زار بشار الأسد وأشاد بمذابحه.. ما سر انقلاب حمدين صباحي على مواقفه؟

كما توقعت "الاستقلال" في وقت سابق، عقب اجتماعه مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 14 يونيو/ حزيران 2023، التقى السياسي المصري "حمدين صباحي" ووفد من "المؤتمر القومي العربي" الناصري، رئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق.

الأسد استقبل في 2 أغسطس/آب 2023 أعضاء وفد "المؤتمر القومي العربي"، برئاسة حمدين صباحي لمدة ساعتين، في أعقاب اجتماع الأمانة العامة للمؤتمر الذي عقد في دمشق تحت شعار "مع سوريا في وجه الحصار والعدوان والاحتلال".

و"المؤتمر القومي العربي"، منظمة سياسية تجمع شخصيات عربية ذات توجه قومي، وتأسس عام 1990 من تونس، ويعقد اجتماعاته في عواصم مختلفة، وهدفه دعم المقاومة الفلسطينية ومحور الممانعة ضد التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

وخلال الدورة الـ 31 للمؤتمر في بيروت يومي 23 و24 يونيو/حزيران 2022، والتي حضرها 250 "مشاركا"، جرى انتخاب حمدين صباحي أمينا عاما له.

صباحي أكد خلال لقاء الأسد ضرورة الاستفادة من "انتصار سوريا على أعداء الأمة، واستخدامه منصة للمزيد من المكاسب المشروعة للأمة العربية"، وفق وصفه.

وقال إن "سوريا بقيت أمينة على المقاومة وهي بصمودها حمت الهوية العربية وثقافتها وحضارتها"، وفق زعمه.

ويرى محللون أن زيارة صباحي جزء من توجه أنظمة قمعية، ومن دول "الثورة المضادة"، خاصة مصر والإمارات، لإعادة "الأسد" للساحة العربية، مرجحين وجود تنسيق بينه وبين المخابرات المصرية قبل الزيارة.

أو أن الزيارة جرت بطلب من طهران التي أوعزت له سابقا بلقاء أمين عام حزب الله باعتبار الطرفين تابعين لها وأن صباحي يوصف بأنه "رجل إيران"، حسبما بين تقرير سابق لـ "الاستقلال".

تفكيك الخطاب

في زيارته وخطابه عقب انتهاء المؤتمر القومي العربي، استخدم حمدين صباحي عبارات توحي بأن بشار الأسد انتصر على "الإرهاب" و"أعداء الأمة" وأنه لا مصالحة في سوريا مع "من انتهجوا العنف".

وهو ما يعني أنه اصطف مع مجازر الأسد ضد شعبه، ووصف المعارضة السورية بالإرهاب وعدم الشرعية، رغم دفاعه عنها سابقا.

إذ يتعارض هذا مع ما سبق أن قاله صباحي عقب الربيع العربي، حين هاجم نظام بشار الأسد قائلا إن "دماء أطفال سوريا ستطارده حتى النهاية".

عبر، حينذاك، عن استنكاره الشديد للمذابح التي يرتكبها الأسد ضد الشعب السوري، وخاصة استهدافه الأطفال، بحسب صحيفة "المصري اليوم" 9 يونيو 2012.

وكتب صباحي على موقع تويتر في يونيو 2012 أن نظام بشار الأسد "يتمسك بالحكم على جثث شعبه، ورائحة دم الأطفال لن تزول وستظل تطارده حتى النهاية".

ودعم في لقاء تلفزيوني الثورة السورية ضد طغيان بشار الأسد، ولكنه رفض أي تسليح أجنبي للشعب السوري أو استخدام السلاح للتخلص من النظام.

إذ أكد أن الطريقة الوحيدة للشعوب للتخلص من الطاغية هو "التصدي بسلمية أمام الدبابات وهو ما ينتهي بسقوط الطاغية السوري"، وهو ما فعله السوريون ليلقوا صنوفا من القتل والعذاب.

وقبل تحوله لدعم بشار، وصل الأمر بـ "صباحي" لمهاجمة الممثلة السورية "رغدة" قائلا إنها "فقدت توازنها بمغازلتها نظام الرئيس السوري الفاشي"، وأشار الى صدمته الكبيرة من آرائها المناهضة لثورة الشعب السوري، وذلك بحسب ما نشرت صحيفة "الأنباء" الكويتية في 31 أغسطس/آب 2011.

وكان لافتا قول صباحي في المؤتمر الصحفي عقب لقائه الأسد أن "المصالحة في سوريا تتطلب انفتاحا على الآراء كافة في البلاد على أرضية الحوار مع المعارضة الوطنية السورية التي لم تستخدم العنف"، بحسب قناة "الميادين" 2 أغسطس 2023.

وبحسب بيان صادر عن رئاسة النظام السوري، أكد الأسد خلال اللقاء، أنه لا يمكن الحديث عن انتماء سياسي، دون تناول مفهوم الانتماء كهوية، زاعما أن حالة القومية العربية والانتماء موجودة شعبيا ولم تنجح كل محاولات ضربها على مدى السنوات الماضية.

وحين تحدث عن "توسيع مفهوم المقاومة"، حصره في "مقاومة الفكر الذي يغزونا بشكل قسري بهدف تفكيك البنية الفكرية للشعوب العربية"، دون أن يتطرق لصفعات طيران الاحتلال الإسرائيلي لبلاده بشكل شبه يومي وصمته عن الرد.

أيضا قال بيان "المؤتمر القومي العربي" في دمشق إنه "يوجه رسالة احترام وإكبار للصمود البطولي لسوريا وشعبها وجيشها وقيادتها الممانعة الصامدة التي وقفت بإرادة وعزم ضد العدوان حتى انتصرت"، دون أن يوضح من يقصد بالمعتدي.

مصر أم إيران؟

وعقب اللقاء السابق بين صباحي وحسن نصر الله انتشرت تكهنات عن دور ربما يلعبه الأول بالتنسيق مع المخابرات المصرية بعدما التقاه مدير المخابرات عباس كامل عدة مرات بدعوى التنسيق للحوار الوطني.

وقال محللون إن هذا الدور غير المباشر، كوسيط، يلعبه صباحي لتحسين العلاقات مع إيران عبر حزب الله، بطلب من القاهرة.

وكان صباحي قال لقناة "الميادين" عقب انتخابه أمينا عاما للمؤتمر القومي العربي إن هذا يأتي "تقديرا لدور لمصر في قلب أمتها العربية، ورغبة في أن تستعيد دورها".

وضمن هذا الدور لصالح النظام المصري، قال الصحفي المعارض "وائل قنديل" إن وظيفة صباحي الحالية، "منذ دعاه الجنرال إلى إفطار رمضاني هي "البحث عن شرعية للسيسي".

قال، في مقاله بصحيفة "العربي الجديد" مطلع يوليو 2022، إنه (صباحي) يفعل ذلك، داخليا وخارجيا، عبر دوره كأمين عام للمؤتمر القومي العربي، وأنها وظيفة "استأنفها بحماس شديد وفرح طفولي".

وتزامن لقاء صباحي بنصر الله مع محاولات ووساطات عراقية وعمانية وتحركات من الجانب الإيراني لرفع درجة تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع مصر.

خصوصا أن الوضع الإقليمي العربي بات يسمح بمثل هذه التحالفات بعد أن أنهت السعودية قطيعتها مع إيران، وجرى رفع التمثيل الدبلوماسي وتبادل السفراء.

وضمن هذا السياق، قيل إن أحد الاحتمالات المتعلقة بلقاء نصر الله وصباحي، والذي مهد للاجتماع الأسد، أن يكون جرى بمثابة ضوء أخضر من مصر لزيادة التنسيق مع أذرع إيران في المنطقة العربية، بحسب موقع "ذات مصر" 18 يونيو 2023.

فريق آخر من المحللين يرى أن زيارة صباحي لسوريا، ورغم أنها تحت غطاء المؤتمر القومي، فهي بإيعاز من إيران وطلب منها مثلما طُلب منه لقاء حسن نصر الله والإشادة به.

وعقب المؤتمر القومي العربي الذي عقد عام 2022، وانتخاب أمينه العام، تساءل تقرير لموقع "أساس ميديا" اللبناني المدعوم سعوديا 8 يوليو 2022: "هل أصبح حمدين صباحي رجل إيران في مصر والعالم العربي؟".

قال: جعلته إيران والمندسين من رجالاتها "الأمين العام للمؤتمر القومي العربي"، الذي عُقد في بيروت.

وخلص إلى أن بيان المؤتمر كُتب بين طهران وحارة حريك (جزء من الضاحية الجنوبية في بيروت)، ووُضع عليه "طابع" حمدين صباحي، لانتحال صفة العروبة من "أم الدنيا".

وقال موقع "أساس ميديا": "سيضعون (أعضاء المؤتمر القومي المخالفين له) حمدين صباحي تحت الاختبار لأشهر قليلة فقط، قبل أن تبدأ الحرب الكبيرة لفضحه وفضح دوره الإيراني، وتصويب بوصلة المؤتمر، وسحبه من اليد الإيرانية".

مديح الديكتاتور

أسباب الزيارة ودلالاتها يمكن رصدها بوضوح من خلال كلمات صباحي والأسد وهي تكشف عن تناغم غريب بين من يدعي الثورية وبين السفاح والديكتاتور.

فبعد لقاء رئيس النظام السوري، عقد صباحي مؤتمرا صحفيا بأحد فنادق دمشق، أكد خلاله أن "الجراح التي خلفتها الحرب في سوريا تحتاج إلى بلسمة تستدعي تصالحا وتسامحا يعززان الوحدة الوطنية السورية".

وقال إن "المصالحة تتطلب انفتاحا على الآراء كافة في سوريا"، لكنه استبعد المعارضة والمقاومة السورية ضمنا.

صباحي، الذي يدعي أنه أحد ثوار 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر، لم يقف مع ثوار سوريا في هذه المصالحة.

بل اشترط نفس الشرط الفضفاض الذي يشترطه الحكام الديكتاتوريون للحوار ليبرروا بطشهم وهو أن يكون "مع المعارضة الوطنية التي لم تستخدم العنف".

لم يقتصر الأمر على ذلك بل قال بيان المؤتمر القومي العربي إن "سوريا تخوض معركة بالنيابة عن جميع العرب"، وأكد "ضرورة وضع برنامج عمل في مواجهة الحصار".

لم يحدد صباحي ولا المؤتمر القومي، أي "معركة" يقصد أن بشار يخوضها؟ وأي "حصار"؟

لكن في ظل تلقي بشار ضربات إسرائيل المتتالية دون الرد عليها، وقصر عدوانه على شعبه السوري وقصف المقاومة السورية، يتضح أن صباحي يقصد أن الأسد يخوض معركة مع شعبه ويجب نصرته فيها.

وأكد صباحي أن المؤتمر يقف مع سوريا ضد العدوان والاحتلال والحصار، إيمانا منه بدورها وموقعها في قلب الأمة العربية.

وبين أن "الإرهاب الذي ضربها كان هدفه تقسيمها وكسر إرادتها، وإخراجها من هويتها العربية ودورها القومي"، في إشارة للمعارضة السورية التي تصدت لعدوان النظام عليها.

ربما لهذا سارع زملاء صباحي في "الحركة المدنية" التي تضم التيارات اليسارية والناصرية (في إشارة لرئيس النظام المصري الأسبق جمال عبد الناصر) وبعض الليبراليين للتبرؤ من الزيارة.

وكتب القيادي في الحركة المدنية خالد داود على فيسبوك: "أرفض بشكل قاطع لقاء الاستاذ حمدين صباحي مع مجرم الحرب قاتل شعبه بشار الأسد".

وشدد على أن "هذه المقابلة لا تمثل المعارضة المصرية أو الحركة المدنية، وقام بها حمدين بصفته الأمين العام للمؤتمر القومي العربي"، وهو "لا يمثلني كمعارض مصري شارك في ثورة 25 يناير".

وبدوره، كتب "أكرم إسماعيل محمد" إن صورة حمدين مع الأسد "مزعجة وتسببت في تنامي شعور عميق لدي بالإحباط والخذلان"

قال: "غضبي الشديد من الأثر الهدام لهذا الاختيار على محاولتنا المشتركة في بناء تكتل ديمقراطي مصري يحمل أعباء ومهام النضال الديمقراطي في بلدنا" بعيدا عن "ميراث الاستبداد"، و"وكل أمراض التيارات القومية واليسارية في خلطها للأوراق وتبريرها لممارسات قهر الشعوب".

تناقضات الناصريين

فيما انتقد ناشطون صمت الناصريين خاصة المرشح الرئاسي أحمد الطنطاوي، وقالوا: "كل ناصري هو سفاح محتمل أو مروج للاستبداد"، وفق تعبيرهم.

كما عدّوا الزيارة سقطة تاريخية لشخص كان يزعم أنه في طليعة ثورة يناير ومدافع عن الحرية والديمقراطية ثم يدافع عن دعم سفاح دموي مجرم حرب بهذا الشكل الفج غير المبرر سياسيا.

وسخروا من تحول حمدين صباحي، من "ثوري" إلى "كومبارس لانتخابات للسيسي"، إلى "متاجر بدماء السوريين". 

قال رئيس تحرير صحيفة "المصريون" جمال سلطان إن هناك "حالة عشق أسطورية بين الناصريين وأي انقلاب عسكري أو ديكتاتورية عربية وحشية من أي نوع".

وانتقد الباحث علاء بيومي "كيف صدعنا بعض المعارضين العرب المحسوبين على الجماعات اليسارية والليبرالية بصراعهم مع الإخوان والتيارات الدينية وكيف حولوها لقضية أساسية باعتبار أن التيار الديني يمثل عائقا أمام التحول الديمقراطي من وجهة نظرهم".

"والآن بعد أن تراجعت شماعة الإخوان والتيار الديني بسبب القمع، يبدو أن حمدين صباحي ذهب ليستعيد أهداف 25 يناير ويؤسس لمبادئ الديمقراطية مستفيدا من خبرة بشار الأسد"، وفق قوله.

تساءل: كيف تصدر صباحي المشهد وقدم نفسه يوما ما على أنه مؤمن بالديمقراطية وبمبادئ 25 يناير؟ وكيف سمحت له الساحة السياسية المصرية بذلك!؟

ووصف الصحفي وائل قنديل في صحيفة "العربي الجديد" 4 أغسطس/آب 2023 ما فعله حمدين بأنه "رقصٌ سياسيٌّ ماجن فوق أشلاء ودماء شهداء الثورة السورية، التي كان صباحي نفسُه، مؤيّدًا لها ومتعاطفًا معها وقتما كان الانتساب للربيع العربي طريقا لقلوب الجماهير وأصوات الناخبين".

قال إن أشباه الأسد وأشقاءه في عائلة الاستبداد، من الحكام الذين صنعوا لأنفسهم صورا كبيرة بوصفهم منحازين للشعوب وثوراتها ورافضين الاستبداد، يطلبون ود الأسد لكنه لا يجيب".

ونشرت الناشطة المصرية سولافة مجدي صور الزيارة، وعلقت عليها في تويتر: "الحقيقة أنا لا أقصد التهكم، ولكن أحتاج لتفسير لمثل هذا المشهد".

وعلق الممثل المصري المعارض "عمرو واكد" على صورة حمدين صباحي مع بشار "قاتل شعبه"، قائلا: "كم كنا ساذجين وبلا حكمة، كل نخب الماضي لا خير فيها".