مؤشرات تنهي أزمة التأشيرات بين فرنسا ودول المغرب العربي.. من نفذ رغباته؟

12

طباعة

مشاركة

منذ تولي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إدارة البلاد، في مايو/أيار 2017، شرع بتنفيذ سياسات معادية للمهاجرين خاصة من دول المغرب العربي.

وقررت فرنسا طرد أعداد من المهاجرين لديها لكن بلدانهم رفضت استقبالهم، وعلى رأسها دول المغربي العربي، لتصنع أزمة سياسية، كانت "التأشيرات" عنوانها الأبرز.

الأزمة التي استمرت زهاء السنة 2021 ـ 2022، انتهت كما يبدو من خلال تصريحات الطرفين. إذ أعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2022، ترحيب بلاده بزيادة عدد المرحلين من فرنسا، وقبله اتخذت تونس خطوة مشابهة.

وبينما لم يعلن المغرب موقفا صريحا، إلا أن قبوله في 13 يناير/ كانون الثاني 2023، باستقبال الإمام حسن إيكويسن المرحل من فرنسا، يشير إلى انصياع المملكة أيضا للتوجيهات الفرنسية.

 فهل انتصرت فرنسا فعلا في معركة التأشيرات مع بلدان المغرب العربي التي انفجرت منذ سبتمبر/ أيلول 2021؟

المغرب و"الابتزاز"

وبخلاف تونس والجزائر لم تحصل فرنسا على تصريح واضح بقبول شروطها في المغرب، غير أن واقعة الإمام حسن إيكويسن تعكس حقيقة أن باريس انتصرت على بلدان المغرب العربي الثلاثة في ملف التأشيرات، وفق مراقبين.

ففي 16 ديسمبر 2022، أعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية في مؤتمر مشترك مع نظيرها المغربي ناصر بوريطة من الرباط، "لقد اتخذنا إجراءات، مع شركائنا المغاربة، من أجل العودة إلى تعاون كامل في مجال الهجرة، وهذا القرار دخل حيز التنفيذ".

غير أن بوريطة علق قائلا: "المغرب امتنع عن التعليق رسميا على تلك الإجراءات (خفض عدد التأشيرات) التي اتخذتها السلطات الفرنسية من جانب واحد احتراما لسيادتها، وبطبيعة الحال كانت هناك ردود أفعال شعبية من طرف الناس المعنيين".

وأردف: "اليوم أيضا قرار العودة إلى الوضع الطبيعي أحادي الجانب يحترمه المغرب ولن نعلق عليه رسميا (...) لكنه يسير في الاتجاه الصحيح". 

ولم يكتف الوزير المغربي بهذا الجواب، بل ذهب للغرفة الثانية من البرلمان، ليعلن بعد 5 أيام موقف المغرب الرسمي من طريقة إنهاء فرنسا لأزمة التأشيرات بين الجانبين.

وقال بوريطة في مجلس المستشارين، 20 ديسمبر 2022، "إذا كان منح التأشيرة حقا سياديا فهو ليس بالمنحة أو الصدقة تستعمل كأداة للابتزاز أو الإهانة".

وسجل الوزير "خلال الشهور الأخرى كانت هناك بعض الحالات التي جرى فيها استعمال التأشيرة، لأغراض لا علاقة لها بالتعاون القنصلي".

وتابع: "إذا كان منح التأشيرة حق سيادي فقبول طلبها والتعامل مع طالبها يتعين أن يكون مبنيا على احترام الدولة التي ينتمي إليها المواطن".

بالرغم من هذا الخطاب الرسمي المغربي، فإن قبول الرباط استقبال الإمام لحسن إيكويسن الذي طردته فرنسا، يدعو إلى إعادة النظر في هذه التصريحات.

كان 13 يناير 2023 يوما مشهودا، إذ شهد محطة جديدة في معركة الرباط وباريس حول ترحيل الإمام المغربي حسن إيكويسن قادما من فرنسا إلى بلجيكا ثم المغرب بعد توقيفه منذ 30 سبتمبر 2022.

وتبعا لما صرحت به محاميته، لوسي سيمون، للصحافة فقد جرى ترحيل الإمام المغربي، في طائرة قادمة من بروكسل إلى الدار البيضاء بعد إصدار السلطات المغربية تصريح دخوله.

من جهتها، قالت وزيرة الدولة البلجيكية لشؤون اللجوء والهجرة، نيكول دي مور، في بيان صحفي: "بفضل التعاون الجيد مع فرنسا أعدنا هذا الرجل (تقصد إيكويسن) إلى المغرب بلده الأصلي".

ووفق محاميته الفرنسية لوسي سيمون، فإنها تنتظر صدور حكم بشأن صلاحية أمر الترحيل الفرنسي، ورأت أن الإلغاء المحتمل، سيلزم فرنسا بضمان دخوله إلى الأراضي الفرنسية". 

وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، قد أصدر أمرا بترحيله في نهاية يوليو/تموز 2022، رغم صدور حكم قضائي يمنع ذلك.

وهو ما دفع الإمام إيكويسن إلى الهروب لبلجيكا، وظل هناك إلى يناير 2023، لتتفق الرباط وبروكسل على ترحيله.

وعن علاقة ترحيل إيكويسن بأزمة التأشيرات المغربية الفرنسية، يقول الباحث في شؤون الهجرة، خالد منى، أستاذ علم الاجتماع في كلية مولاي اسماعيل للفنون والعلوم الإنسانية في مكناس، "يعد كبش فداء للسياسات العنصرية الفرنسية".

وتابع خالد منى، في تصريح لـ "الاستقلال"، أن ما فعلته الحكومة الفرنسية ضد المواطن المولود بفرنسا لحسن إيكويسن يعد جناية ضد القاعدة القانونية "الحق في الأرض"، والتي تكفل بالقانون حق أي إنسان ولد على أي أرض أن يحمل جنسيتها.

والإمام حسن إيكويسن (51 عاما) كان يعيش في لورش شمال فرنسا، وبالرغم من أنه ولد ونشأ وأمضى حياته كلها بفرنسا فإنه لا يحمل الجنسية الفرنسية.

لكن أبناءه الخمسة وأحفاده الخمسة عشر فرنسيون، واتخذت فرنسا قرار ترحيله منها بسبب نشاطه في الدعوة الإسلامية.

وتابع خالد منى أن "ما يجب الانتباه إليه أن حالة الإمام إيكويسن مندرجة ضمن اتفاقية إعادة الأشخاص غير المرغوب فيهم بين المغرب وبين عدد من بلدان العالم، وهي بالتالي بعيدة عن تسوية موضوع التأشيرات".

إقرار جزائري ـ تونسي

وإضافة إلى المغرب، بعد سنة من الشد والجذب، وبالضبط في نهاية 2022 انتهت الأزمة، وكشفت تصريحات المسؤولين في الجزائر وتونس، عن نجاح فرنسا في تحقيق مطالبها.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعلن في حوار تلفزيوني مع قناة "فرانس 2"، في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، "نجاح سياسة التأشيرات، لأنها ساعدت بلاده في إعادة 3 آلاف شخص إلى بلدانهم خلال عامين.

وأردف وقتها: "سنشدد عمليات الطرد لتشمل 100 بالمئة من كل الأشخاص غير القانونيين والمخلين بالنظام العام".

وتابع بحسب التقرير الذي نشره موقع قناة الحرة الأميركية في 28 أكتوبر من السنة نفسها، "أطلقنا حوارا قويا مع هذه البلدان، وقلنا لهم إذا لم تستعيدوا الأشخاص الذين طُلب منهم مغادرة التراب الفرنسي، سنقيد منح التأشيرات".

وشدد ماكرون على أن "الأزمة التي مرت بها علاقات باريس مع تونس والمغرب والجزائر، بخصوص موضوع التأشيرات، مردها عدم تعاونها في موضوع ترحيل رعاياها".

ففي 30 ديسمبر، أعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في حواره مع جريدة لوفيغارو الفرنسية، نهاية أزمة التأشيرات، وقبول الجزائر "رفع عدد المرحلين". 

وبحسب مقتطفات من الحوار نشرتها جريدة "الخبر" الجزائرية في 30 ديسمبر 2022، قال الرئيس تبون "هذه عودة للوضع الذي تؤطره اتفاقيات إيفيان واتفاق 1968 حول تنقل الأشخاص، وعلى العموم جرى رفع عدد المرحلين".

وقبل الجزائر، أعلنت باريس وتونس مطلع سبتمبر 2022، عودة إصدار التأشيرات الفرنسية للتونسيين إلى مستواه الطبيعي، وبأثر فوري.

جاء ذلك في بيان مشترك صدر في أعقاب مكالمة هاتفية بين وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، ونظيره التونسي توفيق شرف الدين.

وأوضحت وزارة الداخلية الفرنسية، أنّ تونس كانت الأولى من بين الدول الثلاث التي أزالت شرط إجراء فحوصات صحيّة للدخول إلى أراضيها.

وأكدت أن تونس أحرزت تقدما كبيرا في مجال التعاون مع باريس في ملف مكافحة الهجرة غير الشرعية.

وتقول الرواية الفرنسية إنها بعد سلسلة لقاءات حكومية مع نظرائها المغاربيين، قررت تشديد منح التأشيرات حتى تخضع الدول المغاربية لشروط باريس.

وفي 28 سبتمبر 2021، أعلنت الحكومة الفرنسية تشديد شروط منح تأشيرات دخول مواطني المغرب والجزائر وتونس، وذلك لرفض هذه الدول إصدار تصاريح قنصلية لاستعادة مواطنيها الذين يوجدون في فرنسا بشكل غير قانوني. 

جاء ذلك في تصريحات للناطق باسم الحكومة الفرنسية، غابريال أتال، أدلى به لإذاعة "أوروبا1"، ونشرتها وكالة الأنباء الفرنسية في 28 سبتمبر 2021.

وخفضت فرنسا عدد التأشيرات لمواطني كل من المغرب والجزائر إلى النصف، وعدد تأشيرات المواطنين التونسيين بمقدار الثلث.

وتابع المسؤول الفرنسي، "إنه قرار جذري وغير مسبوق لكنه كان ضروريا لأن هذه الدول لا تقبل باستعادة رعايا، لا نريدهم ولا يمكننا إبقاءهم في فرنسا".

فرنسا كشفت "أنه في حال رفض طلب الحصول على التأشيرة، يتعيّن على السلطات الفرنسية تأمين تصريح قنصلي من أجل إعادة الأفراد قسرا إلى بلادهم، وهذا المستند لا يتم توفيره من قبل المغرب ولا الجزائر ولا تونس".

وتحدث عن زيارات أجراها رئيس الوزراء السابق، جان كاستكس، وأعضاء من حكومته، إلى الدول الثلاث لمناقشة المسألة، وإلى اجتماعات عقدت مع سفرائها قائلا "عندما لا يتحرك ملف ما بعد فترة معينة، علينا تطبيق القوانين".

وشدد المسؤول الفرنسي على أن هذه الإجراءات "ستطبق بهدف الضغط على الدول المعنية لتغيير سياساتها والموافقة على إصدار هذه التصاريح القنصلية".

وأضاف "نرغب بأن يقوم رد الفعل على التعاون الإضافي مع فرنسا لنتمكن من تطبيق قوانين الهجرة الموجودة عندنا".

غضب مغاربي

من جانبه، نشر موقع بي بي سي عربي، في 29 سبتمبر 2021، نقلا عن وسائل إعلام فرنسية، أنه خلال الأشهر الستة الأولى من العام ذاته، طرد 22 جزائريا فقط من الأراضي الفرنسية، على الرغم من رفض 7731 طلب تأشيرة. 

وطُرد 80 مغربيا مع رفض 3301 طلب تأشيرة. وبالنسبة لتونس، طُرد 131 من مواطنيها مقابل فشل 3424 طلب تأشيرة.

لم تتأخر الردود المغاربية، إذ أجرى الرئيس التونسي قيس سعيّد اتصالا هاتفيا مع نظيره الفرنسي ماكرون، أعرب خلاله عن "أسفه" لإعلان باريس تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للتونسيين، وفق ما أفادت الرئاسة التونسية.

ونشر موقع "أورونيوز" الأوروبي، في الثاني من أكتوبر 2021، نقلا عن بيان للرئاسة التونسية، تعبير سعيد "عن أسفه لقرار التخفيض في عدد التأشيرات الممنوحة للتونسيين الراغبين في التوجه إلى فرنسا".

ونقل البيان التونسي، عن الرئيس الفرنسي قوله خلال الاتصال إن "هذا الإجراء قابل للمراجعة".

ورأى سعيد أنه "لا يمكن معالجة مسألة الهجرة غير النظامية إلا بناء على تصور جديد"، مشددا على أنه "سيتم الانكباب على البحث عن حل لهذه الظاهرة بعد تشكيل الحكومة التونسية الجديدة".

من جهتها، استدعت الجزائر في 29 سبتمبر 2021 السفير الفرنسي لديها، وفق ما أعلنت وزارة الخارجية في بيان رأت فيه أن "هذا القرار جاء بدون تشاور مسبق مع الجانب الجزائري".

وتضمن بيان الخارجية الجزائرية، أن السفير، فرانسوا غوييت، "تبلغ احتجاجا رسميا من الحكومة على خلفية قرار أحادي الجانب من باريس يمس بنوعية وسلاسة تنقل الرعايا الجزائريين باتجاه فرنسا".

المغرب بدوره لم يبق مكتوف اليدين، فبحسب وكالة المغرب العربي للأنباء، "أكد وزير الخارجية ناصر بوريطة، 28 سبتمبر 2021 أن قرار فرنسا تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب غير مبرر ولا يعكس حقيقة التعاون القنصلي في مجال مكافحة الهجرة غير القانونية".

 وتابع بوريطة، "أخذنا علما بهذا القرار ونراه غير مبرر لمجموعة من الأسباب، أولها أن المغرب كان دائما يتعامل مع قضية الهجرة بمنطق المسؤولية والتوازن اللازم بين تسهيل تنقل الأشخاص (طلبة ورجال أعمال وغيرهم..) وما بين مكافحة الهجرة السرية والتعامل الصارم مع الأشخاص في وضعية غير قانونية".

وفي وقت تؤكد فيه السلطات الفرنسية نهاية أزمة التأشيرات مع دول المغرب العربي الثلاثة، يقول خالد منى، إنه من المتسرع الترويج لهذا الكلام على أنه حقيقة، لسبب بسيط هو أن فرنسا اليوم محكومة بسياسات يمينية معادية للمواطنين من أصول شمال إفريقية.

وقدم خالد منى، في تصريح لـ"الاستقلال": "قاعدتين لشرح أزمة التأشيرات، الأولى أن القرار جاء لاسترضاء اليمين المتطرف، والثانية تجاوز القرار للقانون الدولي المتمثل في معاقبة الدول (التي تتخذ مثل هذا الإجراء)".

وأوضح أن "أزمة التأشيرات كانت لها آثار ممتدة، ولا يمكن القول إنها انتهت بمجرد تصريح الحكومة الفرنسية بذلك".

وقسم الباحث "الانعكاسات إلى ثلاثة مستويات، الأول يتعلق بالجانب السياسي، فقضية التأشيرات تعامل معها المغرب مثلا، وكأنها شأن خاص فرنسي، لم يتدخل فيها ولم يتفاعل معها، ترك فرنسا كما لو أنها في مباراة دون خصم".

المستوى الثاني، بحسب خالد، "هو الجانب الاقتصادي، ففرنسا بسلوكها أصابت بشكل كبير مصالح المقاولات والشركات الفرنسية الصغرى والمتوسطة، التي وجدت نفسها ضحية للقرار الفرنسي الذي ضيق عليها".

وأردف: "لعل قرار فرنسا تعيين سفير جديد في المغرب مثلا، قادم من عالم الاقتصاد، دليل على محاولتها تعويض خسائرها الاقتصادية من قرار التأشيرة".

ويمضي خالد قائلا، "أما المستوى الثالث فهو الجانب الثقافي، إذ إن قرار التأشيرة الفرنسية وجه للطبقة الوسطى وللنخب في المنطقة المغاربية، فكنا نسمع بمنع الأطباء، والمهندسين، والسياسيين، والفنانين وغيرهم".

وهذا معناه أن فرنسا فقدت حليفا قويا داخل المجتمعات المغربية، يستحيل عليها تعويضه في الأفق المنظور، وفق تقديره.