محمد مبديع.. وزير مغربي سابق يُسجن بعد أيام من تعيينه مسؤول "العدالة" بالبرلمان
بعد اتهامه لسنوات بالفساد مقابل نفي مستمر لذلك، وجد الوزير المغربي السابق، البرلماني محمد مبديع (69 عاما) نفسه أخيرا بين أسوار السجن، بتهم اختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير والرشوة.
مبديع على مدار سنوات واجه انتقادات أكدت أن استمراره في رئاسة بلدية "الفقيه بن صالح" بمدينة الدار البيضاء (شمال غرب) منذ 1997، يرجع توظيفه لشبكة علاقات قائمة على المصالح وتوظيف المال.
ما جعله يتحول إلى "إمبراطور" بالمدينة عصي على المحاسبة، لدرجة شبهه البعض بـ"الرئيس الأبدي" للبلدية.
ويعد توقيف وزراء أو مسؤولين نافذين في قضايا رشوة أمرا نادرا في المملكة، وإحالته على السجن أثار نقاشا بشأن مساره المحاط بعلامات الاستفهام حول اغتنائه وحمايته سابقا من المحاكمات.
أضحوكة العالم
وقرر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بمدينة الدار البيضاء، في 27 أبريل/نيسان 2023، إيداع الوزير السابق والقيادي في حزب "الحركة الشعبية" المعارض، مبديع، السجن، على خلفية التحقيق بشأن اتهامات بالفساد وتبديد أموال عمومية.
وجاء قرار قاضي التحقيق بعد الالتماس الذي كان تقدم به الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف، بإيداع مبديع السجن، إلى جانب متهمين آخرين، وذلك بعد ساعات طويلة من التحقيق معهم بشأن "اختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير والرشوة والغدر واستغلال النفوذ".
كما تركز التحقيق أيضا مع مبديع، بشأن شواهد طبية "صورية" كان يدلي بها إلى الشرطة القضائية للتنصل من المتابعة.
ولجأ مبديع إلى التخلف عن استدعاءات الشرطة القضائية، متحججا بالمرض، قبل أن يظهر في أنشطة رسمية بصحة وعافية، محاولا بذلك "استغباء الأجهزة الأمنية، التي لم تتوان عن اقتياده بالقوة من الرباط نحو الدار البيضاء من أجل التحقيق معه"، وفق موقع "مدار 21" المحلي في 27 أبريل 2023.
وكان مجلس النواب، قد انتخب في 17 أبريل 2023، مبديع، رئيسا لـ"لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان"، خلفا لمحمد فضيلي الذي ألغت المحكمة الدستورية انتخابه بمجلس النواب.
وحصل مبديع، خلال الجلسة العمومية المخصصة لانتخاب "رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان"، على 250 صوتا، من مجموع الأصوات المعبر عنها والبالغة 255، في حين تم إلغاء 5 أصوات.
وانتخاب مبديع على رأس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، بإجماع من الأغلبية والمعارضة، أثار جدلا واسعا وانتقادات عارمة بالبلاد.
حيث عده متتبعون إجماعا على "حماية الفساد"، لتنطلق بعدها حملة مطالبة باستقالته من اللجنة المذكورة ومتابعته أمام القضاء على خلفية الملفات الكثيرة والمتشعبة.
وعد رئيس "الجمعية المغربية لحماية المال العام"، محمد الغلوسي، في تدوينة له على "فيسبوك"، انتخاب مبديع رئيسا للجنة العدل والتشريع رسالة طمأنة لـ"كل لصوص المال العام"، داعيا في هذا الإطار إلى وقف هذه "الفضيحة" التي سيصبح المغرب بها أضحوكة أمام العالم، وفق وصفه.
واستطرد الغلوسي: "قالوا لنا إن أخلاقيات المرفق العمومي تقتضي التحلي بالنزاهة والإستقامة وتقديم الخدمة العمومية على قدم المساواة للمواطنين، وقالوا إن الدستور ينص على مبادئ الحكامة والشفافية والمساواة وربط المسؤولية بالمحاسبة".
وتابع: "ليكتشف الناس أن تولي إدارة مرفق عمومي أو مؤسسة مهمة تقتضي أن يجر الشخص من ورائه شبهات فساد وتبييض أموال وأن تكون له علاقات نافذة تحميه من الملاحقات القانونية والقضائية ويوضع ملفه في الرفوف، رغم كل الأدلة الدامغة على تورطه حتى النخاع في الفساد والرشوة والتزوير ونهب المال العام".
وتساءل الغلوسي: لماذا لم يتم اتخاذ أي قرار في ملف مبديع المعروض على الشرطة القضائية بالدار البيضاء منذ سنة 2020 وإلى الآن؟ هل مبديع يتمتع باستثناء قانوني لا يعرفه المغاربة؟"
وشدد على أن "قضية مبديع ليست قضية شخص أو خصومة فردية، إنها خصومة مجتمع، هيبة ومصداقية مؤسسات، اختبار للدستور والقانون والعدالة".
هذه التدوينة دفعت القضاء المغربي لفتح بحث قضائي أجرته "الشرطة القضائية"، بناء على شكوى تقدم بها فرع "الجمعية المغربية لحماية المال العام" بجهة الدار البيضاء، في يناير/ كانون الثاني 2020.
القضية تتعلق على وجه الخصوص بشبهات "ارتشاء في منح صفقات عمومية"، تقدمت الجمعية بشكوى للتحقيق فيها آنذاك.
وتضمنت شكاية حماية المال العام إشارة إلى خروقات وتجاوزات شابت الصفقات العمومية المتعلقة بالبلدية، من خلال التوقيع على مشاريع لم تنفذ رغم أداء المبالغ المخصصة لها، أوتقديم شواهد كمراجع لمشاريع تشمل مبالغ تفوق المبالغ المؤدى لها.
وفي ملف سابق وبالضبط في 21 فبراير 2021، صدر قضاة المجلس الجهوي للحسابات ببني ملال، قرار يقضي بتغريم مبديع 600 مليون سنتيم (60 ألف دولار).
وحسب مصدر موثوق لموقع "العاصمة 24" المحلي، تغريم مبديع جاء عقب فتح قضاة المجلس الأعلى للحسابات، ملفات صفقات وتدبير المجلس ورصد اختلالاته، وإعداد تقرير بهذا الشأن.
سيرة ضبابية
محمد مبديع، سياسي مغربي من مواليد مدينة الفقيه بن صالح عام 1954، نائب برلماني، عضو المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية يرأس بلدية "الفقيه بن صالح" منذ أكثر من 23 سنة، وسبق أن تم تعيينه وزيرا دون توفره على شهادة البكالوريا.
انتخب مبديع سنة 1997 نائبا برلمانيا ورئيسا للجنة القطاعات الاجتماعية والشؤون الإسلامية بمجلس النواب، كما انتخب رئيسا للمجلس البلدي لمدينة الفقيه بن صالح في السنة ذاتها
وتولى مبديع منصب وزير منتدب مكلف بالوظيفة العمومية بين 2013 و2016، وهو مسؤول في حزب الحركة الشعبية اليميني المنتمي حاليا إلى المعارضة البرلمانية.
أقام محمد مبديع في 29 أكتوبر 2019 حفل زفاف باذخا لنجله آدم إلياس، فاقت ميزانيته ملياري سنتيم، احتضنه قصره بمدينة الفقيه بن صالح، انطلق الخميس وانتهى الإثنين،
وخصص 160 طاولة، وخروفا مشويا لكل طاولة، بعدما سبق وذبح 550 غزالا وخروفا بهذه المناسبة.
قام على العرس أكبر مموني حفلات الملوك ورؤساء الدول حيث أشرفوا على إطعام مئات المدعوين، وحضرت وجوه بارزة في عالم السياسة والرياضة والفن والاستثمار .
أثار الحفل الأسطوري الذي أقامه الوزير ضجة عارمة بالمغرب، حيث تساءل محتجون عن مصدر ثروته.
كما تعرض مبديع لحملة انتقادات واسعة من طرف مستشارين وهيئات سياسية ونقابية وحقوقية وجمعوية بمدينة الفقيه بن صالح بسبب البذخ الذي عرفه عرس ابنه وطالبت بمساءلة مبديع ورحيله.
ودعت للكشف عن مصدر ثروته التي راكمها منذ توليه مسؤولية تسيير الجماعة قبل 20سنة، مطالبين بضرورة تدخل المجلس الأعلى للحسابات، لافتحاص مشاريع وصفقات البلدية التي أصبحت تفوت لمقاولين من أصدقاء مبديع، دون غيرهم وخرجت احتجاجات لساكنة الفقيه بن صالح تتهم مبديع بنهب مدينتهم والاغتناء في وقت قياسي.
أجمل خبر
حساب باسم "المستقبل المغربي" على فيسبوك علقا قائلا: "أجمل خبر سمعته هذا اليوم هو اعتقال الوزير السابق والبرلماني محمد مبديع".
وأضاف في 29 أبريل، أن "هذا البرلماني يعيش في قصر 12 هكتارا وظلم العديد من الناس وخصوصا ساكنة مدينة الفقيه بن صالح، مدينة ناسها تعاني من عدة مشاكل متعلقة بالحياة اليومية".
وأفاد بأن "كثيرا من المشاريع تمت الموافقة عليها ووصلت الميزانية الخاصة بها وأخداها مبديع وأعطى منها بركة لمن معه من العصابة، العصابة مكونة من موظفين، القائد، أعوان السلطة... لكلهم شهدو ووقعو فالأوراق أن المشاريع تبنات وواجدة باش متكونش مُسائلة على الميزانية".
واستدرك: "لكن في الواقع المشاريع لم تنجز فيها أي شيء، ولو حجرة وحدة متحطاتش في الأراضي المخصصة لهذه المشاريع".
واستحضر رواد منصات التواصل الاجتماعي عندما كان "مبديع" وزيرا منتدبا لدى رئيس الحكومة مكلفا بالوظيفة العمومية، ورفع شعار مكافحة الفساد بعد أن وضعت تحت يديه ميزانية ضخمة مخصصة لهذا الغرض تقدر بـ 18 مليار سنتيم (180 مليون دولار) لمكافحة آفة الفساد في أفق 2025.
وكان مبديع قد أكد خلال مؤتمر صحفي مطلع عام 2016 أن مشروع مكافحة الفساد يروم أيضا تعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات، وكذا تقوية ثقة المجتمع الدولي في المغرب، لكن تساءل مواطنون بعد توقيف مبديع عن ميزانية هذا "المشروع"، وما إذا كانت قد أدت الغرض منها.
من جهة أخرى، يواجه مبديع انتقادات بكون استمراره في رئاسة جماعة الفقيه بن صالح منذ سنة 1997 إلى الآن، كان بسبب توظيفه لشبكة علاقات قائمة على المصالح وتوظيف المال، ما جعله يتحول إلى “إمبراطور” بالمدينة عصي على المحاسبة، وانتقل به إلى ما يشبه “رئيس أبدي” للبلدية.
وقال موقع "مدار 21" المحلي في 27 أبريل 2023، إن "مسيرة مبديع ترتبط بكثير من المفارقات، فالوزير الذي ادعى محاربة الفساد لحظة حمله حقيبة الوظيفة العمومية وجد نفسه متابَعا على أرضية ملفات فساد واختلالات رصدتها تقارير رسمية".
وأضاف "كما أن الشخص نفسه الذي لم تحسم العدالة بعد النظر في ملفاته يجد نفسه، بقدرة إجماع برلماني، رئيسا للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، ومسؤولا عن التشريع للمغاربة بإحدى أهم اللجان البرلمانية".