عقب إقامة قداس أرثوذكسي جديد.. هل يتجه محمد بن سلمان لبناء كنائس بالسعودية؟

12

طباعة

مشاركة

عقب احتفالها الرسمي بعيد الميلاد في 7 يناير/ كانون الثاني 2023، أعلنت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بعد مرور ثلاثة أسابيع، أنها أقامت قداسا آخر بهذه المناسبة في السعودية بـ"رعاية كاملة من سلطات المملكة".

الكنيسة أكدت، وفق مجلة "الكرازة" الناطقة باسمها في 30 يناير 2023، أنه "في إطار العلاقة المتميزة بين مصر والسعودية، كلف البابا تواضروس الثاني، الأنبا مرقص بزيارة الأقباط المصريين المقيمين في المملكة".

وبينت أن هذه الزيارة "استمرت لمدة شهر، انتهت بإقامة قداس ليلة عيد الميلاد حسب التقويم الشرقي مساء 6-7 يناير 2023، وذلك للمرة الأولى في تاريخ المملكة".

الكنيسة قالت أيضا، إن هذه الزيارة هي التاسعة للأنبا مرقص للسعودية منذ عام 2015، والتي تتم كل عام، بتكليف من البابا تواضروس بحسب موقع "مصراوي" 31 يناير 2023، نقلا عن مجلة "الكرازة".

ولا يوجد كنائس ولم يكن يُسمح بالصلوات الجماعية المسيحية بشكل رسمي في المملكة لكن الأجانب المسيحيين كانوا يصلون بإحدى القاعات بشكل سري.

لذا يُعد إقامة القداس من جانب الكنيسة الأرثوذوكسية المصرية علنا ورسميا أمرا جديدا في المملكة.

غسيل ديني

رغم حديث الكنيسة عن أن قيادة الأنبا مرقص الصلاة في السعودية هذا العام 2023 هي "أول قداس" في المملكة تعد هذه في حقيقة الأمر ثاني الفعاليات التي تقيمها الكنيسة المصرية الأرثوذوكسية هناك.

فعقب زيارة ولي عهد السعودية للبابا تواضروس في مقر الكنيسة بمصر ديسمبر/كانون الأول 2018، قال البابا إن الأنبا مرقص "أقام أول قداس هناك".

وهو ما أكده موقع "أبونا" الكنسي في الثاني من ديسمبر 2018، لكنه قداس صلاة يختلف عن "قداس عيد الميلاد" الأخير.

وقالت صحيفة "وطني" المعبرة عن الكنيسة المصرية مطلع ديسمبر 2018 إنها أقامت قداس صلاة في السعودية للمرة الأولى ترأسه الأنبا مرقص المشرف على الأقباط في المملكة.

أكدت أن الصلاة أقيمت بدعوة من محمد بن سلمان، بعد مطالبة قيادات الكنيسة له خلال زيارته للبابا تواضروس بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية بذلك في مارس/آذار 2018.

ونوهت إلى أن قداسات الصلاة جرت في منزل أحد الأقباط بالرياض وحضرتها أسر قبطية في السعودية، وقيل إنها جرت في شاليه خاص بحضور عشرات الأقباط.

وفي 5 مارس 2018 استقبل البابا تواضروس، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال زيارته لمصر بالمقر البابوي بالقاهرة.

وكانت هذه أولى زياراته الخارجية منذ توليه منصبه في يونيو/حزيران 2017، ودعا ابن سلمان تواضروس وقتها لزيارة المملكة.

وقال تواضروس لصحيفة "عاجل" السعودية، 12 مارس 2018 إن ولي العهد دعاه لزيارة بلاده حين أبلغه أن السفارة لم تعط فيزا للأنبا مرقص رغم أنه زارها منذ سنتين، فعرض عليه ولي العهد أن يزور هو المملكة.

تواضروس أكد أن ولي العهد وجه له "دعوة عامة"، وقال له: "نحب أن نراكم في السعودية"، لكن البابا أوضح أن هذه كانت "دعوة شفاهية، وحينما تكون هناك دعوة لها صيغة رسمية سنلبيها".

وقالت مجلة "الكرازة" إن زيارة ولي العهد السعودي للكنيسة القبطية هي الأولى من نوعها منذ نشأة السعودية عام 1932، وأنه سبق أن التقى أبوه الملك سلمان بن عبد العزيز، بالبابا تواضروس في أبريل/نيسان 2016 أثناء زيارته لمصر.

حين سمحت المملكة في المرة الأولى للكنيسة المصرية بإقامة قداس مسيحي عام 2018، وصف الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية إسحق إبراهيم هذه الخطوة بأنها دعاية.

قال إنها تأتي "في سياق مساعي النظام السعودي لإعادة تقديم وتسويق نفسه من خلال بعض الإصلاحات التي يقول إنها في سبيل الانفتاح على الثقافات الأخرى".

أوضح لموقع "الحرة" الأميركي في الثاني من ديسمبر 2018 أنها "خطوة محدودة ليس لها تأثير كبير، لعدم وجود توجه واضح نحو السماح بالحريات الدينية، وتمكين غير المسلمين من ممارسة شعائرهم بحرية وفي العلن"، وذلك قبل أن يُسمح بالعلن في القداس الثاني عام 2023.

أيضا وصف المتحدث الإعلامي باسم منظمة اتحاد أقباط المهجر، مدحت قلادة، تنظيم القداس القبطي الأولي في السعودية عام 2018 بأنه "بلا شك محاولة لتبييض وجه النظام السعودي خاصة بعد حادث مقتل الصحفي جمال خاشقجي".

صحفي سعودي أبلغ "الاستقلال" أن عمليات "غسيل السمعة" انتشرت في المملكة منذ تولي ابن سلمان ولاية العهد عام 2018، بسبب القمع الذي واكب صعوده لكل العلماء والصحفيين والمثقفين ورجال الأعمال، مثل الغسيل الرياضي والثقافي.

أوضح أن ولي العهد يتلاعب بمسألة إنشاء كنيسة في المملكة سواء للكنيسة المصرية الأرثوذوكسية أو الكاثوليكية الغربية، عبر تصريحات ومواقف متضاربة بغرض تلميع صورة النظام الخارجية وإظهار أنه متسامح ضمن سيناريو غسيل ديني آخر.

الصحفي الذي فضل عدم الإشارة إلى اسمه، قال إنه أصبح معتادا لأول مرة رؤية مسيحيين يسيرون علنا وهم يرتدون الصلبان في شوارع السعودية، وزادت عمليات الصلاة في كنائس داخل بيوت مسيحيين كان يجري منعها سابقا، بعد لجم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وسبق في عام 2014، أن رحلت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 12 مسيحياً إثيوبياً ضبطوا وهم يؤدون الصلاة في منزل داهمته الدمام، بعد أن علمت أنه يُستخدم في إقامة قداسات كنسية، بحسب تقرير الحريات الدينية لوزارة الخارجية الأميركية.

لكن مع صعود ولي العهد بن سلمان للحكم و"الانفتاح"، غضت المملكة الطرف بشكل تدريجي عن ممارسة المسيحيين صلاتهم، وحيدت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عام 2016 التي كانت تمنع ذلك، وفق تقارير غربية.

كنيسة في السعودية؟

في 20 فبراير/شباط 2014 وعقب زيارة أجراها بابا الكنيسة الأرثوذوكسية المصرية للسفارة السعودية بالقاهرة، نشرت "وكالة أنباء مسيحيي الشرق الأوسط" نبأ عاجلا يؤكد أن البابا تواضروس اتفق مع السفير السعودي السابق أحمد قطان على إنشاء أول كنيسة قبطية في تاريخ المملكة.

وزعمت الوكالة (توقفت عن البث عام 2016) "أن بابا الأقباط أعرب عن شكره للملك السعودي وللحكومة الحالية على الموافقة على إنشاء أول كنيسة قبطية بالسعودية وعلى حسن الاستقبال الذي قابله به السفير السعودي في القاهرة".

ولم يصدر رد فعل من السفارة السعودية بالقاهرة، لأن سفيرها حينئذ سبق أن قال في 13 فبراير 2013 إنه "لا يجوز بناء كنائس بالمملكة.

 إلا أن الكنيسة أصدرت بيانا نفت فيه موافقة المملكة على بناء كنيسة سعودية على غرار ما فعلته الإمارات وقطر وعمان والكويت.

لكن في حوار مع قناة "تن" TEN المصرية حول القداس الأول الذي أقامته الكنيسة المصرية في السعودية عام 2018، تساءل البابا: لم لا نبني كنيسة في المملكة؟ ما الذي يمنع إقامتها؟

قال: "لا أعرف طبيعة الظروف هناك، ولكن لم لا؟ ماذا يمنع؟ هناك دول عربية مجاورة يوجد بها كنائس". 

في 15 ديسمبر 2019، وخلال حوار البابا تواضروس مع صحف المصري اليوم والوطن واليوم السابع، سئل: "هل تتوقع أن تُقدم السعودية على تأسيس أول كنيسة قبطية هناك؟"

فأجاب تواضروس: "أظن أن هذا ليس بعيدًا"، حسبما أورد المتحدث الرسمي للكنيسة عبر فيسبوك.

ويوجد بالسعودية عدد كبير من المصريين الأقباط وبعضهم يفتخر بدخوله مكة بدون عوائق، كما يوجد بها أكثر من مليون مسيحي من دول جنوب شرق آسيا وخاصة من الفلبين.

ويحظر بناء الكنائس في المملكة التي يعيش بها 1.4 مليون مسيحي، أي ما يزيد قليلا عن 4 بالمئة من السكان، معظمهم من العاملين في السعودية، بحسب منظمة Open Doors (أبواب مفتوحة)، المعنية بشؤون المسيحيين.

لاحقا، وعقب انفتاح ابن سلمان، أوضح مستشار للعاهل السعودي في تصريحات لصحيفة "إيكونوميست" البريطانية في الثاني من أغسطس/آب 2018، أن السلطات في المملكة ترى موضوع افتتاح كنيسة في السعودية "مسألة وقت". 

وقد أثار رئيس وفد المسيحيين الإنجيليين الأميركيين جويل روزنبرغ، قضية عدم وجود كنائس بالمملكة أثناء زيارته السعودية 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وطلب من ولي العهد إذنا لبناء كنيسة في المملكة.

وحسب روزنبرغ، وهو مستشار سابق للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لموقع "بيزنس إنسيدر" 8 فبراير 2021 "وعد ابن سلمان بمناقشة هذا الأمر مع رجال الدين في السعودية".

وكان "روزنبرغ" سبق أن أخبر قناة i24 News الإسرائيلية 15 نوفمبر 2018 أنه سأل ابن سلمان: متى سيسمح ببناء كنيسة؟ فأجاب ولي العهد: "ليس الآن".

وبرر "روزنبرغ" ذلك حينئذ بزعم أن "الأمير تخوف أن "بناء الكنيسة سيكون هدية لتنظيم القاعدة".

أيضا عقب زيارة كاردينال الفاتيكان جان لوي توران، إلى المملكة في أبريل 2018 واجتماعه بأمين عام رابطة العالم الإسلامي محمد العيسى، زعمت منابر إعلامية غربية موافقة السعودية مبدئيا على افتتاح كنائس للمسيحيين، دون إثبات مصدر المعلومة.

تمهيد كبير

تحظر السعودية بناء الكنائس، وأعلنت ذلك رسميا على لسان وزير العدل السعودي السابق محمد العيسى، خلال لقائه ببرلمانيين أوروبيين في بروكسل في 23 أبريل 2013.

إذ أكد أن بلاده لن تسمح بإقامة دور عبادة لغير المسلمين على أراضيها، وفق ما نقل موقع "دويتشة فيله" الألماني في 24 أبريل 2013.

لكن كان ملفتا عقب هذا إقامة أول قداس علني مصري عام 2018، تجمع 25 مسيحياً أميركيا كانوا يجرون أول جولة مسيحية للملكة في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أسفل جبل اللوز بمدينة تبوك شمال غرب السعودية للصلاة.

في هذا التجمع الأميركي، قرأ الواعظ الإنجيلي جويل ريتشاردسون، بصوت عال ترانيم كنسية وفقرات من الكتاب المقدس المسيحي.

 ووصفت صحف غربية المشهد في جبل اللوز، بأنه يوضح التغيير الاجتماعي السريع الجاري في السعودية.

ويقول الصحفي السعودي الذي تحدث لـ "الاستقلال" إن أجانب كثر يعملون أو يزورون المملكة ينفذدون حاليا ما يشبه رحلات السفاري داخل مناطق جبلية بالمملكة بعلم وربما ترتيب السلطات.

وبين أن هؤلاء يعملون على ممارسة ترانيم مسيحية وقراءة الإنجيل يرافقهم مرشدين سياحيين رسميين.

في أكتوبر 2018، تولت مجموعة من الإنجيليين ذوي الوزن الثقيل في الولايات المتحدة زمام الضغط على ابن سلمان لبناء كنيسة في السعودية، خلال زيارتهم له بدعوة منه، وفق "جويل روزنبرغ"، أحد الكتاب الإنجيليين البارزين في أميركا.

ومع انفتاح ولي العهد أكثر، زاد الإقبال أيضا من جانب "الجولات المسيحية" على السعودية، مثل "جولات ريتشاردسون" منذ عام 2019 حتى الآن.

وبدورها، تنظم شركة "Living Passages" وهي شركة سياحة مسيحية رائدة أربع رحلات عام 2021.

ويرى سعوديون مناصرون لسياسات ولي العهد أن الكنيسة الأولى قد تفتح في مدينة Neom (نيوم) أو في الحي الدبلوماسي، مدعين أن ذلك سيثبت دخول السعودية "نادي الدول المتحضرة"، وبدأ بعضهم يمهد لهذا بتغريدات تطالب ببناء كنيسة.

ونقل موقع "بيزنس انسايدر" الأميركي عن سعوديين أن بناء كنيسة في المملكة "مسألة وقت فحسب"، مثل الأكاديمي السعودي الأمير عبد الله بن خالد آل سعود، الذي قال: "بالتأكيد الأمر قادم، خاصة في الحي الدبلوماسي بالرياض أو نيوم".

ومع ذلك، يعتقد البعض أن إقامة كنيسة في نيوم سيكون بلا معنى، مثل المحلل السعودي علي الأحمد الذي قال لـ "بيزنس انسايدر": "ستكون حيلة علاقات عامة ترويجية لأنه مكان بعيد لا يعيش فيه معظم المسيحيين في المدن الكبرى مثل جدة أو الرياض.

ورجح آخرون أن تُبني كنيسة في الحي الدبلوماسي في الرياض تحت الغطاء الدبلوماسي، ومنهم الأسقف الكاثوليكي بول هنتر الذي عينه البابا فرانسيس مسؤولًا رسوليًا للجزيرة العربية.

لكن أمراء سعوديون تحدث إليهم موقع "بيزنس انسايدر" توقعوا أن تلقى تحركات ولي العهد لتدشين كنيسة في المملكة، حتى وإن كانت في مدينة نيوم، معارضة حقيقية على المستوى الشعبي.

إلا أن الأمير عبد الله بن خالد آل سعود، توقع أن يتراجع المعارضون بسبب القبضة الأمنية في المملكة.

ويشير "بيزنس انسايدر" إلى أن محمد بن سلمان فرض قمعا شبه كاملا لمعارضي حكمه، عبر الاعتقالات التعسفية، والتجسس على المعارضين في الداخل والخارج، والاغتيالات والقتل.

لكن الصحفي السعودي الذي تحدث إلى "الاستقلال" توقع ألا يجرؤ ابن سلمان على بناء كنيسة باعتبار أن منع بناء كنائس من الثوابت التي يصعب عليه تجاوزها شعبيا.

حتى ولو تجاهل آراء العلماء الذين قمعهم وسجن بعضهم لأن المسألة شعبيا مرفوضة، وانفتاح ابن سلمان قائم على دعوى أن الشعب يدعمه.

يرى أن السماح التدريجي بإقامة قداسات مسيحية في السعودية هو نوع من الاستعاضة عن بناء كنائس.

ورجح أن يسمح ابن سلمان لاحقا للغربيين الكاثوليك خصوصا بإقامة قداس في المملكة أيضا في نطاق الدبلوماسية.