في ظل حكم أحزاب الشيعة.. لماذا ترتفع أعداد الملاهي ومحلات بيع الخمور بالعراق؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

رغم تولي الأحزاب الدينية الشيعية السلطة في العراق بعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، لكن أعداد الملاهي الليلية ومحلات بيع الخمور ارتفعت بشكل مهول بعدما كانت قبل ذلك غير ملحوظة في معظم مناطق العاصمة بغداد، وإنما مقتصرا على أماكن محددة.

الارتفاع الملحوظ في أعداد الملاهي الليلية ومحلات بيع الخمور، أثار جملة من التساؤلات عن أسباب غياب الفتاوى من المرجعيات الشيعية التي تتمتع بتأثير كبير في الشارع العراقي على اعتبار البلد غالبية مجتمعه من المسلمين، والحكم تديره أحزاب دينية.

احتقان متصاعد

في مطلع يونيو/ حزيران 2023، أطلق العديد من خطباء المساجد في العاصمة بغداد، مناشدات عدة إلى الحكومة وأجهزتها الأمنية بالتحرك ضد ظاهرة ارتفاع أعداد محلات بيع الخمور والملاهي الليلية، التي تمثل تهديدا حقيقيا لعادات وتقاليد المجتمع المحافظ.

وتأتي هذه المناشدات بعد حملة سابقة في يناير/ كانون الثاني 2023 كان قد أطلقها خطباء مساجد مناطق المنصور واليرموك الجامعة والعامرية والخضراء ذات الغالبية السنية في بغداد، ضد توافد أشخاص من خارج مدنهم وافتتاح محلات لبيع الخمور والتسبب بحالة احتقان متصاعدة لدى الأهالي.

ورغم استجابة ناحية المنصور التي تعود جميع هذه المناطق إليها إداريا للمناشدات والشكاوى واتخاذ قرار يقضي بإغلاق جميع محلات الخمور، لكن جرى الالتفاف عليها مؤخرا، وافتتحت مكانها نواد ليلية تحت عناوين مختلفة تتعلق بالمثقفين والصحفيين تُباع خلسة هذه المواد في داخلها.

وفي يناير 2023، أغلقت السلطات الأمنية في قضاء أبو غريب غرب العاصمة، متاجر لبيع المشروبات الكحولية في ناحية "النصر والسلام"، استنادا إلى أمر من محافظ بغداد، محمد جابر العطا.

وكانت الناحية، قد شهدت قبل أربعة أشهر من ذلك وبشكل مفاجئ افتتاح ثلاث محلات لبيع الخمور، ما أثار حفيظة رجال دين وشيوخ عشائر القضاء، الذي يعرف بأنه مجتمع عشائري، ولم يعتد على تواجد مثل هذا الأمور.

محلات بيع الخمور التي ظهرت في قضاء أبي غريب، كانت تعود إلى رجل يطلق عليه "عمّو خيري"، وكانت تقع في سوق الحصوة وشارع أبو منيصير، والتي أغلقت بعدما رفع شيوخ عشائر المدينة مطالبات بإغلاقها إلى إدارة القضاء ومحافظة بغداد.

وعلى الوتيرة ذاتها، فقد اشتكى أهالي منطقة الكرادة ذات الغالبية الشيعية في بغداد بشكل رسمي لدى السلطات في ديسمبر/ كانون الأول 2022، من تزايد محلات بيع الخمور والملاهي الليلية، خصوصا وأن هذا الحي يضم العديد من مقرات أحزاب وقوى سياسية شيعية.

ولا توجد إحصائية رسمية ولا غيرها صادرة من منظمات غير حكومية عن أعداد الملاهي والنوادي الليلية، ولا تلك التي تتعلق بعدد محلات بيع الخمور في العراق.

صمت المرجعية

وبخصوص غياب فتاوى مراجع الدين الشيعة عن تنامي هذه الظواهر، قال الوزير والبرلماني السابق، وائل عبداللطيف، لـ"الاستقلال" إن "المرجعية الدينية في النجف لا تستطيع تأكيد المؤكد، لأنه مؤكد لديها هو منع الخمور وأمور كثيرة جدا نراها اليوم في الشارع العراقي، وهي غير راضية عنها".

وتساءل عبداللطيف: "لماذا أوصدت المرجعية بابها أمام السياسيين؟ بالتأكيد الإجابة تكون نتيجة عدم الرضى عن السياسات التي يتبنونها وعن أمور كثيرة غير شرعية ولا قانونية رأتها طيلة المدة من 2003 وحتى يومنا الحاضر".

وعزا السياسي العراقي عدم كبح هذه الظواهر، إلى أن "الحكومة لا تزال ضعيفة ومتوترة ومفتتة، ولا تركن على أرض صلبة، ولهذا لا تستطيع أن تغلق هذه الأبواب، فهناك صالات القمار التي تهرب الأموال للخارج، والمراقص والدور التي تحوّلت إلى ملاهٍ، وكثير من هذه الأمور الآن تجرى في بغداد والسلطة عاجزة عن ردعها".

وأشار إلى أنه "كذلك تفشي ظاهرة المخدرات، وجدنا أن نسبة كبيرة من أجهزة الأمن مشتركة فيها، وبالتالي فإن أخطر المخاطر التي يمكن أن تحصل في البلد عندما يصبح من يجب أن يكون رادعا ومتصديا لهذه الأمور، جزءا منها".

وشدد محافظ البصرة الأسبق على أن "اتساع مثل هذه الأمور خطير جدا ومؤذٍ للعادات والتقاليد التي يتمسك بها الشعب العراقي، لكن الفاسدين من أصحاب الأموال -الذين قفزت رؤوس أموالهم قفزات غير طبيعية- يبدو أنهم اشتروا الكثير من الناس ولا سلطة تستطيع أن توقفهم عند حدهم".

ورأى عبداللطيف أن "العلاج بيد الدولة، والتي يجب أن تمارس سلطتها بقوة القانون، لأن أجهزة السلطة بأيديهم المتمثلة في وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني والاستخبارات والحشد الشعبي، كل هذه أليست كافية لوضع الأمور في النصاب الصحيح؟".

ورأى أن "الدولة لا تزال ضعيفة وغير مستخدمة لكل أدواتها استخداما صحيحا، نتيجة المحاصصة التي ستقتل وتنهي العملية السياسية في العراق سواء عاجلا أم آجلا".

وبيّن أن "المناكفة السياسية وصلت إلى حد عدم تنفيذ الأوامر القضائية، وذلك نتيجة الاختلاف مع التوجهات السياسية لهذا الحزب أو ذاك، لأننا نرى القوى الشيعية مختلفة فيما بينها، وكذلك حال السنة والأكراد، وأن أوضاع البلد باتت متروكة".

واستذكر عبد اللطيف، اتهام النائب السابق في البرلمان، فائق الشيخ للأحزاب الدينية بإدارة هذه الأماكن (الملاهي ومحلات بيع الخمور)، وأن الأخيرة لم ترد عليه، رغم خطر ما طرح على قيمهم الفكرية ومستقبلهم ومنافاته لما يدعون إليه، وبالتالي فإن "سكوتهم في معرض الحاجة إلى الكلام بيان".

سيطرة حزبية

على خلفية تصويت البرلمان العراقي على قانون منع بيع واستيراد الخمور، الذي أصدره في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، كشف عدد من النواب المعارضين أن أحزابا شيعية ترعى عددا من الملاهي الليلية مقابل أموال تصل لملايين الدولارات يوميا.

وقال النائب السابق فائق الشيخ علي، خلال مؤتمر صحفي عقده عقب القرار في الدائرة الإعلامية للبرلمان في أكتوبر 2016، إن "أحزابا شيعية تقوم بحماية الملاهي والبارات وصالات لعب القمار مقابل مبالغ من المال".

ولفت الشيخ علي إلى أن "سبب حظر بيع الخمور يأتي لأن الخشخاش يزرع بالعراق وتحديدا في المحافظات الجنوبية، والتي يتم استيرادها من إيران، كما أن عمليات زرع هذه النبتة المخدرة في مناطق الجنوب يعد أحد أسباب منع الخمور".

وأشار النائب السابق إلى تصريح أدلى به رئيس كتلة سياسية عراقية، يقول فيه إن هناك 72 ملهى غير رسمي، وتساءل الشيخ علي: "من أين جاء بهذه الإحصائية؟"، مؤكدا أن "هدف تلك الأحزاب من حظر الخمور هو المتاجرة بالمخدرات والخشخاش".

وكان رئيس تيار "الحكمة" الوطني في العراق، عمار الحكيم، أعلن خلال خطاب أمام أنصاره في أغسطس/ آب 2016، أن "هناك 72 ملهى ليليا غير مرخص في منطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد حتى الآن".

وعلى الوتيرة ذاتها، قال البرلماني السابق عن المكون المسيحي، جوزيف صليوا، خلال المؤتمر الصحفي مع الشيخ علي، إن "المليشيات والأحزاب الشيعية، هي من تدير الملاهي ومحال بيع الخمور في البلد لأهداف اقتصادية".

وعلى حد قول النائب المسيحي السابق، فإن "مهنة بين الخمور كانت في السابق محتكرة على المسيحيين والأيزيديين وبنسبة أقل من الصائبة، أما اليوم فأصبحت الأحزاب الشيعية تسيطر على بيع الخمور والملاهي في العراق".

ولم يدخل القانون الذي أصدره البرلمان عام 2016 حيز التنفيذ إلا بعد مضي سبعة أعوام وتحديدا عام 2023، عندما أعلنت هيئة الجمارك العراقية أنها أبلغت المناطق والمراكز الجمركية كافة بـ"منع دخول المشروبات الكحولية بكافة أنواعها".

وقالت السلطات الجمركية خلال بيان في 4 مارس 2023 إن منع استيراد الكحول تنفيذا لقانون مثير للجدل دخل حيز التنفيذ مؤخرا في هذا البلد المحافظ، مؤكدة أنه "يحظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بكافة أنواعها".

ومع صدور قانون بشكل رسمي من البرلمان الذي يخص المشروبات الكحولية في العراق ودخوله حيز التنفيذ، ثم الالتفاف عليه باستمرار بيع الخمور، لكن الملاهي والنوادي الليلية بقيت على حالها ولم تتطرق لها القوى السياسية التي ساهمت بتشريع منع الخمور، ولاسيما قوى الإطار التنسيقي الشيعي.