"تحول كبير".. موقع صيني: 3 عوامل وراء تعديل تركيا سياستها الخارجية
سلط موقع صيني الضوء على المواقف الدبلوماسية التركية "الملفتة للنظر" خلال الفترة الأخيرة وتحديدا من يونيو/حزيران 2023.
وقال موقع "الصين نت" إن "أنقرة تسعى للتخفف من موقفها المحايد في الصراع بين روسيا وأوكرانيا، والاقتراب أكثر من الجانب الأوكراني".
وأشار إلى أن "تركيا -على ما يبدو- بدأت أيضا في إصلاح علاقاتها مع الدول الغربية، وتسعى للعودة إلى التوجه نحو الغرب في سياستها الخارجية".
تحقيق المصالح
وأوضح الموقع أن "هذا الاستنتاج يستند إلى أداء تركيا في اثنين من المواقف البارزة أخيرا".
الإشارة الأولى كانت في 8 يوليو/ تموز 2023، عندما زار الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، تركيا، وعاد ومعه خمسة قادة من "كتيبة آزوف" قادمين من تركيا.
وأكد "الصين نت" أن "هذا يتعارض بشكل واضح مع اتفاق أنقرة السابق مع موسكو لتبادل الأسرى، فضلا عن أنه موقف لا يعكس الدور المحايد الذي طالما تروج له أنقرة في سياستها الخارجية، بل يتعارض أيضا مع الموقف الأساسي لتركيا كوسيط في نزاع روسيا وأوكرانيا".
وشدد على أن "أبرز إنجازات تركيا في التوسط في النزاع الروسي الأوكراني كانت توصل الطرفين لاتفاق الحبوب في البحر الأسود، وتمديده عدة مرات".
وأكد أن "هذا الاتفاق خفف كثيرا من معاناة الدول العربية والإفريقية من نقص المواد الغذائية، ورفع مكانة تركيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وساعد أردوغان على الفوز في الانتخابات العامة مرة أخرى".
واستدرك قائلا: "مع ذلك، ومنذ بداية يوليو/ تموز 2023، رفضت روسيا بشكل واضح عدة مرات تمديد اتفاقية تجارة الحبوب في البحر الأسود، وأصرت على أن تغادر جميع السفن التي تغطيها الاتفاقية البحر الأسود قبل نهاية الاتفاقية في 17 من الشهر نفسه".
وأكد الموقع الصيني أن "هذا أضعف بلا شك دور تركيا كوسيط في النزاع".
وتابع: "بناء على ذلك، يبدو أن هدية تركيا الكبيرة التي قدمتها لزيلينسكي هي إشارة منها إلى روسيا، فحواها أنه إذا كانت الأخيرة لا تقبل وساطة أنقرة في اتفاقية الحبوب، فإنه بالإمكان أيضا إلغاء اتفاقية تبادل الأسرى الروسية-الأوكرانية التي سبق وأن وقعها الجانب التركي كوسيط".
أما الإشارة الثانية التي تدل على توجه سياسة تركيا الخارجية نحو الغرب، وفق التقرير، فهي أنه خلال قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي انعقدت بعاصمة ليتوانيا فيلنيوس في 12 يوليو 2023، أعطت تركيا أخيرا "الضوء الأخضر للسويد للانضمام إلى الناتو".
ونوه التقرير على أن هذا حدث "رغم حادثة حرق القرآن في السويد، التي وقعت منذ وقت ليس ببعيد".
ولفت إلى أن "هذا يظهر بوضوح التوجه الحالي لتركيا نحو الاقتراب من الدول الغربية، بما يدعم تحقيق مصالحها".
وفي هذا السياق، أعلن البيت الأبيض بأنه سيواصل التفاوض مع الكونغرس بشأن بيع طائرات إف-16 لتركيا.
تحول كبير
وقال الموقع الصيني: "ليس هذا فحسب، فقد شهد موقف تركيا تجاه انضمام أوكرانيا إلى الناتو تحولا كبيرا".
وأعلن الرئيس أردوغان في قمة فيلنيوس أن أوكرانيا "يجب أن تصبح عضوا في الناتو"، ودعا أيضا الدول ذات العضوية المزدوجة في الناتو والاتحاد الأوروبي إلى فتح الطريق أمام تركيا للانضمام إلى التكتل الأوروبي.
وعلى الفور، رد رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، على هذا النداء بأن الاتحاد الأوروبي "سيواصل تعزيز التعاون مع تركيا".
ويرى الموقع الصيني أن "رغبة تركيا في تخفيف موقفها تجاه الغرب بهدف الحصول على فرصة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، تبدو غير واقعية على الإطلاق".
ويعتقد الموقع الصيني أن "هناك ثلاثة عوامل رئيسة دفعت تركيا إلى إجراء تغييرات في سياستها الخارجية".
أولها، العامل قصير المدى، وهو أن هذا كان رد فعل على رفض روسيا تمديد اتفاقية تجارة الحبوب في البحر الأسود، حيث أرادت تركيا توظيف هذا الرد للضغط على موسكو وتحفيزها للتوصل إلى تسوية.
أما العامل الثاني فهو الاختيار المناسب للوقت، حيث إن زيارة زيلينسكي إلى تركيا وتزامنها مع قمة الناتو قدمت فرصة لتركيا لتحسين علاقاتها مع الدول الغربية، وفق التقرير.
بينما العامل بعيد المدى فيتعلق بتطور النزاع بين روسيا وأوكرانيا واستمراره على المدى الطويل، بالإضافة إلى حاجة تركيا الملحة للدول الغربية لدعم "اقتصادها المتعثر".
وأفاد الموقع بأنه "إذا كان من الممكن القول إن سياسة أردوغان في التحفيز الشديد للحس القومي، وإبداء موقف حازم تجاه الغرب، كانت بهدف الفوز بالانتخابات، فإن تعزيز الاقتصاد المحلي وتحقيق الوعود الانتخابية بعد فوزه هما الأولوية الرئيسة له".
ففي السنوات الأخيرة، ارتفعت معدلات التضخم الداخلية في تركيا بشكل مستمر، حيث وصلت عام 2022 إلى أكثر من 85 بالمئة في ذروتها، وفي الوقت الحالي، تقترب من مستوى 40 بالمئة.
ولمعالجة هذه الأوضاع، بدأ أردوغان منذ يونيو/ حزيران 2023، في ضبط سياسته الاقتصادية غير التقليدية التي اتبعها سابقا لمواجهة تدهور العملة وارتفاع معدل التضخم.
ففي 22 يونيو 2023، رفع البنك المركزي التركي معدل الفائدة الرئيس بمقدار 650 نقطة أساس، من 8.5 إلى 15 بالمئة.
وفي 20 يوليو/ تموز 2023، أعلن البنك المركزي التركي رفع معدل الفائدة بمقدار 250 نقطة أساس، لتصل إلى 17.50 بالمئة.
وفسرت وسائل الإعلام الغربية هذه الخطوة بأنها "بداية العودة إلى تطبيق سياسات اقتصادية أكثر عقلانية في تركيا"، حسب التقرير.
مصالح متعددة
وعلاوة على ذلك، يسعى أردوغان أيضا إلى تحقيق تقدم في جذب الاستثمارات الأجنبية.
ووفقا لبيانات البنك المركزي التركي لعام 2022، فإن 60 بالمئة من الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تجذبه تركيا قادم من أوروبا.
"وتتصدر المملكة المتحدة والولايات المتحدة قائمة الدول الرئيسة التي تستثمر في تركيا، وبالتالي، فإن أنقرة ليس لديها رغبة أو قدرة على مواصلة تنفيذ سياسة خارجية قوية تجاه الغرب"، حسبما يرى موقع "الصين نت".
وأشار إلى أن "التحول الأخير في السياسة الخارجية التركية هو مجرد مثال آخر على سياستها الخارجية البراغماتية، التي تهدف إلى تحقيق أقصى قدر من المصالح الذاتية للبلاد".
وتابع أنه "رغم ظهور إشارات واضحة على أن تركيا تقلّص تعاملها مع روسيا، وتعزز تعاونها مع أوكرانيا والكتلة الغربية، إلا أن الجزم بأنها ستختار جانبا، وتتخلى عن موقف التوازن في هذا النزاع الطويل، قد يكون استنتاجا مبكرا للغاية".
ويعتمد القطاع السياحي في تركيا إلى حد كبير على السياح الروس، حيث زار أكثر من 500 ألف روسي تركيا في يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط 2023، مما يشكل 13 بالمئة من إجمالي الزوار الأجانب لتركيا في تلك الفترة.
وفي مايو/ أيار 2023، سمحت موسكو لأنقرة بتأجيل دفع فاتورة الغاز الطبيعي بقيمة 4 مليار دولار ، لتخفيف ضغوط احتياطات العملة الأجنبية على تركيا.
بالإضافة إلى ذلك، سيتم تشغيل أول محطة طاقة نووية في تركيا، "أكويو" التي بُنيت بالتعاون بين البلدين في 2023.
وحسب الموقع الصيني فإن "هذه العوامل تؤكد أن تركيا لن تتخلى تماما عن علاقاتها مع روسيا".
وأكد أن "صانعي القرار في أنقرة يمتلكون آلية حساب دقيقة لتقييم مصالحهم، حيث لديهم القدرة على تحديد جميع المتغيرات بدقة".