"حصن للمصالح".. موقع إيطالي: سفينة الأناضول امتداد للعقيدة البحرية التركية

12

طباعة

مشاركة

تطرق موقع إيطالي إلى أهداف تركيا الإستراتيجية وراء بناء سفينة "تي سي جي الأناضول" في سياق الطموحات البحرية والإسقاط الإقليمي.

ويبلغ طول حاملة الطائرات التي جرى تسليمها في 7 أبريل/ نيسان 2023، 231 مترا وعرضها 32 مترا والحد الأقصى للحمولة 27 ألف طن و436 كيلوغراما، وتبلغ سرعتها القصوى 20.5 عقدة، أما السرعة الاقتصادية فتبلغ 16 عقدة.

وتستطيع حمل 13 دبابة و27 مركبة برمائية مدرعة، و6 ناقلات جنود، و33 مركبة عسكرية و15 مقطورة، أي بمجموع 94 مركبة.

ويمكنها استيعاب 10 مروحيات و11 مسيرة هجومية على سطحها، أما حظيرتها فيمكنها أن تحمل 19 مروحية أو 30 مسيرة هجومية، إلى جانب استيعابها طاقم قوامه 1223 فردا.

مثيرة للاهتمام

إلى جانب الخصائص المثيرة للاهتمام، لفت موقع "معهد تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي إلى أن "الأمر الأكثر إثارة للاهتمام أن هذه السفينة تمثل الطموحات التركية بشكل كامل من حيث القوة البحرية وإسقاط القوة".

وذكر أن هذا "ما تم التأكيد بوضوح في تدخلات الرئيس رجب طيب أردوغان وقائد البحرية التركية الأدميرال أرجمنت تاتلي أوغلو، وغيرهم من الجهات المدنية والعسكرية خلال حفل التسليم". 

وفي تساؤله عن الأسباب الجيوسياسية وراء بناء هذه السفينة، أشار المعهد إلى أنه "من خلال دراسة تاريخ البحرية التركية خلال الفترة الجمهورية، يمكن ملاحظة تركيزها الدائم قبل الانضمام إلى حلف الناتو وبعده، على الدفاع الساحلي والسيطرة على الدردنيل والبوسفور، والتي تعد أساسية لاحتواء التهديدات اليونانية".

ولفت إلى أن "الأمور تغيرت جزئيا في الستينيات، عندما أقنع الاعتماد المتزايد للاقتصاد التركي على الواردات عن طريق البحر والتوترات المشتعلة في المسألة القبرصية، أنقرة بتقوية المكون البحري للأسطول التركي وبناء قوة برمائية صغيرة استخدمت لاحقا بنجاح في حرب قبرص عام 1974".

واستمر هذا التعزيز أيضا في السبعينيات والثمانينيات، يتابع الموقع، بانخراط البحرية التركية "في برامج التحديث المكثفة الضرورية لموازنة المشاريع اليونانية المماثلة".

 إلا أنه مع انهيار جدار برلين والاتحاد السوفيتي، اضطرت البحرية التركية إلى تغيير تنظيمها وعقليتها بشكل جذري لمواجهة التحديات الجديدة التي فرضتها التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يشرح المعهد الإيطالي.

لذلك، صدر عام 1997  مجلد "Açık Denizlere Doğru" (نحو أعالي البحار)، ثمرة سنوات من النقاش الداخلي المكثف حول المسار الواجب اتباعه.

وأكد الكتاب، بالإضافة إلى إعادة التأكيد على أهمية أداة عسكرية حديثة وفعالة لردع الخصوم المحتملين، على الحاجة إلى توسيع قدرات إسقاط القوة البحرية لغرض مزدوج يتمثل في المساهمة في مهمات الاستقرار المتعددة الأطراف للناتو والأمم المتحدة وكذلك الدفاع بشكل فعال عن مصالح أنقرة في العالم.

إستراتيجية جديدة

علاوة على ذلك، من أجل تحقيق هذه الأهداف الطموحة، يضيف الموقع الإيطالي، "تم اقتراح بناء سفينة إنزال كبيرة قادرة على استخدام الطائرات المقاتلة (أي الأناضول المستقبلية)، على غرار ما كانت تفعله القوات البحرية الأوروبية الأخرى.

بهذا المجلد، ينوه الموقع بأن البحرية حققت العديد من النتائج، خاصة، قيامها بإضفاء الطابع المؤسسي على نية التحول من قوة بحرية ساحلية إلى "بحرية المياه الزرقاء" تتجاوز البيئة "الساحلية" التي كانت تميزها حتى ذلك الحين.

ثانيا، قدمت نفسها أمام الطبقة السياسية كحصن للمصالح التركية في النظام الدولي الجديد الذي ظهر في تلك السنوات.

كما ابتكرت شعارا فعالا لإقناع عامة الناس بأن تقويتها شكلت ضرورة لا غنى عنها لدعم صعود تركيا على رقعة الشطرنج الأوروبية الآسيوية، وفق شرح الموقع.

ولاحظ أن هذا المجلد يظل "وثيقة برمجية بسيطة" تركز بشكل أساسي على الآفاق المستقبلية للبحرية التركية، رغم أنه يمثل التعبير الأول عن طموحات تركيا البحرية في القرن الـ21.

وأضاف أن محتواه لم يمثل ظهور عقيدة إستراتيجية جديدة تتمحور حول البحر واستغلاله، لأنه على العكس من ذلك، في تلك السنوات سيطر مفهوم كتاب "العمق الإستراتيجي" لرئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، على أذهان الحكام الأتراك في أوائل العقد الأول من الألفية الثالثة بتركيزه على إعادة إنشاء الفضاء الإمبراطوري التركي الذي اختفى عام 1922.

تلك الإستراتيجية، بحسب الموقع الإيطالي، جرى تطبيقها بشكل كامل بين عامي 2005 و2011 من قبل الثنائي أردوغان-داود أوغلو.

وتمكن الأخير، يضيف المعهد، من تعزيز أو إعادة بناء العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع معظم الدول الإسلامية في المنطقة، بفضل التقارب بين تركيا وغيرها من الدول الإسلامية، خاصة بعد رفض أنقرة التدخل إلى جانب الولايات المتحدة في غزو العراق عام 2003.

ودفع اندلاع الربيع العربي في 2011-2012، تركيا إلى تبني سياسة خاصة.

تحركات مستقبلية

وفي العام 2019، غيّر أردوغان إستراتيجيته بشكل جذري باعتماد مبدأ "الوطن الأزرق"، الذي شكل بداية مرحلة بحرية جديدة من السياسة الخارجية التركية.

الإستراتيجية الجديدة، التي ولدت تقريبا بهدوء عام 2006 من قبل الأدميرال آنذاك جيم جوردينيز، تهدف إلى تطوير السيطرة المطلقة على المياه الإقليمية التركية والمنطقة الاقتصادية الخالصة (بما في ذلك المناطق البحرية المطالب بها أو المتنازع عليها).

ويمكن من خلالها إسقاط القوة الاقتصادية والعسكرية التركية في قلب البحر الأبيض المتوسط وعبر قناة السويس وباب المندب باتجاه البحر الأحمر والمحيط الهندي.

فكرة أساسية أخرى  للعقيدة تنص على دعم تحديث البلاد وبالتالي وضعها في وضع يسمح لها بتوسيع وجودها في الأسواق القريبة والبعيدة بفضل نشاط مراقبة البحر الذي تمارسه البحرية التركية.

وكذلك استغلال البحر للحصول على الموارد، وخاصة مصادر الطاقة، اللازمة لدعم نمو الاقتصاد الوطني وجعله مستقلا قدر الإمكان عن الواردات من الخارج. 

في ضوء كل هذا، تهدف هذه العقيدة، يستنتج الموقع، إلى "ضمان عمق إستراتيجي لتركيا لا يتطور فقط على الأرض ولكن أيضا على البحر". 

وبحسب تعبيره، من الصعب تحديد التحركات التركية المستقبلية في المنطقة، لكن المؤكد هو أن مبادئ "الوطن الأزرق" ليست مرتبطة بسلطة أردوغان أو حزب العدالة والتنمية.

لهذا السبب، يعتقد أن النشاط التركي في شرق البحر المتوسط ​​سيستمر لفترة طويلة. 

كما من المؤكد، يشدد المعهد الإيطالي، بأن تقوية البحرية التركية الآن في مرحلة متقدمة من التنفيذ، كما يتضح من دخول سفينة الأناضول في الخدمة، مما يعزز مصداقية الإسقاط التركي في شرق البحر الأبيض المتوسط.

من ناحية أخرى، أردف بأن "البحر يعد أساسيا بشكل متزايد للاقتصاد التركي، الذي يشكو ارتفاع التضخم ويعتمد على توافر موارد الطاقة للاستمرار في التطور و دعم سياسة خارجية أو زيادة تعزيز القوات المسلحة". 

ويرى الموقع أن "شرق البحر الأبيض المتوسط سيظل ​​في قلب الأجندة الجيوسياسية للحكومة التركية على مدى العقود المقبلة، حتى لو تغيرت الجهات السياسية الفاعلة في السلطة".