ديون وعقود عسكرية والعتبات المقدسة.. ملفات تقرب المسافات بين باكستان والعراق
فتحت زيارة وزير الخارجية الباكستاني بيلاول بوتو زرداري إلى العراق، والملفات التي طرحت خلالها، باب التساؤل عن توقيتها والأسباب وراء التقارب الحاصل بين إسلام أباد وبغداد، ومذكرات التفاهم والتعاون التي ينوي البلدان إبرامها في المرحلة المقبلة.
وفي 5 يونيو/حزيران 2023، وصل زرداري إلى العراق والتقى بنظيره العراقي، فؤاد حسين، ثم عقد لقاءين منفصلين مع رئيسي الحكومة محمد شياع السوداني، والبرلمان، محمد الحلبوسي، ووضع حجر الأساس للمبنى الجديد لسفارة باكستان في العاصمة بغداد.
قضايا متعددة
المسؤول الباكستاني، وقع مع نظيره العراقي مذكرة تفاهم في مجال زيارات الدبلوماسيين وإعفائهم من سمات الدخول، فيما يسعى الأخير لتوقيع مُذكرة تفاهم بشأن دخول الزوار الباكستانيين إلى "الأماكن المقدسة" بالعراق، وتشكيل لجنة لحل مشكلة الديون الباكستانية على بغداد.
وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، خلال مؤتمر صحفي عقد مع نظيره الباكستاني بيلاول بوتو زرداري، في 5 يونيو 2023 إن "العلاقات مع باكستان قوية وبحثنا استمرارية التعاون الأمني معها، والبدء بالمشاورات السياسية معهم".
وأوضح حسين أن زيارة نظيره الباكستاني تمخض عنها "توقيع مذكرة تفاهم مع باكستان بشأن إعفاء سمات الدخول للجوازات الدبلوماسية، فضلا عن توقيع مذكرة تفاهم بين وزير الثقافة ووزير الخارجية الباكستاني بشأن التعاون الثقافي".
وأشار إلى "السعي لتوقيع مذكرة تفاهم في القريب العاجل بشأن الزوار الباكستانيين إلى الأماكن المقدسة في العراق، ونحن نتطلع إلى علاقات مستقبلية قوية مع باكستان"، لافتا إلى "تشكيل لجنة لحل مشكلة الديون الباكستانية على العراق".
من جهته، صرح وزير الخارجية الباكستاني خلال المؤتمر الصحفي مع نظيره العراقي، أن "زيارته الى بغداد تهدف لتعزيز العلاقات، ولا سيما أن البلدين ساهما في دعم السلام بالمنطقة، وكذلك نتطلع إلى فتح مركز للزائرين في كربلاء".
وفي لقائه مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بحث وزير خارجية باكستان، رزمة ملفات تخص البلدين، ولا سيما تعزيز التعاون المشترك في المجالات الاقتصادية والعسكرية والاستخبارية، والاتفاق على استئناف عمل اللجنة الوزارية المشتركة.
وقال مكتب السوداني إن الطرفين بحثا كذلك "ملف النقل الذي يندرج ضمن مشروع (طريق التنمية) الإستراتيجي، الذي يربط الشرق بالغرب، وسبل التعاون بين بغداد وإسلام أباد في هذا الإطار، واستثمار الفرص المعلنة ضمن المشروع، بما يعزز مصالح البلدين وجهود التنمية في المنطقة".
وفي 27 مايو/أيار 2023، انطلق مؤتمر "طريق التنمية" في بغداد، بمشاركة السعودية والكويت والإمارات وقطر وعُمان وتركيا وسوريا والأردن.
إذ يمتد المشروع من البصرة جنوب البلاد إلى الأراضي التركية شمالا عبر خط سكة حديد طولها 1200 كلم داخل العراق.
وبحسب بيان مكتب السوداني، "جرت مناقشة ملف الزائرين للعتبات المقدسة والمراقد الدينية العراقية، والتسهيلات المقدمة من الحكومة للزائرين الوافدين من جميع دول العالم، ومنها دولة باكستان الصديقة، فضلا عن مناقشة ملف العمالة الباكستانية في العراق".
أبعاد أخرى
وعن أسباب التقارب بين البلدين وتوقيت فتح الملفات، قال الخبير الأمني والإستراتيجي العراقي، أحمد الشريفي إن "الزيارة هي أبعد من قضية التعاون العسكري، كونها تتعلق بمتغير إقليمي يحصل في المنطقة".
وأوضح الشريفي في حديث لـ"الاستقلال" أن "الزيارة تتعلق بميناء جوادر الباكستاني الذي يطل على بحر العرب، ويمثل نقطة استثمار مشترك بين باكستان والصين، وهو أيضا لا يبعد عن ميناء تشابهار الإيراني في محافظة سيستان وبلوشستان بحدود 100 كيلو متر".
وأوضح الخبير العراقي أن "إيران تمد باكستان بطاقة كهربائية إلى ميناء جوادر، لذلك فإن باكستان بدأت بالاقتراب من الصين وإيران، وأن الانفتاح على بغداد بوصفها حليفا لطهران، سببه التفاهم والتقارب مع الأخيرة".
وعلى هذا الأساس، يضيف الشريفي، أن "صفقة الطائرات بين باكستان والعراق تبقى محدودة مقارنة بإطلالة بحرية وطريق حرير وتعاون جديد مع إيران، وأنهم يريدون التقارب مع الصين للغرض ذاته".
وأشار إلى أن "كل ما جاء من الحديث عن مذكرات تفاهم دينية وتبادل تأشيرات الدبلوماسيين بين بغداد وإسلام أباد كلها مكملات للتقارب، وأن العراق علاقاته بالأساس جيدة مع بكستان إلى حد عام 2003، وكان التعاون على المستوى العسكري، وبعد ذلك جرى التعاقد على تجهيز طائرات تدريب".
ولفت الشريفي إلى أن "العراق لا يحتاج في الوقت الحالي إلى طائرات تدريبية، لكن عندما يكون لديه أسراب منها، حينها ندخل في مرحلة الخدمة والتدريب".
وأكد الخبير الإستراتيجي أن "التعاقد على هذه الطائرات جاء عن طريق الصدفة عندما زار وزير الدفاع العراقي السابق جمعة عناد باكستان، حينها اقترح عليه أحد الطيارين العراقيين القدامى بأن يتعاقد لشرائها كونه تدرب عليها في عقد الثمانينيات".
وكان العراق قد تعاقد مع باكستان على شراء 12 طائرة نوع "JF-17 Block III"، بقيمة 664 مليون دولار، ويعتقد أن الصفقة جاءت بعد مشاركة شركات باكستانية في معرض الأسلحة الذي أقيم في العاصمة العراقية ببغداد للمدة من 10 إلى 12 أبريل/ نيسان 2021.
ملف الديون
وعلى صعيد آخر، قال الخبير الاقتصادي العراقي، نبيل جبار التميمي، إن أهمية اللقاء وتوقيته يوضح بشده رغبة حكومة باكستان الجديدة بالاستمرار في السياسات التي تبعها رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان بشأن استمرار العلاقات مع العراق وتنميتها".
ولفت التميمي خلال تصريح لموقع "آن نيوز" العراقي في 5 يونيو 2023 إلى أن "الردود المباشرة من السوداني واطلاعه على طبيعة العلاقات الحالية وحرصه على استمرارها، بتفصيلاتها الدقيقة المتعلقة بملفات الأمن والتسليح، والتجارة، تشير إلى رغبة الأخير في استمرار تلك العلاقات".
وأوضح: "لم تكن هناك إشارات إقليمية رافضة أو متحفظة، وخصوصا أن إيران تعد البلد الأكثر تأثيرا على القوى الشيعية الحاكمة حول العلاقات الباكستانية العراقية الجارية، مما قد يتيح للعراق التوسع أكثر فأكثر في علاقاته المباشرة مع باكستان".
وأشار إلى أن هذه "العلاقات مع باكستان تتعلق في مجال الأمن وتجهيز المعدات الأمنية والتسليح والطائرات، والتوسع في مجال استيراد الحبوب، وتوسيع الأنشطة السياحية وإفساح مجال أوسع للزائرين الباكستانيين إلى العراق".
وأكد التميمي أنه "من غير الممكن، تجاهل التأثير الديني لرجل الدين وأحد مراجع الشيعة المعتمدين في العراق الشيخ بشير النجفي، الذي تعود أصوله لباكستان في إدامة زخم العلاقات أو إزالة العقبات أمام الباكستانيين في توسعة أعمالهم وعلاقاتهم داخل العراق".
وعلى الصعيد الاقتصادي، أكد التميمي أنه "خلال زيارة وزير الخارجية الباكستاني إلى العراق طالبت إسلام أباد العراق بسداد الديون التي بذمته، لأن اقتصادهم يعيش حالة حرجة جدا اليوم، وقد تؤدي الى إعلان باكستان إفلاسها نتيجة عدم قدرتها على سداد ديونها والتزاماتها".
وبيّن الخبير الاقتصادي أن "التضخم داخل باكستان ارتفع إلى 37.5، فيما تبلغ ديونهم ما يزيد عن 126 مليار دولار".
ولفت التميمي إلى أن "العلاقات الاقتصادية بين بغداد وإسلام أباد ضئيلة جدا، لكن للباكستانيين نية في إنشاء معمل للإسمنت داخل العراق، وفندق في كربلاء، وعقد نفطي بين شركة النفط الباكستانية ووزارة النفط العراقية".
وتابع: "لم يتجاوز حجم التبادل بين البلدين بضع عشرات من ملايين الدولارات" .
وأشار التميمي إلى أن "هناك شراكة محتملة (ما زالت بعيدة وليست ضمن الأولويات) لمد خطوط النفط والغاز من العراق إلى الأراضي الباكستانية ومنها ميناء جوادر الباكستاني، وهو خط في بالغ الأهمية، يرتبط تنفيذه على افتراض استمرار التعاون الصيني- الباكستاني- الإيراني- العراقي بشأن الطاقة والإمدادات".
ومنذ 2003 عرفت العلاقات الباكستانية- العراقية بالهدوء والبرود، ولم تكن فعالة ومهمة، ولم تتقدم الدولتان لإنشاء علاقات إستراتيجية مبنية على مصالح دائمة.
وفي عام 2021 شهدت العلاقات تطورا ملحوظا خلال فترتي حكم رئيسي وزراء البلدين السابقين في باكستان وبغداد، عمران خان، ومصطفى الكاظمي، إذ تبادل الجانبان زيارات على مستوى وزراء الخارجية، والدفاع، والشؤون الدينية، ودعوة الأخير إلى زيارة إسلام أباد.
ومع تولي السوداني السلطة في العراق، تسلم في أكتوبر/تشرين الأول 2022، دعوة لزيارة باكستان.
وأوضح بيان لمكتب السوداني وقتها "رغبة الحكومة المقبلة (الحالية) في تعزيز التعاون الثنائي مع باكستان في المجالات العسكرية، لا سيما التسليح والتدريب، وأهمية تنشيط السياحة الدينية بين البلدين، فضلا عن تنسيق المواقف في المنتديات الدولية بما يصب فيه مصلحة الشعبين الصديقين".
المصادر
- تقارب عراقي باكستاني والتحضير لتوقيع مذكرات تفاهم على المدى القريب
- العراق وباكستان يتفقان على تشكيل لجنة لحل مشكلة الديون الباكستانية
- فؤاد حسين: تشكيل لجنة لحل ملف الديون الباكستانية على العراق
- بعد أزمتها الاقتصادية.. باكستان تلجأ لبغداد لاستحصال ديونها
- وزير الخارجية الباكستاني بحث في بغداد مجالات التعاون الأمني والعسكري
- الصحاف: وضع حجر الأساس للمبنى الجديد لسفارة باكستان في بغداد
- رئيس الحكومة العراقي المكلف يتلقى دعوة لزيارة باكستان