أحمد الجلبي.. سياسي أقنع أميركا بإطاحة صدام حسين وفشل في رئاسة العراق

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع حلول الذكرى العشرين للاحتلال الأميركي للعراق، استذكرت العديد من الشخصيات السياسية والمسؤولين السابقين دور السياسي العراقي، أحمد الجلبي، في تضليل الولايات المتحدة عن طريق تقديم معلومات مغلوطة بخصوص أسلحة الدمار الشامل المزعومة في البلاد.

في فجر 20 مارس/آذار 2003، غزت العراق الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها، ولا سيما بريطانيا، أطاحت بنظام الرئيس صدام حسين، بحجة "امتلاكه أسلحة دمار شامل ويشكل تهديدا للسلام الدولي"، رغم نفي السلطات ذلك.

عرّاب الاحتلال

يُعد الجلبي (1945-2015) من أبرز المعارضين لصدام حسين، فكان المفضل لدى واشنطن لقيادة البلاد بعد تغيير النظام، لكن علاقته مع الإدارة الأميركية ساءت في خضم ظروف الاحتلال والتنافس على السلطة الذي أعقب الإطاحة بالنظام.

الجلبي لعب دورا رئيسا في إقناع الولايات المتحدة وبريطانيا بضرورة التدخل الخارجي لتغيير نظام صدام الذي أطيح به إثر الغزو العسكري.

وفي هذا الإطار، قال رئيس الوزراء الأردني السابق، علي أبو الراغب: "لقد كان البنتاغون مليئا بالمعلومات المغلوطة عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، والتي كان مصدرها (السياسي الراحل) أحمد الجلبي"، حسب مقابلة مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في 20 مارس 2023.

من جهتها، قالت المحللة الأميركية وخبيرة الشؤون الخارجية، باربرا سلافين، خلال مقال نشره "المعهد الإيطالي" للدراسات السياسية الدولية في 19 مارس 2023 إن "أشخاصا عراقيين مثل  الجلبي، كانوا انتهازيين وعملاء لإيران، وأن الأخير لم يكن العراقي الوحيد الذي كان يحظى بدعم أميركي ورغم ذلك غازل طهران".

فيما قال السياسي والمفكر العراقي، غالب الشابندر، خلال مقابلة تلفزيونية في 25 فبراير 2023 إن "الجلبي استطاع وحده أن يلعب بالكونغرس الأميركي لعبة كبيرة عجزت عنها كل قيادات العمل السياسي العراقي (المعارضة)، وكلهم يقولون إنه كان العمود الفقري في مسألة إقناع الأميركيين".

وفي مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" للكاتب الأميركي، سويل تشان، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، قال فيه إن "السياسي الجلبي الذي ساعد في إقناع الولايات المتحدة على غزو بلاده، ثم حاول الوصول إلى السلطة بلا جدوى".

وأوضح الكاتب أن الجلبي ربما كان "أكثر شخصيات العراق ارتباطا بقرار الرئيس جورج دبليو بوش بغزو العراق وإسقاط صدام الذي قضى في حكم البلاد زمنا طويلا".

وبحسب المقال، فقد امتدت علاقة الجلبي مع الأميركيين لعقود عدة، ففي عام 1998، نجح في إقناع الكونغرس بوضع قانون "تحرير العراق" الذي وقع عليه الرئيس (السابق) بيل كلينتون، وبالإعلان عن تبني واشنطن لسياسة تقضي باستبدال حكومة ديمقراطية بحكومة صدام.

وتابع: "مع مرور الأيام تلقت مجموعته المتمثلة بالمؤتمر الوطني العراقي أكثر من مائة مليون دولار من وكالة المخابرات الأميركية (السي آي إيه) وغيرها من الوكالات، وذلك منذ تأسيس المؤتمر عام 1992 وحتى بداية الحرب على العراق".

وأكد الكاتب أنه "نجح في إقامة علاقات وثيقة مع دائرة من الجمهوريين الصقوريين، بما في ذلك: ديك تشيني، ودوغلاس جيه فيث، ووليام جيه لوتي، وريتشارد إن بيرل، وبول دي وولفويتز، والذين لعبوا أدوارا مركزية في مسيرة واشنطن نحو الحرب".

وأردف أن "الجلبي كان يصر على أن صدام يملك أسلحة دمار شامل، وقد وافقته في ذلك بشكل عام مختلف وكالات الاستخبارات الأميركية، وأنه استخدم الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد، وقتل الكثير من الشيعة والعراقيين الآخرين، كما رفض التعاون بشكل تام مع مفتشي الأمم المتحدة عن الأسلحة".

ولفت تشان إلى أن "معظم الأدلة التي استخدمت لتبرير الحرب نجمت عن معلومات استخباراتية مغلوطة، بما في ذلك شهادات العديد من المنشقين عن النظام والذين لم يكن ممكنا في نهاية المطاف إثبات صحة رواياتهم".

شيعي أرستقراطي

ولد أحمد عبد الهادي الجلبي الطائي ببغداد في عام 1945 لعائلة شيعية أرستقراطية (طبقة عليا ثرية)، وقد شغل والده وشقيقه الأكبر مناصب وزارية في حكومة العراق الملكية، حيث اضطرت العائلة إلى مغادرة البلاد عندما انتهى النظام الملكي بانقلاب عسكري في 14 يوليو/ تموز 1958.

تخرج من جامعة "جونز هوبكنز" في الولايات المتحدة، ثم درس الرياضيات في جامعة "شيكاغو" وحصل منها على درجة الدكتوراه الفلسفية بالرياضيات، وبعدها درس بمعهد "ماساشوستس" للتكنولوجيا، وبعدها عمل أستاذا للرياضيات في الجامعة الأميركية في بيروت.

تزوج من اللبنانية ليلى عسيران ابنة السياسي عادل عسيران عام 1972 بالعاصمة بيروت، وكان رجل الدين الشيعي المختفي، موسى الصدر، هو من عقد قرانه، ولديه منها أربعة أولاد، اثنان من الذكور، هاشم وهادي، وابنتان، مريم وتمارا.

وقضى الجلبي السنوات الممتدة بين 1958 و2003 في لبنان ولندن وعمان والولايات المتحدة، باستثناء فترة منتصف التسعينيات عندما سعى إلى تنظيم تمرد ضد نظام صدام من كردستان العراق، التي انسحبت منها القوات الحكومية إثر غزو الكويت وفرض منطقة حظر للطيران على شمال البلاد.

لكن المحاولة انتهت بالفشل عندما اضطر المنضوون تحت لواء "المؤتمر الوطني العراقي" إلى الفرار من مقراته نتيجة دخول الجيش إلى مدينة أربيل عام 1996، بناء على طلب من زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، لمواجهة خصمه آنذاك زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، جلال طالباني الذي دعمته إيران للسيطرة على منطقة الشمال.

وأسس الجبلي "المؤتمر الوطني العراقي" في لندن بهدف جعلة مظلة تنضم إليها قوى عراقية للضغط من أجل إقامة نظام ديمقراطي في البلاد بعد القضاء على نظام البعث الحاكم آنذاك، لكن لم ينجح في أن يكون تجمعا للقوى المعارضة واتخذ شكل التنظيم المنفرد.

ويتهم الجلبي بالتسبب في انهيار بنك البتراء، وهو مصرف شارك في تأسيسه في الأردن في الثمانينيات، وأصبح من أكبر مصارفها. وانهار المصرف عام 1990 وسط اتهامات بالاختلاس.

وحكمت محكمة أردنية بعد ذلك غيابيا على الجلبي بالسجن 22 عاما عام 1992.

لكنه أصر على براءته من التهم التي وجهت إليه، وقال إنه "ضحية مؤامرة دبرها له النظام العراقي عندما كان قريبا من النظام الأردني، ومن محمد سعيد النابلسي الذي كان حاكما للبنك المركزي بالأردن".

وكان رئيس "المؤتمر الوطني" أحد أول الزعماء العراقيين المعارضين الذين عادوا إلى البلاد حينذاك، ساعيا إلى تثبيت نفوذه السياسي وتوسيعه، لكن ما حدث لاحقا أنه لم ينل ثقة كبيرة من الشعب الذين اتجهوا إلى مساندة زعاماتهم الدينية والعشائرية التقليدية.

وأصبح أحد أعضاء "مجلس الحكم الانتقالي" الذي تشكل عام 2004 ليسد الفراغ السياسي في البلاد، وتولى رئاسته في إحدى دوراته (شهر واحد).

ويعزو الكثيرون قرار سلطة الائتلاف بحل الجيش العراقي الذي يعد سببا في انهيار الأمن والنظام إلى النصائح التي قدمها الجلبي وآخرون.

وكان الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر، قد قرر بعد دخول القوات الأميركية للبلاد في العام 2003، حل حزب "البعث العربي الاشتراكي" الذي كان يقوده الراحل صدام، وشكل لجنة رأسها الجلبي أطلق عليها اسم "لجنة اجتثاث البعث"، وجرى تغييرها في ما بعد إلى هيئة "المساءلة والعدالة".

يحسب الجلبي على الاتجاه الليبرالي، ورغم ذلك كان مهتما بقضية الشيعة وزعم أغلبيتهم وأحقيتهم في الحصول على الحكم، إذ أسس (البيت الشيعي)، وكان له دور بارز في تأسيس قائمة الائتلاف العراقي الموحد (أول قائمة شيعية) والتي عن طريقها حصل على مقعد في "الجمعية الوطنية الانتقالية" (برلمان مؤقت) عام 2005.

أصبح أحد نائبي رئيس الوزراء السابق، إبراهيم الجعفري، في الحكومة الانتقالية للفترة من مايو/أيار 2005 وحتى مايو 2006، ثم بعد أن أقرت الجمعية الوطنية الدستور الدائم أجريت انتخابات للبرلمان في 15 ديسمبر 2005، وشارك فيها منفردا.

الجلبي قاد قائمة "المؤتمر الوطني" في هذه الانتخابات، لكنه فشل في الفوز بمقعد في البرلمان الجديد، كما لم تسند له أي حقيبة وزارية في الحكومة التي تشكلت في مايو 2006، ثم عيّنه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي عام 2007 رئيسا للجنة توفير الخدمات.

ودخل الجلبي الانتخابات النيابية لعام 2010 بقائمة "المؤتمر الوطني" المنضوية تحت التحالف الوطني الشيعي، إلا أنه لم يستطيع الفوز وقتها بمقعد برلماني، ليقرر الدخول كسياسي مستقل ضمن كتلة "المواطن" التي يتزعمها رئيس المجلس الأعلى، عمار الحكيم.

خلال الانتخابات النيابية لعام 2014، فاز بمقعد ليصبح رئيس اللجنة المالية البرلمانية، وهو آخر منصب رسمي شغله حتى وفاته إثر نوبة قلبية عن عمر ناهز السبعين عاما في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني 2015.

وقد تردد اسمه مرات عدة لتولي رئاسة الحكومة، لكن ذلك لم يحظ باتفاق بين القوى والأطراف المعنية بالوضع في العراق، ولا سيما الشيعية منها، رغم تقربه من إيران.

رحيل جدلي

وفاة الجلبي المفاجئ، أثار الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والشعبية، ولا سيما أنه كان يتحدث في الآونة الأخيرة عن ملفات فساد تتعلق بمرحلة حكم المالكي (2006 إلى 2014) إذ أصبح من أشد المعارضين لائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه الأخير.

وقال النائب العراقي السابق عزت الشابندر إن وفاة الجلبي بشكل مفاجئ "تثير علامات الاستفهام كونه كان يتبع نظاما صحيا بامتياز"، مؤكدا أن نتائج حاسمة عن أسباب الوفاة التي يقوم بها أطباء من لندن وواشنطن "لقطع الشك باليقين".

وأضاف الشابندر أثناء تصريح لشبكة "رووداو" الكردية في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، إن "زعيم المؤتمر الوطني كان ممتعضا وخاصة في ليلة وفاته، كون المرحلة الحالية ظلمت الكفاءات والإمكانات، وحكمتنا المحاصصة التي أبعدت الطاقات الكبيرة والتاريخية في تاريخ المعارضة العراقية".

وأوضح البرلماني السابق الذي كان عند الجلبي قبل وفاته بساعات أنه "لم يتسلم أي منصب سوى لعدة أشهر نائبا لرئيس الوزراء حينما كان زعيم التحالف الوطني إبراهيم الجعفري رئيسا للوزراء"، على حد قوله.

ولفت إلى أن "الجلبي تحالف مع الكثير من الكتل السياسية كالتيار الصدري والمجلس الأعلى، لكنه لم يحظ بأي موقع يستطيع من خلاله أن يكرس طاقاته وقدرته النادرة في خدمة العراق"، مؤكدا أن "تلك الأسباب دفعت بالجلبي إلى الامتعاض من الأوضاع في البلاد".

وأكد الشابندر أن "عائلة الجلبي اصطحبت معها أطباء من بريطانيا والولايات المتحدة لإجراء فحص على جثمانه، والتأكد من أسباب الوفاة كونها لديها بسبب شكوك حيال وفاته".

بدورها، قالت صحيفة "الأخبار" اللبنانية التابعة لحزب الله، خلال تقرير لها في 4 نوفمبر 2015، إن وفاة الجلبي جاءت نتيجة "تسميمه".

وأضافت الصحيفة أن "أطرافا عراقية عديدة ذكرت أن الوفاة حصلت في ظروف مشبوهة وأن الحجة الرسمية التي أعلن عنها، وهي ذبحة قلبية، غير مقنعة، لكون الجلبي كان يتبع نظاما غذائيا صحيا ويخضع لفحوصات دورية ويمارس الرياضة ثلاث ساعات في اليوم".

وأشارت إلى أن الفرضية الأكثر رواجا بين هذه الفئات نظرية تسميم الجلبي الذي توفي أثناء نومه، وهو ما دفع إلى اتخاذ إجراءات لتشريح جثته.

ومع ذلك، أفادت جهات عراقية قريبة من الجلبي بأنه "في هذا العالم (ويقصد عالم الاستخبارات) يمكن أن يكون السم قد وضع له منذ فترة وحقق مفعوله اليوم، بل يمكن أن يكون قد سمّم من دون القدرة على اكتشاف ذلك في التشريح"، بحسب الصحيفة.

وفي 28 نوفمبر 2015، حسمت عائلة زعيم "المؤتمر الوطني" الجدل بخصوص أسباب وفاته، وقالت في بيان لها إنه "بعد تشريح جثة الفقيد وفحص عينات منها في دولتين خارج العراق، أظهرت نتيجة الزرع المختبري أن وفاته طبيعية".

وجاء إعلان وفاة الجلبي، بعدما ظهر قبيل رحيله بأيام على قنوات فضائية عدة مهددا بكشف ملفات فساد مؤسسات مالية وشخصيات ومسؤولين عراقيين، فاضحا ممارساتهم التي أدت إلى الأزمة المالية الخطيرة التي يعيشها العراق منذ عام 2011.

لكن الجلبي سلم نسخا من هذه الوثائق قبيل وفاته إلى عدد محدود من القادة العراقيين والمرجع الشيعي علي السيستاني في النجف، وكذلك إلى مؤسسة "المدى" الإعلامية العراقية التي نشرت جزءا منها بشكل متسلسل.

وتركز ملفات الفساد التي نشرت منها "المدى" على فساد بيع البنك المركزي للدولار بالمزاد العلني، من خلال ممارسات مصارف أهلية، إضافة إلى تجاوزات مالية بتهرّب جهات ومؤسسات وأشخاص من دفع الضرائب.

وأعلن مجلس القضاء الأعلى في 10 نوفمبر 2011 تسلمه وثائق الجلبي المقدمة من رئيس مؤسسة "المدى" للإعلام والثقافة والفنون، فخري كريم، فيما قرر تشكيل هيئة تحقيقية قضائية للنظر في تلك الوثائق، وأن الادعاء العام سيمثل أمام الهيئة التحقيقية لإبداء طلباته والمتابعة.