وثائق سرية.. كيف لاحقت السلطات الإيرانية المشاهير خلال مظاهرات مهسا أميني؟
تميزت حركة الاحتجاجات الأخيرة في إيران، والتي اشتعلت على إثر وفاة الفتاة الإيرانية مهسا أميني، بمشاركة كثيفة من مشاهير المجتمع الإيراني في الاحتجاج على الحكومة.
وكان منهم الرياضيون والفنانون وناشطو الإنترنت، الذين يحظون بشهرة واسعة بين الإيرانيين، وهي ظاهرة أثارت قلق النظام الإيراني، الذي واجه هذه الشخصيات الشهيرة بقوة، لوقف دعمها للمظاهرات الاحتجاجية.
وخلال الاحتجاجات الأخيرة في إيران التي انطلقت في سبتمبر/أيلول 2022، وأعلنت السلطات إيقافها بالكامل بعد شهور، سجن العديد من نجوم السينما وأبطال الرياضة، أو واجهوا قيودا مختلفة، منها حظر السفر.
وقتلت مهسا أميني (22 عاما) بعد 3 أيام على توقيفها لدى "شرطة الأخلاق" المعنية بمراقبة قواعد لباس النساء. وأثارت الحادثة غضبا شعبيا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية بإيران، وسط روايات متضاربة عن أسباب الوفاة.
وقد حصل القسم الفارسي في هيئة بي بي سي البريطانية على وثائق تشير إلى تشكيل "لجنة الشخصيات الخاصة"، المكلفة بكبح جماح ومعاقبة الرياضيين والفنانيين والإعلاميين المرتبطين بالاحتجاجات في إيران، والتي بدأت في ممارسة عملها بعد أقل من أسبوع من اندلاع المظاهرات.
وتعاقب هذه اللجنة عشرات الرياضيين والفنانيين والإعلاميين بالعقوبات المالية، والمنع من السفر، والسجن. ومن هؤلاء الرياضيين والفنانيين اللاعب الدولي الشهير علي دائي، والفنانة ترانه علي دوستي، وغيرهما، من قبيل أصغر فرهادي، وفاطمة معتمد آريا.
تلقت بي بي سي ثلاث وثائق سرية حول الإجراءات والقرارات المتعلقة بعمل هذه اللجنة، وتشير إلى أن الحكومة الإيرانية شكلت هذه اللجنة للتعامل مع المشاهير ومنعهم من تأييد الحركة الاحتجاجية بعد اندلاعها مباشرة.
كما تدل هذه الوثائق على أن مستوى التعاون والتنسيق بين الجهات الحكومية المختلفة من أجل التعامل مع الرياضيين والفنانين قد تجاوز حدود "مجموعة العمل المشتركة" التي كانت مختصة بالتعامل مع المشاهير في وزارة الإرشاد، وتحولت إلى لجنة للشخصيات الخاصة تابعة لمجلس الأمن القومي.
ويعود تاريخ محاولة كبح جماح المشاهير من جانب وزارة الإرشاد إلى مرحلة حكم الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني.
وتشير هذه الوثائق إلى كيفية تخطيط الحكومة الإيرانية للتعامل مع الشخصيات الشهيرة المساندة للاحتجاجات، وتدل على المتابعة اليومية لأنشطتهم. وتذكر أن القائمين على هذه اللجنة يعقدون اجتماعين أسبوعيا في المتوسط، للتعامل معهم.
الوثيقة الأولى والثانية
ترتبط الوثيقة الأولى بقرارات اجتماع مجموعة العمل المسماة "مجموعة عمل المشاهير"، وهو الاجتماع الذي قدم فيه وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، محمد مهدي إسماعيلي، قائمة بأسماء 141 فردا من الشخصيات المعروفة في مجالي الرياضة والفن إلى وزارة المالية والاقتصاد للحصول على تفاصيل عن الوضع الضريبي لهؤلاء المشاهير.
وكان إسماعيلي قد فرضت عليه عقوبات من جانب الاتحاد الأوروبي بسبب علاقته بالقمع الأمني للمتظاهرين الإيرانيين. وجاء في هذه الوثيقة أن هؤلاء المشاهير قاموا بدور مهم في تأجيج الاحتجاجات وتوسيع رقعتها.
ويوجد في هذه القائمة أسماء كثير من الممثلين والمطربين والرياضيين والوجوه الإعلامية المعروفة في إيران، ومنها أشكان خطيبي، ودنيا مدني، وبكاه آهنكراني، ومنيزه حكمت، ومهدي يراحي، وإحسان كرامي، وبرزو أرجمند، وشاهين صمدبور.
وقالت إحدى الشخصيات التي ورد اسمها في القوائم الواردة في الوثيقة المسربة إن رجال الأمن هددوا ناشطي إنستغرام بأنه سيتعين عليهم دفع ضرائب ضخمة على دخلهم من أنشطتهم الافتراضية إذا استمروا في دعم الاحتجاجات.
كما أكد شخصان آخران من الذين وردت أسماؤهم في القوائم أن الحسابات البنكية لبعض المشاهير قد حجبت بعد دعمهم للاحتجاجات.
تبين الوثيقة الثانية، التي تحمل ختم "سري للغاية، أن "مجموعة العمل" قد تحولت إلى "لجنة الشخصيات الخاصة"، وأصبحت لجنة دائمة.
وجرى تقسيم المهام بين المؤسسات الحكومية للتعامل مع الشخصيات المشهورة في الاجتماع الذي صدر فيه قرار تشكيل اللجنة.
وقررت اللجنة في هذا الاجتماع أن وزارة الرياضة ستتعامل مع الشخصيات الرياضية بالتعاون مع جهاز المخابرات التابع للحرس الثوري.
وجرى تكليف وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ووزارة الإعلام بالتعامل مع الشخصيات الفنية والسينمائية والإعلامية.
وجاء في بداية هذه الوثيقة أن الأعضاء اتفقوا على أنه يجب أن يتميز القرار المتخذ بشأن الشخصيات الخاصة والمعروفة بالكلفة القليلة والفائدة الكبيرة من أجل الحد من الاضطرابات.
وبدا في قسم من هذه الوثيقة أن الحكومة الإيرانية تخشى من أن تؤدي المعاملة القاسية مع الشخصيات الشهيرة إلى حدوث ضرر.
وجاء في فقرة من هذه الوثيقة أنه يجب أن يوافق وزير الداخلية على أي قيد أو مستوى من التعامل مع الشخصيات الخاصة يمكن أن يتسبب في إلهاب المجتمع وإحداث توتر "يستغله الأعداء" والقنوات الفضائية.
ويُطلب من وزارتي الثقافة والإرشاد الإسلامي والرياضة أن تقدما قائمة يومية بالشخصيات التي يجب التعامل معها.
الوثيقة الثالثة
تحتوي الوثيقة الثالثة على قرارات الاجتماع التاسع للجنة الشخصيات الخاصة، والتي يتضح فيها القلق من لاعبي كرة القدم على مشارف إقامة كأس العالم في قطر (نوفمبر/تشرين الثاني 2022).
وأظهرت الوثيقة الحساسية العالية للحكومة تجاه مونديال قطر، ورغبة المسؤولين في منع تحويل هذه المناسبة إلى فرصة للتعبير عن الاحتجاجات.
وأكدت هذه الوثيقة على أن "تفاعل أجهزة المخابرات والأمن مع الشخصيات الرياضية هو نهج تدريجي، وإذا لم ينفع التحذير مع أي من العناصر المستهدفة بفعل التقييد، فيجب تطبيق الخطوة التالية".
كما أن المصادقة الأمنية على قائمة الصحفيين الحاضرين في المونديال هي إحدى القضايا الأخرى المذكورة في هذه الوثيقة.
وهذه المصادقة أوكلت إلى وزارة الإعلام، ومخابرات الحرس الثوري الإيراني، وجهاز استخبارات الشرطة، وهي المؤسسات المنوط بها الموافقة على أسماء الصحفيين المشاركين في تغطية كأس العالم.
وعلى الرغم من هذه الإجراءات، فإن الاحتجاجات استمرت على هامش مونديال قطر، وبعد خسارة إيران مباراتها أمام الولايات المتحدة احتفلت حشود كبيرة بالخسارة، ورددت شعارات احتجاجية في مدن مختلفة إيرانية مختلفة.
وبحسب هذه الوثيقة، فإن السياسة الأساسية للتعامل مع الشخصيات الرياضية من قبل أجهزة الأمن والاستخبارات هي التعامل معهم خطوة بخطوة، ثم اتخاذ الإجراءات التالية في حالة عدم استجابة هذه الشخصيات للتحذير.
وقد ورد في هذه الوثيقة اسم لاعب كرة قدم ومدرب معروف جرى حظر التعامل معه، وأخطر النائب العام الإيراني باستدعائه وتوجيه التهم إليه.
ويذكر في فقرة من هذه الوثيقة اسم الممثلة الإيرانية دنيا مدني، التي منعت من السفر، وجرى استدعاؤها من قبل وزارة الاستخبارات، ووجهت إليها التحذيرات اللازمة. واستطاعت مدني استرداد جواز سفرها بعد مدة وخرجت من إيران.
ويبدو من هذه الوثيقة أن اللجنة الأمنية التابعة للحكومة الإيرانية غاضبة مما وصف بأنه جرأة مستمرة من فاطمة معتمد آريا، وهي ممثلة سينمائية معروفة، وطلبت اللجنة من المدعي العام في طهران توجيه اتهام فوري لها والاستعجال في نظر قضيتها.
وعلى الرغم من أنه كان من المقرر أن تتعامل مخابرات الحرس الثوري مع الرياضيين فقط، فإنه وفقا لهذه الوثيقة فإن هذه المؤسسة أصدرت أمرا باعتقال الممثلة كتايون رياحي.
وكانت وسائل الإعلام الإيرانية قد أفادت باعتقال رياحي التي اشتهرت بأداء شخصية زليخا في مسلسل يوسف الصديق الشهير بالقرب من مدينة قزوين.
وتعد هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها نشر معلومات مسربة حول التعامل المشترك بين أجهزة الحكومة الإيرانية لمنع شخصيات شهيرة من الانضمام إلى حركة الاحتجاج في إيران.