العين على السوداني.. لماذا أجرى مصطفى الكاظمي زيارة إلى إيران؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أثارت زيارة رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، إلى إيران والاجتماع مع كبار المسؤولين، الكثير من التساؤلات عن أسبابها، خاصة أن هذا يعد أول ظهور له بعد انتهاء ولايته.

وتولى مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية في مايو/أيار 2020 وحتى أكتوبر/تشرين الأول 2022، وعرفت مرحلة حكمه إقامة علاقات متوازنة إلى حد ما مع الدول العربية وإيران وتركيا والولايات المتحدة، والابتعاد عن سياسة المحاور في المنطقة.

ملفات مهمة

وعلى ضوء الجدل الذي أحدثته الزيارة في العراق، أعلن مكتب الكاظمي خلال بيان أصدره في 24 فبراير/شباط 2023 أن الأخير اختتم زيارة إلى إيران بحث خلالها عددا من الملفات والمواضيع المهمة.

وأضاف البيان أن الكاظمي التقى بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ورئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) محمد باقر قاليباف، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، وعدد من المسؤولين الإيرانيين.

وأوضح مكتب رئيس الوزراء العراقي السابق أن "محادثات الكاظمي مع المسؤولين الإيرانيين تطرقت إلى الشأنين الإقليمي والدولي وقضايا تتعلق بمصلحة العراق والمنطقة وشعوبها".

وفي 21 فبراير 2023، قالت وكالة "مهر" الإيرانية، إن "وزير الخارجية الإيراني، استقبل مصطفى الكاظمي، وأجرى معه جولة محادثات في العاصمة طهران".

وأشارت إلى أن "عبد اللهيان أجرى محادثات مع الكاظمي خلال زيارته إلى طهران قبل أشهر عدة حول آخر المستجدات في المنطقة والمسائل المتعلقة بالعلاقات الثنائية.

إذ صرّح الأخير في ذلك الاجتماع بأن "إيران ترى أن حل مشاكل المنطقة يجب أن يجري من داخلها".

ووفقا للوكالة الإيرانية، فإن عبد اللهيان "ثمّن جهود العراق في تعزيز عنصر الحوار ودوره البناء في المعادلات الإقليمية والحوار بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والسعودية".

ولفت عبد اللهيان إلى أن "إيران لا تريد سوى الخير للمنطقة، وتؤيد إعادة فتح السفارات في عاصمتي البلدين"، حسبما نقلت "مهر".

وفي سياق متصل، كتب مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية الإيراني أمير الموسوي، تغريدة على "تويتر" في 21 فبراير 2023 قال فيها إن "الجمهورية الإسلامية لبّت رغبة الرئيسين السابقين في العراق (برهم) صالح والكاظمي لزيارة طهران ولقاء المسؤولين فيها".

وأضاف الموسوي، قائلا: "تأتي الزيارة في إطار التفاهمات السياسية بين البلدين واللقاءات الطبيعية بين القادة العراقيين السابقين والحاليين مع المسؤولين الإيرانيين، وذلك لترطيب الأجواء الداخلية والإقليمية".

وعلى عكس ما حصل من تسليط للضوء على زيارة الكاظمي، فإن موضوع تواجد الرئيس العراقي السابق، برهم صالح، في إيران لم يرد ذكره تماما من وسيلة إعلامية، سوى ما جاء في تغريدة الباحث الإيراني، أمير الموسوي، المقرب من السلطات في بلاده.

تكهنات كثيرة

زيارة الكاظمي لإيران، أثارت تساؤلات وتكهنات الموالين لها في العراق، لاسيما أنهم يتهمون الأخير بالتواطؤ مع واشنطن في عملية قتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، بغارة أميركية في 3 يناير/كانون الثاني 2020.

في حينها كان الكاظمي يرأس جهاز المخابرات العراقي التي شغله منذ عام 2016 وحتى 2022، إذ وصفته المليشيات الموالية لإيران بـ"الغادر"، ولا سيما "كتائب حزب الله"، رغم عدم اتهام طهران لأي شخصية عراقية رسمية بالتورط في عملية مقتل قاسم سليماني.

وطرح عباس العرداوي المحلل السياسي القريب من قوى الإطار التنسيقي الشيعي الحليف لإيران، الكثير من التساؤلات خلال تغريدة نشرها على حسابه بموقع "تويتر" في 21 فبراير 2023.

وكتب العرداوي، قائلا: "ماذا يحمل الكاظمي في زيارته إلى طهران؟ وهل يبحث عن منطقة آمنة له؟ ولماذا التحق به برهم صالح؟ هل هما مبعوثان؟ ولصالح من؟ أم أنها دعوة إيرانية؟ استفهامات لا أحد يجيب عنها، ومن يعرف لا يتحدث بها".

وعلى الوتيرة ذاتها، قال المحلل السياسي، حيدر البرزنجي إن "سبب ذهاب مصطفى الكاظمي إلى طهران ولقائه بوزير الخارجية عبد اللهيان وعدد من المسؤولين الإيرانيين كان من أجل طلب التدخل لدى الحكومة العراقية وإيقاف الإجراءات القانونية. طبعا إيران لن تتدخل ورفضت".

وألمح المحلل العراقي القرب من الإطار التنسيقي خلال تغريدته على "تويتر" في 21 فبراير 2023 إلى أن موضوع الملاحقات القانونية التي يشكو منها الكاظمي ودفعته إلى زيارة إيران تتعلق بـ"سرقة القرن".

وأطلق مصطلح "سرقة القرن" في أكتوبر 2022 بعد الكشف عن عملية احتيال نفذتها مجموعة شركات وهمية في العراق على مصرف "الرافدين" الحكومي، واستطاعت سرقة مبلغ يصل إلى 2.5 مليار دولار من خزينة الدولة تعود إلى الأمانات الضريبية.

ضربة للسوداني

وفي المقابل، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، لؤي العزاوي إن "زيارة الكاظمي إلى إيران تثبت أنها لم تكن تعاديه ولم يكن هو عدوا لها كما أشاع حلفاء طهران وروّجوا لذلك خلال مدة تولية رئاسة الحكومة، والتي تبيّن أنها كانت من أجل إشغال جمهورهم بعدو افتراضي".

وأوضح العزاوي لـ"الاستقلال" أن "إيران ربما تكون غير راضية عن أداء رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، ولا سيما بخصوص الاتفاقيات الكثيرة التي أبرمها مع دول غربية وكلها تتعلق بموضوع الطاقة، وهذا مؤكد أنه يغضب طهران، لذلك أرادت الأخيرة إيصال رسالة للإطار التنسيقي عبر استقبال الكاظمي".

وأبرمت حكومة السوداني خلال شهري يناير وفبراير 2023، ثلاثة اتفاقيات مع شركة سيمنز الألمانية، وأخرى مع توتال الفرنسية، والثالثة مع جنرال إلكتريك الأميركية، كلها تتعلق بتطوير قطاع الطاقة الكهربائية في العراق.

ويستورد العراق الكهرباء والغاز من إيران منذ أكثر من 16 عاما بأسعار تفوق متوسط السعر العالمي، وبمبالغ تصل إلى أكثر من ملياري دولار سنويا، في الوقت الذي يحرق فيه غازه الطبيعي والغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط في الجو.

من جهته، قال السياسي العراقي المستقل نديم الجابري إن "زيارة الكاظمي إلى طهران وفق دعوة رسمية تمثل ضربة لعمل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، لأن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال متحفظة على حكومته، لكونها منبثقة عن الإطار التنسيقي".

وأضاف الجابري خلال تصريح لموقع "المطلع" المحلي في 24 فبراير 2023، أن "استقبال طهران الرسمي للكاظمي يضع حلفاءها في العراق بحرج وخاصة قوى الإطار التنسيقي والسوداني بشكل أكبر".

وتابع: "الولايات المتحدة كانت تفضل تمديد ولاية ثانية للكاظمي لأنه أول شخصية مدنية غير متحزبة تتولى السلطة في العراق منذ اجراء أول انتخابات برلمانية بعد عام 2003".

ولفت الجابري إلى أن "واشنطن تعتقد أن لغة التفاهم مع رئيس وزراء عراقي مدني أفضل من التفاهم مع شخصية تمثل أحزابا إسلامية (شيعية)".

وأردف السياسي العراقي، قائلا إنه "كان من المفترض أن تستقبل واشنطن السوداني منذ الشهر الأول لتسلمه الحكومة في أكتوبر 2022، لكن لم تجر الزيارة أو لم توجه له الدعوة".

"إعادة تأهيل"

وعلى صعيد آخر، تحدث ائتلاف دولة القانون، بزعامة نوري المالكي، عن سبب آخر وراء تواجد الكاظمي، في إيران، قبل زيارة وزير خارجيتها إلى العاصمة بغداد التي وصلها في 22 فبراير 2023.

وقال القيادي في الائتلاف، كاظم الحيدري، إن "الكاظمي يريد تشكيل كتلة سياسية والدخول في الانتخابات المُقبلة ومحاولة ترطيب الأجواء بين الدول المؤثرة في المعادلة العراقية السياسية من ضمنها إيران".

وأوضح القيادي بائتلاف المالكي، أن "رئيس الوزراء السابق يتوقع أن تكون زيارته بهذا الشكل، ولا يزال يرى نفسه بأنه الرجل ذو الحظ الأعظم في المعادلة السياسية العراقية".

ورأى الحيدري، أن "الكاظمي يحاول طرح نفسه كبديل جاهز ومقبول من الأطراف السياسية لرئيس مجلس الوزراء، محمد السوداني، في حالة قرر الانسحاب من المنصب لأي سبب".

وفي النقطة ذاتها، قال السياسي العراقي المعارض، أحمد الأبيض، المقيم في الولايات المتحدة، خلال مقابلة تلفزيونية في 26 فبراير 2023، إن "إيران تحاول إعادة تأهيل الكاظمي مجددا للزج به في ميدان السياسة عبر الانتخابات المقبلة".

ومن المقرر أن يجري العراق انتخابات محلية (مجالس المحافظات) في أكتوبر 2023، وأخرى برلمانية بعدها بنحو عام أو عامين، وذلك باتفاق جرى بين القوى السياسية الرئيسة في البلاد.

ولفت الأبيض إلى أن "الكاظمي يسعى إلى عدم تغييبه من المشهد السياسي في العراق، لأنه يعتقد أن مفتاح بقائه هو في طهران، وهذا حقيقي. وهو يعد حاليا للمرحلة المقبلة، وبالتالي لا بد من الترتيب مع إيران".

وجاء تعيين الكاظمي رئيسا للحكومة العراقية بعد تقديم سلفه عادل عبد المهدي استقالته من رئاسة الوزراء على إثر احتجاجات شعبية عارمة اندلعت عام 2019، وقتل فيها نحو 800 متظاهر وأصيب أكثر من 30 ألفا آخرين برصاص قوات الأمن والمليشيات الموالية لإيران.

وكانت مهمة الكاظمي الرئيسة إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، جرت بالفعل في 10 أكتوبر 2021، لكن الحكومة لم تتشكل إلا بعد مرور أكثر من عام كامل جراء خلافات سياسية، ليتولى السوداني رئاستها في 27 أكتوبر 2022.