تطويق المنافسين.. لماذا يعادي جبران باسيل قائد الجيش اللبناني؟

12

طباعة

مشاركة

هجوم حاد يشنه منذ فترة وزير خارجية لبنان الأسبق، النائب جبران باسيل، على قائد الجيش العماد جوزيف عون، في محاولة لـ"قطع الطريق" أمام انتخابه رئيسا للجمهورية، بحسب مراقبين للشأن السياسي في "بلاد الأرز".

باسيل، الذي يرأس "التيار الوطني الحر"، الحزب المسيحي اليميني، اتهم العماد عون خلال مؤتمر صحفي في 30 يناير/ كانون الثاني 2023 بأنه "يخالف قوانين الدفاع والمحاسبة العمومية، ويأخذ بالقوة صلاحيات وزير الدفاع". 

كما وجه له اتهاما مباشرا بالفساد بقوله إنه "يتصرف على هواه بالملايين بصندوق للأموال الخاصة وبممتلكات الجيش". 

وإذا كانت الاتهامات بمخالفة القوانين مألوفة ضمن أدبيات التخاطب السياسي في لبنان، فإن اتهام قائد الجيش بالفساد هو "الأول من نوعه" بحق كل قادة الجيش المتعاقبين في عهد الجمهورية الثانية بعد "اتفاق الطائف" عام 1989. 

"صراع صلاحيات"

وسعى باسيل منذ عام 2019 إلى اختلاق الخلافات مع قائد الجيش، عبر وزراء الدفاع من حزبه، وذلك بهدف إحراج الأخير والتقليل من حجم حضوره، كي لا يكون الورقة التوافقية الرابحة رئاسيا ويتمكن من الوصول إلى القصر الرئاسي في بعبدا.

ويندرج ضمن محاولات الإحراج هذه، تهديد وزير الدفاع الحالي، موريس سليم، وهو جنرال سابق، بإقالة قائد الجيش في سابقة لم تحصل سوى مرة واحدة منذ أمد بعيد. 

وهدد سليم، وهو يتبع لحزب "التيار الوطني الحر"، عبر جريدة "الأخبار" المحلية في 26 يناير/كانون الثاني 2023، بإقالة قائد الجيش، "إذا بقي الأخير على سلوكه المتجاوز لصلاحيات وزير الدفاع".

وسبب ذلك يعود إلى "صراع صلاحيات"، بين وزارة الدفاع وقيادة الجيش، وهذا ما ظهر بتكليف كل منهما لضابط محسوب عليه لتسيير أعمال المفتشيّة العامة في الجيش بعد إحالة المفتش العام اللواء الركن ميلاد إسحق إلى التقاعد، الأمر الذي أجج الخلاف السياسي المحتدم بين قيادة الجيش وبين التيار الوطني الحر الذي ينتمي إليه وزير الدفاع.

ولا يتعب ولا يمل باسيل من محاولة تطويق الشخصيات المارونية المرشحة جديا لرئاسة الجمهورية، ويعد قائد الجيش من أبرزها وأكثرها حظوظا.

وشكل هجوم باسيل عليه التفافا واضحا على كل الاتصالات واللقاءات الهادفة إلى إيجاد مساحة مشتركة بين بعض الكتل النيابة والأحزاب. 

ومنها الاجتماع الذي جمع وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي (درزي، يساري) مع وفد حزب الله للبحث في الملف الرئاسي.

وطرح أسماء جديدة قابلة للتوافق عليها بين الكتل، وفي مقدمها اسم العماد عون، الذي يواجه رفضا شديدا من باسيل وفريقه.

وكان تصعيد باسيل مسبوقا بتصعيد مماثل لوزير الدفاع، سليم، والذي سماه التيار الوطني الحر لتمثيله مع آخرين في الحكومة الحالية.

وهاجم وزير الدفاع، قائد الجيش في أحاديث صحفية على خلفية قرارات تعيينات إدارية في المفتشية العامة للجيش، والمدير العام للإدارة فيه، وهي المعنية بتأمين مختلف حاجات وخدمات الجيش. 

وقال سليم في تصريح لصحيفة "الأخبار" اللبنانية في 26 يناير 2023 إن "قائد الجيش يتجاوز صلاحياته"، واتهمه بـ"التسلط على قرارات وزير الدفاع ويتعدى حدوده".

وهدد قائد الجيش بأنه في حال استمر "في التسلط في قراراته، وجعل نفسه سلطة فوق الوزير قد أتوجه الى مجلس الوزراء لأطالب بإقالته". 

لكنه عاد ونفى أن يكون قد صدر عنه مثل هذا الكلام، عقب زيارته لبطريرك الموارنة، بشارة الراعي، في 27 يناير 2023، حيث أشارت تسريبات صحفية إلى أن الأخير اعترض على موقف وزير الدفاع وضغط عليه للتراجع عنه.

صراع الموارنة

وفي السياق، أشارت الصحفية دنيز فخري إلى أن العلاقة بين باسيل وقائد الجيش "لم تكن يوما مستقرة". 

ولفتت في مقالة لها بصحيفة "إندبندنت عربية" في 31 يناير/كانون الثاني 2023، إلى أن جوزيف عون "رفض في بدايات عهد رئيس الجمهورية ميشال عون تدخل باسيل في تعيينات ومناقلات الضباط المسيحيين. 

وذكرت أن باسيل "لم يخف انتقاده أداء قائد الجيش خصوصا بعد انطلاق ثوة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، متهما إياه بالتراخي والتلكؤ في فتح الطرقات، وتحميله مسؤولية توسيع رقعة الاحتجاجات وإطالة أمدها، ما أدى الى التضييق على عهد عون (والد زوجة باسيل) وإضعافه". 

ورأت فخري أن "باسيل توجس من إقدام رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، جنبلاط، على طرح اسم قائد الجيش كمرشح رئاسي خلال لقائه حزب الله وجولات نوابه على بعض المرجعيات الدينية والسياسية. 

لذلك وجه سهامه إلى قائد الجيش "قاطعا الطريق على إمكان وصوله إذا قرر حزب الله في لحظة إقليمية ما، أن ينتقل إلى دعمه".

وتنقل فخري عن مصادر مقربة من حزب الله أن كلام باسيل كانت له أصداء سلبية في أوساط الحزب، وأيضا داخل تكتله البرلماني وتياره، والذي شهد سلسلة استقالات على خلفية كلامه، أبرزها من المنتسبين الى التيار من بلدة العيشية (جنوب لبنان) مسقط رأس قائد الجيش.

ورغم أن قيادات التيار الوطني الحر حاولوا حصر تداعيات مواقف رئيسه النارية، ضد قائد الجيش، بتعدي الأخير على صلاحيات وزير الدفاع، واستئثاره بإدارة أموال مؤسسة الجيش والتعيينات، كما عبر عن ذلك غسان عطالله، النائب في كتلة باسيل، والقيادي في تياره وليد الأشقر. 

إلا أن كلام باسيل في مؤتمره الصحفي نفسه عن إمكانية إعلان ترشحه رسميا لرئاسة الجمهورية، بعدما كان ينفي ذلك بإصرار، يؤكد أن التنافس على رئاسة الجمهورية هو الدافع لكلامه. 

وهذا ما ذهب إليه النائب السابق ورئيس "لقاء سيدة الجبل"، فارس سعيد الذي رأى أن هجوم باسيل "يندرج ضمن صراع الديوك الموارنة على رئاسة الجمهورية" واضعا الأمر في "سياق خصومة باسيل مع العماد جوزيف عون في رئاسة الجمهورية". 

وسخر سعيد في حديث لـ"الاستقلال" مما سماه "مزاعم باسيل وحرصه على الجيش وعلى القوانين والشفافية، لأن ممارساته في السلطة أفقدته الأهلية لتسويق مثل هذه الشعارات". 

و"لقاء سيدة الجبل"، جمعية مسيحية تعنى بالشؤون السياسية والثقافية للمسيحيين في لبنان.

ويرى سعيد أن باسيل "يستكمل الهجوم الممنهج للرئيس السابق ميشال عون على ثلاث شخصيات مارونية، هي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، اللذان أراد تحميلهما مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمالي وكذلك القضائي". 

وبذلك فإن باسيل "يريد تحميل قائد الجيش مسؤولية الانهيار الأمني في حال حصوله". 

ويتفق معه في ذلك الكاتب السياسي، خالد البواب الذي رأى أن "التيار الوطني الحر خاض المعارك باسم زعامة المسيحيين والموارنة لتدمير كل مواقع الموارنة، وانخرط معه شطر من الموارنة في هذا المشروع تلبية لطموحات سلطوية ومكاسب شخصية أو لتحقيق أحلام تاريخية". 

وأشار في مقال موقع "أساس ميديا" في 1 فبراير/شباط، إلى أن باسيل يشن معركة ضد قائد الجيش "بصفته مرشحا جديا لرئاسة الجمهورية" ولأن "الآراء المؤيدة له تتكاثر، وسط محاولات لإقناع الداخل والخارج به". 

لكنه لفت إلى أن باسيل نجح في استدراج قائد الجيش الى ما أسماه "التوتر السياسي"، وذلك من خلال "انخراطه في المعركة مع وزير الدفاع". 

وأيضا من خلال "بعض التصريحات التي يمنح نفسه فيها نزعة تفوقية على الآخرين، ولا سيما على قوى سياسية يحتاج الى أصواتها في المعركة الرئاسية". 

وتنقل الصحفية ملاك عقيل في موقع "أساس ميديا" في 30 يناير/كانون الثاني 2023، عن مصادر (لم تسمها) داخل التيار الوطني الحر عن "وجود ملف يعمل عليه بشكل سري بمتابعة شخصية من باسيل يتضمن معطيات وأرقاما وأسماء لمتعهدين على صلة مباشرة بالعماد عون يتولون بعض الأعمال والصفقات المرتبطة بالجيش".

بالإضافة الى "تأكيد باسيل وصول أموال طائلة إلى قيادة اليرزة في بيروت لا رقيب ولا حسيب عليها".

انفصال الحليفين

ولفتت عقيل إلى أن كلام باسيل كان "عالي النبرة في سياق تكريس وفاة تفاهم (مار مخايل)".

و"تفاهم مار مخايل" عقد بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" في 6 فبراير/ شباط 2006، بكنيسة "مار مخايل" شرق بيروت، والذي نجم عنه تحالف سياسي وثيق بين الطرفين استمر إلى الأمس القريب. 

وأشارت عقيل إلى أنه "كان لافتا في الشكل إبراز باسيل شعار (لوحدنا) ضمن خلفية الصورة التي ظهرت وراءه في مؤتمره الصحفي". 

ورأت أن ذلك فيه "تجسيد واقعي لانتقال حليفه الشيعي إلى الجهة المضادة لمسار شريكه المسيحي". 

علاوة على تلميحاته عن السير بخيار "النظام الفيدرالي" الذي يختصره باللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، وهو ما يعارضه حزب الله بقوة إذ سيجعله متقوقعا وأسير مناطق جغرافية ضيقة على حزب مثله بات ذا نفوذ سياسي إقليمي عريض. 

وفي السياق، وتحت عنوان "التفاهم لا يزال حاجة وطنية ماسة"، كتب غالب أبو زينب، القيادي البارز في حزب الله في صحيفة "الأخبار" مقالا في 6فبراير/شباط 2023، بمناسبة الذكرى السنوية للتفاهم بين حزبه والتيار الوطني الحر خلص فيه إلى أن "التفاهم ما زال حاجة وطنية ماسة للجميع".

وفي ذلك تأكيد على تمسك حزبه بالتحالف مع "التيار الوطني الحر"، رغم الخلاف الناشب بينهما أخيرا بسبب اختلاف مقاربتهما للاستحقاق الرئاسي. 

وفي العلن يؤكد "حزب الله" أنه حريص على التحالف، لكن مسار الأمور والتسريبات تقول غير ذلك. 

فقد زار وفد من حزب الله، رئيس التيار الوطني الحر باسيل في 23 يناير/ كانون الثاني 2023. 

تبعها زيارة وفد من كتلته النيابية إلى مؤسس التيار الوطني الحر الرئيس السابق ميشال عون في 2 فبراير/ شباط 2023. 

ورغم حرص الوفدين على التأكيد على "أهمية الشراكة الوطنية" وعلى "العلاقة الودية"، إلا أن التسريبات الإعلامية أشارت الى أن كلا اللقاءين كانا سلبيين. 

وينقل الكاتب السياسي منير الربيع، في صحيفة "المدن" الإلكترونية، في مقال له نشر في 5 فبراير/شباط 2023 أن وفد حزب الله، في لقائه مع باسيل "قدم استعراضا تاريخيا منذ السعي لإدخال التيار الوطني الحر للحكومات، وكيفية تعطيلها الى أن ينال باسيل مطالبه"، وذلك في معرض رده على شكوى الأخير من إخلال حزب الله بالشراكة. 

كما ذكر الوفد حسب الربيع وقوف حزب الله إلى جانب باسيل في قضية إقرار قانون الانتخابات "وقفنا إلى جانبك، وأعطيناك قانون الانتخاب الذي تريده، واختلفنا مع كل الناس في سبيل إرضائك. وكانت نتيجة هذا القانون بأنها منحت سمير جعجع 15 نائبا (خصم باسيل وتياره الأبرز)". 

وقال الكاتب السياسي، نقولا ناصيف، إن انفصال التيار الوطني الحر وحزب الله منذ جلسة الحكومة الشهيرة في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2022، التي رفضها الأول ودعمها الثاني، وما أدى اليه من "تلاحق ردود الفعل السلبية في القيادة والقاعدة على السواء، أفصح عن انطباع بأن التحالف المبرم بينهما تجاوزه الزمن، وكلاهما تجاوزاه أيضا". 

وأضاف في مقال نشره في صحيفة "الأخبار" في 24 يناير، "بيد أن التسليم بهذا الواقع لا يحجب حاجتهما للتواصل مجددا لوقف تدحرج كرة الافتراق". 

وأشار إلى أن اللقاءات والاتصالات بينهما "لا تعدو كونها خطوات متواضعة على طريق شاق يشبه وصولهما إلى تفاهم مار مخايل في 6 فبراير/ شباط 2006، وكل منهما أتى إليه من موقع العداء للآخر".