رغم التصريحات العدوانية والاشتباكات الحدودية.. كيف تستفيد إيران من طالبان؟
بعد الاشتباك بين طالبان وحرس الحدود الإيراني، غرّد أحمد مسعود، زعيم "جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية" المعارضة للحركة الحاكمة، ببيت شعر فارسي شهير، يقول: "ألم أقل لك لا تذهب إلى هناك، لأني أنا الذي تعرفه؟".
لقيت هذه التغريدة استجابة واسعة النطاق، وخلفت ردود أفعال مختلفة بين الإيرانيين والأفغان، بعد أن كشفت لأول مرة وبشكل رسمي عن طبيعة العلاقة بين إيران وجبهة أحمد مسعود الذي يسعى لإقناع الإيرانيين بدعمه ماديا ومعنويا.
العلاقة مع طالبان
وفي 27 مايو/أيار 2023، اندلعت، اشتباكات مسلحة بين حرس الحدود الإيراني وقوات حكومة "طالبان" على الشريط الحدودي بين إيران وأفغانستان.
وذكرت "وكالة أنباء فارس"، أن الاشتباكات المسلحة اندلعت بالقرب من "مخفر ساسولي" الحدودي بين البلدين. وبدوره، أشار التلفزيون الإيراني الرسمي إلى انتهاء الاشتباكات وانعقاد اجتماع بين مسؤولي الطرفين لتقييم أسباب اندلاعها.
وبغض النظر عن ردود الأفعال، فإن تغريدة مسعود تدل بوضوح على أن العلاقة بين إيران و"جبهة المقاومة" ليست في أحسن حالاتها، وأن مساعي الأول للحصول على الدعم الإيراني باءت بالفشل.
وقد نشرت صحيفة "8 صبح" الأفغانية، الصادرة باللغة الفارسية، مقالا تناولت فيه الأسباب التي تجعل الحكومة الإيرانية تتعامل مع طالبان وتدير ظهرها للحركات المناوءة لها.
تقول الصحيفة إن الحكومة الإيرانية تعاملت خلال العامين الماضيين مع طالبان كشريك موثوق به، بعد أن انتصرت على حكومة مدعومة من الغرب، حتى إن أحد مسؤولي وزارة الخارجية الإيرانية عد الوقوف ضد الحركة مشروعا أميركيا.
وخلاصة الأمر هي أن إيران تعتقد أن لها دورا في انتصار طالبان، وأن الحركة مدينة لها، وقادرة على حماية المصالح الإيرانية في أفغانستان بشكل أفضل من أي فصيل آخر.
وأن الإيرانيين عازمون على الحفاظ على علاقتهم مع طالبان، لدرجة أن أحدهم قلل من شأن الاشتباكات الحدودية التي أسفرت عن سقوط قتلى من الجانب الإيراني، وعدها "خلافات أسرية"، وفق الصحيفة.
ولجأ المسؤولون الحكوميون الإيرانيون، في تبريرهم لدعم حركة طالبان "سيئة السمعة" و"الرجعية"، إلى حجج مختلفة حتى الآن,
ومن ذلك تأكيد وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية على أن طالبان الحالية تختلف عن تلك التي كانت في التسعينيات، وأنها خضعت للتحول، وهو ما فعلته وسائل الإعلام الغربية أيضا.
وفي هذا الصدد، أشار بعض المسؤولين الإيرانيين إلى هذه المجموعة على أنها "الحركة الحقيقية في المنطقة" التي تمثل الثقافة الأصلية والأصالة المحلية في أفغانستان، وتضرب بجذورها في تراب هذا البلد، وترفض الثقافات الأجنبية، ولهذا فهي جديرة بالثناء والدعم.
وفي حالة أخرى من هذه الحالات، قال بعض المسؤولين الإيرانيين لمحمد حسين جعفريان، وهو ناشط إعلامي إيراني معروف، تربطه علاقة وثيقة بأحمد مسعود، في محاولة لتبرير إستراتيجيتهم تجاه طالبان، إن الأخير علماني، وليس لدينا أي شيء مشترك معه.
في حين أن طالبان مسلمون، ولدينا ما لا يقل عن عشرة بالمئة من القواسم المشتركة معهم، وفق الرواية.
يوضح تصريح المسؤولين الإيرانيين عمق الخلافات والفجوة التي نشأت بين إيران وخصوم طالبان، ويبدو أنه لا يمكن إصلاح هذا الأمر بسهولة.
وفي تحليله لذلك، قال مقال صحيفة "8 صبح" إن صانعي السياسة الخارجية للحكومة الإيرانية يدعمون طالبان بلا تردد، ليس لأنها مسلمة وخصومهم من غير المسلمين، ولا لأن الحركة متجذرة وأصيلة.
فلو كان المعيار هو أن تكون علمانيا أم لا، فلماذا دعم الإيرانيون ديكتاتور سوريا بشار الأسد؟ هل يعتقدون أن أحمد مسعود علماني أكثر منه؟
أسباب التعاون
ترى الصحيفة أن هناك مؤشرات وعوامل أخرى تتدخل في تحالف إيران مع طالبان وتجاهلها خصوم هذه الجماعة، ويمكن سردها على النحو التالي:
أولا، أن الحرس الثوري الإيراني هو الذي يصنع السياسة الخارجية في طهران، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية االسابق، محمد جواد ظريف.
ونوهت الصحيفة بأن ظريف ذكر في تسجيل مسرب سابقا أن وزارته لا تلعب دورا كبيرا في وضع إستراتيجيات السياسة الخارجية.
وبهذا التفسير، يمكن القول إن الجهات الأمنية والعسكرية تنظر إلى الأحداث والتطورات في دول الجوار والمنطقة من منظور أمني، ولهذا فهي لا تتفهم أحيانا التعقيدات، ولا تتصرف ببعد نظر، وتعمل على أساس نظرية "عدو عدوي صديقي".
ولهذا فإنهم يعتقدون أن طالبان قدمت أكبر خدمة لإيران بإرغامها الولايات المتحدة على مغادرة أفغانستان في أغسطس/ آب 2021، وأنهم يستحقون الصداقة والتحالف.
وينظر صانعو السياسة الإيرانية إلى معايير الصداقة والعداوة من منظار علاقة أي جهة مع الولايات المتحدة، ودون فهم لتعقيد الإستراتيجيات طويلة المدى للدول، تقول الصحيفة.
ولهذا فإنهم "يرون بشكل خاطئ أن طالبان معادية لأميركا، وذلك على الرغم من أن المحللين الأكثر موثوقية يعترفون الآن بأنها لا تشكل تهديدا لمصالح الولايات المتحدة، ليس هذا فحسب، ولكن بناءً على اتفاقية الدوحة (للسلام بين واشنطن والحركة عام 2020)، فهم ملتزمون بتأمين مصالح هذا البلد على أراضيهم".
ثانيا، على الرغم من تعاون إيران مع الولايات المتحدة في إسقاط طالبان عام 2001، فإن طهران لم ترغب منذ البداية في إقامة نظام في دولة مجاورة يحترم مبادئ الديمقراطية، ويولي أهمية لحقوق الإنسان والنساء والأقليات، ويصبح نموذجا للحرية والتنمية في المنطقة. ولهذا السبب، لم تدخر أي جهد في تخريب عملية الانتقال.
كان حكام إيران يخشون أن يكون تناسق الاتجاهات الحالية في أفغانستان مصدر إلهام لمواطني إيران الذين يعارضون سياسات الحكم في هذا البلد، وأن يخلق دافعا إضافيا لهم للثورة على الجمهورية الإسلامية، وفق الصحيفة.
ومع عودة طالبان، وجدت الجمهورية الإسلامية نفسها أمام نظام أفغاني يشبهها كثيرا، ويضع قيودا على الحريات الفردية والسياسية والاجتماعية، ويحرم المرأة من التعليم والأنشطة اليومية.
يتابع المقال: "أضف إلى ذلك أن إيران، مثلها مثل باكستان، لا تريد نظام حكم قوي وقادر في أفغانستان، ويسعى وراء المصالح الوطنية لهذا البلد، ويرسم خطوطا حمراء لا يمكن للآخرين تجاوزها".
ثالثا: من النقاط الي تربط بين طالبان والحكومة الإيرانية تهريب المخدرات. فقد ارتبط اسم الحركة منذ البداية بزراعتها وإنتاجها والاتجار بها.
ولذلك، فإن عودة طالبان إلى الحكم، جعلت زراعة المخدرات وتهريبها أسهل وأكثر حرية من ذي قبل.
وعلى سبيل المثال، فإن تقارير ذكرت أن زراعة الخشخاش زادت بشكل كبير في أفغانستان. وعلى الجانب الإيراني، يلعب الحرس الثوري الإيراني دورا مهما في تجارة المخدرات بالمنطقة.
وبعد الصراع الحدودي بين إيران وطالبان، تحدث الرئيس السابق للجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني "حشمت الله فلاحت بيشة"، عن صانعي السياسة الخارجية الإيرانية.
وقال بيشة إن هؤلاء فرضوا نوعا من الخوف على سياسة إيران الخارجية فيما يتعلق بأفغانستان، وهو ما أدى إلى تسليم السفارة الأفغانية في طهران لطالبان.
وبحسب ادعائه، فإن الدخل الذي تحصل عليه حركة طالبان والمهربون الأفغان الآخرون من تصدير المخدرات إلى إيران هو أكثر من إجمالي أداء عملية البناء والتعمير في إيران خلال عام واحد.
هذه الكلمات التي قالها فلاحت بيشة، تثبت بشكل ضمني قضية أن الحكومة الإيرانية تتعاون مع طالبان في تهريب المخدرات، وأنها قادرة على تجفيف هذه المنابع التي تصل من أفغانستان، ولكنها لم تفعل ذلك بعد، وفق الصحيفة.
واستدركت أن "فلاحت بيشه تجاهل عمدا حقيقة أنه إذا جرى تجفيف مصادر المخدرات لطالبان، فلن تعاني الحركة فقط، بل ستتأثر أيضا الحكومة الإيرانية ووكلاؤها في جميع أنحاء المنطقة".
وبطبيعة الحال، ليس من المنطقي أن تتجاهل حكومة تخضع لأشد العقوبات العالمية هذا المصدر للدخل وتضر بعبور المخدرات بسبب النزاعات الحدودية العرضية.
رابعا، تفرض الواقعية السياسية أيضا تفاعل الحكومة الإيرانية مع طالبان. فحتى الآن، لا يوجد بديل لها، ولم يتمكن معارضوها من تحقيق إنجازات كبيرة حتى الآن.
أما طالبان فإنها تسيطر حاليا على جغرافية أفغانستان، وهي المسؤولة عن قيادة ثلاثين مليون مواطن في البلاد، وقد تمكنت من إخماد المعارضة المسلحة بسهولة، وفق تقدير الصحيفة.
كما أن "هناك عدة ملايين من المواطنين الأفغان في إيران، وعلى طهران أن تتفاعل مع طالبان من أجل تنظيم شؤون هؤلاء المهاجرين".
وأوضحت أن إيران حددت مصالحها في أفغانستان، وحاليا لا توجد جماعة باستثناء طالبان قادرة على تأمينها، لأنه لا يسمح لفصائل وجماعات أخرى باستثناء الحركة بالعمل والتحرك في البلاد.
أما اعتقاد أحمد مسعود وأمثاله بأن مجال الحضارة واللغة الفارسية يمكن أن يكون سمة مشتركة بينهم وبين الإيرانيين، فهو خاطئ تماما، تقول الصحيفة.
وتابعت: "المهم بالنسبة للنظام الإيراني هي مصالح البلاد، ولا يمكن تحقيق ذلك بشعر مولانا جلال الدين الرومي وسعدي وحافظ والقواسم اللغوية والثقافية المشتركة".
ولفتت إلى أن "التعارف" في مجال السياسة يتحقق على أساس المصالح المشتركة، وليس باللجوء إلى الشعر والأدب.
وأشارت إلى حقيقة أن معارضي طالبان يتوقعون من الإيرانيين احترام الموضوعات الثقافية وإعطاء الأولوية للغة والدين في سياساتهم الإقليمية، ليست مجرد توقع غير مقبول فقط، ولكنها تظهر أيضا عدم إلمامهم العميق بمنطق السياسة والحكم.
فالحكومة الإيرانية، مثلها مثل أي حكومة أخرى على هذا الكوكب، تستخدم الجانب الثقافي إذا كانت اللغة والدين يحققان مصالحها، وفق الصحيفة.
وأضافت أن: "طالبان جماعة تحقق أهدافها دائما بقوة السلاح لترويض المواطنين الأفغان (ومحاربة أعدائها)، ولم تقدم أدنى حل وسط خلال ما يقرب من ثلاثين عاما من وجودها".
ويعتقد زعماء طالبان وقادتها أنهم أجبروا واشنطن على الفرار من البلاد، ولهذا السبب هم منتشون من الفخر، ومن الصعب للغاية على جماعة بهذه الروح أن تتعامل مع دول الجوار بتسامح وتتراجع عن مبادئها الأيديولوجية الأساسية، تخلص الصحيفة.