مشكلة فنية أم صورة سليماني؟.. سر تغيير قاعة المؤتمر الصحفي لابن فرحان بإيران

12

طباعة

مشاركة

ضمن زيارة هي الأولى من نوعها منذ ما يقرب من 17 عاما، وبعد 7 سنوات من التوتر وقطع العلاقات المشتركة، حل وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان في العاصمة الإيرانية طهران في 17 يونيو/حزيران 2023.

وبعد مباحثات مع وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، كان من المقرر أن يعقد مؤتمر صحفي للوزيرين بقاعة المرايا بوزارة الخارجية الإيرانية، ولكن مكان المؤتمر تغير في اللحظات الأخيرة، ونقل إلى قاعة المفاوضات التي لم تكن مجهزة لمثل هذا المؤتمر المهم.

وبحسب موقع فرارو الإيراني، جاء وزير خارجية المملكة إلى إيران، بعد قرابة سبع سنوات من التوتر والقطيعة.

برنامج الزيارة

وكان هذا الحدث مهما للغاية، لدرجة أن مائتين من الصحفيين والمراسلين والمصورين الأجانب والمحليين اصطفوا في حديقة طهران الوطنية، في حرارة شهر يونيو، لتسجيل كل لحظة من هذه الرحلة التاريخية. 

ووفقا لبرنامج الزيارة، كان من المقرر عقد مؤتمر صحفي مشترك، بعد اجتماع وزيري خارجية البلدين، في قاعة المرايا بمبنى وزارة الخارجية الإيرانية. وأدى التغيير المفاجئ في مكان انعقاده  إلى ظهور تكهنات كثيرة وردود أفعال واسعة النطاق.

وذكرت وسائل الإعلام أن بعض مسؤولي المراسم عملوا قبل دقائق من عقد المؤتمر الصحفي على جمع الأعلام وإزالة المنصات والميكروفونات، وأعلنوا أنه سيعقد "بسبب بعض القضايا" في القاعة التي جرت فيها المفاوضات الثنائية بين الوزيرين.

وعلى الرغم من أن مكان الاجتماع كان معدا، بما في ذلك النظام الصوتي والترجمة الفورية والمكان المناسب للصحفيين والمراسلين، فإن الاجتماع عُقد في غرفة لم يجر فيها تجهيز أي مرافق، وتلا وزيرا الخارجية بياناتهما بدون ميكروفونات.

رصد موقع فرارو ردود الأفعال الداخلية على هذه الواقعة، فقال إن أول من نشر حول هذا الموضوع هي صحيفة "جام جام".

ونشرت الصحيفة مقطع فيديو في قناتها على تلغرام، زعمت فيه أن سبب تغيير مكان انعقاد المؤتمر الصحفي هو وجود صورة "الشهيد القائد" قاسم سليماني قائد فيلق القدس في المكان، وفق وصفها. 

وكان الجيش الأميركي اغتال سليماني بضربة صاروخية قرب مطار بغداد الدولي في 3 يناير/كانون الثاني 2020. وكان هذا المسؤول البارز يسهم في تأجيج التوتر في الدول العربية من خلال وكلاء طهران في المنطقة، ما أثار فرحة عربية خاصة خليجية بالقضاء عليه.

وعلى الفور، أعيد نشر هذا الادعاء الأخير على نطاق واسع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، لدرجة أن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، اضطر للرد عبر بيان.

وفي البيان، رأى كنعاني أن "التكهنات الإعلامية بشأن تغيير مكان المؤتمر الصحفي بين الوزيرين لا أساس لها من الصحة". 

وقال إن سبب هذا التغيير هو "حدوث مشكلة فنية، واستحالة إقامة المؤتمر في الموقع المحدد سلفا".

أبعاد جديدة

لكن ردود الفعل على هذه القضية لم تهدأ رغم توضيحات المتحدث باسم وزارة الخارجية، واكتسبت أبعادا جديدة.

وبغض النظر عن ردود أفعال الناشطين السعوديين على هذه الواقعة، والتي وصفت من جانب البعض منهم بأنها انتصار دبلوماسي للسعودية على إيران، يمكن تصنيف ردود الفعل الداخلية في طهران إلى ثلاث فئات: 

الأولى: رواية جديدة عن قصة تغيير قاعة المؤتمرات الصحفية من جانب الحسابات المنسوبة للأصوليين.

الثانية: الانتقاد الشديد للرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته أمير عبداللهيان من جانب بعض المنتمين لما تسمى "جبهة الصمود" المتشددة.

الثالثة: الحديث عن افتراضية حدوث هذه الواقعة في عهد وزير الخارجية السابق، محمد جواد ظريف.

من خلال فحص الروايات المختلفة في وسائل الإعلام الإيرانية حول هذا الموضوع، يظهر أن معظم الموجودين في مبنى وزارة الخارجية يؤكدون حقيقة أن القاعة تغيرت بسبب صورة قاسم سليماني، لكن بعض التيارات تنسب ذلك إلى صحفي مقرب من ظريف.

وجاء في رواية نشرتها بعض المصادر ذات الصلة بالتيار الأصولي: "كل شيء كان يسير بشكل طبيعي، وكان من المفترض أن يُعقد الاجتماع في القاعة المعتادة، والتي توجد فيها صورة للشهيد قاسم سليماني".

وأردفت: "فجأة نشر أحد الصحفيين الإصلاحيين تغريدة ضد السعودية وشبكة العربية (الإعلامية)، وأثار الجانب السعودي بكلماته".

 وعرض فريق قناة العربية هذه التغريدة على المسؤولين، واشتكى مما فعله هذا الصحفي، وتسبب ذلك في تغيير فريق التشريفات والمراسم السعودي مكان الاجتماع، مع التأكيد على إزالة تلك التغريدة، وفق موقع فرارو الإيراني.

وأردف: سرعان ما شاع هذا الخط الإخباري الجديد بين المستخدمين الأصوليين. على سبيل المثال، من خلال إعادة نشر هذه القصة، كتب أحد المستخدمين: "هؤلاء الإصلاحيون يفعلون كل شيء لوقف تقدم البلاد. إنهم يؤذون أنفسهم بسبب الحريق". 

وكتب مستخدم آخر: "لقد أظهر التاريخ أن قدم المُصلِح تشارك دائما في تدمير الأوضاع". ومع ذلك، فإن منتقدي هذه الرواية أكثر من مؤيديها.

انتقادات عديدة

واتهم المؤيدون المنتقدين بوجود تناقضات لديهم، من خلال التذكير بالكلمات السابقة لهذه المجموعة من المستخدمين عن المملكة العربية السعودية، وفق الموقع الإيراني. 

على سبيل المثال، كتب الناشط السياسي سجاد عبيدي، ردا على هذه الرواية: "من الآن فصاعدا، يجب أن يكون للسيارة التي تقل أعضاء من السفارة السعودية في طهران مرافق لإزالة لافتات الحاج قاسم، لأن هناك احتمالا أن يقوم ناشط إعلامي بنشر صورة لسيارتهم بجانب لافتة له، فيغضب السعوديون ويغادرون".

وكتب مستخدم آخر على تويتر: "بالطبع، قبل سنوات قليلة، عندما تسلق بعض الأشخاص جدار السفارة السعودية وأشعلوا فيها النار لإحداث أزمة في علاقات إيران مع الدول الإسلامية والعربية، كان ذلك أيضا بسبب تغريدة ظريف!".

رد الفعل الأكثر شيوعا على تغيير مكان المؤتمر الصحفي هو مقارنة هذا الحدث بفترة وجود محمد جواد ظريف في وزارة الخارجية، حيث انتقد الكثيرون هذه المعايير المزدوجة.

المحلل السياسي عباس عبدي، هو من أشهر الأشخاص الذين نظروا إلى القصة من هذه الزاوية، وكتب في نقد حاد: "لست ضد تغيير مكان المقابلة. في الأساس، يتطلب مبدأ إنشاء هذه العلاقات ملاحظة بعض النقاط".

ولكن ماذا كان سيفعل أولئك الذين هتفوا باسم الحاج قاسم سليماني حتى يوم أمس لو حدث هذا في زمن ظريف؟ احنوا رؤوسكم لأسفل، لقد أنزلتم أنفسكم إلى مستوى بيدق حقير، لا تستمروا أكثر من ذلك، وفق تعبيره.

كما كتب الصحفي داود حشمتي أيضا: "قبل أسبوع، كانوا يعطون دروسا في المثالية لظريف، وكانوا يطرقون رأسه بمطرقة مثالية الشهيد سليماني".

وأردف: "اليوم، بسبب صورة الحاج قاسم، غيّروا مكان المؤتمر الصحفي، وأصبحوا إيجابيين وليبراليين، لدرجة أن جسد جون لوك ارتجف في قبره"، في إشارة إلى أنهم أصبحوا أكثر ليبرالية من المفكر الليبرالي الإنجليزي. 

وكتب مستخدم آخر أيضا عن نفس الشيء: "فقط تذكر أنه لو أن ظريف هو الذي قام بهذا التراجع، لحاكمه البرلمان الثوري، ولقصفته صحيفة المدفعية".

أما الخط الثالث فإن نهجه يختلف عن التيارين السابقين. فقد شكك بعض أنصار جبهة الصمود في أساس هذا التفاوض واللقاء من خلال تغريدات على تويتر.

كما هاجموا حكومة الرئيس رئيسي، ووصفوها بالخائفة أو الجبانة، بإعادة نشر لقطات المؤتمر الصحفي بدون صورة قاسم سليماني. 

وقرر بعض الناشطين الأصوليين، الذين كانوا دائما ما يتفاعلون مع القضايا السياسية الحالية في البلاد، أن يمروا على هذه القضية مرور الكرام، وكأنه لا أحد جاء ولا أحد ذهب. 

يمكن رؤية نفس التفكير في بعض الصحف. فعلى سبيل المثال، قررت صحيفة "رسالت" تجاهل هذا الخبر في صفحتها الأولى. 

وغطت صحيفة "وطن امروز" زيارة وزير خارجية السعودية لإيران في ركن صفحتها الأولى، في صورة خبر قصير.