التقاه السنة والأكراد.. لماذا غاب قادة الشيعة عن استقبال أمير قطر بالعراق؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

جملة من التساؤلات أثارها غياب القيادات الشيعية في العراق، لاسيما المنضوية ضمن قوى "الإطار التنسيقي" الحاكمة، عن اللقاءات التي أجراها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أثناء زيارته إلى بغداد، والتي اقتصرت على زعامات سنية وكردية.

وفي 15 يونيو/ حزيران 2023، زار أمير قطر العراق والتقى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي أقام مأدبة عشاء، حضرها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس إقليم كردستان، نيجيرفان البارزاني، وزعيم تحالف السيادة السني، خميس الخنجر.

استثمارات بالمليارات

أسفر عن زيارة أمير قطر إبرام اتفاقيات وتفاهمات غير مسبوقة بين بغداد والدوحة، والتي وصلت قيمتها في مجملها إلى نحو 7 مليار دولار ترصدها الأخيرة للاستثمار بمشاريع في مختلف القطاعات بالعراق، والتي من المقرر أن تنجز جميعها خلال عام 2028.

وقال المستشار السياسي للسوداني، فادي الشمري، إن "علاقة استثنائية جديدة بين العراق وقطر تعبّر عن نفسها تباعا، وتُوِّجت بزيارة الأمير الأخيرة لبغداد، وتوقيع اتفاقيات مهمة وتفاهمات عميقة في مختلف المجالات، منها على المستوى الحكومي وأخرى في قطاع الأعمال الخاص والاستثمارات".

وأشار الشمري خلال تصريحات لوكالة الأنباء العراقية في 17 يونيو 2023 إلى "توقيع مذكرات تفاهم تتعلق بمجالات الكهرباء والتشييد، والتوصل إلى اتفاق لإنشاء شركة نفط مشتركة وبناء مصفاة للتكرير، فضلا عن اتفاقات بشأن توريد النفط الخام والغاز المسال إلى العراق، لتلبية احتياجات الطاقة وتعزيز القدرة الإنتاجية".

وفي قطاع المدن السكنية، وقّع الطرفان اتفاقات لتطوير مدينتين سكنيتين نموذجيتين، تتمتعان ببنية تحتية حديثة بسعة تصل إلى 50 ألف ساكن، لكل مدينة، وتشمل هاتان المدينتان "فللا وشققا سكنية ومراكز تجارية ومستشفيات ومدارس"، وفقا للشمري.

وتابع أنه "جرى الاتفاق أيضا على بناء وتطوير عدد من الفنادق في مختلف المحافظات العراقية، بما في ذلك فنادق فئة 5 نجوم، لسد العجز الحالي المقدر بـ10 آلاف غرفة فندقية، بهدف تلبية جزء من الاحتياجات المتزايدة للسياحة والتجارة والاستثمار في البلاد".

أما في قطاع الرعاية الصحية، فقد أكد الشمري على أنه "جرى التوصل إلى اتفاقات مع شركات قطرية متخصصة في إدارة وتشغيل عدد من المستشفيات الجديدة التي سيجري افتتاحها بغضون أشهر".

وأشار إلى أن "الاستثمارات الإجمالية في هذه المشاريع الثلاثة تقدر بنحو 7 مليارات دولار، وسيتم البدء في تنفيذها مباشرة ولمدة 5 سنوات"، لافتا إلى أنه "من المتوقع أن تكتمل جميع الأعمال عام 2028".

وكان أمير قطر قد أكد خلال المؤتمر الصحفي المشترك في 15 يونيو 2023، أن المباحثات مع السوداني شملت المبادرات الإقليمية لتعزيز العلاقات بين دول المنطقة، ومن بينها مشروع الربط الكهربائي (مع دول مجلس التعاون الخليجي).

وأشار إلى أن الجانبين بحثا آخر التطورات في المنطقة، وضرورة تغليب لغة الحوار، لافتا إلى مواصلة دعم العراق وشعبه في تحقيق تطلعاته في تعزيز الأمن والتنمية.

زيارة مهمة

رغم إشادة ائتلاف "إدارة الدولة" بزيارة أمير قطر  إلى بغداد ووصفها بـ"المهمة"، لكن لم يخرج أي تصريح يخص كيان أو كتلة سياسية شيعية، سوى زعيم "تيار الحكمة"، عمار الحكيم، الذي أشاد بما جرى الاتفاق عليه بين بين البلدين في الجوانب السياسية والاقتصادية والتنموية.

وتأسس ائتلاف "إدارة الدولة" الذي تبنى تشكيل الحكومة في 25 سبتمبر/ أيلول 2022، ويمثل الأغلبية التشريعية كونه مشكلا من "الإطار التنسيقي" الشيعي، والحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكرديين، وتحالفي السيادة وعزم السنيين، وحركة بابليون المسيحية.

وقال الائتلاف خلال بيان في 15 يونيو 2023، إنه "يرحب بزيارة أمير قطر الشيخ تميم، إلى بلده الثاني العراق، فهي مهمة وتؤسس لشراكة إستراتيجية بين البلدين الشقيقين".

وأضاف البيان أن "حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تسعى إلى تحقيق النمو المتبادل، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين الشقيقين". 

وأشار إلى أن "هذه الزيارة تأتي لتؤكد الدور الذي يلعبه البلدان كدولتين محوريتين في المنطقة، والعمل على الارتقاء بالعلاقات التجارية والاقتصادية المتميزة، وفتح آفاق أكبر لتعزيز العلاقات المشتركة بين العراق والدول الشقيقة والصديقة في المجالات كافة على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة". 

من جهته، فسّر الباحث في الشأن العراقي، علي المساري، غياب القيادات الشيعية عن اللقاء إلى "محاولة القوى الشيعية، وتحديدا الإطار التنسيقي إعطاء صورة أن العراق في ظل حكمهم دولة مؤسسات، وبالتالي الضيف رئيس دولة، واللقاءات تكون رسمية".

لكن الباحث تساءل في حديثه لـ"الاستقلال"، قائلا: "هل يستطيعون تطبيق الأمر ذاته في حال جاء الرئيس الإيراني إلى العراق؟ الجواب، قطعا لا، لأنه حتى إذا لم يطلبهم سيسعون للقاء به، لأنه إذا غادر البلاد ولم يلتقهم فهذا سيضر بعلاقتهم مع نظام ولاية الفقيه في طهران".

ورأى المساري أن "السوداني يمثل الوجه الجميل والشخصية الودودة للإطار التنسيقي الذي تديره المليشيات الموالية لإيران، والقادة غير المقبولين لدى دول الخليج، ولا سيما رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وزعيم مليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي".

ولفت إلى أن "حضور قيادات سنية، وآخر يمثل الجانب الكردي يعطي انطباعا على عمق العلاقة والتقارب بينهم وبين دولة قطر وشخص أميرها الشيخ تميم، في المقابل عدم انسجام الأخير مع معظم قادة الإطار التنسيقي الشيعي".

وأشار المساري إلى أن "قادة دول الخليج، وتحديدا قطر يفضلون في الغالب التعامل مع الحكومات الرسمية، بعيدا عن المليشيات المسلحة، وخصوصا العقائدية والمرتبطة بإيران".

ورأى أن "قوى الإطار التنسيقي منذ توليها تشكيل الحكومة في أكتوبر/ تشرين الثاني 2022، اعتمدت مبدأ تبادل الأدوار، وذلك من خلال تقديم رئيس الوزراء على أنه رجل الدولة، فيما تتولى المليشيات التهديد والوعيد إذا تطلب الأمر، وهذا قد يكون متفقا عليه".

علاقات متنامية

وشهدت الأعوام الأخيرة تطورا متسارعا في العلاقات بين الدوحة وبغداد في العديد من المجالات، بدأت منذ زيارة وزير الخارجية القطري (رئيس الوزراء الحالي) الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إلى العراق في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.

وجرى خلال ذلك تفعيل مذكرة تفاهم موقَّعة بين البلدين، ثم تبعتها زيارة الرئيس العراقي السابق برهم صالح عام 2019 إلى قطر، لبناء منظومة علاقات مشتركة تسهم في ترسيخ العلاقات الثنائية وتوسيع آفاق التعاون بما يخدم المصالح المشتركة.

ومنتصف يناير/ كانون الثاني 2020، أجرى وزير الخارجية القطري، زيارة رسمية إلى بغداد، التقى خلالها قادة العراق لبحث تعزيز العلاقات بين الجانبين، ومستجدات الأوضاع الإقليمية.

وفي إطار تبادل الزيارات، اتفق وزير الخارجية القطري ونظيره العراقي فؤاد حسين، في مارس/ آذار 2021، على تفعيل اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي بين البلدين.

وتشكلت اللجنة المشتركة بين البلدين عام 2013، للتنسيق السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، لكن الاجتماعات بين الطرفين، توقفت بسبب التوترات الأمنية التي مر بها العراق عام 2014.

وخلال مؤتمر صحفي في بغداد، قال وزير خارجية قطر: "بحثنا استئناف عمل اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي في أسرع وقت، وقد تم الاتفاق على تفعيل عمل اللجنة".

وأضاف: "بحثنا كيفية تنمية العلاقات، وتعزيز التعاون بين بغداد والدوحة، ونعمل مع العراق والدول المجاورة لتهدئة أوضاع المنطقة"، مشيرا إلى أنه أجرى "لقاءات مثمرة مع الرئيس العراقي (السابق) برهم صالح، ورئيس الوزراء (السابق) مصطفى الكاظمي، وأن هناك توافقا في وجهات النظر بشأن الوضع الإقليمي بين البلدين".

وفي إطار التعاون بين البلدين الشقيقين، تم افتتاح خط ملاحي بين الدوحة وبغداد، في أبريل/ نيسان 2018، حيث أسهم الخط الجديد في نقل بضائع كل من الأردن والكويت وتركيا وإيران عبر الأراضي العراقية إلى قطر.

كما جرى في العام نفسه، توقيع الجانبين، مذكرة التفاهم الخاصة بالتعاون الثنائي بين معهد الخدمة الخارجية بوزارة الخارجية العراقية والمعهد الدبلوماسي بوزارة الخارجية القطرية.

كذلك، جرى الاتفاق بين بغداد والدوحة على توقيع مذكرات التفاهم لتأسيس إطار للتشاور والتعاون السياسي في القضايا المشتركة، ومذكرة تفاهم لاستثناء حاملي الجوازات الدبلوماسية والخدمة الخاصة من إجراءات الحصول على سمات الدخول.

وفي عام 2019، قدمت قطر حزمة قروض واستثمارات في مشاريع البنى التحتية وإعادة الإعمار في العراق بقيمة مليار دولار، خلال "مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق"، حيث أكد وزير الخارجية، دعم العراق لاستعادة دوره ومكانته في محيطه الإقليمي والدولي.

وفي 28 أغسطس/ آب 2021، شارك في مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، وأكد خلال كلمة له أن بلاده تؤمن بأن "العراق مؤهل للقيام بدور فاعل في إرساء الأمن والسلم بالمنطقة، ومن هذا المنطلق فإننا نحرص على دعمه لاستعادة دوره ومكانته التي يستحقها على المستويين الإقليمي والدولي".