النفوذ الصيني يتعاظم في إريتريا.. كيف يؤثر على البحر الأحمر وباب المندب؟
سلط معهد بحثي أميركي الضوء على النفوذ الصيني المتزايد في دولة إريتريا، مشيرا إلى تأثير هذا النفوذ على مصالح الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة.
وقال معهد "هادسون" في ورقة بحثية له، إن "الصين وروسيا زادتا أخيرا من انخراطهما في إريتريا، الدولة الصغيرة، ذات الموقع الإستراتيجي الواقع في شرق إفريقيا، في وقت ينحسر فيه النفوذ الأميركي هناك منذ سنوات".
و"على الرغم من المخاطر الواضحة على مصالحها، فشلت الولايات المتحدة في الاستجابة للتطورات، واتخذت بعض الإجراءات العكسية التي تظهر قصورا في تفكيرها الإستراتيجي".
وأكد أنه "إذا استمرت هذه الاتجاهات كما هي، فقد تقع المنطقة الحيوية المذكورة تحت نفوذ المنافسين الرئيسين لواشنطن على المستوى الجيوسياسي".
وخلال مايو/أيار 2023، أجرى الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، زيارة للصين استمرت أربعة أيام، حيث بُسط له السجاد الأحمر، وأطلقت 21 طلقة كتحية له.
صداقة طويلة ومتينة
ويُقال إن أفورقي -الذي استُقبل استقبالا حارا- هو أحد أنصار مؤسس جمهورية الصين الشعبية ماو تسي تونغ، كما أنه أحد المعجبين بالحزب الشيوعي الصيني.
ومنذ عام 1994، زار أفورقي بكين خمس مرات، كما أنه يشارك الصين هدفها المتمثل في إعادة توجيه النظام العالمي بعيدا عن الولايات المتحدة والغرب، وفق معهد هادسون.
وبحسب الورقة البحثية، فإن "ثلاثة من كبار المسؤولين الإريتريين -وزير الخارجية عثمان صالح، ورئيس الشؤون الاقتصادية للجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة هاغوس جبرييوت، والمستشار الرئاسي يماني جبريب- أجروا ما لا يقل عن 15 زيارة إلى الصين منذ عام 2010".
ومنذ استقلال إريتريا عام 1993، زارها أربعة من أصل خمسة وزراء خارجية صينيين (باستثناء الوزير الحالي المعين حديثا، تشين غانغ).
ومنذ عام 1997، عمل 16 فريقا طبيا صينيا في إريتريا، كما تعد الصين أكبر مستثمر ومقاول وشريك تجاري لهذا البلد، حسب معهد هادسون.
وأفادت الورقة البحثية أن الشركات الصينية شيدت أهم أجزاء البنية التحتية في إريتريا، ويتضمن هذا العمل تطوير "ميناء مصوع" الرئيس.
وفي عام 2021، انضمت إريتريا رسميا إلى مبادرة "الحزام والطريق"، كما ارتفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين.
وأورد المعهد الأميركي أنه "خلال السنوات الـ11 الماضية، اشترت الشركات الصينية حصصا مسيطرة في جميع مشاريع التعدين الأربع المطورة في إريتريا من شركات أسترالية وكندية".
زيارة إلى روسيا
وأفاد أنه "بعد وقت قصير من زيارته لبكين، توجّه أفورقي إلى موسكو لإجراء محادثات مع الرئيس فلاديمير بوتين".
وشدد على أن "علاقات روسيا مع إريتريا أقل شمولا بكثير من علاقات الصين، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 قلص بشدة نفوذ موسكو في إفريقيا".
"ولكن هذه الرحلة إلى روسيا هي جزء من حملة أوسع لتعميق العلاقات، كما هو الأمر في زيارته إلى الصين"، وفق المعهد.
وقبل أربعة أشهر من رحلة أفورقي إلى موسكو، أجرى "سيرجي لافروف" أول زيارة لوزير خارجية روسي إلى إريتريا.
وحث كل من لافروف وبوتين الرئيس الإريتري على حضور القمة الروسية-الإفريقية، التي ستنعقد في 27 و28 يوليو/تموز 2023، في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية.
علاوة على ذلك، كانت إريتريا الدولة الإفريقية الوحيدة التي صوتت ضد قرارين للأمم المتحدة يدينان الغزو الروسي لأوكرانيا.
وأضاف المعهد أن إريتريا، إلى جانب الصين وروسيا وعدة دول أخرى، أسست "مجموعة أصدقاء الدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة" عام 2021.
ووفق الورقة البحثية، فإن "مساحة إريتريا تقارب مساحة ولاية فرجينيا الأميركية، ويبلغ عدد سكانها حوالي 6 ملايين نسمة، لكن لها أهمية جيوسياسية كبيرة بسبب موقعها".
فلديها ما يقرب من 1400 ميل من ساحل البحر الأحمر، وتشترك في حدود بحرية مع اليمن والمملكة العربية السعودية، كما أنها تحتل موقعا رائدا على مضيق باب المندب.
إغلاق "باب المندب"
وأكد معهد "هادسون" أن "أجراس الإنذار يجب أن تدق في وزارتي الدفاع والخارجية الأميركية".
وأكد أنه إذا طورت الصين قاعدة عسكرية -أو حتى بنية تحتية ذات استخدام مزدوج- في أي من المدينتين "عصب" أو "مصوع"، لتتكامل مع قاعدتها العسكرية في جيبوتي المجاورة، فإنها ستكون قادرة على إغلاق مضيق باب المندب.
وتابع: "إذا حدثت مواجهة مع الصين، فإن مثل هذا الإغلاق سيجبر الأسطول السادس الأميركي على إضاعة أيام ثمينة في الملاحة من البحر الأبيض المتوسط، حول الطرف الجنوبي من إفريقيا، للوصول إلى المحيطين الهندي أو الهادئ".
"ويمكن لبكين أيضا قطع الوصول إلى ميناء جيبوتي، وهو أمر بالغ الأهمية للعمليات التي تجريها القاعدة العسكرية الأميركية القريبة"، حسب المعهد.
وأفادت الورقة البحثية أن "إريتريا بدأت أخيرا في منح حقوق تأسيس القواعد العسكرية لقوى أجنبية".
فعلى سبيل المثال، نجد الإمارات العربية المتحدة -التي تعمق بسرعة علاقاتها مع الصين وروسيا- تدير قاعدة عسكرية في مدينة "عصب" لسنوات، كجزء من عملياتها في اليمن، وأدخلت تحسينات على مهبط الطائرات هناك.
وقبل عدة سنوات، بدأت الإمارات في تفكيك أجزاء من القاعدة، ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت قد انسحبت بالكامل أو لا تزال تحتفظ بوجودها هناك، خاصة وأن عقد الإيجار الأصلي للقاعدة كان لمدة 30 عاما، وفق المعهد.
وأضاف أن "روسيا تريد أيضا إنشاء قاعدة في المنطقة، لتعزيز قدرتها على استعراض قوتها في البحر الأحمر، مع احتمال التسبب في مشكلات للولايات المتحدة".
وفي عام 2018، وقعت موسكو اتفاقية مع "أسمرة" لإنشاء قاعدة لوجستية، لكن لا يبدو أن شيئا قد تمخض عن هذه الاتفاقية.
ومع ذلك، ربما يكون "لافروف" قد أعاد النظر في الموضوع، خلال زيارته إلى أسمرة، في يناير/كانون الثاني 2023.
وهناك شائعات بأن مجموعة مرتزقة فاغنر الروسية لديها بالفعل وجود في إريتريا، حسب معهد هادسون.
ويرى أنه "على الرغم من الانقسام الأخير بين موسكو وفاغنر، فإن عمليات المرتزقة في إفريقيا لها قيمة كبيرة بالنسبة لموسكو، لدرجة أنه من المرجح أن تستمر بشكل أو بآخر".
كما حاولت موسكو أيضا -وفق الورقة البحثية- تأمين قاعدتها الخاصة في جيبوتي ولكن رُفض طلبها.
هذا فضلا عن أنها تمارس، منذ فترة طويلة، ضغوطا على الحكومة السودانية، لتأسيس قاعدة في "بورتسودان" على البحر الأحمر.
تراجع أميركي
وأشار معهد "هادسون" إلى أن "تقارب إريتريا المتزايد مع اثنين من المنافسين الرئيسين لواشنطن، يأتي وسط سنوات من تراجع النفوذ الأميركي في القرن الإفريقي".
فهناك جارة إريتريا من جهة الشرق، جيبوتي التي تستضيف قاعدتين عسكريتين واحدة أميركية، والأخرى صينية (الأولى لبكين في الخارج منذ عام 2017).
وأشار المعهد إلى أن بنية القاعدة الصينية في إريتريا تسمح لها بدعم حاملة طائرات صينية، وغواصات نووية.
كذلك، أنشأت الشركات الصينية الكثير من البنى التحتية في البلاد خلال السنوات الأخيرة، مما يساهم في زيادة عبء الديون الصينية الثقيلة على جيبوتي.
"وعلى الرغم من التحذيرات التي يطلقها كبار الضباط العسكريين الأمريكيين منذ سنوات، فقد فشلت واشنطن في وقف -أو حتى إعاقة- النفوذ الصيني المتنامي في جيبوتي"، حسب الورقة البحثية.
وأكد المعهد الأميركي أن "الولايات المتحدة تواجه احتمالا متزايدا بأن تصبح غير مرحب بها، على مدى آلاف الأميال في البحر الأحمر وخليج عدن وساحل المحيط الهندي".
وتابع أن "علاقات إريتريا الوثيقة والمتزايدة مع بكين وموسكو تعني أن الوضع في القرن الإفريقي سوف يزداد سوءا قريبا بالنسبة لواشنطن".
وختم بالتأكيد على أن "التحركات التي تدعو للقلق واضحة، لكن الشيء غير الواضح هو ما إذا كانت واشنطن تولي اهتماما كافيا لمعالجة هذه المشكلة".