معبر المخدرات والسلاح من وإلى إيران.. لماذا تتقاتل المليشيات بديالى العراقية؟
منذ شهر كامل تشهد محافظة ديالى العراقية المحاذية لإيران، سلسلة اغتيالات وهجمات مسلحة تنال المدنيين راح ضحيتها نحو 30 شخصا، في ظل تكتم رسمي عن الجهات التي تقف وراء كل هذه الجرائم رغم الوعود الحكومية باعتقال الجناة وتقديمهم للعدالة.
المحافظة التي يشكل السنة 75 بالمئة من سكانها، وتربطها أكبر مساحة حدودية مع إيران من جهة شرق العراق، تسيطر عليها عدة مليشيات، فيما يتولى محافظ المدينة مثنى التميمي منصبه منذ عام 2015.
من جانبهم، يُحمل المواطنون في ديالى، المليشيات المسلحة المسؤولية عن استمرار التوتر الأمني في المحافظة، ويطالبون الحكومة بحصر الملف الأمني في قوات الجيش والشرطة فقط.
وتنشط عدة مليشيات في ديالي، في مقدمتها "بدر"، و"عصائب أهل الحق"، و"لواء البقيع"، و"سرايا السلام"، إلى جانب جماعات مسلحة أخرى تتقاسم النفوذ بين مدن المحافظة.
وبالإضافة إلى هذا العدد الكبير من المليشيات إلى جانب القوات النظامية، إلا أن خلايا تنظيم الدولة، تسجّل بين وقت وآخر هجمات بالمحافظة.
انهيار أمني
آخر تلك الحوادث التي شهدتها محافظة ديالى، كان انفجار عبوة ناسفة ضد أبناء عشيرة بني تميم بقضاء المقدادية في 6 مارس/ آذار 2023، راح ضحيتها 8 قتلى وأصيب اثنان آخران.
ونالت الاغتيالات في المدينة ضابط برتبة عميد سابق في الجيش العراقي بأسلحة كاتمة، إضافة إلى مقتل أشهر طبيب قلب بالمحافظة الدكتور أحمد طلال المدفعي، تبعه هجوم مسلح على قرية الجيايلة قتل خلالها 5 من عائلة واحدة، بينهم امرأتان.
وقال النائب في البرلمان عن محافظة ديالى، رعد الدهلكي إن "ضابط الجيش لم يستطع إيقاف من ارتكب جريمة الجيايلة، لأنه يخشى أن يعتقل أو يطرد من منصبه أو حتى تؤذى عائلته، وهذا دليل على أنه يعرفهم وأنهم مدعومون من جهات سياسية".
وأوضح الدهلكي خلال مقابلة تلفزيونية في 7 مارس 2023 أن "السلاح المنفلت هو ما يسيطر على الأمن في ديالى، وحتى رئيس الوزراء يعرفهم بالأسماء وذكر لي شخصيا تفاصيل كاملة خلال لقاء جمعني به في بغداد، لكن لماذا لم يلق القبض عليهم، هذه نضع عليها ألف علامة استفهام".
وتساءل النائب قائلا: "إذا كان المجرم فوق القانون، فكيف الحال مع المسؤول؟ لذلك فإن ديالى أصبحت بمثابة المنطقة الأساسية في إشعال الوضع الأمني بالعراق أو تهدئته. الإجرام محمي في المدينة".
وأشار إلى أن "ديالى تشهد صراعا سياسيا للسيطرة على مقدراتها، لذلك خلال شهر واحد سقط 30 قتيلا، وبالتالي الوضع الأمني منهار في المدينة، وأن الهدف الأسمى والبعيد لهذه الجهات هو تولي إدارة المحافظة".
بدوره، شدد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، خلال استقباله وفدا من شيوخ ووجهاء ديالى في 7 مارس، على ضرورة "إنفاذ القانون، وأنه لا يوجد خطوط حمراء أمام تأدية الدولة مسؤولياتها وواجباتها"، حسب بيان صدر عن مكتبه الإعلامي.
وجدد السوداني "التأكيد بمتابعة الجريمة الغادرة التي شهدتها المحافظة وراح ضحيتها الطبيب المدفعي، وأن من ارتكبها سيكون تحت طائلة القانون عاجلا"، مؤكدا أنّ "دماء المواطنين أمر لا يقبل المساومة ولا التساهل".
إيران حاضرة
وبخصوص الجهات التي تقف وراء إرباك الوضع الأمني في ديالى، قال الباحث في الشأن العراقي وائل عباس، إن "المحافظة تشهد صراعا بين المليشيات هناك، لأن المسيطر هناك هم عصائب أهل الحق، وبدر، ولواء البقيع، وسرايا السلام، لكن من يُقتل هم أبرياء لا علاقة لهم بكل شيء".
وأوضح عباس لـ"الاستقلال" إن "المليشيات هذه تعيش على تهريب الدولار والبضائع والسلاح والمخدرات من وإلى إيران، لأن ديالى محاذية لها وهناك معابر غير رسمية تسيطر عليها هذه الجهات، وإرباك الوضع الأمني هو الغطاء الذي يؤمّن عملياتهم هذه".
ولفت إلى أن "الأجهزة الأمنية غير قادرة على اعتقال أو محاسبة هذه المليشيات، لأن الأخيرة هي أقوى من الدولة في ديالى، لذلك أستبعد تحرك الحكومة ضدهم لإنهاء سيطرتهم، لأنهم مرتبطون بجهات سياسية تمتلك نوابا في البرلمان وتمثيلا في السلطة التنفيذية".
بإختصار.. كل ما يجري في ديالى بتحريك من إيران.
— د. علي الجابري (@alialjabiri) March 6, 2023
الميليشيات وداعش بيادق تحركها الأجهزة الامنية الإيرانية لخلخلة الأمن في المحافظة لكي تبقى الحدود مفتوحة لتهريب المخدرات والاسلحة، وليحتمي جميع أبناء ديالى تحت سلطة إيران!
انها أكثر مدينة عراقية تخضع لسيطرة جحوش خام..نائي لو كنتم… https://t.co/5o8vUQGgcA
من جهته، كتب الصحفي العراقي المقيم في السويد، علي الجابري، تغريدة على "تويتر" في 7 مارس، قال فيها: "باختصار، كل ما يجرى في ديالى بتحريك من إيران".
وأضاف أن "المليشيات وتنظيم الدولة بيادق تحركها الأجهزة الأمنية الإيرانية لخلخلة الأمن في المحافظة، لكي تبقى الحدود مفتوحة لتهريب المخدرات والأسلحة، وليحتمي جميع أبناء ديالى تحت سلطة إيران".
وأكد الجابري أن ديالى هي "أكثر مدينة عراقية تخضع لسيطرة جيوش خامنئي (المرشد الأعلى في إيران) لو كنتم تعلمون".
مرة في ديالى
— د. زيد عبدالوهاب الأعظمي (@zaidabdulwahab) March 7, 2023
ومرة في الطارمية
وأخرى في سامراء
إثارة الملفات الشائكة في توقيت انهيار العملة أو فشل الموازنة أو صراع قانون الانتخابات إنما هي مراهقة عبثية ولعب بالنار ...
والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها#العراق
وفي السياق ذاته، قال الصحفي العراق زيد عبد الوهاب الأعظمي عبر توتير، إن إثارة الملفات الشائكة سواء بديالى أو غيرها من المدن في توقيت انهيار العملة أو فشل الموازنة أو صراع قانون الانتخابات، إنما هي مراهقة عبثية ولعب بالنار".
ودعا الأعظمي رئيس الوزراء في تغريدة أخرى إلى "إعلان ديالى محافظة منزوعة السلاح وإطلاق حملة لفرض الأمن وحماية المدنيين من إرهاب الجماعات المسلحة وأمراء الحرب العابرين للحدود".
وأردف أن "رحى السلاح المنفلت لا تزال تطحن الأبرياء بلا هوادة في محافظة خارج سيطرة السلطة وخارج التاريخ".
ليس أمام رئيس الوزراء @mohamedshia إلا أن يعلن #ديالى محافظة منزوعة السلاح وإطلاق حملة لفرض الأمن وحماية المدنيين من إرهاب الجماعات المسلحة وأمراء الحرب العابرين للحدود ...
— د. زيد عبدالوهاب الأعظمي (@zaidabdulwahab) March 7, 2023
رحى السلاح المنفلت مازالت تطحن الأبرياء بلا هوادة في محافظة خارج سيطرة السلطة وخارج التاريخ.#العراق
ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 فرض الفيدرالي الأميركي قيودا جديدة تمثلت بتطبيق نظام "سويفت" لمراقبة منافذ بيع الدولار في مزاد بيع العملة الأجنبية بالبنك المركزي العراقي للسيطرة على تهريبه لدول مجاورة، لا سيما إيران التي تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات صارمة.
وأدت الإجراءات الأميركية هذه في العراق إلى تدهور العملة المحلية إلى 1580 دينارا مقابل الدولار الواحد في السوق الموازي (السوداء) رغم أن السعر الرسمي هو 1320 دينارا مقابل الدولار.
غياب شيعي
على صعيد القوى السياسية والمنظمات الحقوقية، صدرت العديد من البيانات التي تطالب بلجم صوت الفتنة وقطع دابر الشر في ديالى، وذلك من خلال ملاحقة الخارجين عن القانون وعصابات الجريمة المنظمة والسلاح المنفلت التي تجتاح المدينة.
وقال تحالف "السيادة" السني خلال بيان في 7 مارس، إنه على القوات الأمنية إعادة الأمور إلى نصابها وتقطيع دابر الشر وتلجيم صوت الفتنة. مع التأكيد على ضرورة وضع إستراتيجية أمنية فاعلة للحد من الحوادث الإجرامية التي تشهدها ديالى.
ودعا "السيادة" إلى "أهمية رص الصفوف وتوحيد الجهود من أجل لجم جماح العناصر الخارجة عن القانون التي تغتال وتفجر هناك دون رحمة ولا إنسانية مهددة بذلك السلم المجتمعي في محافظة ديالى".
وعلى الوتيرة ذاتها، أصدر تحالف "العزم" السني بيانا في 7 مارس، طالب فيه رئيس الوزراء باتخاذ "إجراءات رادعة وصارمة لكبح جماح الجماعات المسلحة ووضع حد لنشاطها الإجرامي وحماية الأمن والاستقرار في المحافظة حفاظا على اللحمة الاجتماعية والوطنية".
بيان: أوضاع ديالى السياسية والأمنية الاخيرة#إنهاء_الإفلات_من_العقاب pic.twitter.com/v9TcLUeNHc
— منظمة إنهاء الإفلات من العقاب (@EndImpunityIraq) March 7, 2023
وفي السياق ذاته، قالت منظمة "إنهاء الإفلات من العقاب" في العراق، إن "ازدياد العنف ضد المدنيين العزّل وتدهور الحالة الأمنية في ديالى هي نتيجة انقسامات سياسية والتي من شأنها أن تحدث تشظيا داخليا قد يؤدي إلى عنف سياسي وأمني أكبر".
ودعت المنظمة خلال بيان لها في 7 مارس 2023 "رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق وفريقها للتدخل وحث الفاعلين السياسيين على الجلوس إلى طاولة الحوار لحل الخلافات".
وطالبت الأجهزة الأمنية بـ"أخذ زمام المبادرة وتحمل المسؤولية في حفظ استقرار ديالى وعدم ترك المواطنين الأبرياء بأيدي ثلة من السياسيين الفاسدين تدفعهم أجنداتهم الخاصة إلى جر المحافظة نحو الهاوية".
وحتى يوم 7 مارس 2023 لم يصدر أي بيان أو تصريح من القوى السياسية الشيعية الفاعلة في المشهد العراقي، ولا سيما "الإطار التنسيقي" الشيعي الحليف لإيران والذي شكّل الحكومة الحالية، أو التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر بخصوص تدهور الأوضاع الأمنية في ديالى.