عمل سري.. كيف تخترق إسرائيل أكثر مناطق المقاومة تحصينا في الضفة الغربية؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

"رجال دين، باعة متجولون، عمال نظافة، موزعو ألبان"، وراء هذه الشخصيات يختفي قتلة من الوحدات الإسرائيلية الخاصة، تسللوا خلسة لأكثر مناطق الضفة الغربية التي تأوي المقاومين، ونفذوا فيها عمليات اغتيال في وضح النهار.

على مدار الأشهر الأخيرة، تكرر هذا المشهد كثيرا في الضفة الغربية، وأجرت القوات الخاصة المتنكرة عمليات استهدفت منفذي عمليات ونشطاء في كتيبة جنين، و"كتيبة بلاطة"، ومجموعات الرد السريع، وعرين الأسود، ومجموعة عقبة جبر، وغيرها من وحدات المقاومة في الضفة.

ملامح فلسطينية 

صباح 4 مايو/ أيار 2023، 4 رجال و3 سيدات يمشون في أزقة البلدة القديمة بمدينة نابلس، أحدهم يرتدي عباءة وبيده سجادة صلاة، والآخر يحمل عدة صيانة، وخلفهما رجل يجر عربة يد، ورابعهم في الخلف وعلى كتفه حقيبة، والسيدات في الوسط.

لم يلفت هؤلاء الأشخاص نظر أي أحد، إلى أن وصلوا لأحد المنازل في البلدة القديمة، كان يتحصن فيه منفذو "عملية الأغوار" التي نفذت في 7 أبريل/ نيسان 2023، وقتل خلالها 3 مستوطنات، كرد على تنكيل الاحتلال بالمرابطات في المسجد الأقصى.

وعند وصول القوة الخاصة، بدأت بمهاجمة المقاومين، واندلع اشتباك مسلح عنيف في المكان، وبعد دقائق دعم الاحتلال القوة بأكثر من 200 جندي، وانتهت العملية باستشهاد 3 مقاومين، بعد قصف المنزل بالصواريخ.

وعقب العملية، أعلنت "كتائب القسام" ارتقاء مقاتليها الشهداء حسن قطناني، ومعاذ المصري،  وإبراهيم جبر.

كرر الاحتلال هذا النوع من العمليات كثيرا، خلال الأشهر الأخيرة، ومن أبرز العمليات استخدام قوة إسرائيلية خاصة مركبة لتوزيع الألبان تحمل شعار شركة محلية شهيرة، في اقتحام مدينة جنين ومخيمها في 26 يناير/ كانون الثاني 2023، ما أدى إلى ارتقاء 11 فلسطينيا، وإصابة 20، بينهم 4 بحالة خطيرة.

وتخفى عناصر القوة الخاصة داخل شاحنة الألبان التجارية، وبعد تنفيذ العمليات، قامت مدرعات الاحتلال بسحب المركبة بعد تعطلها إثر الاشتباكات.

وقال الشاب حسان (27 عاما) من بلدة قباطية في جنين، إن "الاحتلال بات يستخدم طرقا خبيثة للوصول للمناطق المعروفة بوجود المقاومين، كمخيم جنين وحارة الياسمينا ومخيم عسكر في نابلس، ووسط البلد في طولكرم، ويرسل لهذه المناطق قوات خاصة يصعب اكتشافها". 

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "اعتدنا طيلة سنوات قيام الاحتلال بإرسال قواته بزيها العسكري بوساطة جيبات عسكرية، واعتقال أو اغتيال أي شخصية مطلوبة، ولكن في العامين الأخيرين هذا الوضع بدأ بالتغير، حيث أخذت عمليات اغتيال المقاومين بازدياد، وعن طريق القوات الخاصة المتنكرة".

وأوضح الشاب الفلسطيني أن "هناك مناطق معينة تكون محمية ومراقبة بدوريات من المقاومين، وفور وصول القوات الإسرائيلية تشتبك معها، وحينها تفشل مهمتها؛ لذلك غير الاحتلال أسلوبه، واعتمد على وحدات المستعربين الذين يرتدون الزي الفلسطيني ومركباته وحتى سياراتهم تحمل لوحات فلسطينية".

وتابع: "أعدت المقاومة صفارات إنذار داخل مخيم جنين، وفي حال اكتشاف تسلل قوة خاصة يستنفر المقاومون ويهبون لمراكز التصدي للقوة المتسللة، ويتم الاتصال بينهم وتحديد مكان الاقتحام بطريقة خاصة ومشفرة بينهم، وهذا التطور في أسلوب المقاومة أفشل عدة عمليات خاصة للاحتلال في جنين".

وأكد حسان أن "هناك تعاون كامل بين المواطنين والمقاومين في جنين ونابلس وغيرها من مراكز الاشتباك، رغم التهديدات اليومية التي تصلهم من مخابرات الاحتلال وتحذيراتهم بأن من يأوي مطاردا في منزله يعرض نفسه وعائلته للخطر، وفي النهاية سيهدم بيته".

وأضاف أنه "مع تكرر الاغتيالات وعمليات قوات الخاصة، زاد الوعي الأمني للناس في الشارع، فحين يحدث اشتباك يمتنع المواطنون عن تصوير المقاومين ونشر صورهم على التواصل الاجتماعي بداعي الفخر والاعتزاز، خصوصا بعد معرفتهم أن هذه الصور قد تشكل تغذية راجعة لقوات الاحتلال". 

ولفت حسان إلى أن "مخيم جنين يمتاز بأكبر مستوى تنسيق بين الفصائل في الضفة الغربية، حيث إن هناك غرفة عمليات مشتركة، تضم سرايا القدس وكتائب القسام وشهداء الأقصى، وغيرهم من المقاومين، وهذا التعاون يزيد من متانة المقاومة في المخيم".  

تشكيلات المستعربين

ويستخدم جيش الاحتلال مجموعة من وحداته الخاصة لتنفيذ الاغتيالات في جنين ونابلس وسائر مناطق الضفة الغربية، وخصوصا وحدات المستعربين.

ويشترط في أعضاء الوحدات الخاصة المستعربة المكلفة بالعمل وسط التجمعات السكانية الفلسطينية، أن يكونوا من ذوي الملامح الشرقية، بحيث لا يثيرون حولهم الشكوك عندما يقومون بعمليات التنكر، أثناء توجههم لتنفيذ المهام الموكلة لهم، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.

وتستعين الوحدات بخبراء في عمليات الماكياج والتخفي؛ للإعداد لعمليات الاقتحام، من خلال تهيئة أشكال وملابس العناصر.

كما تحرص وحدات المستعربين على التنكر في زي تجار ومواطنين فلسطينيين يرتدون اللباس الشعبي، ويتنقلون في سيارات شائعة في الضفة الغربية.

وعلى رأس هذه الوحدات "دوفدوفان"، وهي وحدة خاصة "لمكافحة الإرهاب" تابعة للجيش الإسرائيلي، وتضم أفرادا ينفذون مهام عسكرية وأمنية خاصة أبرزها الاغتيالات.

ورغم تدريبات الوحدة "المكثفة" و"المتقنة "حسب ما يزعم الاحتلال، إلا أنه جرى اكتشافها في أكثر من مناسبة، واشتبك معها المقاومون، حيث اعترف جيش الاحتلال بإصابة ضابط ومجند من الوحدة، خلال عملية عسكرية شنها في قرية برقين جنوب جنين، في 26 سبتمبر/أيلول 2021.

ومن ضمن الوحدات العاملة في الضفة الغربية وحدة "يماس" التابعة لحرس الحدود، وهي قوات تنضم للجيش في زمن الحروب، وضمن الشرطة في أوقات العمليات.

وكذلك وحدة "متسادا" وهي تابعة لسلطة السجون، ولكن جيش الاحتلال استعان بها في العديد من المرات في الضفة الغربية.

وتعد واحدة من وحدات النخبة التابعة لجيش الاحتلال، وبالإضافة إلى المهمات التي تقوم بها باقي وحدات المستعربين، فإن هذه الوحدة متخصصة أيضا بإنقاذ وتحرير رهائن، والسعي إلى إلقاء القبض على من يهربون من السجون وكذلك العمل ضد الأسرى المحررين.

وأيضا وحدة "غدعونيم" وهي تابعة لشرطة الاحتلال، ولكنها أسست داخلها فرقة مستعربين، تعمل بشكل خاص في مدينة القدس المحتلة.

ويستخدم جيش الاحتلال العديد من التشكيلات العسكرية الأخرى داخل الضفة الغربية.

من جهته، قال الخبير في الشأن الإسرائيلي، سعيد بشارات، إن "الاحتلال درب وخصص العديد من الوحدات للعمل السري في الضفة الغربية، ومنها وحدة الدوفدوفان التابعة للجيش، وكذلك وحدتا يماس الضفة ويماس القدس وهما تتبعان لحرس الحدود، وكذلك وحدتا اليمام وغدعونيم اللتان تتبعان للشرطة".

وأوضح بشارات لـ"الاستقلال" أن "هذه وحدات كوماندوز خاصة تعمل في الضفة الغربية، تلاحق المقاومين الفلسطينيين، ومنها وحدات مختصة بتعقب منفذي العمليات في عمق كيان الاحتلال، ومنها تشكيلات من المستعربين المتخصصين بالاندماج بالسكان المحليين، ومن ثم تنفيذ هجماتهم".

وشدد على أن "الاحتلال سيواصل سياسة الاغتيال، خصوصا في الضفة الغربية التي تشهد تصاعدا في العمل المقاوم وخصوصا المنظم منها".

واستطرد بشارات: "لم يعد يأمن الاحتلال شوارع الضفة الغربية التي باتت تتفجر فيها عبوات مصنعة محليا وقوية الانفجار، وكذلك هناك حديث عن عودة محاولات إطلاق الصواريخ تجاه المستوطنات المحاذية للضفة، وكذلك تفخيخ الطائرات المسيرة، وغيرها من التهديدات التي ظهرت في الأشهر الأخيرة".

تاريخ من الإجرام 

ولا تتوفر إحصائيات رسمية إجمالية لعمليات وحدات المستعربين في الأراضي الفلسطينية، إلا أنه تم رصد اغتيال 422 فلسطينيا على أيدي الوحدات الخاصة خلال الأعوام ما بين 1988- 2004، فيما تم توثيق 780 هدفا لتلك الوحدات عام 2016 لوحده، بحسب وكالة "سند" للأنباء.

بدوره، قال المختص في الشؤون الإسرائيلية، مصطفى الصواف، إن "الاحتلال يستخدم وحداته الخاصة المتنكرة بأزياء محلية ومركبات فلسطينية، لتحقيق عنصر المفاجأة، ومنع المقاومين من أخذ حذرهم، كما يحدث عند اقتحام الجيش بالمركبات العسكرية".

وأوضح الصواف لـ"الاستقلال أن "الاحتلال يقوم بدراسة أمنية متواصلة لبيئة الضفة الغربية، ومعرفة أماكن وجود المقاومين واستعداداتهم ويجري تقييما لمدى الخطر الموجود من الاقتحام المباشر، وعليه يقرر شكل تنفيذ العملية والوحدة التي ستنفذها".

وأشار إلى أنه "عندما يرسل الاحتلال قواته الخاصة المتنكرة لمناطق العمليات، يحشد قواته النظامية ومصفحاته قريبا من مكان تنفيذ العملية كمداخل المدن، وفور تنفيذ العملية تتقدم هذه القوات لتأمين القوة المقتحمة، وكذلك يجهز مروحيات لإسعاف الجنود المصابين".

وتابع: "استعان الاحتلال منذ الانتفاضة الأولى بوحدات المستعربين لقمع المظاهرات، بحيث ينخرط أفرادها بلباس فلسطيني داخل الجموع، وفجأة يبدؤون باعتقال وقمع وحتى قتل المتظاهرين، واستعان الاحتلال في فترة احتلاله لغزة بوحدة مستعربين تدعى شمشون وكانت تقوم بهذا الدور".

وشدد الصواف على أن "الاحتلال طور من قوات المستعربين وغير من أساليبها عما كان الأمر عليه خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، واختلفت مهامها، خصوصا مع تطور المقاومة في الضفة الغربية خلال الأشهر الأخيرة".

وأكد أنه "مع تزايد قدرات المقاومة في الضفة وارتفاع التهديد الواصل لعمق دولة الاحتلال، استعان الاحتلال بالوحدة المختارة (سيرت متكال) لتنفيذ الاغتيالات والتصدي للعمليات، رغم أن الضفة ليست مكانا معتادا لنشاطها".

وتابع الصواف: "وحدة (سيرت متكال) تعتمد أيضا على التنكر وأعضاؤها يمتازون بملامح عربية ومكلفة بعمليات الاغتيال وزرع أجهزة التنصت وتعقب منفذي العمليات".

وأوضح أن "الاحتلال الإسرائيلي ينتج ويحصن مركبات مدنية، تبدو طبيعية من الخارج، ولكنها محصنة ضد الرصاص بهيكلها الخارجي وحتى الإطارات، ومزودة بمحرك قوي وأجهزة تكنولوجية واستخبارية تساهم في تنفيذ العمليات، وتؤمن الوحدات المقتحمة".

كما "تزود بكاميرات مخفية تنقل الصورة والأحداث مباشرة لمقرات القوات الخاصة والوحدات المتعاونة في العملية"، وفق الصواف.

ولفت إلى أنه لإسرائيل "هدف أساسي وهو إنهاء مجموعات المقاومة في الضفة الغربية، ككتيبة جنين وعرين الأسود وكتيبة بلاطة، وذلك من خلال تكثيف عمليات الاغتيال والاقتحامات وترسيخ معادلة أن كل مقاوم مصيره القتل أينما كان لتردع الشباب الفلسطيني من الالتحاق بركب المجموعات المقاومة".

وأكد الصواف أن "هذا الأسلوب لم ينفع يوما في كبح جماح الشعب الفلسطيني وعزله عن مقاومته، بل ساهم في تأجيج الروح الوطنية".