قصفت مدنها وسفنها.. هل تنجح أوكرانيا في نقل الحرب إلى الأراضي الروسية؟

12

طباعة

مشاركة

بدأت إستراتيجية أوكرانيا الجريئة المتمثلة في "نقل الحرب إلى الأراضي الروسية" تؤتي ثمارها بعد اشتعال "معركة البحر الأسود" ضد سفن موانئ روسيا.

طائرات مسيرة أوكرانية، بدون طيار محملة بالمتفجرات ضربت يومي 4 و5 أغسطس/آب سفينتين روسيتين إحداهما ناقلة نفط قبالة الساحل الشرقي لشبه جزيرة القرم المحتلة.

وهو ما يشير لتحول "البحر الأسود" مقر البحرية الروسية ومكان نقل نفط روسيا إلى منطقة حرب، حسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" 5 أغسطس 2023.

هذا ثاني تطور مهم ضمن إستراتيجية أوكرانيا الجديدة نقل الحرب إلى داخل الأراضي الروسية بعدما قصفت طائرات أوكرانية مقر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الكرملين) لأول مرة، ثم قصف ناطحات السحاب في الحي التجاري في موسكو.

نقل المعركة

صحف ومحللون غربيون عدوا تصعيد كييف ضرباتها الجوية والبحرية لروسيا والعاصمة موسكو وسفنها في البحر الأسود، بالطائرات يستهدف خلق معادلة "توازن ردع" مع القوة العظمى تدفعها في النهاية لإنهاء حربها على أوكرانيا.

يرون أن إستراتيجية أميركا والغرب –عبر بيدق كييف- في نقل الحرب إلى داخل روسيا لإجبارها على وقفها والرحيل عن أراضي أوكرانيا التي احتلتها ربما تكون ناجحة حتى الآن.

لكنهم يحذرون من تداعيات جرح كرامة الدب الروسي بالضغط عليه بهذه الطريقة المهينة، خاصة أن روسيا سبق أن هددت باستخدام سلاح نووي، وقد تلجأ إليه لو جرى حصارها أكثر بالخسائر، كما فعلت أميركا في الحرب العالمية الثانية.

ومساء 3 مايو/أيار 2023 شقت طائرة مُسيرة سماء موسكو ليلا، ثم اصطدمت بمبنى الكرملين، مقر مكتب فلاديمير بوتين. وأظهرت لقطات اندلاع حريق صغير على السطح، حسبما ورد في تقرير لصحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية.

وبعد 16 دقيقة، حلقت طائرة مُسيرة ثانية، مباشرة عبر الميدان الأحمر، وانفجرت فوق نفس المبنى الدائري، وانتشر حطامها فوق مجمع القصر الحصين.

عقب هذه الهجمات حاولت كييف نفي مسؤوليتها رغم اتهام روسيا لها، وتأكيد صحيفة نيويورك تايمز الأميركية 25 مايو 2023، عن مسؤولين أن وحدة أوكرانية تابعة للجيش أو المخابرات "دبرت هجوم الطائرات المسيرة ضد الكرملين".

أيضا في أعقاب هجمات أخطر على الحدود الروسية خلال ذات الشهر، توغلت قوات على مدينة "بيلغورود" جنوب غرب روسيا، نفت أوكرانيا مسؤوليتها عنها.

وقالت مجلة "إيكونوميست" في 23 مايو 2023. إن هذه القوات روسية متمردة تُسمى "فيلق حرية روسيا"، وتتمركز في أوكرانيا.

الجديد هذه المرة عقب الهجمات على ناطحات سحاب الحي التجاري في موسكو، وقصف مبنى مرتين، والهجمات على سفن النفط الروسية في البحر الأسود أن أوكرانيا تفاخرت بمسؤوليتها، بل وأعلنت بوضوح أنها بدأت اتباع إستراتيجية نقل المعركة لأرض العدو.

وبعدما كانت أوكرانيا تخفي هذه العمليات أصبحت تجاهر بإستراتيجيتها الجديدة وبهجماتها بعيدة المدى على أهداف روسية.

فضمن عملية نقل الحرب إلى روسيا للضغط عليها لوقف احتلال وغزو الأراضي الأوكرانية، ضربت طائرات بدون طيار أوكرانية ناطحة سحاب في موسكو تضم وزارات حكومية ومجمع "موسكو سيتي" التجاري مرتين في غضون 24 ساعة يومي 30 و31 يوليو/تموز 2023.

وقال رئيس بلدية موسكو سيرغي سوبيانين، إن طائرات مسيرة أوكرانية استهدفت العاصمة وجرى إسقاطها.

 لكن إحداها ضربت للمرة الثانية مبنى شاهقا كان قد استهدف أيضا يوم 24 يوليو/ تموز 2023، وهي مباني شركات استثمارية.

وخلال يوليو 2023، وقعت أربع محاولات لشن هجوم على موسكو مما أثار مخاوف بشأن تعرض العاصمة للهجمات مع دخول الحرب الروسية في أوكرانيا شهرها الثامن عشر، وتغير موازين الصراع في ظل الدعم الغربي لكييف.

ونادرا ما كانت موسكو وضواحيها، الواقعة على بعد 500 كيلومتر (310 أميال) من الحدود الأوكرانية، مستهدفة خلال الصراع في أوكرانيا حتى حدثت عدة هجمات بطائرات مسيرة هذا العام.

كما ألحقت طائرة بدون طيار بحرية أخرى أضرارا بسفينة إنزال تابعة للبحرية الروسية بالقرب من ميناء نوفوروسيسك الروسي، وهو مركز بحري وشحن رئيس على الشاطئ الشمالي الشرقي للبحر الأسود في قاعدة نوفوروسيسك جنوب غرب روسيا. وتبعها هجوم على سفينة ثانية في اليوم التالي.

وفي كل الأحوال أعلنت روسيا إسقاط العديد من الطيارات والبوارج المسيرة التابعة لأوكرانيا ومع هذا نجح بعضها في ضرب موسكو ومدن وموانئ روسية في البحر الأسود.

تحدي الاعتراف

كان حجم التحدي الأوكراني هذه المرة لروسيا كبيرا ولم تعد كييف تخفي تنفيذها بالهجمات بل وتفتخر بها وتؤكد استمرارها ووضع خطط لضرب أراضي روسيا.

الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قال إن هذه إستراتيجية أوكرانية جديدة محذرا من أن الحرب قادمة الى أراضي روسيا بعد الهجوم بطائرات بدون طيار على العاصمة موسكو، وفق موقع الرئاسة الأوكرانية.

أكد أن الهجمات على الأراضي الروسية "عملية حتمية وطبيعية وعادلة تماما" في الحرب بين البلدين، بحسب ما نشرت صحيفة "كييف إندبندنت" في 30 يوليو 2023.

أيضا حذرت القوات البحرية الأوكرانية، 4 أغسطس 2023 من أن ستة موانئ روسية على البحر الأسود ستُعد مناطق تقع في "خطر الحرب" حتى إشعار آخر. 

وفي بيان 5 أغسطس 2023 قال رئيس جهاز الأمن الأوكراني، فاسيل ماليوك، إن أوكرانيا كانت مسؤولة عن الهجمات الأخيرة على السفن الروسية.

وتابع أنه إذا أرادت روسيا وقف الهجمات، "فعليهم استخدام الخيار الوحيد لذلك، بمغادرة المياه الإقليمية لأوكرانيا وأرضنا".

وأضاف أن "الهدف كان إظهار أن أوكرانيا يمكنها مهاجمة أي سفينة حربية روسية في هذه المنطقة".

واعترف مسؤول أوكراني، تحدث لـ "نيويورك تايمز"، شريطة عدم الكشف عن هويته، بأن أوكرانيا كانت وراء الهجوم على ثاني ناقلة روسية في 5 أغسطس 2023.

ونقلت شبكة "سي إن إن" الأميركية في 5 أغسطس 2023 عن "دوجلاس باري"، الباحث في مجال الفضاء العسكري في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (IISS) أن كييف كانت تحرص على أن تكون بعيدة عن هذه الهجمات لكنها الآن تقول بجرأة: نعم نحن نفذناها.

قالت إن وزير التحول الرقمي الأوكراني ميخايلو فيدوروف، الذي تشرف وزارته على "جيش الطائرات بدون طيار" أكد أنه سيكون هناك المزيد من الضربات ضد روسيا لإخراج قواتها من الأراضي الأوكرانية.

أيضا تعرضت سفينة حربية روسية بميناء في نوفوروسيسك بجنوب غرب روسيا، يوم 4 أغسطس 2023 لهجوم أوكراني، ما يمثل "ضربة قوية" لقوة موسكو البحرية، ويعد تصعيدا لـ "الصراع في البحر الأسود".

ويعد الهجوم على ميناء مدينة "نوفوروسيسك" الروسي، المرة الأولى التي تستعرض فيها البحرية الأوكرانية قوتها بعيدا جدا عن شواطئ بلادها، حسبما ذكرت وكالة "رويترز" البريطانية 5 أغسطس 2023.

وكشفت وزارة الدفاع البريطانية أن الهجوم على قاعدة نوفوروسيسك ألحق أضرارا بالغة بسفينة الإنزال التي يبلغ طولها 370 قدما ووجه "ضربة كبيرة" لأسطول البحر الأسود الروسي.

وأشارت إلى أن روسيا نقلت العديد من وحداتها إلى نوفوروسيسك في ضوء "التهديد الكبير" للسفن في ميناء سيفاستوبول، الذي يقع على الساحل الغربي لشبه جزيرة القرم ضمن مدى الصواريخ والطائرات بدون طيار الأوكرانية.

وأكدت كييف التي تشن، منذ مطلع يونيو 2023 هجوما مضادا لاستعادة مناطق سيطرت عليها موسكو، مع تسجيل نتائج متواضعة حتى الآن، نيتها استعادة القرم التي ضمتها روسيا، عام 2014، حسب وكالة الأنباء الفرنسية 4 أغسطس 2023.

ووفقا لتقييم أصدره معهد دراسات الحرب (ISW) في 5 أغسطس 2023، تمهد الضربات الأوكرانية ضد أهداف روسية في البحر الأسود وتضع الأساس لهجوم مضاد "أكبر" في المنطقة، بعد الفشل النسبي للهجوم الأخير.

قال مركز الأبحاث الأميركي إن القوات الأوكرانية تستخدم طائرات بحرية من دون طيار "لتهيئة الظروف لعمليات حاسمة مستقبلية" في منطقة البحر الأسود، مشيرا إلى أن أوكرانيا "تضرب الآن مناطق أعمق بكثير في المناطق الخلفية لروسيا تضم أهدافا بحرية".

تفكيك روسيا

في تعليقه على هذه الهجمات داخل روسيا، يقول المحلل السياسي الأوكراني "رومان روكوميدا": "نحن نشهد فقط بداية عملية المقاومة العسكرية الداخلية في مناطق روسية مختلفة".

رأى في تحليل نشره بموقع "euractiv" في 29 مايو 2023 أنه "يجب أن يكون الغرب مستعدا لمواجهة عملية تفكيك روسيا".

وأشار إلى حاجة دول الناتو (حلف شمال الأطلسي) والاتحاد الأوروبي إلى الاستعداد للعيش مع روسيا مفككة.

أوضح أن هذه التطورات ونقل الحرب لأراضي روسيا سيجعل النخب الإقليمية الروسية "تبدأ في القتال من أجل السلطة والسعي لأن تملأ الفراغ".

وأوضحت صحيفة "لوموند" الفرنسية في تقرير نشرته 6 يناير/كانون الثاني 2023 أن روسيا لم تعد تسيطر الآن سوى على 16 بالمئة فقط من الأراضي الأوكرانية، بعدما كانت تحتل 24.4 بالمئة في مارس/آذار 2022، بسبب تراجع الجيش الروسي.

ويشير تحليل لشبكة "سي إن إن" في 5 أغسطس 2023 إلى أن الضربات الأوكرانية بطائرات بدون طيار نقلت الحرب إلى أراضي روسيا خاصة في ظل تحذير كييف من أن هناك المزيد من الهجمات القادمة.

قالت إن الدول الغربية تخشى تصاعد الهجمات الأوكرانية على الأهداف الروسية في الداخل، ما قد ينقل الصراع إلى مرحلة أخطر 

ونقلت سي إن إن عن كير جايلز، الخبير الروسي في معهد "تشاتام هاوس" الأميركي ومؤلف كتاب "روسيا الغزو والسياسة الخارجية" أن ضربات أوكرانيا ذات نهج مختلف تماما ومحددة الهدف.

أوضح أن "الهجمات استهدفت المباني المشاركة في المجهود الحربي الروسي"، بعكس ما تفعله روسيا من هجمات عشوائية على أوكرانيا.

قال إن هناك "سؤالا مفتوحًا حول كيفية تنفيذ أوكرانيا للهجمات بهذه الدقة، مؤكدا أن الضربات "أظهرت عجز دفاعات روسيا"، وهدفها إرسال رسائل عسكرية إلى الشعب الروسي للضغط على حكومته لوقف الحرب.

ويرى "جايلز" أن هدف أوكرانيا من وراء الهجمات داخل روسيا هو التأثير على الرأي العام الروسي من أجل إنهاء الحرب".

وأشار إلى أن روسيا تتظاهر بأن الحرب شيء يحدث في مكان آخر، لكن نقلها إلى أراضي موسكو سيؤثر على الدعم الشعبي الروسي للحرب.

وعن المؤشرات الأولية لعواقب الضربات الأوكرانية، يوضح جايلز: "يبدو أنها حققت نوعا من التأثير المذهل حيث بات الروس يدركون أنهم ليسوا محميين مما يحدث في أوكرانيا".

ويعتقد أن الغرب قلق من جر الناتو إلى صراع مباشر مع روسيا بسبب هذه الضربات الأوكرانية، لأن العقد الضمني بين تلك الدول وكييف كان دعم الغرب "حربا دفاعية" لا هجمات على موسكو قد تقود لصراع أكبر مع حلف شمال الأطلسي.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير للصحفيين أواخر يوليو 2023: "بشكل عام لا ندعم الهجمات داخل روسيا".

وعقب تصريح الرئيس الأوكراني أن الحرب سترتد إلى أراضي روسيا، حرص مسؤولون أميركيون في وزارة الدفاع على التأكيد لشبكة "فوكس نيوز" 31 يوليو 2023 أن "الأسلحة الأميركية ستبقى في أوكرانيا".

وتابعت: "يتطلع زيلينسكي إلى شن هجمات في الأراضي الروسية مستخدما الأسلحة الأميركية، لكن البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) أعاد التأكيد على تعهده بالاحتفاظ بأسلحته في داخل أوكرانيا (للدفاع عنها فقط).

وبحسب مراقبين دوليين، ليس أمام روسيا والرئيس بوتين سوى ثلاثة حلول: الأول هو التصعيد بقصف أوكرانيا بأسلحة غير تقليدية سبق التحذير منها وخاصة النووي التكتيكي.

والثاني: الانسحاب ووقف الحرب ولو من طرف واحد وبحث خطط للسلام تضمن لها بعض المكاسب على الأرض وفي الواقع السياسي كحل وسط.

والثالث: الإصرار على استمرار الحرب والمغامرة بانتقالها إلى أراضي روسيا الداخلية كما يبدو من رصد الإستراتيجية الغربية، والمعارك الأخيرة، ما قد يهدد موسكو بفقدان تفوقها وهيبتها العسكرية وربما تفكك البلاد أو وقوع انقلاب ضد بوتين.

ويشير تحليل سي إن إن في 5 أغسطس إلى أن التخوف الأكبر الآن هو رد فعل روسيا الانتقامي على هذه الهجمات.

وأوضح تحليل لمجلة "إيكونوميست" البريطانية 6 أغسطس 2023 أن استخدام الطائرات من دون طيار ضد أهداف موسكو له قيمة نفسية أكثر منها عسكرية.

إذ يهدف لإيصال رسالة إلى سكان موسكو بأنهم ليسوا محصنين من الصراع، وأن قادته يواجهون صعوبات في درء التهديدات العابرة للحدود.

وقد رصدت دراسة في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية 7 يناير 2023 ثلاثة تطورات متوقعة حال هزيمة روسيا في أوكرانيا هي: الإطاحة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

يليها صراع شرس على السلطة بين القوميين اليمينيين المتطرفين الذين يريدون استمرار المجهود الحربي وتدمير التسلسل الهرمي السياسي الحالي، والمحافظين الاستبداديين الذين يسيطرون على حصة النظام. وكذلك ظهور حركة ديمقراطية ملتزمة بإنهاء الحرب وإصلاح روسيا.