لماذا اختلف الإيرانيون حول صفقة تبادل السجناء بالأموال المجمدة مع واشنطن؟
أثار اتفاق طهران وواشنطن القاضي بالإفراج عن أموال إيران المجمدة في بنوك كوريا الجنوبية، مقابل إطلاق سراح سجناء أميركيين، تساؤلات عديدة عن الاستفادة التي حققها النظام الإيراني من الصفقة التي انتقدتها صحف وشخصيات معارضة في الداخل.
الاتفاق المعلن بين الطرفين في 10 أغسطس/ آب 2023، أفضى إلى إطلاق سراح 5 أميركيين من أصل إيراني مقابل إلغاء تجميد نحو 6 مليارات دولار إيرانية، وذلك في إطار الصفقة التي استمرت المفاوضات بشأنها نحو عامين، حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز".
وقال محافظ البنك المركزي الإيراني محمد رضا فرزين في تصريح صحفي إنه جرى الإفراج عن جميع الأرصدة المالية الإيرانية المحتجزة في كوريا الجنوبية، وإن دولة ثالثة ستدفع رسوم تحويل هذه الأموال من الوون إلى اليورو، مشيرا إلى أن الأموال المجمدة والبالغة 7 مليارات دولار، خسرت قيمتها ووصلت إلى 6 مليارات، بسبب انخفاض الوون أمام الدولار.
يُعد ما توصلت إليه إيران وأميركا من اتفاق هو الأول من نوعه منذ اندلاع الأزمة بين البلدين على خلفية انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، وإعادته فرض عقوبات على طهران، وذلك بعد 3 سنوات من دخوله حيز التنفيذ.
"قبول المضطر"
لكن الاتفاق بين واشنطن وطهران، شكّل تباينا واضحا لدى وسائل الإعلام الإيرانية، التي تنتمي إلى المعسكرين الإصلاحي (المعارض)، والأصولي (الحكومي)، إذ أبدى كل منهما موقفه من الصفقة وما جنته طهران من تبادل الأموال المجمدة لقاء الإفراج عن السجناء الأميركيين.
ورأت صحيفة "كيهان" التابعة للمرشد الإيراني علي خامنئي، في 11 أغسطس، الاتفاق بأنه "إنجاز عظيم"، مؤكدة أن "الإفراج عن 6 مليارات دولار من أموال إيران جاء من دون اتفاق نووي أو انضمام إلى "مجموعة العمل المالي الدولية" (فاتف).
ورأت الصحيفة الإيرانية الأصولية أن "طهران قادرة على معالجة مشاكلها الاقتصادية من دون حل مشكلة الاتفاق النووي والخلاف مع الغرب حول هذا الملف الشائك".
وتجاهلت الصحيفة أنه بدون انضمام طهران إلى مجموعة "فاتف" لا يمكن لها الحصول على أموالها بشكل مباشر ، لكنها تحدثت عن مقبولية الحصول على أموالها عبر دولة ثالثة وتخصصها إلى أغراض إنسانية حصرا.
وفي المقابل، وصفت صحيفة "توسعه إيراني" الإصلاحية في اليوم نفسه، الصفقة بأنها "فارغة" وبلا عائد لإيران لأنها مجرد اتفاق على نقل أموال إيران المجمدة من كوريا الجنوبية إلى دولة أخرى هي قطر، وأن التجميد سيستمر عليها ومن الصعب استخدامها والوصول إليها.
من جهتها، أكدت صحيفة "آرمان ملي" الإصلاحية في 11 أغسطس، أن الاتفاق لم يصل بعد إلى صيغته النهائية نظرا لبقاء السجناء لدى إيران وعدم تمكين طهران من أموالها لدى قطر.
وأوضحت أن القضية مازالت مبهمة وغامضة وانتقدت عدم وجود شفافية لدى النظام الإيراني بشأن طبيعة الاتفاق بشكل كامل وما تضمنته من امتيازات لطهران وواشنطن.
وعلى الصعيد ذاته، رأت صحيفة "شرق" الإصلاحية أن الاتفاق بين طهران وواشنطن هو "اتفاق المضطر"، إذ إن الحكومة الإيرانية ركنت إلى هذا الاتفاق في خضم أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية تعصف بالبلاد، كما أن إيران تترقب انتخابات برلمانية في مارس/ آذار 2024.
وأضافت الصحيفة خلال تقرير لها في 11 أغسطس، أن "الحكومة الإيرانية أدركت أنه ومن أجل العبور من هذه الأزمات فإنها بحاجة إلى اتفاق من هذا النوع لكي توهم المواطنين بالإنجازات وتحقيق مكاسب عملية".
ونوهت صحيفة "جهان صنعت" الإيرانية إلى أن الولايات المتحدة تسيطر على عائدات إيران من النفط وتتعامل بها حسب رغبتها وإرادتها.
وأضافت أن "واشنطن هي من تقرر ما إذا كانت هذه الأموال تصل إلى إيران أم لا؟ وهي الآن رأت أن تحول الأموال من كوريا الجنوبية إلى قطر دون أن يدخل فلس واحد في أسواق إيران الظامئة للعملة الصعبة".
وكتبت الصحيفة في 11 أغسطس: "قد يكون الأمر مدعاة للفخر للحكومة ومسؤوليها، وقد يرون أن هذا الاتفاق فتح الفتوح، لكن بالنسبة لمعظم الإيرانيين فإن الأمر يدعو للأسف والحزن، إذ يلاحظ كيف يجرى التلاعب بثروات إيران وخيراتها ونقل أموالها من بلد لآخر".
"اتفاق مذلّ"
وفي الصدد نفسه، تساءل الصحفي الأصولي، محمد مهاجري، على موقع إكس- "تويتر" سابقا- في 11 أغسطس، قائلا: "هل هو حقا ضعيف ومهين؟"، في إشارة إلى الاتفاق بين واشنطن وطهران.
ولفت إلى أن طلب إيران من كوريا الجنوبية كان "7 مليارات دولار"، مؤكدا أن "مليارا من هذا المبلغ ضائع"، وأن "هذا المبلغ يدفع لبنك قطري وليست إدارته بالكامل مع إيران، ولا يمكن استخدامه إلا لشراء سلع غير خاضعة للعقوبات.
#دستاوردتراشان می گویند دیدید بدون FATF هفت منهای یک میلیارد دلار را گرفتیم؟
— mohammad mohajeri (@Mohmohajeri) August 12, 2023
جناب آقای رئیس محترم بانک مرکزی!
به این افراد و اعضای دولت بفرمایید که #FATF برای ارتباط مالی با بانکهای بزرگ دنیاست،نه برای ما که مثل انسانهای نخستین در دوران #غارنشینی دادوستد کالا به کالا می کنیم .
وفي هذه النقطة تحديدا، أوضح رئيس البنك المركزي الإيراني، محمد رضا فرزين، خلال تصريح صحفي في 13 أغسطس 2023، أن "الأموال المجمدة والبالغة 7 مليارات دولار، خسرت قيمتها ووصلت إلى 6 مليارات، بسبب انخفاض الوون (الكوري جنوبي) أمام الدولار (الأميركي)".
وأحجمت كوريا الجنوبية عن تحويل مبلغ 7.6 تريليون وون كوري جنوبي (نحو 7 مليارات دولار) لإيران، والتي تمثل باقي ثمن شحنات من النفط الذي تستورده منها، بسبب إعادة فرض العقوبات الأميركية على طهران، جراء انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018.
من جهته، قارن الباحث والمترجم الإيراني بيغن أشتري، عبر إنستغرام الاتفاق ببرنامج "النفط مقابل الغذاء" خلال عهد صدام حسين بعد غزو الكويت، واصفا سياسة "احتجاز الرهائن" بالسلوك المشين، حسبما نشر الكاتب على موقع إكس‐ "تويتر"- في 11 أغسطس/ 2023.
وعلى الوتيرة ذاتها، غرّد الناشط السياسي محمد حسين كريمي بور، عبر موقع إكس- "تويتر"- في 10 أغسطس 2023، قائلا: إن هذا النوع من استرداد الأموال الإيرانية "أكثر إذلالا" من برنامج "النفط مقابل الغذاء" في عهد صدام حسين (الرئيس العراقي الراحل).
ومضى كريمي بور يقول: إن "الأموال الإيرانية يمكن استعادتها من قبل البنك القطري، وفقط من أجل الغذاء والدواء الذي توافق عليه الولايات المتحدة وتوفره الشركات القطرية. هذه هي الطريقة التي يتم بها التعامل مع البلاد غير الناضجة والحمقاء".
اگر روش آزاد کردن پول ایران این باشد که آمریکایی ها درز داده اند، یک قدم از نفت در برابر غذای صدام، ذلیلانه ترست. پول ایران توسط بانک قطری و فقط برای غذا و دارویی که آمریکا تایید کند و شرکت های قطری تامین کنند، قابل آزاد سازیست؟ با نابالغ و سفیه، این جور رفتار می شود! �� https://t.co/pTKdg6ZKmj
— محمّد حسين كريمی پور (@M_H_Karimipour) August 10, 2023
وكان برنامج الأمم المتحدة في العراق المعروف بـ"النفط مقابل الغذاء"، طبق ما بين أعوام 1996 إلى 2003، بهدف تخفيف انعكاسات الحصار المفروض على العراق من مجلس الأمن، وذلك بتمكين بغداد من بيع النفط مقابل شراء المواد الغذائية والدواء ومواد استهلاكية أخرى.
تطبيق الصفقة
في الوقت الذي غابت فيه الرواية الرسمية عن تفاصيل الاتفاق بين طهران وواشنطن، فإن وسائل إعلام غربية وأخرى إيرانية كشفت عن أبرز ما تضمنته الصفقة، التي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ بعد مرور أسابيع من تاريخ إعلان التوصل إليها.
وقالت صحفية "نيويورك تايمز" في تقريرها الذي كشفت فيه عن الاتفاق بين طهران وواشنطن، إن الأميركيين المفرج عنهم ضمن الصفقة هم: سياماك نمازي وعماد شرقي ومراد طهباز، إضافة إلى عالم ورجل أعمال (لم تذكر اسميهما).
وتحتجز إيران نمازي منذ أكثر من سبع سنوات، وأُدين في 2016 بتهم تتعلق بالتجسس تنفيها الولايات المتحدة وتصفها بأنها لا أساس لها.
وأُدين شرقي بالتجسس في 2020 وحُكم عليه بالسجن عشر سنوات هو الآخر.
أما طهباز فقد أعتقل في 2018 وحُكم عليه بالسجن عشر سنوات بتهمة "الحشد والتآمر ضد الأمن القومي الإيراني" والعمل جاسوسا لصالح الولايات المتحدة.
ونقلت إيران الأميركيين المفرج عنهم من سجن "إوين" إلى فندق في طهران، لكنها وضعتهم رهن الإقامة الجبرية، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن ذوي السجناء ومحامي الدفاع عنهم، في 10 أغسطس 2023.
وأكد مجلس الأمن القومي الأميركي في اليوم نفسه، إفراج إيران عن 5 أميركيين محتجزين لديها ووضعهم قيد الإقامة الجبرية، وأن المفاوضات جارية من أجل الإفراج النهائي عن المحتجزين، واصفا الوضع بأنه دقيق.
وعلى الصعيد ذاته، قالت صحيفة "فايننشال تايمز" الأميركية، إن واشنطن تأمل أن يمهد نقل سجنائها للإقامة الجبرية في إيران لعودتهم وتهيئة الظروف للمحادثات النووية، مؤكدة أن عودة السجناء لأميركا قد تحدث بمجرد إفراجها عن 6 مليارات دولار من عائدات النفط الإيراني المجمدة.
وأوضحت الصحيفة في 10 أغسطس 2023، أنه إذا أُفرج عن الأموال الإيرانية فستنقل لحساب في دولة قطر للتأكد من استخدامها في مجالات غير خاضعة للعقوبات، لافتة إلى أن الأخيرة إحدى الدول القليلة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع واشنطن وطهران، وساعدت في تسهيل المحادثات.
وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن المسؤولين الأميركيين والأوروبيين "أبلغوا إيران بأنه إذا كانت هناك تهدئة للتوترات خلال الصيف، فسيكونون منفتحين على محادثات أوسع في وقت لاحق من هذا العام، بما في ذلك المتعلقة بالبرنامج النووي".
وحال أثمرت جهود خفض التصعيد، فقد يلتقي الجانبان على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2023، ويضعان خطة لمزيد من المحادثات، وفقا لما أوردته الصحيفة الأميركية في 11 أغسطس.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أوروبيين وأميركيين (لم تكشف هويتهم) أن إطلاق سراح السجناء، هو يمثل الخطوة الأولى في خطة ذات مسارين بين طهران وواشنطن.
في المسار الأول، قال الدبلوماسيون إن "المعتقلين الأميركيين سيطلق سراحهم من السجن مقابل تحويل ما يصل إلى 6 مليارات دولار من عائدات النفط الإيراني، من كوريا الجنوبية إلى سويسرا".
وكخطوة ثانية، من المحتمل أن تستغرق أسابيع عدة، سيُسمح للمواطنين الأميركيين بمغادرة إيران بمجرد وصول الأموال الإيرانية إلى البنوك في قطر، والتي يمكن لطهران الوصول إليها، لكن واشنطن تراقبها عن كثب وتقول إنها "مخصصة للإنفاق على المجالات الإنسانية فقط"، طبقا للصحيفة.
من جهتها، قالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" في 10 أغسطس 2023 إن "الاتفاق يشمل الإفراج عن أموال إيرانية مجمدة بكوريا الجنوبية والعراق بقيمة 10 مليارات دولار".
في اليوم نفسه، قالت وكالة فارس الإيرانية (شبه الرسمية) إن الاتفاق يشمل إنفاق أموال إيران على شراء سلع لا تخضع للعقوبات الأميركية، وأن الاتفاق يشمل تحقق طهران من قدرتها على سحب أموالها من حساب إيراني في قطر قبل الإفراج عن السجناء.
وكان مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان، قد أكد في 10 يوليو 2023 وجود مفاوضات غير مباشرة بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وطهران بهدف إطلاق سراح الأميركيين المحتجزين في إيران.
وفي 8 أغسطس 2023، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن بلاده مستعدة لتبادل السجناء مع واشنطن على أسس إنسانية، وأن تبادل الرسائل مع واشنطن جرى بوساطة الدوحة ومسقط لمدة أشهر.
المصادر
- Iran Slows Buildup of Uranium Needed for Weapon
- صحف إيران: غموض اتفاق طهران- واشنطن.. وحاجة بايدن لصفقة مع إيران.. واليأس من الانتخابات
- ردود فعل واسعة حول صفقة طهران وواشنطن.. ونشطاء: "إذلال وإساءة لإيران"
- اتفاق جديد بين واشنطن وطهران: إطلاق سراح محتجزين أميركيين وإلغاء تجميد أموال إيرانية
- إجراءات معقدة وصارمة.. لماذا يستغرق اتفاق تبادل السجناء بين واشنطن وطهران وقتا طويلا؟
- اتفاق بين واشنطن وطهران لإطلاق سراح أميركيين محتجزين وإلغاء تجميد أموال إيرانية
- طهران: تبادلنا الرسائل مع واشنطن عبر عُمان والدوحة بشأن تبادل الأسرى
- بازتاب گسترده نحوه دسترسی ایران به پولهای آزادشده پس از توافق با آمریکا؛ «ذلیلانهتر از برنامه نفت در برابر غذا»
- مصادر: إيران قد تفرج عن 5 أمريكيين في صفقة تبادل سجناء وإفراج عن أموال
- محافظ البنك المركزي الإيراني: أموالنا المجمدة لدى كوريا الجنوبية ستنقل إلى حسابات في قطر