بعد الزلزال.. هل تدفع المأساة الإنسانية نحو تسريع الحل السياسي في سوريا؟
أعاد الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا في 6 فبراير/شباط 2023، الزخم للملف السياسي السوري، وهو ما ظهر في تواصل المنظمات الأممية والدولية مع نظام بشار الأسد، للتنسيق لإدخال المساعدات للمناطق المنكوبة.
ونظرا لحجم الكارثة الإنسانية الكبيرة التي أحدثها الزلزال والتي ستستمر تداعياتها لسنوات قادمة وفق ما حددته عدد من المنظمات الإغاثية، أعيد الملف السياسي السوري المعطل منذ سنوات للواجهة.
وخلف الزلزال الذي بلغت قوته 7,8 درجات وتلاه هزات ارتدادية كثيرة، آلاف القتلى والمصابين في مناطق المعارضة السورية بريفي حلب وإدلب، وكذلك في مناطق النظام.
وتركز الضرر الأكبر على شمال غربي سوريا (مناطق المعارضة) حيث شرد الزلزال نحو مليون شخص، ودمر بشكل كلي 1123 منزلا، مع وجود 3484 منزلا آخر قابلا للسقوط.
بينما بلغ عدد المنازل هناك غير الصالحة للسكن نتيجة الأضرار المختلفة 13 ألفا و733، في حين ظهرت التصدعات على 9 آلاف و637 منزلا آخر.
ويضم شمال غربي سوريا الخارج عن سيطرة نظام الأسد، نحو 5 ملايين إنسان، كانوا يعانون أصلا من نقص المساعدات والخدمات قبل وقوع الزلزال.
انفتاح على الأسد
ما كان لافتا هو تقصير الأمم المتحدة في تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة لمناطق المعارضة، حيث لم تصل المساعدات إلا في اليوم السادس عقب الزلزال.
وقال مارتن غريفيث وكيل الأمين العام الأممي للشؤون الإنسانية، إن المجتمع الدولي خذل من يعيشون شمال غربي سوريا.
وأقر بالفشل في إيصال المساعدات الكافية لسوريا، وتسابق فرق الإنقاذ الوقت للعثور على ناجين مع اقتراب عمليات البحث من إتمام أسبوعها الأول في أعقاب الزلزال المدمر.
وذكر في بيان في 12 فبراير، أن الناس شمال غربي سوريا محقون في شعورهم بأن المجتمع الدولي تخلى عنهم، في ظل عدم وصول المساعدات الإنسانية، مشددا على ضرورة تصحيح "الفشل" في أسرع ما يمكن.
وفي اليوم التالي توجه غريفيث إلى دمشق والتقى بشار الأسد، ليعلن موافقة الأخير على استخدام معبرين لإدخال المساعدات الدولية.
ومن هنا بدأت مؤشرات متلاحقة تظهر محاولات النظام السوري لربط دخول المساعدات الإنسانية لمناطق المعارضة بإعادة تعويمه ومنحه شرعية سياسية فقدها منذ عام 2011 عقب الثورة التي اندلعت ضده وقمعها بالحديد والنار وخلفت مئات آلاف القتلى وأكثر من 11 مليون نازح داخليا ولاجئ خارجيا.
وأمام ذلك، طفت على سطح المشهد السوري بعد الزلزال المدمر تساؤلات من قبيل، مدى دفع تفاقم المأساة الإنسانية لتسريع الحل السياسي بسوريا.
لا سيما أن نظام الأسد عمد إلى استغلال الكارثة في محاولة إحداث خرق جديد في العلاقة مع الغرب.
إذ سيضاف ذلك، على الانفتاح العربي على نظام الأسد خلال السنوات القليلة الماضية، والتي بدأت مع إعادة فتح الإمارات لسفارتها في دمشق عام 2018 ثم زيارة الأسد للإمارات في مارس/آذار 2022، ثم زيارته سلطنة عمان في 20 فبراير 2023.
ولا يمر يوم منذ وقوع الزلزال حتى تصل مطارات دمشق وحلب واللاذقية الخاضعة للنظام طائرات إماراتية محملة بأطنان من المساعدات والتي تجاوزت أكثر من 70 طائرة.
وتصدرت الإمارات التي طبعت علاقاتها مع الأسد منذ عام 2018 جهود الإغاثة الإقليمية للنظام السوري، حتى إن وزير خارجيتها عبد الله بن زايد زار دمشق والتقى الأسد في 12 فبراير 2023.
كما هبطت طائرة مساعدات سعودية في مطار حلب الدولي، بتاريخ 14 فبراير 2023، هي الأولى منذ قطع الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد نهاية عام 2011.
تحذير دولي وعربي
وفي موقف متقدم سياسيا، زار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي دمشق في أول زيارة رفيعة المستوى إلى سوريا منذ عام 2011، والتقى رأس النظام بشار الأسد.
وكانت الأردن التي طبعت علاقاتها مع الأسد عام 2021 بعد قطيعة لعقد من الزمن، من بين أولى الدول التي أرسلت طائرات مساعدات إلى الأسد، ووصلت ثلاث طائرات على الأقل، فضلا عن عشرات الشاحنات التي دخلت سوريا عبر معبر نصيب الحدودي بين البلدين.
وتوج التقارب الأردني مع النظام السوري من خلال أول اتصال هاتفي منذ 2011 بين الأسد والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في أكتوبر/تشرين الأول 2021. كما اتصل الملك الأردني بالأسد مرة ثانية بعد وقوع الزلزال.
لكن رغم ذلك، شدد كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، السيناتور الجمهوري جيم ريتش، على وقف تخفيف العقوبات الأميركية المفروضة على النظام السوري عقب الزلزال.
وقال ريتش في تغريدة عبر "تويتر"، إنه أمر مثير للاشمئزاز أن يستخدم الأسد مأساة الزلزال في سوريا كفرصة لإعادة الانضمام إلى المجتمع الدولي"، مضيفا أن "الأسد مجرم حرب، ولا يزال السوريون يعانون تحت سلطته".
بدوره قال وزير الخارجية الكويتي، سالم عبد الله الجابر الصباح، لوكالة رويترز في 18 فبراير، على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، إن بلاده ليس لديها خطط لتحذو حذو الدول العربية الأخرى في إعادة التواصل مع رئيس النظام السوري بشار الأسد على الرغم من الزلزال الذي ألحق دمارا كبيرا بالبلاد.
بينما قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في جلسة حوارية عن "دور دول الشرق الأوسط" على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، إن "هناك إجماعا عربيا على عدم استمرار الوضع الراهن في سوريا ولا بد من إيجاد توجه مختلف وهذا التوجه لم نتوصل له بعد".
وأشار وزير خارجية السعودية إلى "أهمية معالجة الجانب الإنساني فيها ووجود مسار واضح مع دمشق بشأنه"، وفق قوله.
تعطيل للمسار السياسي
وفي هذا السياق، أكد مدير البحوث بمركز عمران للدراسات الإستراتيجية معن طلاع لـ"الاستقلال"، أن "الزلزال ساهم بعودة الاهتمام بالمشهد السوري عموما بعد أن شهد في السنوات الأخيرة تراجعا ملحوظا على الأجندة الدولية سواء داخل الأمم المتحدة أو في مجلس الأمن الذي حصر النقاش حول سوريا بما يخص إدخال المساعدات التي كانت تتعرض لابتزاز روسي".
وأضاف أنه "عقب الزلزال عاد الاهتمام بالملف السوري من زوايا عدة لعل أهمها الزاوية الإعلامية عبر تزايد التصريحات الدولية، لكن ما شاهدناه في الأيام الأولى للزلزال من تقاعس الأمم المتحدة المقصود إلى حد ما لا يمكن تفسيره فقط لمحاولة إيجاد آليات جديدة ضمن الآليات الدولية للمساعدات المخصصة لسوريا والتي كانت محصورة بمعبر باب الهوى شمال إدلب على الحدود مع تركيا".
ومضى يقول: "إذ بات ملحوظا أن الأمم المتحدة كانت غير آبهة لإيجاد بدائل عن موضوع إدخال المساعدات لمنكوبي الزلزال عبر نقل المساعدات من خلال الطائرات المروحية أو تسريع وتيرة المساعدات ضمن الآلية السابقة عبر باب الهوى وعدم التعذر باللوجستيات".
وتابع طلاع: "هذا يعزز من حصر المشهد السوري ضمن المشهد الإنساني فقط وهنا الجديد هو تعزيز آلية المساعدات الدولية عبر الخطوط وليس الحدود بمعنى ضمان موافقة النظام السوري على إدخالها مما يعني استرداد سيادته على هذه الآليات".
وهذا واضح من خلال أداء الأمم المتحدة المتقهقر التي ذهب وفد منها والتقى النظام في دمشق عقب الزلزال وزيارتها لمناطق مدمرة بفعل قصف الأسد وليس بفعل الزلزال، يضيف الباحث السوري.
طلاع أشار أيضا إلى أداء الأمم المتحدة والدول الأخرى التي سارعت إلى تلبية نداء النظام السوري وأمدته بالمساعدات، وهذا كيل بمكيالين إذ لم تقدم مساعدات مماثلة لمناطق المعارضة في شمال غربي سوريا على الفور".
ما يدل "على أنهم ذاهبون باتجاه استغلال هذا الظرف الإنساني لتعزيز آليات عبر الخطوط وضمان شرعية النظام وبالتالي هي خطوة وقفزة وازنة في التطبيع مع النظام السوري الذي سيستغل هذا الحدث سواء في موضوع العقوبات أو الحصار المفروض عليه أو الابتزاز من باب المساعدات الإنسانية"، وفق طلاع.
وألمح إلى أن ذلك، "يتوازى مع الإعلان الرسمي لفشل العملية السياسية السورية الممثلة باللجنة الدستورية المكلفة بصياغة الدستور، والتي تشهد عطالة كاملة".
وبالتالي عقب الزلزال، وفق طلاع، يمكن تغيير قواعد اللعبة لتضمن عودة النظام إلى بعض القضايا مما يجعل نسب التعنت والرفض في السير بمسار العملية السياسة أكثر مما كانت عليه خاصة أن هذه النسب تزداد في ظل عدم وجود دفع أميركي أو أوروبي جاد في هذا السياق".
وختم بالقول: "هذه السيناريوهات ليست حتمية بطبيعة الحال، لكن المؤشرات تؤكد أن الزلزال أسهم بتعطيل مسار الحل السياسي كليا، وزاد من فرص عودة النظام لاسترداد مفهوم السيادة في ملف المساعدات وهذا ما سينعكس على ملفات التعافي المبكر وغيره من القضايا".
وإلى الآن يعطل النظام السوري القرار الأممي 2254 الصادر عام 2015، والممهد للحل السياسي بسوريا، إذ لم يسهم النظام في تطبيق أي من سلال العملية السياسية الأربع، وهي: الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.
وفي 3 يونيو/ حزيران 2022، اختتمت في جنيف اجتماعات الجولة الثامنة للجنة الدستورية السورية دون التوصل لنتائج، ثم تعذر عقد جولة تاسعة إثر اتهام النظام السوري لسويسرا بعدم الحياد جراء دعمها عقوبات غربية على روسيا (حليف النظام) لشنها هجوما عسكريا متواصلا في جارتها أوكرانيا منذ 24 فبراير من العام المذكور.
من جهته، يرى مدير مركز القارات الثلاث للدراسات الباحث السوري أحمد الحسن، أن "الحل السياسي العام بسوريا مازال بعيدا بسبب طبيعة العقلية الأمنية لدى النظام السوري، الذي مازال مصرا على الحل العسكري كخيار وحيد".
وأضاف لـ"الاستقلال": "لكن هناك توجها إقليميا نحو تحريك الملف السوري هذه الفترة وفق وضع آلية استجابة للمتطلبات الإنسانية وكذلك الدفع باتجاه حوار مع الأطراف السورية لدعم التوجه نحو الحل السياسي".
ومضى الحسن يقول: "لكن ذلك يحتاج لفترة طويلة، وهنا يمكن القول إن الزلزال أعاد تحريك الملف السوري وسمح للدول الإقليمية بطرح بعض المقاربات للمناقشة خلال الأشهر القادمة".