الجاليات العربية في تركيا.. هكذا ساهمت بقوة في تضميد آلام منكوبي الزلزال
مع الكارثة المروعة التي ضربت جنوبي تركيا وشمالي سوريا في 6 فبراير/ شباط 2023، تفاعلت الجاليات العربية المقيمة في تركيا مع الزلزال المدمر، وأطلقت مبادرات فردية وجماعية متنوعة شملت السفر إلى موطن النكبة، مع جمع مساعدات عينية ومادية والتبرع بالدم، في تجسيد حقيقي للأخوة بين الشعوب.
وبحسب تقدير "الجمعية العربية في إسطنبول"، بلغ عدد العرب المقيمين داخل تركيا خلال العام 2022، نحو 5 ملايين، حيث هبّ الكثير منهم للتضامن بعد الدمار الكبير في 11 ولاية تركية، هي كهرمان مرعش وغازي عنتاب، وشانلي أورفة، ودياربكر، وأضنة، وآدي يامان، وعثمانية، وهطاي، وكليس، وملاطية، وألازيغ.
وزلزال 6 فبراير 2023، ضرب بقوة 7.7 درجات على مقياس ريختر، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات، فضلا عن مئات الهزات الارتدادية العنيفة، مما تسبب في خسائر كبيرة في الأرواح قدرت بعشرات الآلاف فضلا عن الممتلكات.
50 هيئة
وفي 8 فبراير 2023، أصدرت 50 هيئة من الجاليات ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الشبابية والطلابية العربية العاملة في تركيا، بيانها الداعي إلى التضامن وتضافر الجهود مع تركيا في مصابها الأليم.
ورفع بيان الجهات العربية شعار "دعوة للتضامن والإغاثة ورد الجميل"، وكان ومن بين الهيئات الموقعة، اتحاد الجاليات العربية، الجالية اليمنية، اتحاد الجمعيات المصرية، اتحاد الطلاب العراقيين، إضافة إلى جمعية العمال الفلسطينين، منتدى الجالية الجزائرية، المجلس الصومالي للأعمال، والجالية السورية بإسطنبول.
وقالت الهيئات: "ببالغ الحزن والأسى تلقت الجاليات العربية أنباء الزلزال المدمر في تركيا وسوريا وارتداداته، والذي خلف آلاف الضحايا والمفقودين والمصابين، وهدم مئات المباني وتشريد مئات الأسر".
وأضافت أن "الجاليات والجمعيات والمؤسسات العربية في تركيا ممثلة برؤسائها تعلن عن تضامنها الكامل ووقوفها إلى جانب الشعبين التركي والسوري في محنتهم ومصابهم الأليم".
ودعت الجاليات والمؤسسات العربية المنتسبين إليها كافة، تقديم أنواع الدعم المادي والعيني كافة للجهات الرسمية والمنظمات التركية.
وكذلك تنظيم قوافل إغاثة لإنقاذ العالقين وإسعاف المصابين وإيواء المشردين وتخفيف آثار الزلزال المدمر عن الولايات الجنوبية.
وأعلن التجمع الكبير للجاليات العربية عن جاهزية المتطوعين للمشاركة مع مؤسسات المجتمع التركي كافة في الخدمة داخل المناطق المنكوبة.
وختم البيان: "نرسل خالص العزاء للشعبين التركي والسوري وذوى الضحايا والدولة التركية، وندعو الله أن يتقبلهم عنده في الشهداء، كما نتمنى الإنقاذ العاجل للعالقين، والشفاء للمصابين".
رحلات المتطوعين
في إسطنبول، وبعد ساعات قليلة من النبأ، كان الناس كخلية نحل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومن ضمنهم الجالية العربية الضخمة التي تعيش في المدينة.
انتشرت مراكز التبرع بالدم ونقاط تجميع التبرعات المالية والعينية، حيث حددت السلطات التركية أن المواد المطلوبة هي الأغذية المعلبة والأغطية والملابس والأحذية الشتوية، فضلا عن مولدات الكهرباء وأسطوانات الغاز.
وشهدت مناطق تجمع العرب حملات موسعة لجمع التبرعات، واصطف المتبرعون خاصة في أحياء شيرين إيفلار، وبيليك دوزو، وإسينيورت، وباشاك شاهير، إضافة إلى حي الفاتح التاريخي، الذي يضم عددا كبيرا من مكاتب المؤسسات والمنظمات العربية.
فيما انطلقت وفود من المتطوعين فرادى وجماعات إلى الولايات المنكوبة، لمساعدة أهلها ونقل تفاصيل الكارثة عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، لخلق حالة تضامن واسعة مع المنكوبين بغرض المساعدة.
وفي 9 فبراير 2023، انطلق وفد من تكتل "الكيانات المصرية" بتركيا إلى الولايات الـ"11" ووزعوا أنفسهم على سائر المناطق، محملين بالمساعدات المادية والعينية، وساهموا في إزالة آثار الزلزال.
تلك الكيانات تضم، وقف طالب العلم، الشباب المصري بإسطنبول، طلابي، ركائز، الرواد الجدد، تجمع المصريين في تركيا، وقف عثمان.
وبعد يوم من العمل الشاق في تلك المناطق، أصدر التكتل بيانا يطلب المساعدات، ورد فيه: "بيوت حطمت، وعائلات هُجرت، وأجساد مُزقت، وأشلاء تناثرت.. برد مُميت، وجوع شديد، وخوف من مصير مجهول.. لا طعام، لا شراب، لا مأوى، بل الأدهى والأمر لا معدات لانتشال الجثث، ودفنها كما أمر الله".
وأضاف: "نحن لا نحكي عن مشهد سنيمائي أو رواية خيالية، بل نسرد جزءا من واقع مشاهد معاش الآن بين أظهرنا.. أغيثوا إخوانكم، كونوا عونا لهم، لا تخذلوهم ولا تقصروا في حق أخوتهم".
مبادرات متعددة
وكانت الجالية الفلسطينية حاضرة بقوة في الأحداث وأطلقت حملة باسم "فلسطين معكم"، بدأت بالتبرع بالدم عن بعد، ثم نظمت فرقا من المتطوعين للذهاب إلى الولايات المنكوبة والمساهمة في عمليات الإنقاذ.
وأعلن الناطق باسم الحملة، محمد أبو طاقية، عبر موقع "فيسبوك" في 14 فبراير 2023، أن "الحملة قائم عليها عشرات مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية الموجودة في تركيا وفي كل الشتات".
وشدد أنها "تهدف إلى الدعم والإسناد للشعبين التركي والسوري، وخصوصا في تركيا حيث تعرضت لكارثة بكل معنى الكلمة".
وأضاف: "حملتنا شاركت ونسقت مع الجهات المختصة من منظمة أفاد أو الهلال الأحمر التركي وغيرها".
وكذلك تحركت جمعية "نوران" الخيرية التابعة للجالية العراقية، وقدمت خدماتها الإغاثية، وهي من أقدم الجمعيات العراقية العاملة في تركيا.
وأعلنت الجمعية عبر صفحاتها بمواقع التواصل الاجتماعي، "أنها أسرعت بجمع مساعدات وتبرعات الجالية العراقية، ثم أرسلتها لنقاط التجميع التابعة لبلدية إسطنبول".
المثير أن جمعيات سورية شاركت في الإغاثة بقوة في جنوبي تركيا والشمال السوري بالتوازي، رغم الفاجعة التي حلت بالديار السورية.
فريق "مُلهم" التطوعي أطلق نشاطا واسعا في محافظات جنوب تركيا.
وقال مدير فريق "ملهم"، عاطف نعنوع: "أطلقنا حملة من مكتب إسطنبول، لأن مكاتب سوريا كانت تحت الصدمة بشكل كامل، لم نكن نعرف حجم الكارثة بداية، ولم نكن نتوقع أن أبنية مهدمة ومنكوبين تحت الأنقاض".
وأضاف نعنوع لوكالة "الأناضول" للأنباء التركية الرسمية في 8 فبراير: "بعد ذلك أطلقنا نداء لجمع التبرعات من كل أنحاء العالم، واستطعنا جمع أكثر من مليون ونصف مليون دولار في ساعات قليلة وأرسلناها إلى المناطق المتضررة في الدولتين".
واستطرد: "أعددنا بالفعل حافلات للنقل سواء في تركيا بمناطق أنطاكيا التي بحاجة إلى إخلاء، ومواد غذائية، أو بالنسبة إلى الشمال السوري من خلال إعداد مشاف وإخلاء ونقل".
دور فعال
وقال المتطوع الفلسطيني، أنس الحامد، وهو خريج كلية التمريض بجامعة "بايزيد يلدرم" التركية: "شاركت مع مجموعة من الأطباء والممرضين العرب المقيمين، بتكوين فريق إغاثي عاجل وانطلقنا بعد ساعات من الزلزال إلى كهرمان مرعش ثم مدينة أنطاكية باعتبارها أكثر المناطق المتضررة، والتي شهدت ارتفاعا في أعداد الضحايا".
وأوضح الحامد لـ"الاستقلال"، أن "الوصول إلى أماكن النكبة في ذلك اليوم كان صعبا للغاية، بسبب تصدع الطرق وسوء الأحوال الجوية، لكنني دخلت مع زملائي إلى أنطاكية ليلا، وكان الوضع كارثيا بالمعنى الحرفي، فما شهدناه أطلال مدينة، مع جثث الضحايا، وأصوات المستغيثين".
واستطرد: "شاركنا بصفتنا الطبية في إغاثة الذين خرجوا من تحت الأنقاض، وقدمنا الإسعافات الأولية لهم حال وصول الأطقم الحكومية الرسمية، وهي عملية مهمة جدا، حيث ساهمت في تقليل حجم الوفيات والإصابات".
وذكر الحامد: "كذلك مساهمة الجمعيات العربية بتقديم الأموال لشراء المستلزمات الطبية اللازمة للإسعافات الأولية، كان له دور فعال، إضافة إلى المساعدات العينية الأخرى من المأكل والملبس".
بدوره، قال أيمن الحسني، أحد أعضاء الجالية المغربية في إسطنبول، والطالب بجامعة "مرمرة" الحكومية: "كنت من الفريق العربي الإغاثي الذي توجه إلى مدينة غازي عنتاب المنكوبة، ودخلنا إلى هناك بقافلة مساعدات كبيرة، ورأينا حجم تضامن الجالية العربية التاريخي مع أهالي تلك المحافظة من أتراك وعرب وأكراد".
وأكد الحسني لـ"الاستقلال" أن "الدمار الذي لحق بتلك الولايات من الصعب أن تتحمله دولة بمفردها، وتركيا رغم الكارثة التي ألمت بها، لكنها حصدت ثمار احتواء ملايين العرب من جاليات مختلفة داخل أراضيها، وظهر دورهم الفعال في هذه الكارثة الإنسانية الصعبة".
وختم حديثه بالقول: "عندما وقع الزلزال لم يفرق بين عربي وتركي وكلنا شعرنا بالمصاب الأليم كأنه وقع في بلادنا، ورأيت بنفسي فرق المتطوعين حتى من النساء والأمهات جاؤوا من مناطق بعيدة ومن إسطنبول على بعد آلاف الكيلومترات للمشاركة وتقديم الواجب تجاه إخوانهم".