يشتت الأصوات.. لماذا عاد الجدل حول الحشد الكردي قبل انتخابات العراق المحلية؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

عاد من جديد الجدل في العراق بشأن ما يُعرف بـ"الحشد الشعبي الكردي"، وذلك بعد إعلان الاتحاد الوطني الكردستاني في 10 أغسطس/ آب 2023، نجاة عضو مجلس النواب العراقي عن كتلته "ملا كريم شكور" من محاولة اغتيال تعرض لها.

ولم يذكر الاتحاد، أحد قطبي السياسة الكردية شمالي العراق، مزيدا من التفاصيل حول كيفية محاولة الاغتيال التي تعرض لها البرلماني في بلدة طوز خرماتو بمحافظة صلاح الدين شمالي العراق المتنازع عليها مع حكومة بغداد.

لكن مراقبين ووسائل إعلام عراقية أكدوا أن محاولة الانقلاب يقف وراءها مليشيا الحشد الكردي في محافظة صلاح الدين.

وفي 12 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أعلن مسلحون في محافظة كركوك، تشكيل ما أسموه "الحشد الشعبي الكردي"، ويتألف عناصره من عراقيين أكراد، ما أثار جدلا كبيرا آنذاك.

وقدمت هذه المليشيا نفسها على أنها جزء من هيئة "الحشد الشعبي" الشيعي العراقي، على غرار "الحشد التركماني" و"الحشد الإيزيدي" و"الحشد العشائري"، موضحة أن نطاق عملها سيكون في كركوك، أبرز المدن المتنازع على إدارتها بين بغداد وأربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق.

وتشكل المناطق المتنازع عليها أهم محاور الخلاف بين الجانبين منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، إذ تشمل أراضي في محافظات: نينوى، أربيل، صلاح الدين، ديالى، وكركوك، التي تعد أبرز ما تتنازع عليها بغداد وأربيل.

ويقدر عدد الأكراد في المناطق المتنازع عليها نحو 1.2 مليون، إذ تقدر مساحتها بـ37 ألف كلم مربع، ومن بينها شريط يبلغ طوله ألف كلم يمتد من الحدود مع سوريا حتى الحدود الإيرانية، حيث يقع هذا الشريط جنوب محافظات الإقليم الثلاث أربيل والسليمانية ودهوك.

"بداية خطيرة"

وعن تفاصيل محاولة الاغتيال نقلت وكالة "شفق نيوز" العراقية في 10 أغسطس، عن نائب مسؤول الاتحاد الوطني الكردستاني في صلاح الدين، حسن محمد أحمد، قوله إن "محاولة الاغتيال كان وراءها عنصران يدعيان انتماءهما للحشد الشعبي الكردي الجاري تشكيله في طوز خرماتو، بعيدا عن موافقات الأحزاب الكردية".

وأوضح أحمد أن "الشخصين دخلا فرعا للحزب (الاتحاد الوطني) حيث كان النائب، ملا كريم شكور، يوجد فيه وقابلاه، وطلبا منه حضور حفل افتتاح مقر الحشد الكردي في طوز خرماتو بمحافظة صلاح الدين".

وتابع: "عندما رفض شكور ذلك، حصلت مشادة كلامية، ليطلق بعدها أحد أفراد الحشد الكردي النار صوب الأخير، لكنه لم يصبه".

وأردف: "أطلق بعدها حراس النائب الرصاص على المهاجم وأصابوه"

من جهته، قال أكرم صالح مسؤول فرع الحزب الديمقراطي الكردستاني بمنطقة كرميان في محافظة السليمانية، إن "تشكيل الحشد الكردي في كركوك ومناطق الصراع بداية خطيرة لتقسيم كردستان وتعميق الخلافات"، حسبما نقل موقع "كردستان 24" في 11 أغسطس.

ولفت صالح إلى أن الحشد الشعبي (الشيعي) "يحاول دائما إضفاء الشرعية على احتلاله للمنطقة، وعلى جميع الأطراف الكردية أن تتفهم هذا الخطر".

وأشار القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى أن "الحشد الشعبي (الشيعي) في كركوك والمناطق الخارجة عن إدارة إقليم كردستان (المتنازع عليها)، يريد أن يسلح الشعب الكردي هناك، لإضفاء الشرعية على احتلال المنطقة هذه".

ولفت صالح إلى أنهم "لم ينجحوا في الماضي بتشكيل حشد كردي، لكن هذه المرة ونتيجة صراعات الاتحاد الوطني في طوزخرماتو، انضمت شخصية كردية تدعى محمد عريف، إلى الحشد الكردي والذي سلمته مجموعة أسلحة".

وأكد أكرم صالح: "تم افتتاح مكتب في حي الجمهوري بناحية طوزخرماتو، باسم مكتب الإخوة يتبع النائب التركماني الشيعي مهدي تقي الآمرلي (رئيس كتلة منظمة بدر في البرلمان العراقي)، وهي بداية سيئة وعلى الناس الانتباه".

وتابع: "منذ مدة سجل هذا الشخص أسماء 100 شاب في منطقة طوزخرماتو، وبحسب معلوماتنا، لم يجر تسليحهم حتى الآن، لكن جرى تسليمهم بعض الأسلحة بهدف تنفيذ المزيد من العمل مستقبلا".

وشدد صالح على أن "أي محاولة لتسليح الكرد هي تهديد لمستقبل هذه المناطق ومستقبل العلاقات بين إقليم كردستان وبغداد".

ولفت إلى أن "هناك توجّها في بغداد لعرقلة العلاقات بين أربيل وبغداد، إنهم يحاولون باستمرار تقليص نسبة الكرد في المناطق المتنازع عليها".

ودخل الحشد الشعبي إلى مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها، وتولى زمام الأمن فيها عام 2017، وذلك بعد انسحاب قوات البيشمركة الكردية التي كانت تتولى الملف الأمني فيها منذ 2003.

وجاء ذلك على خلفية استفتاء الانفصال الذي أجراه إقليم كردستان في سبتمبر/ أيلول 2017، ولم ينفذ على الأرض لاعتراض السلطات العراقية، التي عدته "غير دستوري".

ويرى مراقبون أن إيران تقف وراء مليشيا "الحشد الكردي" وتهدف عبرها لخلط الأوراق أمام القوى السياسية الكردية الطامحة للعودة إلى كركوك، وفي مقدمتها الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكرديين.

ورقة انتخابية

وبخصوص توقيت إثارة الجدل حول "الحشد الشعبي الكردي" من جديد، قال الباحث في الشأن العراقي عماد الزوبعي، إن "الفكرة ليست غريبة، لأنه سبق أن جرى طرحها والبدء في تشكيل هذه القوة عام 2020، لكنها وئِدت في مهدها قبل أن ترى النور".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "وقوف مليشيا بدر بزعامة هادي العامري، وراء دعم تشكيل حشد كردي في المناطق المتنازع عليها، يعني أن إيران تريد ذلك، كون الأخيرة بيدق بيدها ولا يتحرك هذا الشخص من رأسه، وذلك لمناكفة الأكراد والضغط عليهم، خصوصا في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة"، في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2023.

وفي كل انتخابات سواء كانت برلمانية أم محلية، يستحوذ الحزبان الكرديان (الديمقراطي، والاتحاد الوطني) على أصوات الأكراد في المناطق المتنازع عليها، لذلك فإن تشكيل قوة منافسة ربما يحد من ذلك.

واستبعد الزوبعي أن "يجرى تشكيل الحشد الكردي، أو منافسة قوات البيشمركة (حرس إقليم كردستان العراق) في القرار الأمني الكردي، لكنه سيثير المشاكل والاستقرار في المناطق المتنازع عليها المتاخمة لحدود الإقليم".

وأشار الباحث إلى أن "تشكيل قوة أمنية كردية غير خاضعة لإقليم كردستان، من شأنه أن يثير النزاعات بين القبائل الكردية، لذلك لن يستسيغهم المجتمع الكردي أو يدفع أبناءه للانضمام إليهم".

ولفت إلى أن "أسباب تشكيل الحشد الكردي لم تطرح بشكل يقنع الجمهور في تلك المدن، لأن قصة محاربة تنظيم الدولة أو من هذا القبيل لم تعد مجدية لأن الأخير لا وجود له في المناطق المتنازع عليها، إضافة إلى مسك هذه المدن من قوات الحشد الشعبي أو الجيش العراقي".

وكان مؤسس الحشد الشعبي الكردي، آدم جمعة، أكد أنه "سيُعاد تشكيل (هذه القوة)، والمكونة من 150 فردا، والتي لم يكتب لها النجاح عام 2020 في كركوك ".

ورأى جمعة خلال تصريحات تناقلتها قنوات فضائية كردية في يوليو/ تموز 2023 أن تلك القوة "ستكون بداية انضمام الشباب الكردي لهذا الحشد".

"حماية الأكراد"

فكرة تشكيل الحشد الكردي تعد امتدادا للحشد الشعبي الشيعي الذي جرى تشكيله بفتوى "الجهاد الكفائي" من المرجع الأعلى للشيعة في العراق، علي السيستاني، لمواجهة تنظيم الدولة الذي اجتاح البلاد عام 2014.

وأعلنت هذه القوات عن نفسها خلال مؤتمر صحفي عقد في 12 ديسمبر 2020، ببلدة في قضاء الدبس التابع لكركوك، بوجود عشرات المسلحين الأكراد.

وقدمت نفسها على أنها جزء من "الحشد الشعبي"، على غرار "الحشد التركماني" و"الحشد الأيزيدي" و"الحشد العشائري"، وأن نطاق عملها سيكون في كركوك، أبرز المدن المتنازع على إدارتها بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان.

وقال قائد قوات "الحشد الشعبي الكردي"، أدهم جمعة، إن "الغرض من هذه القوات حماية المناطق والقرى الكردية في كركوك، وإنها تعد 150 شخصا، سيتم تدريبهم وتوزيعهم ضمن حدود مناطق الأكراد".

وعن الأسباب التي استدعت تشكيل هذه المليشيا المسلحة، أوضح جمعة أن "قوات الحشد الشعبي الكردي، ستحمي كل من يوجد داخل هذه المناطق، بغض النظر عمن يتبع".

وعلى الفور، سارعت أربيل إلى الإعلان عن عدم اعترافها بهذه المليشيا، مؤكدة خلال بيان لوزارة داخلية الإقليم في 12 ديسمبر 2020 أنها تواصلت مع "هيئة الحشد الشعبي"، ونفت الأخيرة علمها بهذا التشكيل وأنها وعدت بمتابعة الأمر.

وفي 13 ديسمبر 2020، صدر بيان عن قائد قاطع الشمال للحشد الشعبي، يلماز النجار، نفى فيه بشدة أنباء تشكيل (حشد كردي) في محافظة كركوك، وأن قوات الحشد الشعبي موجودة في الأخيرة لحماية كل المواطنين دون تمييز".

لكن الباحث السياسي العراقي، سليم سوزة، قال في 16 ديسمبر 2020، إن تأسيس مثل هذه القوة "وصفة لحرب أهلية قادمة في كركوك"، مشيرا إلى أن السلطة بالعراق والتي تضم الحكومات والقوى السياسية وغيرها، لا تزال تعتمد على تشكيل المليشيات لحل أي مشكلة تواجهها.

ولفت سوزة في تصريح نقله موقع قناة "الحرة" الأميركية إلى "ما يحصل في العراق من تأسيس قوات وميلشيات وحشود مسلحة، تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة، ليصبح لدينا حشد شيعي، وآخر سني، وكردي، وعربي، ومسيحي، وتركماني وغيره".

وتساءل المحلل السياسي في حينها، قائلا: "لماذا لا يتم الاعتماد على المؤسسة العسكرية الموجودة ودعمها لتصبح الجهة الرسمية لمحاربة تنظيم وحماية البلاد؟".

وعلى الصعيد ذاته، قال الباحث العراقي، بيرفان سعيد، 11 ديسمبر 2020،  إن تشكيل الحشد الكردي، يشير هذا التطور إلى تمدد النفوذ الإيراني في البلاد، وعلى ما يبدو فإن جهود قوات المليشيا الشيعية لا تبدو متناسقة مع الحكومة العراقية".

ونقل الباحث عن وزير الداخلية العراقي السابق عثمان الغانمي قوله إن الوزارة ليست على علم بأي جهود تبذلها قوات الحشد الشعبي لتجنيد أكراد وتشكيل أفواج كردية ضمن صفوفها"

ورأى سعيد أنه "من المحتمل أن يكون لبرنامج التجنيد هذا صلة بقادة في إيران. وتجدر الملاحظة أن كركوك تتمتع بموقع إستراتيجي مميز بالنسبة لقوات الحشد الشعبي، فهي تختزن مليارات براميل النفط وتقع على حدود إقليم كردستان وتوفر رابطا جغرافيا بين إيران ومحافظة نينوى".