زلزال كارثي.. قصص مأساوية لعشرات الآلاف من الأيتام في الشمال السوري
سلط موقع فرنسي الضوء على تأثر أطفال السوريين بالزلزال الأخير الذي ضرب شمال البلاد وجنوب تركيا، حيث فقد عدد كبير منهم أحد أفراد أسرته، وأحيانا أسرته كاملة.
وأجرى موقع "هنا بيروت" عدة مقابلات مع بعض الأسر التي تضررت من الزلزال، منها من رفض إخبار الأطفال مما حدث لأُسرهم في الزلازل، خوفا عليهم.
زلزال كارثي
وفي 6 فبراير/ شباط 2023، دمر ذلك الزلزال مناطق بأكملها في سوريا وتركيا، وقتل ما يقرب من 45 ألف شخص، وخلف عددا لا يحصى من الأيتام.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية، في 14 فبراير 2023، ارتفاع عدد الضحايا في المناطق المتضررة من الزلزال شمالي سوريا إلى 5801 ضحية.
وعقد الموقع الفرنسي مقابلة في مستشفى شمال غرب سوريا، مع هناء البالغة من العمر ثماني سنوات، حيث تطلب يوميا أخبارا عن والديها وأختها الصغيرة، لكنها لا تعرف بعد أنها هي الوحيدة التي نجت من الزلزال.
بدورها، عبرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بأنه "يوجد عدد مرعب من الأيتام في سوريا"، مؤكدة أن "العديد والعديد من الأطفال سيفقدون والديهم"، في هذه المأساة، وذلك مع تزايد عدد قتلى الزلزال الكارثي باستمرار.
ووفق المنظمة، فإن هناك أكثر من سبعة ملايين طفل، 2.5 مليون منهم في سوريا قد تأثروا بالزلزال.
وأدلى المتحدث باسم المنظمة، جيمس إلدر، تصريحات لوكالة "فرانس برس"، قال فيها إن الزلزال بمثابة "صدمة فوق صدمة" بالنسبة للأطفال.
وحسب " إلدر"، فإن "كل طفل دون سن الـ12 لم يعش شيئا سوى الصراع والعنف والنزوح" في سوريا.
وذكر الموقع أحد الأطفال الذين تيتموا جراء الزلزال، وتُدعى "هناء"، التي انتشلت من تحت الأنقاض بعد 33 ساعة من الزلزال.
وعندما ضرب الزلزال بلدة حارم، القريبة من الحدود مع تركيا، انهار المبنى الذي كانت تعيش "هناء" فيه مع عائلتها.
وبعد نجاتها، أُدخلت السورية مستشفى "معرة مصرين" القريب، لتلقي الرعاية اللازمة بعد نجاتها من تحت الأنقاض.
وقال عم الفتاة، عبد الله شريف، للموقع الفرنسي: "حاولنا إنقاذ والدها ووالدتها وشقيقتها، لكنهم ماتوا جميعا".
كما تواصل الموقع مع أقرباء الطفلة "وعد" البالغة من العمر أربع سنوات، وقالوا إنها تسأل باستمرار عن والدها وأمها وأختها.
لكن في المقابل قال أقرباؤها: "لا نجرؤ على إخبارها بالحقيقة، بل نجيبها بأنهم في قسم آخر من المستشفى".
وأضاف الموقع أن "وعد ما زالت على سريرها في المستشفى، محاطة ببالونات عيد الحب، حيث تحاول الفتاة ذات العيون الجميلة أن تبتسم رغم إصابات وجهها وجروح يدها".
فقدان الأطراف
وأوضح الطبيب، باسل شطفي، في مقابلة مع الموقع، والذي يتابع الناجية أيضا، "أنها وصلت للمشفى وهي في حالة حرجة".
وأضاف الطبيب "أصيبت بالجفاف بعد قضاء أكثر من 30 ساعة تحت الأنقاض دون أن تأكل أو تشرب في هذا البرد".
وقال الطبيب: "لقد خرجت من وحدة العناية المركزة، وحالتها مستقرة لكنها مع كامل الأسف معرضة لخطر بتر ذراعها".
وقال عم هناء للموقع، إنه "يخشى من تفاقم حالة الفتاة إذا علمت بوفاة أحبابها، ويفضل استدعاء مختصين لإبلاغها بتلك الأخبار الصادمة".
وأشار الموقع إلى أن "هناء قد تُركت مع أجدادها وأعمامها الذين لم يتبق لها غيرهم؛ لتربيتها في هذه المنطقة التي يسيطر عليها الثوار في الشمال السوري، والتي نزح إليها الكثير من السكان من مناطق أخرى مزقتها الحرب".
وقبل الزلزال، كان عشرات آلاف الأطفال الأيتام في الشمال السوري يعيشون حياة قاسية دون توفير الحد الأدنى لكفالتهم، بعد أن تسببت الحرب في فقدانهم لآبائهم وأمهاتهم.
ووفق الصحفي السوري، محمد العبدالله، فإن أزمة رعاية الأطفال الأيتام تعد واحدة من أكبر المشاكل التي تعيشها المناطق الخارجة عن سيطرة نظام بشار الأسد.
وأضاف: "الكثير من الأطفال الأيتام يعيشون حياة أقرب إلى التشرد في ظل عجز أقاربهم عن تعويض غياب آبائهم وأمهاتهم، وهناك بعض المنظمات تبذل جهودا كبيرة لكفالة أيتام، لكنها لا تزال محدودة".
وتابع العبدلله: "من الصعب جدا شمول الغالبية العظمى من الأطفال الأيتام في سوريا ضمن نظام الكفالة، فهناك عدد كبير منهم تحول إلى مشردين لا يمكن التنبؤ بمستقبلهم".
من جانبها، صرحت مسؤولة التواصل والمناصرة في المجلس الدنماركي للاجئين، سماح حديد، قائلة: "نعلم من خلال كوارث مماثلة، أن الأطفال عرضة لخطر نفسي شديد بسبب حجم الصدمة".
وأردفت: "من الشائع جدا أن يعاني الأطفال في هذه المرحلة من كوابيس متكررة"، مؤكدة أنه "من المهم في الوقت الحالي أن يظل هؤلاء الأطفال على تواصل مع أحبائهم وأن يحظوا بالحماية والدعم المفتقرين إليه".
ولادة تحت الأنقاض
ومن ضمن الأطفال الذين يتّمهم هذا الزلزال، هو الطفل "ألب"، الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات هو الوحيد الذي نجا من انهيار مبناه، الواقع في منطقة حارم بسوريا، حيث لم ينج حوالي 35 مبنى كاملا من الزلزال.
وتولى مسؤولية الطفل خاله، عزت حميدي، الذي يركض من مستشفى إلى آخر حاملا "ألب" وهو في حالة صدمة، سعيا لتقديم الرعاية اللازمة له.
وقال حميدي: "فقد ابن أخي والده ووالدته وإخوته، وساقاه معرضة للبتر".
وفي مقابلة مع الطبيب، عمر العلي، الذي يعمل في مستشفى الأطفال بمدينة سرمدا، قال إن "الأطراف السفلية للطفل تحطمت تحت الأنقاض"، مضيفا أنه يعاني أيضا من مشاكل في الأعضاء الداخلية.
بدوره، قال عبادة ذكرى، أحد قادة "الخوذ البيضاء" الذي يقود عمليات الإنقاذ في مناطق المعارضة: "لقد أنقذنا العديد من الأطفال الذين ما زالوا على قيد الحياة، ولكن يوجد أيضا الكثير من الموتى".
وأضاف أنه كان من بين هؤلاء الموتى، والدة طفلة حديثة الولادة كانت لا تزال متصلة بالحبل السري لوالدتها، التي توفيت بالفعل، والتي فقدت جميع أفراد عائلتها بمبنى في بلدة جندريس قرب الحدود التركية.
وبعد إنقاذ الرضيعة من تحت الأنقاض، ذُهب بها إلى مستشفى تابعة لمديرية صحة "عفرين"، لتلقي الرعاية اللازمة، حيث أطلق عليها اسم "آية".
وشعرت والدة آية بالمخاض بعد وقت قصير من تدمير منزل عائلتها في بلدة جندريس، وتوفيت الأم بعد أن أنجبت آية.
وأظهرت لقطات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي رجلا يحمل الرضيعة وهي مغطاة بالغبار بعد انتشالها من بين الركام.
وختم المنقذ بالقول: "شعرنا بفرح كبير في كل مرة أخرجنا فيها طفلا على قيد الحياة، لكننا نأمل أن يتمكن أطفال منطقتنا، الذين لم يعرفوا سوى القصف والتشريد، ولم يتمتعوا أبدا بالاستقرار، أن يكبروا مثل الأطفال الآخرين في كل أنحاء العالم وأن يذهبوا إلى المدرسة".