ضباط مخابرات بريطانيون يدربون جواسيس ابن سلمان لوقف الإخفاقات.. ما القصة؟

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة تثير قلق جهات عديدة، كشفت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات عن وجود مدرسة تجسس سعودية جديدة تستنزف عقول الاستخبارات البريطانية.

وقالت في عددها الصادر يوم 18 يوليو/ تموز 2023، إنه يعمل عدد متزايد من ضباط الاستخبارات البريطانية على تطوير مدرسة تجسس سرية للغاية تابعة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وأتبعت أن الأمر بات يشكل مصدر قلق ومخاوف لرواد المخابرات بشأن هجرة العقول الاستخباراتية التي جرى تدريبها على مدار سنوات من بريطانيا إلى الدولة الخليجية حيث الأموال.

مدرسة سرية 

وذكرت المجلة الفرنسية أن الرياض تطور بالفعل خلال الفترة الأخيرة برنامج تدريب استخباراتي عالي المستوى بمساعدة عدد من ضباط الاستخبارات البريطانية.

إذ تسعى المملكة إلى تحسين توظيف الموارد البشرية الاستخباراتية، مع معرفة كيفية التعامل معها وإدارتها.

ويأتي الضباط البريطانيون المنخرطون في المشروع من وحدة "الاستخبارات البشرية الدفاعية" بالغة السرية "DHU".

وهي وحدة استخبارات دفاعية يعمل ضباطها بشكل سري في تجنيد المصادر البشرية. 

وأوضحت "إنتيليجنس أونلاين" أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، دفع أجورا جيدة جدا للمدربين البريطانيين.

لدرجة أن ضباط الاستخبارات البريطانية حرصوا بقوة على تقديم خدماتهم كمدربين، الأمر الذي بدأ يمثل مشكلة لقسم الموارد البشرية في "DHU".

وبينت أن إجراء التدريب في مدرسة الاستخبارات السعودية الجديدة مرتبط بالأكاديمية العسكرية الوطنية. 

إذ جرى إنشاء الأكاديمية من قبل ابن سلمان لتأهيل كبار الضباط وخبراء الدفاع المتمرسين كجزء من حملة للاعتماد على الذات في القوات المسلحة وقطاع الاستخبارات اللذين يوظفان العديد من المستشارين الأجانب.

فيما اعتمدوا على ضباط "وحدة الاستخبارات البشرية الدفاعية" البريطانية، في جوانب التجسس. 

أدوار متعددة

تعد وحدة الاستخبارات البشرية الدفاعية (DHU)، التي سيعتمد عليها ولي العهد السعودي في تأسيس مدرسته الجديدة للتجسس، من أهم وحدات جهاز الاستخبارات الوطنية البريطانية، التي يرمز إليها بـ "MI6".

ويعود تأسيس هذه الوحدة إلى 1 أبريل/نيسان 1964، بإشراف الجنرال سير كينيث سترونج، وكانت مهمتها الرئيسة التركيز على قضايا الحرب الباردة (بدأت عام 1947 وانتهت 1991 بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وحلفائهم).

ويرأس وحدة الاستخبارات الدفاعية حاليا الفريق جيمس هوكنهول، الذي تولى إدارتها منذ عام 2018، وتكمن إستراتيجية عملها في تتبع العمليات العسكرية الخارجية ومراقبة أنشطة أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب الدولي.

أما رئيسها فهو ضابط عسكري يحمل رتبة ثلاث نجوم، وهو مسؤول عن التنسيق الكلي لنشاطات استخبارات الدفاع في جميع أفرع القوات المسلحة. 

ويتولى مهمة دعم الرئيس نائبان، أحدهما مدني والآخر عسكري، وتتمثل مسؤولية نائب رئيس استخبارات الدفاع المدني في إنتاج وتحليل المعلومات.

أما المدير العسكري، فمن مسؤولياته قطاع الاستخبارات الرقمية، ودمج المعلومات.

وبحسب الموقع الرسمي للحكومة البريطانية، تعتمد وحدة "DHU" في تقييماتها الاستخباراتية على معلومات سرية تقدمها مكاتب الاتصالات الحكومية وجهاز الاستخبارات البريطاني والخدمات الأمنية وخدمات استخبارات الحلفاء ومجموعة الأصول العسكرية. 

بالإضافة إلى التقارير الدبلوماسية ونطاق واسع من المعلومات المتاحة للعامة أو المصادر المفتوحة، مثل تقارير وسائل الإعلام والإنترنت.

وذكر الموقع أن الوحدة لعبت أدوارا خارجية متعددة، عن طريق تقديم تحليلات المستويات التكتيكية والتشغيلية والإستراتيجية. 

ومن أبرز الأمثلة على الدعم الذي قدمته استخبارات الدفاع، دورها في إمداد التحالف العسكري في العراق بالمعلومات المستمرة. 

وكذلك دعم قوات حلف شمال الأطلسي في مناطق أفغانستان والبوسنة والهرسك وصربيا.

وكذلك ساعدت عمليات الأمم المتحدة في سيراليون وليبيريا وقبرص وأريتريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

 

إخفاقات بالجملة 

لذلك فإن محمد بن سلمان اختار ضباط تلك الوحدة تحديدا في إطار سعيه لإنشاء مدرسة استخبارات، وتطوير قطاع المخابرات السعودية بعد جملة من الإخفاقات، لا سيما ما يعرف بـ "فضيحة الدنمارك".

ففي 15 أبريل 2021، أعلن المدعي العام الدنماركي، توجيه الاتهام إلى ثلاثة رجال من أعضاء جماعة المعارضة الإيرانية "ASMLA" أو "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز"، المقيمة في الدنمارك، لتمويلهم الإرهاب والترويج له داخل إيران بالتعاون مع جهاز المخابرات السعودية.

وقال البيان: "إن الثلاثة رجال المتهمين بتمويل الإرهاب بالتعاون مع المخابرات السعودية، نفذوا أنشطة استخباراتية غير مشروعة في الدنمارك". 

وتعود الأزمة إلى عام 2018، عندما كان جهاز الاستخبارات الدنماركية (بيت) يحمي 3 من أعضاء الحركة المعارضة، في مدينة ريغنستيد، جنوب العاصمة كوبنهاغن، من عملاء الاستخبارات الإيرانية التي اعتقلت واحدا منهم بتهمة محاولة تصفية هؤلاء.

لكن مع بدء التحقيقات تبين سقوط أعضاء حركة الأحواز المعارضة أيضا في فخاخ استخباراتية ومحاولات إثارة قلاقل داخل البلاد، فاعتقلتهم فورا وأخضعتهم لتحقيقات موسعة.  

هنا كشفت التحقيقات بعدا جديدا مع توسيع لائحة الاتهامات، إذ حضر دور محوري للرياض في مسألة الدعم المالي للحركة. 

وبينت أن رئاسة الاستخبارات العامة السعودية حولت مبالغ تتجاوز 30 مليون دولار عبر شبكة علاقاتها في الدنمارك، إلى المجموعة الأحوازية التي تستخدمها بشكل مستمر في أعمال إرهابية.

وبناء عليه مددت محكمة روسكيلدا (جنوب كوبنهاغن)، حبس المتهمين على ذمة القضية، واستندت في طلبها إلى أدلة جدية عن دور المخابرات السعودية، في تقديم دعم مالي ولوجستي لحركة النضال العربي.

ما أقدمت عليه المخابرات السعودية تسبب في توتر العلاقات مع الدنمارك، حيث استدعت وزارة الخارجية الدنماركية السفير السعودي في كوبنهاغن (لم يُعلن اسمه وقتها) يونيو/حزيران 2021، على خلفية الاتهامات بدعم الحركة الانفصالية، المقيمة في الدولة الإسكندنافية، والتحريض المباشر على الإرهاب في إيران.

ملف خاشقجي 

ومع ذلك ستظل الوصمة الكبرى في جبين الاستخبارات السعودية هي مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، بطريقة مريعة، شغلت الرأي العام العالمي برمته. 

وحاولت حينها الاستخبارات العامة تجاوز فضيحة تورطها في اغتيال خاشقجي في مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018، خاصة أن اللواء أحمد عسيري، الرجل الثاني سابقا في الجهاز، كان ضلعا أساسيا في العملية.

وكان مدير المخابرات خالد الحميدان نفسه على بعد خطوات من الإقالة لولا إرادة شخصية لولي العهد السعودي، الذي فضل التمسك به لأسباب غير معلنة. 

وكانت عملية القتل صدرت بأمر من محمد بن سلمان حسب تقييم تقرير وكالة المخابرات المركزية الأميركية التي كشفت أيضا أن الفريق المنفذ أرسله عسيري نائب رئيس المخابرات السعودية وقتها إلى إسطنبول لتصفية خاشقجي.

وهناك جرى تقييده بالقوة بعد صراع وحقن بكمية كبيرة من المواد المخدرة، قبل أن يعملوا على تقطيع جثته وتسليمها إلى "متعاون" محلي خارج القنصلية للتخلص منها.

تلك الضربة تسببت في الإطاحة بأحمد عسيري وإجراء تغييرات كبيرة شملت جهاز المخابرات العامة.

وتسببت هذه العملية غير المحسوبة في توتر العلاقات السعودية مع دول كثيرة ووصولها إلى مراحل متدنية، بالإضافة إلى تشويه سمعة الرياض وابن سلمان على الصعيد العالمي.

مكمن الخطر

التعاون الاستخباراتي السعودي البريطاني، ودخول وحدة الاستخبارات البشرية الدفاعية، في تجهيز طور جديد من رواد التجسس، يحمل في طياته تجاوزا عن سجلات سوداء حافلة في الملف الحقوقي للمملكة، وآليات التجسس واستهداف المعارضين.

على سبيل المثال، في 23 يناير/كانون الثاني 2020، قالت صحيفة لوموند الفرنسية: إن "اختراق السعودية هاتف مؤسس أمازون ورئيسها جيف بيزوس، الذي يمتلك صحيفة واشنطن بوست، ستكون قصة تجسس مذهلة".

وحسب لوموند "أدى التسلل إلى جهاز بيزوس، إلى نشر صور حميمة للملياردير ومالك الصحيفة اليومية، التي كان يكتب فيها الصحفي السعودي جمال خاشقجي المعروف بانتقاده للرياض".

وذكرت الصحيفة الفرنسية أن "استنتاجات التحليل الفني الذي أجري عام 2019. لجهاز آيفون الذي يملكه بيزوس، أظهرت تبادل ولي العهد ورئيس شركة أمازون أرقام هواتفهما الشهر السابق للتسلل الرقمي أول مايو/أيار 2018".

وفيما يخص تقنيات التجسس التي يستخدمها جهاز الاستخبارات السعودي، فهو يعتمد على أكثر من جهة، وليست الولايات المتحدة فقط.

ففي 4 ديسمبر/كانون الأول 2018، رفع المعارض السعودي "عمر بن عبد العزيز"، المقيم في كندا دعوى ضد شركة إسرائيلية قال إنها ساعدت الحكومة السعودية في التنصت والتجسس عليه، ومراقبة الرسائل التي تبادلها مع خاشقجي.

وقال المعارض السعودي عبر تويتر: "دفعت السعودية أكثر من 55 مليون دولار لشركة إسرائيلية للتجسس علي وعلى ناشطين آخرين.. اليوم نقاضيها أمام المحاكم".

وقالت صحيفة نيويورك "تايمز" في تقرير لها: "إن هذه الدعوى تمثل خطوة إضافية ضد الشركة (NSO Group)، والحكومة الإسرائيلية التي منحتها تراخيص لبيع برمجيات خبيثة تعرف باسم بيغاسوس، إلى الحكومات الأجنبية".

وورد في التقرير أنه "قبل أشهر قليلة من شن محمد بن سلمان حملة اعتقالات واسعة شملت المئات من الأمراء ورجال الأعمال، عرضت الشركة على المخابرات السعودية برامج لقرصنة الهواتف النقالة".