رحلات مجانية في العراق إلى الإمارات ولبنان ومصر.. ما علاقتها بأزمة الدولار؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة للحصول على الدولار الأميركي، أوجد السماسرة وشركات السياحة بالعراق طريقا جديدة للالتفاف على نظام المنصة الإلكترونية "سويفت"، الذي تطبقه الولايات المتحدة منذ أربعة أشهر في البلاد، لمراقبة حركة العملة الصعبة ومنع تهريبها إلى دول الجوار، ولاسيما إيران.

منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 فرض الفيدرالي الأميركي قيودا جديدة تمثلت بتطبيق نظام "سويفت" لمراقبة منافذ بيع الدولار في مزاد بيع العملة الأجنبية بالبنك المركزي العراقي، الأمر الذي تسبب بتراجع قيمة الدينار المحلي أمام الدولار بشكل غير مسبوق.

وقررت الحكومة العراقية في 7 فبراير/ شباط 2023، خفض سعر صرف الدولار إلى 1320 دينار للمستفيد، بعدما كان يساوي رسميا 1470 دينارا، لكن ذلك لم يمنع من بقائه متراجعا في السوق الموازي (السوداء) بنحو 1580 دينارا، وهذا خلق فجوة كبيرة بين السعرين.

"رحلات مجانية"

على ضوء ذلك، بدأت شركات السياحة في العراق، بإطلاق رحلات مجانية إلى دول عدة، وهي الإمارات ولبنان ومصر لمدة 8 أيام مقابل استفادة الشركة من حصة الدولار المخصصة لهم، والتي حددها البنك المركزي بـ7 آلاف لكل مسافر عمره 18 عاما فما فوق.

بالتنسيق مع الجانب الأميركي، خصص البنك المركزي العراقي فئات محددة يباع لها الدولار بالسعر الرسمي 1320 عن طريق المصارف وشركات الصرافة، ومنهم المسافرين لكل الدول، ما عدا إيران وسوريا وكوريا الشمالية وبلدان أخرى معاقبة أميركيا.

بناء على ذلك، بدأت شركات السياحة تسيّر رحلات مجانية تقلّ مئات الأشخاص مقابل الاستفادة من حصتهم المالية التي حصلوا عليها بسعر الصرف الرسمي، ثم يجري بيعها في السوق الموازي بسعر أعلى، وبهذه الطريقة تتحقق الفائدة المالية الكبيرة للسماسرة.

وفي السياق ذاته، قال المصرفي العراقي عدنان الشمري لـ"الاستقلال" إن "شركات السياحة تحقق أموالا كبيرة من خلال الاستفادة من حصص المسافرين من الدولار الأميركي، فقد تصل الرحلة الواحدة إلى من 170 إلى 200 ألف دولار في اليوم الواحد".

ولفت إلى أن "الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي للدولار تعادل نحو 20 دولار لكل مئة دولار، وبالتالي يحقق ربحا قدره ألف دولار من المسافر الواحد الذي حصته 7 آلاف دولار، وذلك بعد خصم نحو 400 دولار سعر الرحلة السياحية بالكامل".

وأشار الشمري إلى أن "الجهات الحكومية لديها علم بالموضوع، لأن ما يحصل شيء رسمي، ولا يوجد فيه تزوير للوثائق".

لكن المشكلة تكمن في أن ما يجري ينعش السوق الموازي على حساب الرسمي، في وقت تحاول الدولة دفع التجار إلى تسجيل شركاتهم وأخذه من المصارف وليس شراءه من السوق السوداء، وفق قوله.

وتابع: "هذه العملية تستنزف مبيعات البنك المركزي التي بدأت تعود تقريبا إلى نفس الكميات التي كانت تبيعها قبل الأزمة.

ففي 9 مارس/آذار 2023 باع البنك في مزاد العملة نحو 150 ألف دولار، وهذا يحصل بشكل يومي.

لكن لم تتراجع أسعار السلع في الأسواق، لأن المبالغ هذه أغلبها تذهب إلى السماسرة ويشتريها التجار بسعر السوق الموازي، وفق الشمري.

تهريب العملة

وعلى صعيد آخر، قال الخبير الاقتصادي العراقي، عبد الرحمن المشهداني إن شركات السياحة التي تجري رحلات مجانية إلى الإمارات ومصر ولبنان، لا تكتفي بالربح المتحقق عن طريق بيع الدولار في السوق الموازي بالداخل العراقي، وإنما تستفيد منه بطريقة أخرى.

وأوضح المشهداني خلال مقابلة تلفزيونية في 6 مارس 2023 أن شركات السياحة ترسل المبالغ مع المسافرين إلى تلك الدول، ويجري تصريفها هناك وتحصل على فارق أكبر مما تحصل عليه في العراق.

الأمر الآخر، بحسب المشهداني هو، أن هذه المبالغ ترسل على شكل حوالات مالية (سوداء)، لأن تحويل مبلغ قدره 10 آلاف دولار إلى الإمارات في السوق الموازي يكون له مقابل يقدر بـ 600 دولار، وبالتالي يحقق ربحا كبيرا عن طريق هذا الموضوع.

من جهته، قال توفيق الدعمي رئيس "اتحاد الشركات السياحية" في محافظة كربلاء العراقية إن "بعض شركات السفر حاليا تتعامل بهذا الأسلوب، وهي ليست خافية على أحد وأنها عندما تأخذ الدولار فهي تقدم لقاء ذلك خدمة سياحية مجانية للمسافر".

وأوضح الدعمي خلال تصريح لوكالة "شفق نيوز" العراقية في 5 مارس 2023، أن "الشركات التي تطلق رحلات مجانية هي قليلة، ولا وجود لها في محافظة كربلاء أو المحافظات الأخرى، وإنما موجودة بشكل محدود في بعض شركات السياحة في العاصمة بغداد". 

ولفت إلى أن "بعض المواطنين ينفذون أيضا عملية احتيال من خلال إنشاء تذكرة وهمية من أجل الحصول على الدولار وبيعه مقابل الحصول على الأرباح بسبب فرق السعر بين الرسمي والسوق السوداء".

ورأى الدعمي أن "منح الدولة المسافرين ميزات الحصول على الدولار ليس فقط المتاجرة بالعملة الصعبة، وإنما الخطأ الأكبر هو ترويج السياحة لدول أخرى بأموال عراقية، وأنها ستنعش بذلك السوق والفنادق في تلك البلدان على حساب أموال العراقيين".

غياب الحكومة

وعلى الصعيد الرسمي، طالبت النائب في البرلمان العراقي، عالية نصيف، الأجهزة الأمنية ولا سيما "جهاز الأمن الوطني والمخابرات بملاحقة الشركات الفاسدة التي تسير رحلات إلى الإمارات ولبنان ومصر بهدف شراء دولارات المسافرين وتهريبها أو إعادة بيعها".

وقالت نصيف خلال بيان لها في 5 مارس 2023 إنه "صار واضحا وبالأدلة وإفادات الشهود بأن مافيات العملة التي باتت شبه محاصرة من الجهات الرقابية بدأت تستخدم أسلوبا جديدا من خلال تسيير (رحلات مجانية) لأشخاص إلى دبي وبيروت والقاهرة لمدة أسبوع أو أقل مع إقامة مجانية في الفندق".

وفي المقابل تحتال هذه المافيات على الدولة وتشتري الدولارات التي يحصل عليها المسافرون بواقع 7 آلاف دولار من كل مسافر والاستفادة من فرق العملة بين السعر الرسمي وسعر السوق".

وشددت نصيف على "ضرورة تدخل جهازي المخابرات والأمن الوطني لملاحقة الشركات التي تمارس هذا التخريب المتعمد للاقتصاد الوطني، وأن يصدر القضاء أحكاما قصوى بحق هؤلاء العابثين بمقدرات الشعب ليصبحوا عبرةً لغيرهم".

وفي السياق ذاته، علق الخبير الاقتصادي العراقي، مازن الأشيقر عبر "تويتر" في 9 مارس 2023 قائلا: "ظهور فئة جديدة من الفساد في العراق والمسمى بالمسافرين الفضائيين بالتواطؤ مع المصارف الأهلية".

وأوضح الأشيقر أن ذلك يجري من خلال "شراء الدولار بالسعر الوهمي الحكومي ومن ثم بيعه بالسعر الحقيقي في السوق وحصولهم على نسبة 14 بالمئة ربح (سرقة) باليوم الواحد. 7 آلاف دولار لكل مسافر فضائي، الربح يكون ألف دولار عن طريق فرق سعر العملة".

وحتى يوم 8 مارس 2023، لم يصدر أي تصريح من البنك المركزي أو الجهات الحكومية العراقية بخصوص "الرحلات المجانية" التي تسيّرها شركات السياحة بشكل يومي، وطريقة حصولها على الدولار المخصص للمسافرين.

وكانت هيئة السياحة العراقية (تابعة لوزارة الثقافة)، قد أصدرت بيانا في 2 يناير/كانون الثاني 2023، حذرت فيه شركات السفر والسياحة كافة من إصدار تذاكر سفر غير صحيحة أو قابلة إلى الإلغاء.

وأكدت  الهيئة في بيانها أن "مواطنين يصدرون تذاكر سفر غير صحيحة أو قابلة إلى الإلغاء لتسلم المبلغ المخصص للمسافر من الدولار، وهذا نشاط يضر بالاقتصاد الوطني ويقوض من جهود البنك المركزي بضمان استقرار أسعار الصرف".

وفي 21 فبراير 2023 دخل حيّز التنفيذ، قرار من البنك المركزي العراقي يلزم المصارف وشركات الصرافة المسجلة، باعتماد "المنصة الإلكترونية" في بيع الدولار الأميركي، محذرا في الوقت نفسه المخالفين من قطع حصصهم الأسبوعية من النقد (الدولار) في نافذة بيع العملة التابعة له.

وكان محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق، أكد خلال بيان رسمي في 15 فبراير 2023، أن "المنصة الإلكترونية الجديدة وجدت لتجنب وقوع أي عقوبات على الجهات التي تجري عمليات تحويل سواء كانت مصارف أو غيرها".

وبين أن "المنصة" تعمل على حماية القطاع المصرفي للبنك المركزي والبنوك من الوقوع في أي إشكال يتعلق بالتحويلات المالية الخارجية وهذا يخدم جميع الأطراف.

وأوضح العلاق، أن "مسؤولية البنك المركزي إغلاق  الفرق في سعر الصرف، وخطواتنا جادة وحثيثة، ونتلقى دعما كبيرا من جميع الأطراف لتحقيق الهدف".

وأكد أن "مباحثاتنا مع صندوق النقد الدولي كانت مثمرة جدا واتفقنا على البرامج التي تخدم بشكل مباشر وغير مباشر لتحقيق هذا الهدف".