"الوطنية الشيعية".. مرجعية عراقية تتقدم لإزاحة "ولاية الفقيه" الإيرانية

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع زيادة التضييق الأميركي على إيران وحديث تقارير غربية عن قرب انهيار ما يعرف بـ"الهلال الشيعي" أو المحور الإيراني في المنطقة، أطلق أحد الزعامات السياسية والدينية الشيعية في العراق مشروع "الوطنية الشيعية"، الذي يتقاطع مع نظام ولاية الفقيه في إيران.

وفي ظل التنبؤات الغربية بقرب انهيار "الهلال الشيعي" (إيران، العراق، سوريا، ولبنان) بفعل التدهور الاقتصادي الكبير الذي تعيشه إيران، أثيرت تساؤلات عن مدى إمكانية تصدّر العراق- الذي بدأ يتعافى اقتصاديا وسياسيا- المشهد لقيادة الشيعة في العالم بدلا من جارته الشرقية إيران.

"الوطنية الشيعية"

وفي هذا السياق، طرح زعيم تيار "الحكمة" في العراق عمار الحكيم (حفيد زعيم مرجعية النجف الشيعية الراحل محسن الحكيم) في 4 فبراير/ شباط 2023 مشروع "الوطنية الشيعية" وتناول في طياته نقاطا حساسة تمس قضايا من أبرزها رفض مبدأ "ولاية الفقيه" الذي تحكم به إيران.

ودعا الحكيم، وهو أحد أبرز قيادات قوى الإطار التنسيقي الشيعي بالعراق، في مشروعه إلى إعطاء الشيعة في كل بلد خصوصيته، وضرورة الانتماء للبلد الذي يعيشون فيه، وألا يكون الانتماء للتشيع عابرا للحدود، وذلك من خلال توحيد الشيعة من مختلف التوجهات الفكرية داخل البلد الواحد.

وأشار زعيم تيار الحكمة إلى أنه "لا يمكن أن يكون شيعيا عراقيًا وفي ذات الوقت ينتمي لوطن آخر بسمات وخصائص مختلفة أو يطبق قوانين دولة أخرى أو يستورد ثقافة مختلفة لمجتمعه خلافًا لرغبتهم".

وأوضح أن "وطنية الشيعة حقيقية، وانتماؤهم واقعي للوطن والمجتمع والدولة، وليس كما يذهب إليه البعض بأن المواطنة لا مكان لها في الفكر الديني، أو أن المواطنة مجرد ستار يتستر به الشيعي ليحصل على مكاسب وحقوق من دون أن تملى عليه واجبات والتزامات".

وطالب الحكيم بضرورة أن يتفادى الشيعة "أي تضاد بين اشتراطات الانتماء العقيدي وبين الانتماء إلى الوطن، الذي يفرزه تداخل المشاعر والأنشطة والمواقف، أو التقاطعات السلبية المفروضة والمفتعلة التي حملت على المجتمع الشيعي".

ودعا إلى "إعادة قراءة تجربة النجف والمرجعية الدينية العليا بكل تفاصيلها وعطاءاتها الفكرية والثقافية الثرية التي باتت مرصودة ومشهودة من قبل العالم".

ويقصد بولاية الفقيه في الفقه الشيعي الاثني عشري، وفق مراقبين، "ولاية وحاكمية الفقيه الجامع لشرائط الفتوى والمرجعية الدينية في عصر غيبة الإمام الحجة، حيث ينوب الولي الفقيه عن الإمام الغائب في قيادة الأمة وإدارة شؤونها والقيام بمهام الحكومة الإسلامية وإقامة حكم اللّه على الأرض".

وفسّر القيادي في تيار "الحكمة" بليغ أبو كلل مشروع الحكيم عبر "تويتر" في 6 فبراير، بالقول إن " فهمي لنظرية الوطنية الشيعية التي طرحها عمار الحكيم، أنها ترى ضرورة تماسك الشيعة عقائديًا في العالم".

واستدرك قائلا: "مع حرية مطلقة لشيعة كل بلد باختيار نظامهم السياسي وآلياته، سواءً كانوا أكثرية في ذلك البلد أم أقلية، فلا وصاية ولا أفضلية لشيعة بلد على شيعة بلد آخر بحجة العقيدة الواحدة".

لكن الكاتب العراقي، سمير عبيد، رأى خلال مقال نشرته وكالة "الصحافة المستقلة" العراقية في 6 فبراير، أن "مشروع الحكيم هدفه التمهيد الى ولادة مرجعية شيعية عراقية في العراق بدعم من السعودية، تحت مسمى (المرجعية المعتدلة)".

وتابع: "مهدوا لها قبل أكثر من عام عندما اجتمعوا في السعودية عمار الحكيم من جانب، ونخبة من رجال الدين الشيعة العراقيين من جانب آخر، مع محمد بن عبد الكريم العيسى وهو الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي والذي كان قبلها بمنصب وزير العدل في السعودية"، حسب قوله.

"انهيار الهلال"

قبل طرح الحكيم مشروعه الجديد، نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا في 19 يناير/ كانون الثاني 2023، قالت فيه إن مشروع "الهلال الشيعي"، الذي امتد من لبنان وصولا إلى العراق، يمر بمرحلة حرجة قد تعني نهايته بسبب المشاكل الهيكلية التي تواجهها الدول على الأصعدة كافة.

وأضافت الصحيفة الفرنسية أنه مع دخول سنة 2023، يبدو "محور المقاومة الشيعي" مهددًا أكثر من أي وقت مضى بسبب الانهيار المرتبط بشح احتياطي الدولار أكثر من الهجمات العسكرية من الخصوم.

وأوضحت أن "كلا من إيران وسوريا تخضع لعقوبات أميركية ودولية شديدة تشمل المجال السياسي والاقتصادي. وبالنسبة للعراق، الدولة النفطية، فهو لا يملك احتياطيا مباشرا من الدولارات لأن حسابه بالعملة الأجنبية يحتفظ به الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك".

وبسبب العقوبات المفروضة على إيران، تراقب واشنطن عن كثب وجهة العملات المتاحة للحكومة في بغداد لتضييق الخناق على النظام الإيراني، لدرجة أن بغداد اضطرت لدفع مشترياتها من طهران بالعملة المحلية.

وأفادت الصحيفة أن السلطات الأمريكية جمّدت في صيف 2015 حساب البنك المركزي العراقي في الاحتياطي الفيدرالي لمنع وصول هذه الموارد إلى تنظيم الدولة.

أما بالنسبة للبنان، فقد شاركت الطبقة السياسية التي تحكم البلاد، لا سيما المافيا في نهب ممنهج للثروات تحت أنظار حزب الله الذي استطاع، بدعم من بعض الأطراف، أن يتقاسم نصيبه من الغنائم مع حاميه وضمان تمويل مليشياته وحليفه نظام الأسد.

وأشارت "لوموند" إلى أن هذه البلدان الأربعة مفلسة بحكم الأمر الواقع: لبنان مشلول مؤسسيا ومتعثر ماليا منذ سنة 2020، وانهار اجتماعيا رغم التحويلات المالية من الشتات إلى العائلات في الوطن.

أما بالنسبة لسوريا، التي تعيش في حرب أهلية وقع تدويلها منذ سنة 2011، فقد تم تجزئتها واحتلالها من العديد من الجيوش الأجنبية.

ولفتت الصحيفة إلى أن "محور المقاومة" اهتز منذ إعدام مهندسه ومنسقه الإيراني الجنرال الإيراني قاسم سليماني في يناير/ كانون الثاني 2020 بطائرة مسيرة أميركية.

وبالنسبة للعراق، الذي كان الرئة الاقتصادية الرئيسة لإيران، فهو يخضع للرقابة المشددة من وزارة الخزانة الأمريكية.

وسوريا، التي استنزفت موارد لبنان ومنتجاته المدعومة، لم تعد قادرة على العيش على حساب هذا البلد المنكوب الآن، مع تلاشي الدعم المالي والهيدروكربوني الإيراني إلى حد يهدد بقاء نظام بشار الأسد.

وتساءلت "لوموند": "لكن، هل يعني هذا أن هذه التطورات المدبرة، بسبب العقوبات وشح الدولار، ستؤدي إلى إضعاف هذه الأنظمة وسقوطها في نهاية المطاف؟".

ولم تستبعد الصحيفة هذه الفرضية، إذ "يشهد النظام الإيراني، وهو حجر الزاوية في الكل، أطول وأعمق صراع وجودي لم يستطع إيقافه رغم سياسة القمع".

"وحتى حججه الواهية لشيطنة المعارضين وعمليات الإعدام بإطلاق النار والشنق فشلت حتى الآن في كسر وتيرة الاحتجاجات"، في إشارة إلى المظاهرات التي تشهدها إيران منذ يوليو/ تموز 2022.

"بديل إيران"

وبخصوص مدى تحقق سيناريو تولي العراق قيادة العالم الشيعي في العالم كونه يمتلك المقومات الدينية (المرجعية الشيعية في النجف) والاقتصادية (ثاني أكبر إحتياطي نفطي)، قال الباحث العراقي عماد الزوبعي إنه "لا يبدو أن طهران ستصل إلى تفاهم مع الغرب، وبالتالي فالعقوبات ستستمر لكنها لن تسقط إيران ولكن تضعفها وتجعلها عاجزة عن تمويل حلفائها".

وأضاف الزوبعي لـ"الاستقلال" أن "ذلك بالتالي يجعل إيران معرّضة لتراجع ولاء حلفائها،  لذلك يبدو أن العراق مؤهل لحل محل إيران في قيادة الشيعة، وأنه يستطيع تقديم نموذج أفضل من النموذج الإيراني هذا على مستوى المكونات والمؤهلات، وهناك عوامل كثيرة تعضد هذا الرأي، ولكن هل القيادات الشيعية في العراق  مؤهله لذلك؟"

وأوضح الباحث أن "القيادات الشيعية العراقية لم تخرج في تفكيرها من درجة التوعية إلى درجة الاستقلال الذي يؤهلها للقيادة"، مشيرا إلى أن "المؤتمر الذي نُظم في مقر الحكيم بعنوان (الآفاق المستقبلية لأتباع آل البيت) وردت فكرته بعد تقرير (لوموند) الفرنسية".

وأشار إلى أن "هناك مسعى لتقديم العراق لرعاية التشيع في العراق، وهذا يقود إلى تنافس إيراني - عراقي الذي قد يتحول إلى صراع على النفوذ. فالعراق تاريخيا بلد مؤهل للقيادة، ولكن القيادة إن كانت سنية فامتداداتها أوسع من أن يقبل به الغرب بهذا المشروع".

ولفت الباحث إلى أن "الغرب سيسمح للعراق أن يكون قائدا لدول وقوى التشيع- وهي محدودة- وبالتالي إبعاده عن التأثير في المحيط السني، وأيضا إضعاف الثقل الشيعي، وأنه لن يقدم نموذجين للتشيع العقائدي الذي تمثله إيران، والمدني وحتى العلماني الذي يمثله العراق".

وأكد الزوبعي أن "مشروع عمار الحكيم لا يُمايز بين الإسلامي والعلماني من الشيعة، بل يخاطبهم جميعا".

وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي العراقي أثير الشرع، إن "كل الطبقة السياسية، وخصوصا الكتل الشيعية استشعرت خطر المرحلة المقبلة، لأن هناك سياسة جديدة ستنتهجها الولايات المتحدة حيال العراق"، مبينا أن "السياسيين الشيعة أمام وقت زمني محدود للابتعاد عن المحور الإيراني، لأنه ستكون هناك عواقب وخيمة".

وأوضح الشرع لصحيفة "عربي21" في 6 فبراير، أن "الولايات المتحدة لديها سياسة جديدة في العراق، والآن بدأ قادة الكتل السياسية الشيعية يوصلون رسائل إلى واشنطن بأنهم جادون في الابتعاد عن سياسة المحاور أولا، وعن الجارة الشرقية ثانيا".

وأشار إلى أن "من تلك الرسائل هو مشروع الحكيم الذي يحمل بين طياته أن الابتعاد عن الجارة الشرقية للعراق، هو الحل الأسلم لتحاشي العقوبات الأميركية المحتملة".

ورأى الشرع أن "هناك سيناريوهات خطيرة جدا استشعرها القادة الشيعة لدفع الضرر الذي سيلحق بالجميع، وأن هناك تغييرات جمة ستحصل قريبا على مستوى الخارطة السياسية العراقية، وربما أيضا نشهد ثورة شعبية بالعراق جديدة في مارس/آذار 2023".

وعن مدى تجاوب حلفاء إيران مع مشروع الحكيم، قال الشرع: "بالتأكيد هناك جهات ستعارض مبادرة الحكيم، فلا يمكن القول عن كل القوى الشيعية -ولا سيما التي تمتلك أجنحة مسلحة- إنها ستتقبل هذا المشروع، فبالتأكيد سيكون هناك رفض كبير جدا لأن بعض الجهات شكلتها وتدعمها إيران".

وأردف: "هناك مأزق وصراع قادم، وبعض المبادرات التي تطرح حاليا ستكون مثل السفينة التي يأمن من يركبها، والزوال مصير كل من تخلّف عنها، لأن السقف الزمني لظهور السيناريوهات الخطرة ربما لن يتجاوز مارس/ آذار ويوليو/ تموز 2023".

وأكد الشرع أن "التوجهات والسياسة الجديدة للولايات المتحدة ستفضي إلى مستقبل بهيج ينقذ الشعب العراقي من أزماته، وهذا قد ينتقل إلى باقي منطقة الشرق الأوسط التي ستشهد ازدهارا اقتصاديا واستثمارات نافعة للشعوب العربية ودول المنطقة عموما".

وحتى يوم 8 فبراير/ شباط 2023، لم يصدر أي تعليق من حلفاء إيران في العراق والمنطقة وكذلك لم تصرّح جهات إيرانية رسمية وإعلامية على مشروع "الوطنية الشيعية" الذي طرحه عمار الحكيم، الأمر الذي عده مراقبون أنه ربما متعمدا من أجل وأد الفكرة في مهدها.