تحقيق أمني.. ماذا فعل روبرت مالي لتستبعده واشنطن من المفاوضات مع إيران؟
فجّرت قضية التحقيق الذي أجرته وزارة الخارجية الأميركية مع مبعوث الولايات المتحدة إلى إيران، روبرت مالي، الكثير من التساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء ذلك، وتأثيرها على مسار مفاوضات الاتفاق النووي بين الغرب وطهران، لاسيما بعد الحديث عن منحه إجازة إجبارية.
وقال الدبلوماسي الأميركي روبرت مالي: "أُبلغتُ أن ترخيصي الأمني قيد المراجعة. لم أحصل على أي معلومات أخرى لكنني أتوقع أن ينتهي التحقيق بنتيجة طيبة وقريبا. في غضون ذلك، أنا في إجازة"، حسبما نقلت وكالة "رويترز" البريطانية في 29 يونيو/ حزيران 2023.
تحقيق أمني
على المستوى الرسمي في الولايات المتحدة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية مات ميلر في 29 يونيو 2023، إن المبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي "في عطلة"، وإن أبرام بالي يحل محله بالوكالة، ويقود عمل الوزارة في هذا الشأن.
لكن شبكة "سي إن إن" الأميركية نقلت عن مسؤول (لم تكشف هويته) في 30 يونيو قوله إن روبرت مالي، جرى تعليق تصريحه الأمني ومنحه إجازة بدون أجر، على خلفية فتح تحقيق بشأن تعامله مع الوثائق السرية، في وقت سابق من هذا العام.
وقال المسؤول الأميركي، إن مالي بقي في وظيفته لفترة من الوقت بعد تحقيق وزارة الخارجية، لكن لم يُسمح له بالوصول إلى معلومات سرية، وأن تحقيق وزارة الخارجية الأميركية حدد مشكلة في التصريح الأمني له.
ولفتت الشبكة إلى أن وزارة الخارجية كثفت تحقيقاتها الخاصة بتعامل مالي مع المعلومات السرية، مما أدى إلى تعليق تصريحه الأمني خلال الشهرين الماضيين.
وليس من الواضح ما الذي جرى الكشف عنه، والذي أدى على وجه التحديد إلى تعليق التصريح الأمني، ولم يكن لدى المصادر أي مؤشر على إجراء تحقيق جنائي يتعلق بالموضوع، بحسب "سي إن إن".
وأشارت إلى أن مالي في الأشهر الأخيرة، حافظ على دور بارز في العمل لتأمين الإفراج عن الأميركيين المحتجزين ظلما في إيران، وأنه كان على اتصال منتظم مع عائلات المحتجزين، وتحدث معهم أخيرا.
كما تواصل مالي مع السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة (سعيد إيرواني) في وقت سابق من العام 2023، لكن من غير الواضح إذا ما كانت هذه الارتباطات جاءت قبل أو بعد تعليق تصريحه.
لكن روبرت مالي، بحسب "سي إن إن" جرى "تهميشه من الجهود لوضع قيود على البرنامج النووي الإيراني، وكلفت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بريت ماكغورك، أحد كبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي، بهذا الدور".
"تضليل الكونغرس"
وفي المقابل، اتهمت تعليقات صدرت عن مسؤولين أميركيين، وزارة الخارجية بـ"تضليل" الكونغرس بخصوص دوره في المفاوضات الجارية مع إيران، ولاسيما أن الحديث يجري عن أن التحقيق الأمني مع مالي، يجرى على خلفية "تسريبه معلومات سرية".
وبعث رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي مايكل ماكول، رسالة في 30 يونيو 2023، إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، يطالب فيها بتفاصيل إضافية عن القضية، مشيرا بشكل خاص إلى سوء تعامله المحتمل مع الوثائق السرية.
وطالب ماكول في رسالته إدارة بايدن، بإتاحة مثول المبعوث الخاص بالإنابة لإيران، أبرام بال، ومنسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك، للإدلاء بشهادتهما في جلسة استماع عامة، وتقديم إحاطة سرية إلى اللجنة بحلول نهاية يوليو/تموز 2023.
ولفت إلى أن "التقارير الإعلامية عن وضع روبرت مالي، في إجازة غير مدفوعة الأجر والتحقيق في سوء التعامل المحتمل مع وثائق سرية، تثير مخاوف جدية فيما يتعلق بسلوك الأخير وإذا ما كانت وزارة الخارجية قد ضللت الكونغرس والرأي العام الأميركي".
وتابع: "فشل الوزارة في إبلاغ الكونغرس بهذا الأمر، يظهر في أحسن الأحوال الافتقار إلى الصراحة، وفي أسوأ الأحوال، يمثل معلومات خاطئة متعمدة وربما غير قانونية".
وشدد ماكول على أنه "نظرا لخطورة الموقف، من الضروري أن تقدم الوزارة على وجه السرعة سردا كاملا وشفافا للظروف المحيطة بتعليق تصريح المبعوث الخاص مالي، والتحقيق فيه وببيانات الإدارة إلى الكونغرس بشأن الأخير".
وفي السياق ذاته، قال السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، عبر تغريدة على "تويتر" في 30 يونيو 2023، إن "هذا الوضع مع مالي يجعل الأمر أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة للكونغرس للتدقيق والتأثير في (الصفقة) السرية التي يعقدها مع إيران".
يأتي ذلك، في ظل إرسال 249 مشرعا من الحزبين الأميركيين، بينهم 110 نواب ديمقراطيين، في 27 يونيو 2023 رسالة إلى الرئيس بايدن، يطالبون فيها باتخاذ خطوات إضافية للتصدي لبرنامج إيران النووي، والاستعداد لإعادة فرض عقوبات أممية عليها.
وأشار أعضاء الكونغرس الأميركي من الجمهوريين والديمقراطيين، بشكل خاص إلى التعاون الإيراني مع روسيا والصين، الذي "يعزز من ثقة النظام ودفعه لتحدي الولايات المتحدة ومصالحها".
وكتب 26 عضوا من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مجلس الشيوخ، رسالة مماثلة إلى إدارة بايدن في 28 يونيو 2023 أكدوا أن "الكونغرس متحد في موقفه القاضي بعدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي"، مطالبين "الإدارة الأميركية أن تبقى على الخط نفسه مع جهودهم".
مصير المفاوضات
وعلى صعيد الجانب الإيراني، لم يصدر أي تصريح رسمي حتى 4 يوليو/تموز، لكن الصحافة الإيرانية تناولت موضوع روبرت مالي والتحقيقات الأميركية التي تجري معه وتأثيرها على مسار مفاوضات الملف النووي بين طهران والغرب.
وقالت صحيفة "خراسان" الأصولية في 1 يوليو 2023، إن "إقالة مالي المحتملة من منصبه قد تعقد عملية إحياء الاتفاق النووي"، وأشادت بخبرته وتجربته الطويلة في هذا الملف.
لكن الصحيفة زعمت كذلك أن موقف روبرت مالي من الاحتجاجات الأخيرة في إيران جعله شخصا غير مرغوب فيه لدى طهران وهو ما قد يكون السبب في إبعاده من منصبه تمهيدا للتوصل إلى اتفاق.
وأضافت "خراسان" أن التجربة أثبتت أن الإقالات في الحكومات الأميركية تؤدي في الغالب إلى تحسين مسار المفاوضات مع إيران.
ورحبت صحيفة "إيران" الحكومية في 1 يوليو 2023 بقرار الإدارة الأميركية، وقالت إن "روبرت مالي كان ممن يؤمنون بسياسة الضغط والدبلوماسية مع إيران، وإن إقالته وإبعاده قد يساعد على إحياء الاتفاق النووي".
وفي المقابل، أشارت صحيفة "دنياي اقتصاد" المختصة بالشؤون الاقتصادية في 1 يوليو 2023 إلى عدم وضوح الأسباب التي أدت إلى تعليق عمل مالي.
ولفتت إلى أن السبب قد يكون خطأ مالي في تسريب معلومات سرية أو الإفصاح عن فحوى المفاوضات التي تجرى بشكل سري بين طهران وواشنطن.
وعلى الصعيد ذاته، رأى جودت بهجت، الأستاذ في مركز "الشرق الأدنى وجنوب آسيا" للدراسات الإستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، إن "الأخبار عن روبرت مالي مثيرة للدهشة، وهو كدبلوماسي رفيع المستوى يتمتع بخبرة واسعة تمتد لعقود".
وأضاف بهجت خلال تصريح لموقع "الجزيرة نت" في 2 يوليو 2023 أن "كبار الدبلوماسيين وذوي الخبرة يرتكبون أخطاء، لكن هذا لا يحدث كثيرا. من المحتمل أنه في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة سنعرف المزيد عما حدث بالفعل، ففي عصر المعلومات هذا من الصعب الحفاظ على الأسرار".
ولفت الخبير في الشؤون الدولية إلى أنه رغم الأخبار الغامضة حول قضية المبعوث الأميركي، لكن لدى الولايات المتحدة وإيران مؤسسات قوية تنفذ إستراتيجياتهما وسياساتهما.
وأكد أن مالي شخصية رئيسة في مفاوضات الملف النووي، لكن الاستغناء عنه ممكن، خاصة أن المفاوضات لا تتعلق بكبار المسؤولين الذين يجرون المحادثات بقدر ما تتعلق بالعقبات التي تحتاج واشنطن وطهران إلى التغلب عليها، مثل تبادل المعتقلين، ومستوى تخصيب اليورانيوم، ورفع العقوبات.
ويُعد روبرت مالي الذي عينته إدارة جو بايدن مبعوثا خاصة للشأن الإيراني عام 2021، أحد مهندسي الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، والذي سحب سلفه دونالد ترامب بلاده منه أحاديا عام 2018.
ومنذ ذلك الحين يعتبر المعارضون للاتفاق مع إيران في الولايات المتحدة، روبرت مالي، أحد أقوى الأصوات في إدارة بايدن التي تدفع نحو المسار الدبلوماسي بشأن الملف النووي.
It’s deeply troubling that President Biden would consider appointing Rob Malley to direct Iran policy. Malley has a long track record of sympathy for the Iranian regime & animus towards Israel. The ayatollahs wouldn’t believe their luck if he is selected. https://t.co/caxHhiXjKn
— Tom Cotton (@SenTomCotton) January 22, 2021
وفي مقال للكاتب الأميركي إيلي ليك، نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، في 25 يناير/كانون الثاني 2021، قال فيه إن "اختيار مالي يعني أن أول خطأ في السياسة الخارجية لبايدن سيكون من نصيب إيران".
وعزا الكاتب انتقاده إلى أن "مالي -الذي عرفته أروقة السياسة الخارجية في واشنطن على مدى ربع القرن الأخير- له سجل طويل في استرضاء أعداء أميركا، وهو بالضبط الشخص الخطأ في مثل هذا المنصب".
وعلى نحو مماثل، رأى السيناتور الجمهوري توم كوتون أنه "من المقلق للغاية أن يفكر بايدن في تعيين روبرت مالي لتوجيه السياسة الأميركية تجاه إيران، حيث يتمتع الأخير بسجل طويل من التعاطف مع النظام الإيراني والعداء لإسرائيل".
وأضاف السيناتور الأميركي عن ولاية أركنساس خلال تغريدة على "تويتر" في 22 يناير 2021 أنه "لن يصدق آيات الله (كبار رجال الدين) في طهران حظهم إذا تمّ اختياره، تعيين متطرفين مثل مالي سيمنحه الفرصة ليكذب على الرئيس بايدن وتوني بلينكن"، وفق وصفه.
المصادر
- مجلس الشيوخ الأمريكي يدخل على خط أزمة التحقيق مع مبعوث واشنطن لإيران
- صحف إيران: التحقيق مع روبري مالي.. واحتجاجات فرنسا.. والخلاف بين أجهزة استخبارات إيران
- المبعوث الأمريكي الخاص لإيران يقول إن ترخيصه الأمني قيد المراجعة
- قضية مالي تتصاعد... الكونغرس يريد «إحاطة سرية» مع مسؤولي ملف إيران
- لماذا أبهج إيقاف روبرت مالي صقور المعارضين للاتفاق النووي مع إيران داخل واشنطن؟
- التحقيق مع المبعوث الأمريكي لإيران بشأن تعامله مع الوثائق السرية وتعليق تصريحه الأمني
- الكونغرس يطالب بتضييق الخناق على إيران لردع «السلاح النووي»
- واشنطن تعلن منح المبعوث الأمريكي لإيران إجازة في ظل تحقيق بشأن طريقة تعامله مع مواد سرية