"مخاوف مشروعة".. هكذا تقف أصوات تايوانية ضد التبعية الأميركية
سلطت صحيفة صينية الضوء على المعارضة التي تبديها عشرات الأحزاب والتنظيمات السياسية في تايوان، ضد "استقلال الجزيرة"، أو التدخل الغربي في الشؤون الداخلية لها.
وأشارت صحيفة "شباب الصين اليومية" إلى الاحتجاجات التي خرجت في 28 مارس/آذار 2023، لرفع هذه المطالب.
وقال وو رونغ يوان مؤسس "منتدى التنمية السلمية عبر المضيق"، الداعم للتقارب مع الصين إن "تواطؤ تايوان والولايات المتحدة من أجل الاستقلال تسبب في الإضرار بالسلام والاستقرار في مضيق الجزيرة، وأضر بالعلاقات بين ضفتيها".
وفي مساء 18 يوليو/تموز 2023، صوت مجلس الشيوخ الأميركي على تمرير أول اتفاقية في إطار "مبادرة الولايات المتحدة وتايوان للتجارة في القرن الحادي والعشرين".
وتهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التجارة، من خلال تبسيط عمليات التدقيق الجمركية، وتحسين الإجراءات التنظيمية، ووضع تدابير لمكافحة الفساد بين الولايات المتحدة وجزيرة تايوان.
وقالت صحيفة "شباب الصين" إنه "بمجرد ظهور نبأ إقرار الاتفاقية، بدأت سلطات "الحزب الديمقراطي التقدمي" التايواني على الفور في التباهي بـ"أفضل حقبة في تاريخ العلاقات التايوانية الأميركية"، وكأنها تمسك "بالقشة التي ستنقذ حياتها".
ومع ذلك، فإن المبادرة تركز في الغالب على "رعاية مصالح الولايات المتحدة"، حسب الصحيفة الصينية.
بكين تعترض
وبدورها، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، أنه "لطالما عارضت الصين بشدة أي شكل من أشكال التبادلات الرسمية بين الدول التي لديها علاقات دبلوماسية مع تايوان، بما في ذلك التفاوض، والتوقيع على أي اتفاقيات ذات انعكاسات سيادية وطبيعة رسمية".
وأضافت "ماو" أنه يجب على الولايات المتحدة وقف أي شكل من أشكال التبادلات الرسمية مع تايوان، والامتناع عن التفاوض والتوقيع على اتفاقيات معها، أو "إرسال أي إشارات خاطئة إلى الانفصاليين المطالبين باستقلالها".
وقالت الصحيفة: "في 19 يوليو 2023، وعقب إعلان نتائج التصويت في مجلس الشيوخ الأميركية، روجت السلطات التايوانية بسرعة للقرار".
وأكد مكتب رئيسة تايوان، تساي إنغ ون، أن "المبادرة" تحقق تقدما سريعا، وتعكس بشكل كامل دعم الكونغرس الأميركي للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة والجزيرة.
وصرح رئيس الوزراء التايواني تشين تشيين-جين أن المبادرة تغطي جانبا من إطار "الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة العابرة للمحيط الهادئ (CPTPP)"، وتمثل "نقطة تحول مهمة" في جهود تايوان على مر السنوات، وستسهم في تمكين البلاد من المشاركة في اتفاقيات التجارة الإقليمية.
وقالت صحيفة "شباب الصين" إنه "على الرغم من الجهود التي بذلتها السلطات التايوانية التابعة للحزب التقدمي الديمقراطي في الترويج لهذه المبادرة، فإن القيادي السابق في الحزب، غو زينج ليانغ، وجه انتقادات حادة لها".
وأكد "غو" أن ما يُعرف بـ"المبادرة" هو مجرد مذكرة تفاهم وإعلان نوايا، مؤكدا أن الاتفاقية "لا تغطي قضايا مهمة مثل الجمارك وفتح الأسواق".
وأوضح أن "الحكومة لم تحسب الفوائد المتوقعة بدقة، بل تروج بشكل مبالغ فيه بأننا نعيش "أفضل عصر للعلاقات التايوانية الأميركية، وتستمر في التفاخر والانبهار بشكل دائم".
وفي 20 يوليو 2023، أجرى المجلس التشريعي التايواني مراجعة لـ"المبادرة"، وأعرب العديد من ممثلي الرأي العام عن شكوكهم حيالها، حسب الصحيفة الصينية.
وقال لين ويتشو، القيادي في الحزب القومي الصيني (الكومينتانغ)، إن الحكومة التايوانية يجب أن تكون حذرة من "بيع تايوان" مرة أخرى من أجل مصالحها السياسية.
أهمية الصين لتايوان
وقالت الصحيفة إنه "وفقا لبيانات مكتب التجارة في منطقة تايوان، فإن الولايات المتحدة هي ثاني أكبر شريك تجاري للجزيرة الصينية"، وفق وصفها.
وأضافت أن "بيانات عام 2022 أظهرت أن تايوان سجلت فائضا تجاريا مع الولايات المتحدة بلغ 29.414 مليار دولار".
وبناء على إحصاءات الإدارة العامة للجمارك الصينية، بلغ إجمالي حجم التجارة بين البر الرئيس للصين ومنطقة تايوان 3196.78 مليار دولار أميركي خلال عام 2022.
"واستمر فائض التجارة لصالح تايوان مع البر الرئيس (الصين) بمقدار 1565.05 مليار دولار أميركي في نفس العام".
وهو ما يؤكد أن البر الرئيس للصين هو أكبر مصدر للفائض التجاري لتايوان، وفق الصحيفة.
وقال "بينج تاو" نائب مدير مركز أبحاث تايوان وهونغ كونغ وماكاو التابع لجامعة رنمين الصينية: "تتمتع الصين والجزيرة بتكامل اقتصادي، يزداد ترابطا، ويفوق بكثير أهمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الأخيرة والولايات المتحدة".
وتابع: "ومع ذلك، تظل السلطات الحالية في الحزب الديمقراطي التقدمي بتايوان غير معنية بالاستفادة من هذا التكامل، بل تركز بدلا من ذلك على تطوير العلاقات مع الولايات المتحدة، وهذا الأمر قد يؤدي إلى الإضرار بها وبمصالح المواطنين".
وأردف: "في الوقت الحالي، تشهد تايوان احتجاجات متزايدة، حيث يبدو أن كل التعهدات الحكومية حول رفع أجور الشباب، وسياسات الطاقة، وتحقيق العدالة الانتقالية، وتوفير الإسكان، وضمان الحياة الكريمة، مجرد وعود فارغة".
ووفق التقرير، فإن سكان الجزيرة يسخرون من "النقائص السبعة" لتايوان، وهي: نقص الغذاء، والكهرباء، والأدوية، والمياه، والأراضي، والعمالة الماهرة، والمواهب.
وأضاف: تتعرض سلطات "الحزب الديمقراطي التقدمي" لضغوط بسبب سوء إدارتها، وتحاول بذل كل جهد لإخفاء عدم رضا الناس، عبر الترويج لعلاقات تايوان مع الولايات المتحدة على أنها علاقة "لا تنفصم".
لذلك، أصبحت هذه المبادرة الأميركية التايلاندية بمثابة القشة التي يتشبث بها "الحزب الديمقراطي" للبقاء على قيد الحياة، وفق وصف صحيفة شباب الصين اليومية.
مصالح أميركية
وأشار نائب مدير مركز أبحاث تايوان بجامعة شيامن، البروفيسور تانغ يونغ هونغ، إلى أنه "نظرا لوجود فارق ضخم في القدرات الشاملة بين الجانبين، فإن الولايات المتحدة عادة ما تستغل الضعفاء لتحقيق مصالحها الذاتية".
وأردف: "بالنسبة للحزب الديمقراطي التقدمي، فهو يعتمد بشدة على دعم الولايات المتحدة لتحقيق أهدافه المتعلقة بالمضي في سياسة الانفصال وضمان الأمان لنفسه".
وبناء على ذلك، يمكن توقع أن نتائج المفاوضات بشأن المبادرة ستكون عموما في صالح الولايات المتحدة، وقد لا تكون بالضرورة في صالح منطقة تايوان، بل قد تكون حتى ضدها، حسب تانغ.
ويعتقد أن "المبادرة هي مجرد اندفاع طفيف ضمن موجة العولمة الاقتصادية والتكامل الإقليمي، ولكنها تركز بالأساس على السياسة الأميركية الحالية التي تهدف إلى احتواء الصين والضغط عليها".
وأكد تانغ أن الولايات المتحدة "تسعى إلى تشكيل حواجز تجارية ضد بكين، تحت ذريعة التعاون الاقتصادي، وتستغل القوى الداعية لاستقلال تايوان في مواجهة الصين".
ووصفت الصحيفة الصينية المبادرة بأنها إحدى الحيل التي تستخدمها الولايات المتحدة للتلاعب بـ"بطاقة تايوان".
ونقلت ما قالته المتحدثة باسم مكتب شؤون تايوان التابع لمجلس الدولة الصيني، تشو فنغ ليان، من أن العلاقات بين الصين والجزيرة حاليا "تواجه خيارين: السلام أو الحرب، الازدهار أو الانحدار".
وختمت الصحيفة بطرح سؤال: هل ينبغي أن نتغاضى عن تلك القوى والأنشطة التي تنكر "إجماع 1992" وتنحرف عن طريق التنمية السلمية، ونسمح لها بدفع تايوان إلى وضع خطير يتزايد باستمرار؟"
أم يجب الالتزام بـ"إجماع 1992"، واتباع طريق التنمية السلمية بحزم؟ يتعين على مواطني تايوان التفكير مليا واتباع الخيار الصحيح، وفق قولها.
و"إجماع 1992" هو اتفاق كل من حكومتي الجزيرة وبكين على أنه "لا يوجد سوى دولة واحدة ذات سيادة تشمل كلا من بر الصين الرئيس وتايوان"، ولكنهما تختلفان حول أي من الحكومتين هي الشرعية الممثلة لهذه الدولة.