استغفال الشعب.. لماذا يتواطأ حلفاء إيران بالعراق مع أميركا ثم يصفونها بالاحتلال؟
يثير خطاب وسائل الإعلام المملوكة لحلفاء إيران في العراق، الكثير من التساؤلات بسبب ازدواجيته في الطرح، وتحديدا تجاه الولايات المتحدة والتعاطي معها على أنها دولة احتلال، رغم أنهم يتولون إدارة السلطة في البلاد، كونهم هم من شكلوا حكومة محمد شياع السوداني.
وفي 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، تمكن الإطار التنسيقي الشيعي الحليف لإيران من تشكيل حكومة السوداني، بعد استقالة نواب التيار الصدري الفائزين في انتخابات عام 2021، إثر أخفاقهم في تشكيل حكومة أغلبية سياسية يستبعد منها حلفاء طهران.
ازدواجية واضحة
ولعل واحدة من ازدواجية الخطاب لوسائل إعلام الإطار التنسيقي الذي شكّل الحكومة الحالية، هو ما نشرته منصة "صابرين نيوز" على التلغرام في 8 يونيو/ حزيران 2023، قائلة إن "السفير نزار الخير الله يتسلم مهام عمله سفيرا لجمهورية العراق لدى دولة الاحتلال الأميركية".
خطاب هذه الوسيلة الإعلامية لم يتغير قبل تولي السوداني منصبه، ففي أكتوبر 2022 نشرت أخبارا عن لقاء جمع الأخير مع من وصفتها بـ"سفيرة الاحتلال" الأميركي ألينا رومانوسكي، في بغداد إبان المحادثات التي كان يجريها لتشكيل الحكومة الحالية، وتهنئتها إليه بمناسبته تكليفه.
وفي 23 مايو/ أيار 2023، نشرت وكالة "المعلومة" التابعة لمليشيا "كتائب حزب الله" بالعراق المشارك بالبرلمان عبر حركة "حقوق" برئاسة النائب حسين مؤنس، والتي تنضوي ضمن الإطار التنسيقي، تقريرا كان عنوانه "واشنطن تعزز الاحتلال بدماء جديدة داخل العراق".
ونقلت عن النائب في الإطار التنسيقي محمد البلداوي قوله إن "قرار واشنطن بتمديد حالة الطوارئ في العراق بمثابة الاحتلال الثاني للبلد، إذ مازالت أميركا مستمرة في فرض الإرادات والهيمنة على العديد من الملفات من أجل المساومة وإضعاف موقف العراق".
يأتي ذلك على خلفية توقيع الرئيس الأميركي، جو بايدن، في 16 مايو مرسوما يمدد من خلاله حالة الطوارئ الوطنية، المتعلقة بالأوضاع في العراق، الذي سبق أن استخدمه سلفه جورج دبليو بوش عند احتلال بغداد وإطاحة نظام صدام حسين في 2003.
وقال بيان للرئيس الأميركي بايدن نشره موقع البيت الأبيض إنه "لا تزال هناك عقبات تعترض إعادة الإعمار المنظم للعراق، واستعادة السلام والأمن في البلاد والحفاظ عليهما، وتطوير المؤسسات السياسية والإدارية والاقتصادية في العراق".
وأضاف أن "هذه العقبات تشكل تهديدا غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للعراق والولايات المتحدة الأميركية أيضا. لذلك، قررت أنه من الضروري استمرار حالة الطوارئ الوطنية المعلنة بموجب الأمر التنفيذي 13303 فيما يخص استقرار العراق".
وصدر قرار 13303 الخاص بالعراق في عام 2003 خلال عهد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، ويقضي بحظر تصدير بعض السلع الخاصة، بالإضافة إلى معاقبة شخصيات وكيانات.
"عدو دائم"
وبخصوص تفسير هذه الازدواجية في الطرح، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي لطيف المهداوي إن "هذا الخطاب موجه لجمهورهم حتى يديمون خطاب ما يطلقون عليه بالمقاومة، رغم أنهم يرونهم يجلسون مع السفيرة الأميركية في بغداد".
وأضاف لـ"الاستقلال" أن "إعلام حلفاء إيران إذا ابتعد عن هذا الخطاب وسمى الأشياء بمسمياتها، فهذا يعني أنهم يناقضون كل شعاراتهم، وبالتالي كل المليشيات تفقد شرعيتها، وهنا عليها أن تلقي سلاحها وتغلق مقارها في بغداد والمحافظات".
وأشار المهداوي إلى أن "الازدواجية هذه ليست وليدة المرحلة هذه التي جاء السوداني للحكومة، وإنما منذ بداية دخول الأميركيين للعراق، فهم أول من رحب بقواتهم لاحتلال البلد وأطلقوا عليها تسمية القوات الصديقة وشكلوا الحكومات المتعاقبة، ومع قرب خروجهم من عام 2011 ادعوا أنهم قاوموا الاحتلال، رغم أنهم اعتقلوا المقاومين واتهموهم بالإرهاب لأنهم من أهل السنة".
وتابع: "منذ ذلك الحين يدّعون أنهم قاموا الاحتلال وطردوه، بينما هم لم يقاوموا عسكريا ولا سياسيا ولا اجتماعيا، بل حتى دينيا، لم تفت أي مراجعهم بمقاتلة القوات الأميركية في العراق".
وأشار الباحث إلى أن "هاجس إخراجهم من السلطة لا يزال يتملكهم رغم مرور 20 عاما على حكمهم للبلاد، لذلك يتحدثون عن المقاومة لأنهم يريدون الإبقاء على السلاح في أيديهم خشية إسقاطهم، وأن شرعية سلاحهم متوقفة على إيجاد عدو دائم مثل أميركا".
وفي نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2021، أعلن رئيس الوزراء العراقي السابق "مصطفى الكاظمي" انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف الدولي في العراق، الذي قادته واشنطن لضرب تنظيم الدولة.
وأكد الكاظمي في حينها "جاهزية القوات العراقية للدفاع عن البلاد، وأن دور قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية أصبح مقتصرا على المشورة والتدريب فقط".
نهج متكامل
ولم يكن خطاب إعلام حلفاء إيران بعيدا عن سياسة السوداني، الذي يمثل الإطار التنسيقي الشيعي، وذلك حينما أثار جدلا واسعا بخصوص موقفه من بقاء القوات الأميركية في العراق الذي طالما طالب شركاؤه بضرورة خروجها من البلاد.
ففي تصريحات وصفها مراقبون بأنها مفاجئة، قال السوداني إن بلاده لا تزال "بحاجة إلى القوات الأجنبية" الموجودة فيها ويعملون بصفة مدربين ومستشارين، وغالبيتها أميركية، وذلك خلال مقابلة نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" في 15 يناير 2023.
وأضاف أن "التهديد للعراق مصدره تسلل خلايا تنظيم الدولة من سوريا، وأن القضاء عليه سيستغرق بعض الوقت. لسنا بحاجة إلى قوات تقاتل (ليست استشارية) داخل الأراضي العراقية"، علما أن الولايات المتحدة تنشر نحو ألفي عسكري لتنفيذ مهام تدريبية واستشارية.
وتابع: "لا أعتقد أنه من المستحيل أن تكون للعراق علاقة جيدة مع كل من إيران والولايات المتحدة"، مشيرا إلى أنه "يريد إرسال وفد رفيع المستوى إلى واشنطن قريبا".
وتعليقا على سياسة حلفاء إيران هذه، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" في العراق إحسان الشمري، إن الظروف الإقليمية والدولية غيرت قليلا من سياسة حكومة الرئيس الأميركي جو بايدن، وخدمت سعي الإطار (التنسيقي) لتشكيل حكومته، وأجادوا اللعبة عندما قدموا السوداني لتشكيل الحكومة؛ كونه شخصية غير جدلية.
وأوضح الشمري خلال دراسة نشرتها وكالة "ناس العراق" في 29 نوفمبر 2022، أن الولايات المتحدة سارعت إلى مد جسور التواصل مع السوادني منذ الأيام الأولى لإعلان ترشيحه وحتى تكليفه، ومن ثم تشكيل حكومته، لتكون السفيرة الأميركية في بغداد أول من قدّم له التهاني رسميا قبل وبعد نيله ثقة البرلمان.
وحسب دراسة الباحث، فإن حراك السفيرة الأميركية يعكس توجها واقعيا يعبر عن تعاطي الأميركيين مع القرار الداخلي للقوى السياسية ليعكس صورة جديدة، تختلف عما يجرى تسويقه بفرض الأجندة الأميركية على قرار القوى السياسية، أو دعمهم لشخصيات محددة لتولي الحكومة، أو حتى دعمهم لبقاء حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
وطالما طالب الإطار التنسيقي الشيعي بضرورة إجلاء القوات الأميركية من العراق، ولا سيما بعد اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس مليشيا الحشد الشعبي، بغارة جوية قرب مطار بغداد في 3 يناير/كانون الثاني 2020.
وفي 5 يناير 2020، صوت البرلمان العراقي في جلسة استثنائية عقدت بطلب من حلفاء إيران على قرار يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء طلب المساعدة المقدم منها إلى التحالف الدولي بقيادة واشنطن وإنهاء أي وجود للقوات الأجنبية على الأراضي العراقية.
المصادر
- واشنطن تعزز الاحتلال بدماء جديدة داخل العراق
- بايدن يعلن تمديد حالة الطوارئ في العراق ويشير لـ"تهديدات غير عادية"
- السوداني يؤيد بقاء القوات الأمريكية في العراق لأجل غير مسمى
- رغم تحالفها مع إيران.. لهذا تثير حكومة العراق الجديدة استحسان واشنطن
- الإطار التنسيقي يدعو جميع القوى السياسية العراقية للتحاور لتشكيل حكومة قوية