رغم ويلات الفقر.. لماذا يبحث السيسي مع ماكرون صفقة أقمار صناعية عسكرية؟

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

يعتمد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي منذ بداية حكمه الديكتاتوري عام 2014 إستراتيجية مع الديمقراطيات الغربية تعصف بأي آمال شعبية في تحقيق وضع أفضل، ولعل فرنسا خير نموذج على ذلك. 

فعندما وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الإليزيه في 14 مايو/ أيار 2017، رسم شكلا خاصا للعلاقة مع الجنرال الانقلابي المصري على وجه التحديد.

فلم تنقطع الزيارات والاتصالات الهاتفية المتبادلة بينهما، ومع الوقت أصبحت مصر من أهم زبائن باريس في شراء الأسلحة بملايين الدولارات، رغم ما يعانيه شعبها من ويلات الفقر والقمع. 

تلك العلاقة بين السيسي وماكرون أثارت قلق المدافعين عن حقوق الإنسان، نظرا لسجل النظام المصري الحافل بارتكاب انتهاكات مروعة ضد المدنيين داخل السجون وخارجها.

وتفتح هذه العلاقة أيضا بابا آخر للتساؤلات، عن نفاق الديمقراطية الفرنسية التي لا تجد مشكلة في تبني نهج "شراء السلاح مقابل الصمت عن الجرائم الحقوقية".

صفقة جديدة

وفي ضوء هذا النفاق العلني، نشر موقع "أفريكا إنتيليجنس" تقريرا في 13 يونيو/ حزيران 2023، حمل عنوان "العلاقة الرومانسية بين باريس والقاهرة تزداد على وقع صفقة قمر صناعي عسكري".

وتحدث الموقع الفرنسي الاستخباري فيه عن صفقة أقمار صناعية عسكرية منتظرة بين شركات فرنسية والجيش المصري تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات.

وأورد الموقع أن "الأمر بدأ بزيارة وزير الدفاع المصري محمد زكي إلى باريس مطلع يونيو، وأن السيسي ذاهب إلى فرنسا يوم 22 من الشهر نفسه، وأن من نتائج تلك الزيارات، الترتيب لعقد صفقة أقمار صناعية عسكرية، بملايين الدولارات". 

وذكر "أفريكا إنتيليجنس" أن القاهرة ستشتري قمرا صناعيا عسكريا، سيكلف خزينة الدولة مئات الملايين من الدولارات". 

ورجح أن مصر بوضعها المالي الحالي المتأزم، لن تستطيع تمويل الصفقة الضخمة، خاصة أن ضغوط الحلفاء الخليجيين تزداد عليها، لإجراء مزيد من الخصخصة وبيع شركات تابعة للجيش والحكومة. 

وتحدث الموقع الفرنسي أيضا عن جزئية رفض صندوق النقد الدولي تسليم الحكومة المصرية، الجزء الثاني من القرض (3 مليارات دولار)، مما يعزز أن مصر ستواجه معضلة حقيقية في سداد ديونها. 

ومع ذلك فإن القاهرة ستعقد الصفقة رغم كل الصعوبات والعوائق، ورغم قدرتها المحدودة على الدفع في ظل العجز الدولاري، عن طريق الحصول على قرض جديد بضمان فرنسي، يؤكد "أفريكا إنتيليجنس".

وسجل حجم الدين الخارجي لمصر في نهاية سبتمبر/ أيلول 2022 نحو 155 مليار دولار، بينما هبط صافي احتياطي القاهرة من العملات الأجنبية في أبريل/ نيسان 2023 إلى نحو 34.4 مليار دولار، وفق بيانات البنك المركزي المصري.

كما أن مصر تتجه نحو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، حيث تقرر تحديد موعدها قبل انتهاء 2023، علما بأنها كانت مقررة 2024، لكن يبدو أن السيسي يريد أن ينهي هذا الملف وسط انشغال أوروبا والعالم بحرب روسيا وأوكرانيا.

رسميا، لم يشر المتحدث العسكري المصري عن صفقة القمر الصناعي في منشوره عن زيارة زكي إلى فرنسا، لكنه قال إن "مباحثات الوزير هناك تناولت مجالات التعاون العسكري الثنائية وتبادل الرؤى تجاه عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك في ضوء تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية".

وأوضح أن زكي أعرب عن تطلعه إلى "المزيد من التعاون المثمر لتعزيز العلاقات القوية بين القوات المسلحة لكلا البلدين وتحقيق الأهداف المشتركة وإرساء دعائم الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة".

زبون مهم 

وتعد مصر من أهم زبائن سوق السلاح الفرنسية على مستوى العالم، وفي 27 سبتمبر/ أيلول 2022، كشف تقرير للبرلمان الفرنسي عن وجود مصر على رأس قائمة مستوردي الأسلحة الفرنسية لعام 2021، بعد شراء 30 طائرة مقاتلة من طراز رافال بقيمة 4.5 مليارات يورو. 

وكانت وزيرة القوات المسلحة الفرنسية، "فلورانس بارلي" قد قالت في 4 مايو/ أيار 2021، إن "صفقة بيع طائرات الرافال إلى مصر ستساعد في الحفاظ على 7 آلاف فرصة عمل في فرنسا على مدى 3 سنوات".

وأضافت الوزيرة أن طلبية مصر من مقاتلات الرافال ستمكن من تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين باريس والقاهرة.

لكن الوزيرة تغافلت أن شراكة السلاح والصفقات الكبرى بين الطرفين لم تنقطع، وازدادت على نحو غير مسبوق، على مدار حكم عبد الفتاح السيسي، وحتى من قبل تولي ماكرون نفسه الرئاسة الفرنسية. 

ففي فبراير/ شباط 2015 وقعت القاهرة مع باريس صفقة للحصول على 24 مقاتلة "رافال"، وتسلمت آخر دفعة منها عام 2019. 

وفي يونيو 2016 تسلمت مصر حاملتي مروحيات "ميسترال" من فرنسا، كما تسلمت فرقاطة من طراز "جويند" في سبتمبر/ أيلول 2017، وهي من أصل 4 تم التعاقد عليها بين النظامين عام 2016، في صفقة قدرت بـمليار يورو. 

وصفقات سلاح السيسي وفرنسا في أحيان كثيرة لم تكن جزافية، فعلى سبيل المثال في سبتمبر 2021 فسخت أستراليا عقدا بقيمة 56 مليار يورو لشراء 12 غواصة فرنسية من طراز "باراكودا" من مجموعة "نافال" مقابل صفقة بديلة مع بريطانيا وأميركا، وهو ما أغضب باريس، وتسبب في جفاء دبلوماسي مع واشنطن وسيدني.

وواجه ماكرون حرجا شديدا خاصة أن الإلغاء تزامن مع أزمات اقتصادية متعلقة بنقص إمدادات الطاقة منذ الحرب الأوكرانية الروسية، وحاجة اقتصاد فرنسا لإنقاذ سريع.

عندها نشرت وسائل إعلام دولية، منها موقع "يورو نيوز" في 9 سبتمبر 2022، أن السيسي دخل على الخط وبدأ مفاوضات مع الحكومة الفرنسية لشراء جزء من الغواصات. 

وذكر أن النظام المصري يريد شراء 6 غواصات فرنسية من مجموعة "نافال"، بـ5 مليارات يورو، رغم الأزمة الاقتصادية المصرية الخانقة والديون المتفاقمة، وتشكك في مدى قدرة مصر على إتمام الصفقة المليارية.

الصمت مقابل السلاح 

ما قدمه السيسي لفرنسا مع ما تعانيه مصر من أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخها الحديث، جعل التساؤلات مطروحة عن أسباب تلك الإستراتيجية، وما الذي يتلقاه السيسي من فرنسا في المقابل. 

فسر شيئا من هذا موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في 26 يوليو/ تموز 2022، عندما قال في تحليل، إن "السيسي أبرم اتفاقا سريا مع الاتحاد الأوروبي ينص على الصمت مقابل السلاح".

وأضاف أنه حصل على مذكرة داخلية من وزارة الخارجية المصرية، تظهر قلق الدبلوماسيين المصريين بسبب الانتقادات التي توجه إلى مصر داخل الأمم المتحدة، وبشكل أساسي من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي".

وأوصت المذكرة، التي حررها موظفو وزارة الخارجية، ووقع عليها الوزير سامح شكري، أن "شراء الأسلحة من أوروبا مقابل الصمت عن الانتقادات".

وعلقت المذكرة بأنه "لا يوجد اهتمام مباشر يحفز الاتحاد الأوروبي على التعاون مع مصر مثل عقود التسليح التي تصل قيمتها إلى عشرات المليارات”.

وأشار الموقع البريطاني إلى أن "صفقات التسليح المليارية التي أبرمتها مصر منذ استيلاء السيسي على الحكم، خاصة مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا، وفرت له الحماية من النقد الموجه إلى سجله في حقوق الإنسان، مقابل الاستمرار في شراء الأسلحة منهم".

وأوجد ماكرون مبررا ومخرجا لهذا الأمر عندما أعلن في ديسمبر 2020، أنه لن يجعل بيع الأسلحة لمصر مشروطا بحقوق الإنسان لأنه "لا يريد إضعاف قدرة القاهرة على مكافحة الإرهاب في المنطقة"، على حد زعمه.

أموال للطغاة 

وفي 19 ديسمبر 2020، أعلنت 12 منظمة حقوقية، من بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، في بيان مشترك أن "الدبلوماسية الفرنسية على أعلى المستويات تتغاضى منذ فترة طويلة عن القمع الوحشي الذي يمارسه السيسي لأي شكل من أشكال المعارضة".

وجاء في البيان، "لن يقف الرئيس ماكرون للدفاع عن التزامه المعلن للنهوض بحقوق الإنسان في مصر".

وذكر أن "الحكومة الفرنسية برئاسة ماكرون، ليست موردا رئيسا للأسلحة لمصر فقط، حيث تبيع السفن الحربية والطائرات المقاتلة، ولكنها تسمح أيضا للشركات الفرنسية بتزويد القاهرة بمعدات المراقبة والسيطرة على الحشود".

وأوضح مدير الحماية الدولية في الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان أنطوان مادلين، "نحن مندهشون من أن فرنسا تفرش سجادة حمراء لديكتاتور مع وجود أكثر من 60 ألف سجين رأي في مصر اليوم".

كذلك نشر مركز "مالكوم-كير كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط" ورقة بحثية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني، بعنوان: "أموال للطغاة: رعاة السيسي الدوليون".

وذكر فيها أن تبع نظام السيسي يتبع سياسة ثابتة تقوم على حجز موقع متجذر له في المنظومة المالية العالمية من أجل ربط استقراره بالمصالح الاقتصادية للمنظمات الدولية والدول الغربية والشركات الخاصة".

وأضاف أن "سياسة الحكومة المصرية الرامية إلى الاحتماء في المنظومة المالية العالمية، تتألف من ثلاثة مكونات، المكون الثاني منها يشمل صفقات السلاح التي شهدت زيادة منذ عام 2014 ما جعل من النظام المصري ثالث أكبر مستورد للأسلحة عالميا بين عامي 2015 و2019".

وتابع أن إنفاق السيسي مبالغ طائلة على الأسلحة، بدءا من عام 2014، لعب بالفعل دورا أساسيا في ترسيخ شبكته للأمان الدولي، قد لبت فرنسا وحدها نسبة 35 بالمئة من طلب النظام المصري على الأسلحة.