد يؤدي إلى العنف، لا سيما وأن المجتمع العربي غاضب بالفعل بسبب كثرة الممارسات العنيفة بحقه.
وأضاف المعهد: "من المتوقع أيضا أن يؤدي القرار إلى الإضرار الإضافي بالاقتصاد العربي، مما يعقد أزمة ظاهرة البطالة في جيل الشباب، وهو ما قد يتسبب في مزيد من انتشار العنف والجريمة في المجتمع العربي"، وفق قوله.
واختتم: "يجب الافتراض أن الإضرار بالخطط الخاصة بالمجتمع العربي سيسبب إحباطا وغضبا موجها نحو الجمهور اليهودي والحكومة الإسرائيلية، وهو ما سيضاعف حالات الهجوم والعنف، ما يعني تدهور الأوضاع الأمنية في الداخل الإسرائيلي".