رغم إمكاناته الكبيرة.. لماذا يعجز تحالف كواد الرباعي عن مواجهة الصين؟
نشر معهد دراسات جنوب شرق آسيا (ISEAS) ورقة بحثية، استعرض فيها العقبات التي يواجهها التحالف الرباعي الموجه ضد الصين، والمكون من الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان.
وأُنشئ تحالف "كواد" عام 2007 كمنتدى حوار غير رسمي لمواجهة التحديات التي تواجه الأمن الإقليمي ولا سيما تلك التي يطرحها التوسع البحري الصيني.
وقال المعهد السنغافوري إن "الدول الأربع عقدت قمة على هامش اجتماع مجموعة السبع في هيروشيما (مايو/أيار 2023)، لكنها كانت قصيرة جدا، لدرجة أنها ربما كانت أقصر من الوقت المتطلب لقراءة البيانات التي صدرت عنها".
ويرى أن "الرؤية التي عرضتها المجموعة الرباعية خلال القمة، هي نتاج مخيب للآمال، بوصفها ثمرة ست سنوات كاملة، من التعاون الكبير بين أربع من أهم الديمقراطيات في آسيا".
وأضاف: "على الرغم من إمكانياتها الكبيرة، فإن المجموعة الرباعية لم تموضع نفسها بعد كمساهم فعال، سواء في تشكيل النظام الإقليمي أو استقراره".
ووفق معهد دراسات جنوب شرق آسيا، فإن الدافع وراء إنشاء هذه الرباعية هو الافتقار إلى الثقة في المنظومة الأمنية الحالية، لكنها في الوقت نفسه تمثل تحديا ناشئا لمركزية "رابطة أمم جنوب شرق آسيا"، وللتعاون الإقليمي بشكل عام.
وأضاف أن لدى هذا الرباعي "طموحات عالية لدعم رؤية ليبرالية للنظام الدولي، والدفاع عنها".
وتابع أنه "من الواضح أن هذا التجمع لديه إمكانات كبيرة. ومع ذلك، فإن قدرته على تحقيق المزيد قد أعاقها نقص التركيز، كما يتضح من خلال قائمة الأهداف المتزايدة، التي لم يتحقق الكثير منها حتى الآن".
الافتقار لخطة متماسكة
وأردف: "تفتقر المجموعة الرباعية إلى خطة متماسكة لربط أهدافها عالية المستوى، بإجراءات سياسية تحقق تلك الأهداف".
وأكد المعهد أنه "بدون التركيز بشكل كبير على الإنجاز، فإن هناك خطرا حقيقيا من أن تصبح هذه الرباعية مجرد مكلَمَة أخرى".
وحسب المعهد السنغافوري، فإن هذه المجموعة تأسست لأول مرة عام 2007، وسُميت رسميا باسم "المبادرة الأمنية الرباعية"، غير أنها حُلَّت في غضون 12 شهرا، مما عكس عدم وجود توافق في الآراء بين الأربع حول الحاجة إلى مثل هذه الهيئة.
"لكن بعد عشر سنوات، أُخرجت المجموعة الرباعية من هذا الجمود العميق، وذلك للعمل على المخاوف المتزايدة بشأن البيئة الأمنية المتدهورة في المنطقة"، حسب المعهد.
وأوضحت أنه "على الرغم من أنه نادرا ما يُصرَّح بذلك، فقد كان الدافع وراء إحيائها هو تصور مشترك للتهديد الذي تمثله الصين في عهد (الرئيس) شي جين بينغ، على التوازن الإستراتيجي في آسيا والمصالح الأمنية لهذه البلدان".
وأوردت أن "المجموعة الرباعية بدأت كتجمع يركز على الأمن والدفاع، لكنها منذ عام 2021، دخلت في مجالات أوسع من التعاون تتعلق بشكل أساسي بتوفير السلع العامة".
"ففي قمة هيروشيما التي انعقدت مايو/ أيار عام 2023، أصدر القادة صحيفة وقائع حددت قائمة شاملة بمبادرات الرباعية".
وشمل ذلك مجالات البنية التحتية، والأمن البحري، والمناخ، والصحة، والتكنولوجيات الناشئة، والفضاء، وحتى الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
ووفق معهد دراسات جنوب شرق آسيا، فإن "هذا التوسع في مجالات التعاون ينطوي على إمكانات حقيقية، لكنه يتضمن أيضا بعض المشكلات المهمة".
وأوضح المعهد أنه "على الرغم من اتساع المجالات التي تسعى الرباعية إلى التعاون فيها، فإنها لا تملك أجندة موضوعية في المسائل الاقتصادية، تتجاوز عددا من البرامج المتعلقة بالبنية التحتية، مثل تعزيز التعاون بين وكالات ائتمانات التصدير".
وأردف أنه "نظرا للأهمية التي يوليها أعضاء المجموعة الرباعية الآن للمساهمات غير الأمنية، وتركيزهم على رؤية ليبرالية خاصة للمنطقة، فإن افتقارهم إلى البعد الاقتصادي أمر لافت للنظر".
"ويتضح هذا بشكل أكبر إذا ما أخذنا في الحسبان الطريقة التي تستغل بها الصين السياسات الجيو-اقتصادية بشكل فعال، لتعزيز أهداف سياستها الدولية"، وفق المعهد.
حماية النظام الليبرالي
وأكد أن هذا التحالف الرباعي "وضع سلسلة من البرامج المعقولة والجديرة بالثناء، إلا أنها لن تُحدث فرقا فيما يخص طموحات حماية النظام الإقليمي الليبرالي، المستقر والقائم على القواعد، في مواجهة التحدي الذي تمثله قوى سلطوية طموحة".
خذ على سبيل المثال زمالة "Quad STEM"، التي تسمح للباحثين في مختلف مجالات العلوم والهندسة بقضاء بعض الوقت في الولايات المتحدة.
إذ تهدف لتطوير "شبكة من خبراء العلوم والتكنولوجيا الملتزمين بتعزيز الابتكار والتعاون في القطاعات الخاصة والعامة والأكاديمية، في بلدانهم وبين الدول الأربع".
وقال المعهد: "من الواضح أنه برنامج جدير بالاهتمام، ولكن عند وضعه في إطار الدفاع عن النظام الدولي القائم على القواعد في آسيا، سيتضح خطؤه، من حيث حجمه وأفقه الزمني".
وأردف أنه "حتى في المبادرات المرتبطة بالأمن البحري، مثل شراكة المحيطين الهندي والهادئ للتوعية بالمجال البحري، فإن الرباعي لم يقدم سوى القليل جدا حتى الآن".
وأكد المعهد أن "الدفاع عن النظام الليبرالي يتطلب قدرا كبيرا من التعاون، يتجاوز مجرد تنسيق القدرات البحرية وتبادل المعلومات الاستخبارية".
وأشار إلى أن التجمع الرباعي أنشئ بهدف الحد من نفوذ الصين واحتواء طموحاتها، لكن الدول المنخرطة فيه لم ترغب في أن يُنظر إليها على أنها تثير مواجهة مع بكين دون داع".
وتابع: "في حين أنه من الصحيح تماما الاعتراف بأن المصالح الأمنية الإقليمية واسعة النطاق ومتعددة الأبعاد، غير أنه من الأهمية بمكان ألا يجري إهمال عناصر القوة الصلبة تماما".
"وقد جادل بعض المحللين في ضرورة تصحيح هذه الصورة، في الفترة التي سبقت قمة 2023، ومع ذلك يبدو أن ذلك بلا جدوى حتى الآن"، وفق المعهد.
إحباط دول الرباعي
وبالمثل، فإن هناك تقارير تفيد بوجود إحباط بين دول الرباعي، بسبب عدم تركيز واشنطن على تحقيق أهداف المجموعة.
لكن هذا الإحباط لم يظهر للعلن حتى الآن، حسب معهد دراسات جنوب شرق آسيا.
ويعتقد المعهد السنغافوري أن "المجموعة الرباعية بحاجة إلى اتخاذ قرار واضح بشأن ما إذا كانت مجموعة أمنية أم أنها مجموعة تركز على التعاون الاقتصادي حول السلع العامة".
كما أنها "يجب أن تبدأ بتقليص عدد الأهداف التي تعمل عليها، وأن تركز المزيد من الموارد والوقت والطاقة على عدد أقل من برامج المنافع العامة الهادفة".
وشدد المعهد على أنه "بالرغم من ذلك، فإن المجموعة الرباعية تظل مهمة لأعضائها وللمنطقة".
وأكد أن "أحد الأسباب التي جعلت المجموعة الرباعية تجد صعوبة حتى الآن في تحقيق طموحاتها، هو الافتقار إلى الخبرة في العمل مع بعضهم البعض في هذه المجالات الجديدة".
ويرى المعهد أن "انتظام الاجتماعات والتفاعلات بين الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان سيؤدي إلى زيادة قدرتها على التعاون بمرور الوقت".
لكن حذر من أنه "ما لم تبدأ نتائج التعاون في الظهور، فمن غير المرجح أن ينتج عن الرباعية منافع عامة أو فوائد أمنية ولو غير مباشرة".
وأضاف: "إذا استمرت الرباعية في مسارها الحالي، فمن المحتمل أن ينتهي بها الأمر إلى أن تكون مجرد فرصة لالتقاط الصور والابتسامات بين الشخصيات المرموقة".
وأوضح معهد دراسات جنوب شرق آسيا أن "هذه ستكون مأساة، بالنظر إلى الدعم العميق الذي يحتاجه النظام الإقليمي الليبرالي، في الوقت الحالي وخلال السنوات القادمة".