رغم تعاونهما اقتصاديا.. لماذا يخيم الجمود السياسي على علاقات الصين واليابان؟

12

طباعة

مشاركة

استعرض موقع "الصين نت" الخلافات بين بكين وطوكيو، بعد الحديث خلال الشهور الأخيرة عن إنشاء حلف شمال الأطلسي "ناتو" مكتب اتصال له في العاصمة اليابانية.

وبحسب ما أعلن وزير الخارجية الياباني يوشيماسا هاياشي في مايو/ أيار 2023، يعتزم حلف "الناتو"، افتتاح مكتب اتصال له في طوكيو عام 2024 ليكون مركزا للتعاون وتسهيل المشاورات مع كوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا واليابان.

ويهدف إنشاء هذا المكتب، الذي سيكون الأول من نوعه في آسيا، إلى كبح جماح الصين التي تعمل على تعزيز هيمنتها العسكرية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وأشار الموقع الصيني إلى أن رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، ألقى خطابا في 22 يوليو/ تموز 2023، في تجمع حاشد، قال فيه إن "هناك مشكلات مختلفة بين الصين واليابان"، مؤكدا أن العلاقات المشتركة "تُراوح مكانها".

وذكر كيشيدا أيضا أن "الصين جارتنا، وهي أكبر شريك تجاري لنا، وتجمعنا بها روابط وثيقة"، معربا عن أمله في أن "يحافظ البلدان على علاقة بناءة ومستقرة مع الحفاظ على الحوار".

وعلق الموقع بالقول إنه "في وقت تتأرجح فيه العلاقات الصينية اليابانية عند مستوى منخفض، يبدو أن تصريحات كيشيدا تخفف من حدة الصراع، وتأمل أن يعمل البلدان معا للانطلاق من جديد بروح التعاون".

وصادف العام 2022، الذكرى الخمسين لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الصين واليابان، حسب الموقع.

ومنذ استعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، أصدر البلدان "البيان الصيني الياباني المشترك" في عام 1972، ووقعا "معاهدة السلام والصداقة اليابانية الصينية" عام 1978.

وعلاوة على ذلك، أصدرا "الإعلان الصيني الياباني المشترك" في عام 1998، و"البيان المشترك لمبادرة الصين واليابان إلى التطوير الشامل للعلاقات الإستراتيجية ذات المنفعة المتبادلة" عام 2008.

ويرى "الصين نت" أن هذه الوثائق السياسية الأربع عززت الأساس السياسي لتنمية العلاقات الثنائية، وقادت إلى استقرار التعاون الصيني الياباني.

تعاون اقتصادي

وعلى مدى السنوات الخمسين الماضية، حافظت الصين واليابان بشكل عام على التعايش السلمي، وحققتا منفعة متبادلة ونتائج مفيدة للطرفين، وعلى وجه الخصوص، أفاد التعاون الوثيق مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار.

ووفق الإحصاءات التي أوردها الموقع، فإن حجم التجارة بين الصين واليابان بلغ 1.03 مليار دولار أميركي فقط في عام 1972.

لكن في عام 2022 وصل هذا الرقم إلى 357.4 مليار دولار أميركي، حيث بلغت واردات الصين من اليابان 184.5 مليار دولار، وصادرات بكين إلى طوكيو 172.9 مليار دولار.

وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أُنشئت 55.393 شركة يابانية في الصين كجزء من الاستثمارات المباشرة، حيث بلغ إجمالي المبلغ المستثمر 127.31 مليار دولار أميركي.

وأورد الموقع الصيني أن هذا "جعل اليابان تحتل المرتبة الثانية بين الدول التي تستثمر في الصين من حيث إجمالي الاستثمارات".

وبدءا من نهاية عام 2021، تراكمت الاستثمارات الصينية المباشرة في اليابان لتصل لحوالي 4.88 مليار دولار أميركي.

وشملت هذه الاستثمارات بشكل أساسي التصنيع، والخدمات المالية، والكهرباء، والاتصالات، والبرمجيات، وغيرها من المجالات.

وفي الأول من يناير/كانون الثاني 2022، بدأ تنفيذ اتفاقية "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" (RCEP)، وهي اتفاقية تجارة حرة، تغطي أكبر عدد من السكان وأكبر حجم اقتصادي في العالم.

وتجمع الاتفاقية بين الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (بروناي، كمبوديا، إندونيسيا، لاوس، ماليزيا، ميانمار، الفلبين، سنغافورة، تايلاند، فيتنام).

هذا فضلا عن الدول الست الأعضاء في اتفاقية التجارة الحرة (الصين، اليابان، الهند، كوريا الجنوبية، أستراليا، نيوزيلندا).

وفي إطار هذا الاتفاق، "توصلت الصين واليابان، بصفتهما طرفين في الاتفاقية، لأول مرة إلى التزامات بتخفيض الرسوم الجمركية، مما يزيد التجارة الثنائية بينهما ويعزز مرونتها"، وفق "الصين نت".

وبالإضافة إلى ذلك، تسعى الصين جاهدة لتسريع محادثات منطقة التجارة الحرة مع اليابان وكوريا الجنوبية، بهدف مواصلة توسيع "دائرة الأصدقاء" لشركاء التجارة الحرة، والاستمرار في العمل المستمر نحو تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين بكين وطوكيو.

وتابع الموقع: "يمكن القول إن الصين واليابان تشتركان في مصالح مشتركة واسعة النطاق، منها الحفاظ على التكامل الاقتصادي العالمي واستقرار سلاسل التوريد، وتعزيز السلام والتنمية الإقليميين".

وبالتالي، فإن "عليهما أن يسهما في إعطاء دفعة للتطور والاستقرار في العالم أجمع، وآسيا على وجه الخصوص، في ظل التغييرات التي استمرت قرنا من الزمان"، وفق الموقع الصيني.

إجراءات غير مسؤولة

وأضاف أنه "ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، اتخذ الجانب الياباني سلسلة من الإجراءات غير المسؤولة، تحت ضغط التفكير الجيوسياسي، وهذا بدوره أضر بشكل كبير بالجو الودي للتعاون بين الصين واليابان".

وتابع: "في نهاية العام 2022، أقرت الحكومة اليابانية ثلاث وثائق تتعلق بالسياسة الأمنية بما في ذلك النسخة الجديدة من إستراتيجية الأمن القومي".

ولم يقتصر الأمر على التخلي بشكل أساسي عن مبدأ "الدفاع الحصري" (الذي يُحجّم استخدام القوة العسكرية اليابانية)، بل وصفت الصين بشكل تعسفي بأنها "التحدي الإستراتيجي الأكبر". وأكد الموقع أن هذا الوصف "مفعم بمعان تستفز بكين".

كما قال الجانب الياباني في مناسبات عديدة، إن "كل ما يحدث لتايوان تتعرض له اليابان" وأن "الحرب في أوكرانيا اليوم قد تكون في آسيا غدا"، حيث تروج بشكل عشوائي للقلق الأمني ​​وتثير التوترات الإقليمية، وفق الموقع.

وأردف أنه "منذ وقت ليس ببعيد، انتهزت اليابان فرصة المشاركة في قمة الناتو (خلال يوليو 2023) لتشجيع الحلف على إنشاء مكتب اتصال في طوكيو".

ووصف الموقع الصيني هذه الخطوة بأنها "محاولة لإدخال الكتلة العسكرية، التي تؤجج النيران وتشعل الحروب من بعد الحرب الباردة، إلى آسيا".

وبالإضافة إلى ذلك، تعاونت طوكيو أيضا بنشاط مع واشنطن لحجب التكنولوجيا عن الصين، لتصبح بذلك أول دولة -بخلاف الولايات المتحدة- تعلن عن حظر تصدير أدوات تصنيع الرقائق إلى الصين.

وأفاد الموقع أنه "في 23 يوليو 2023، أي في اليوم التالي لخطاب كيشيدا، أصرت الحكومة اليابانية على فرض قيود على تجارة الرقائق، وتصدير أدوات تصنيع أشباه الموصلات، متجاهلة التحذيرات المتكررة من الصين وأصحاب الصناعات المحلية والأجنبية".

ووفق "الصين نت"، فإنه من الواضح أن سبب تدهور العلاقات بين الصين واليابان -أو كما قال كيشيدا: "تُرواح مكانها"- يعود إلى الجانب الياباني".

وأوضح أن "اليابان تخلت عن مبادئ الصداقة المتفق عليها في الوثائق السياسية الأربعة، باتخاذها سلسلة من التدابير غير الودية تجاه الصين، وقد انحرفت هذه التدابير عن جميع المبادئ التي وردت في تلك الاتفاقيات".

وأشار إلى أن "خطاب كيشيدا لم يتلقَّ الكثير من التفاعلات في الساحة الإعلامية الصينية، حيث إن الجمهور الصيني في العادة يميل إلى التأني ومراقبة أفعال الجانب الياباني بدقة، بعيدا عن مجرد الاستماع إلى كلماته".

التبعية لأميركا

وأضاف "الصين نت" أنه "إذا ما نظرنا إلى عامل الوقت، فإن التحرك الياباني يُظهر تأثره بشكل واضح بسياسات الولايات المتحدة تجاه الصين".

إذ رفعت الولايات المتحدة شعار "تحالف الأصدقاء ضد الصين"، وعلى الفور، تبنت اليابان الموقف الأميركي، وفق الموقع. 

وتابع أن "زيارات مسؤولي الولايات المتحدة بشكل متكرر إلى الصين، تأتي بهدف إدارة العلاقات بفعالية، وتأطير المنافسة بين الدولتين.

وفي هذا السياق، "يظل الجانب الياباني ملتزما بسياسة التضييق على الصين، مع إطلاق بعض الإشارات المريبة للود الظاهري".

وأردف الموقع: "كما يرى رئيس الوزراء الياباني الأسبق، ياسو فوكودا، وغيره من أصحاب البصيرة، أنه يجب على السياسيين اليابانيين ألا يربطوا مصيرهم بمصير تايوان، وألا يطبقوا سياسة الولايات المتحدة بشأنها".

وفي أبريل/نيسان 2023، جددت الصين مطالبتها لليابان بـ "عدم التدخل" في قضية تايوان.

وذكرت هيئة الإذاعة العامة الصينية (حكومية)، أن بكين حذرت طوكيو خلال اجتماع ثنائي رفيع المستوى، من انتهاك سيادة الصين وسلامة أراضيها، خاصة فيما يتعلق بقضية تايوان.

وحثت الصين اليابان على "وقف جميع الأعمال التي تنتهك المصالح البحرية للصين"، مطالبة طوكيو أيضا بـ"عدم اتخاذ أي إجراءات للتدخل في قضية تايوان".

ولا تعترف الصين باستقلال تايوان وتعدها جزءا من أراضيها وترفض أي محاولات لانفصالها عنها، بالمقابل لا تعترف تايوان بحكومة بكين المركزية.

وأكد موقع "الصين نت" أنه "بصفتها دولة ذات تأثير إقليمي كبير، ينبغي على اليابان أن تكون لها مواقف خارجية مستقلة". 

وأضاف أن الجانب الياباني أكد مرارا أنه يريد "الحفاظ على الأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ".

"ولذلك يجب أن يلتقي مع الصين في منتصف الطريق، ويعزز الاتصال والتنسيق، ويعود إلى المبادئ المنصوص عليها في الوثائق السياسية الأربع بين الصين واليابان".

وختم الموقع بالقول إنه "بهذه الطريقة فقط يمكن الحفاظ على علاقة بناءة ومستقرة بين البلدين"، كما يقول كيشيدا.