فاطمة نصيف.. عالمة سعودية عاشت مربية للمسلمات ورحلت تاركة كثيرا من الخيرات

12

طباعة

مشاركة

بعد 50 عاما من الدعوة إلى الله وخدمة القرآن الكريم والعمل الخيري، توفيت فاطمة بنت عمر نصيف في مدينة جدة السعودية عن عمر 79 عاما صبيحة 31 يناير/ كانون الثاني 2023.

ونعت جمعية "خيركم لتحفيظ القرآن" بجدة، الراحلة في تغريدة عبر حسابها بموقع "تويتر"، مؤكدة أن الدكتورة فاطمة أمضت 50 عاما في خدمة القرآن.

وقالت إنها حفظت القرآن الكريم في سن صغير، وأسست العشرات من دور تحفيظ القرآن في جدة، وترأست القسم النسائي بجمعية "خيركم لتحفظ القرآن" لأكثر من 25 عاما.

وكانت الدكتورة فاطمة، من أبرز الشخصيات النسائية الدعوية بالسعودية، وكان يصفها كثيرون بـ"درة الداعيات في العالم الإسلامي"، بفضل تركيزها على الدعوة إلى الوسطية في الدين.

وامتازت الدكتورة فاطمة بخطاب دعوي تفردت به عن قريناتها، واستطاعت عبره أن تستقطب فئات عمرية متفاوتة.

النشأة والتكوين

ولدت فاطمة بنت عمر نصيف في مدينة جدة عام 1944، لأسرة لها باع طويل في الدعوة إلى الله.

فقد أسهمت والدتها صديقة في تلقيها العلوم الشرعية، كونها تلقت تعليمها على يد والدها الداعية "شرف الدين نرول" المؤسس لأول مطبعة للكتب الإسلامية في مدينة بومباي بالهند، قبل أن تنتقل والدتها إلى أرض الحرمين بعد زواجها من عمر نصيف.

ثم بدأت والدتها دروسها الدينية في تعليم القرآن الكريم للنساء وإلقاء محاضرات لتفقههن في شؤون دينهن.

أما جدها محمد نصيف فقد كان رجل علم ودين، ومن رواد الأعمال الاقتصادية والاجتماعية في بلاد الحجاز.

وحصلت الدكتورة فاطمة على إجازة جامعية في التاريخ من جامعة الملك سعود وكانت في تلك الفترة متزوجة ولديها عدة أبناء.

ثم حينما تحول فرع جامعة الملك عبد العزيز بمكة إلى "جامعة أم القرى"، انتسبت إلى قسم الدراسات الإسلامية وحصلت على شهادة البكالوريوس في التخصص ذاته.

كما حصلت على دكتوراة في الكتاب والسنّة من كلية الشريعة عام 1982 من جامعة أم القرى.

ثم عملت مشرفة عامة في قسم الطالبات في جامعة الملك عبد العزيز بجدة بين أعوام 1975 - 1983.

وعينت محاضرة في قسم الدراسات الإسلامية عام 1980، كما عينت رئيسة قسم الدراسات الإسلامية من 1981-1984.

وجرى ترقية الدكتورة فاطمة إلى درجة أستاذ مساعد عام 1982، ثم جرى ترقيتها إلى درجة أستاذ مشارك عام 1998.

وعملت الدكتورة فاطمة في اللجنة العلمية الاستشارية بمجلة الإعجاز الصادرة من الهيئة العالمية لإعجاز القرآن والسنة برابطة العالم الإسلامي.

ولها خبرة أكاديمية في مجال التدريس في الجامعة لمدة 19 عاما، وخلالها ناقشت العديد من الرسائل والبحوث العلمية للطلاب بين أعوام 1975 - 1983.

صاحبة إنجازات

وللداعية فاطمة كثير من الإنجازات ومنها إنشاء قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز في جدة، كما دفعت عجلة الدراسات العليا ابتداء من كلية العلوم، فضلا عن إنشاء كلية الاقتصاد المنزلي.

ويحسب لها تمكنها من الوصول بقسم الطالبات إلى الاستقلال المالي والوظيفي في السعودية، كما أسهمت في إعداد وإنجازات الخطة الخمسية للتنمية لجامعة الملك عبد العزيز في جدة.

كما شاركت في تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وقامت بتأسيس الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم (خيركم لتحفيظ القرآن).

وشاركت الدكتورة فاطمة في العديد من الدورات التدريبية والتأهيلية، بما يتعلق بمكافحة المخدرات في الجامعة، وخدمة المجتمع عن طريق الجمعيات الخيرية.

كما قامت بإعطاء دورات في حقوق الأبناء وحقوق الآباء، ودورات في الإعجاز العلمي، وغيرها من الأنشطة الثقافية.

وهي أول سعودية تنال جائزة رائدة العمل السنوي والثقافي والخيري في السعودية عام 2007، من المنتدى الأدبي الذي أسسه الأديب عبد المقصود خوجة عام 1982.

كما أنها أول سعودية تنال جائزة الشباب العالمية لخدمة العمل الإسلامي عام 2010، وحصلت كذلك على جائزة الشخصية المميزة في العمل التطوعي من كلية دار الحكمة بجدة عام 2007.

كما نالت جائزة الدعوة والتعليم والشباب "العطاء" في مجال العمل الدعوي عام 2009.

ونالت جائزة الشباب العالمية لخدمة العمل الإسلامي لعام 2010، وتسلمت جائزتها في البحرين في حفل رعاه ملك البحرين.

كما شغلت منصب رئيسة لجنة المرأة في هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بالسعودية، ولعبت دورا في المشاركة في المؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية حول المرأة أو قضايا الأسرة أو الإعجاز العلمي.

وتتمتع الداعية فاطمة بعضوية العديد من اللجان والهيئات الدولية والاستشارية داخل المملكة وخارجها.

إسهامات علمية

وتعد الدكتورة فاطمة التي قضت معظم حياتها في خدمة القرآن من أبرز القيادات العلمية والتعليمية والإدارية والاجتماعية وفي طليعة الشخصيات التطوعية النسائية في المملكة منذ ثمانينيات القرن العشرين.

وجرى انتخابها ضمن ثلاثين عالما من مختلف الدول الإسلامية، فكانت إحدى ثلاث نساء حصلن على عضوية مجلس أمناء اتحاد علماء المسلمين عام 2011.

وشاركت في ستة عشر مؤتمرا على المستوى المحلي، والإقليمي، والدولي الخاصة بالمرأة أو قضايا الأسرة أو الإعجاز العلمي.

وللدكتورة عدد من الأبحاث والكتب المطبوعة باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية والأردية والبنغالية والروسية.

وحملت رسالة الماجستير التي قدمتها عام 1979 عنوان "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثرهما في إصلاح المجتمعات".

أما رسالة الدكتوراه التي حصلت عليها عام 1982 فكانت بعنوان "حقوق المرأة وواجباتها في الكتاب والسنّة".

ومن كتبها: الكفاءة في النكاح الصادر عام 1993، وكتاب خلق المسلم على ضوء الكتاب والسنة 1994، وكتاب الإيدز في المنظور الإسلامي 1994.

وكذلك كتاب الإفرازات الطبيعية عند المرأة بين الطهارة والنجاسة 1994، وكتاب الأسرة المسلمة في زمن العولمة 2006.

وكانت الدكتورة فاطمة إحدى أعضاء لجنة التأسيس لمدارس الدوحة للبنات بمكة التي جمعت بين منهج وزارة التعليم ومنهج تحفيظ القرآن الكريم منذ مرحلة رياض الأطفال حتى الثانوية العامة.

وكانت اللحظة الفارقة في حياة الدكتورة فاطمة حينما حظيت بالدور المفصلي الذي أسهمت به والداتها في تعليم الفتيات في السعودية.

حيث شهدت فاطمة افتتاح والداتها صديقة أول مدرسة للبنات عام 1954 أي قبل أن يصبح تعليم المرأة نظاميا في السعودية.

وكانت فاطمة أول طالبة فيها، قبل أن تنجح أمها في إقناع الأهالي بإرسال بناتهم إلى المدرسة النصفية، واجتهدت في تصحيح المفاهيم المغلوطة عن تعليم البنات.

وعقب ذلك تسلمت فاطمة لواء الدعوة وتعليم العقيدة ونشر العلوم الدينية والدنيوية، عن الأم الداعية، فكانت الدكتورة فاطمة نموذجا للمجتمع الدعوي النسائي في السعودية.

وعن هذا التجربة الفريدة قالت الدكتورة فاطمة خلال تكريمها في فاعلية الشيخ الأديب عبد المقصود خوجة في جدة في 9 إبريل/نيسان عام 2007: "كنت أنا أول طالبة في المدرسة التي افتتحتها والدتي، كنا كبش الفداء وكان علينا عبء كبير في الدراسة".

وأضافت: "اضطررنا في بعض الأحيان لنسخ بعض الكتب أو الحصول على الكتب من مدارس أخرى لكون المدرسة غير معترف فيها حينها، وكنا ندرس منهج وزارة المعارف ومنهج وزارة التعليم".

قالوا عنها

وعقب رحيلها، كتب ناشطون أن الدكتورة فاطمة دفنت كما تمنت في مقبرة البقيع شرق المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، التي دفن بها أكثر من عشرة آلاف صحابي.

وقالت هياء الشعيل: رحلت الداعية، والمربية الفاضلة، حافظة القرآن وخادمته، الغالية على قلوبنا الدكتورة فاطمة نصيف بعد أن قضت 50 سنة في الدعوة إلى الله وخدمة كتابه وكانت متمسكة بمبادئها ولم تتنازل عنها بحجة الانفتاح.

ونعى رئيس جامعة طرابلس في لبنان، رأفت محمد رشيد الميقاتي، الدكتورة فاطمة، بالقول: "اليوم رحلت درة الداعيات في العالم الإسلامي، لقد كانت من أعيان الحجاز وهي حفيدة مفتيها سماحة الشيخ محمد نصيف رحمه الله".

وأضاف في بيان: "الداعية نصيف كانت منارة إسلامية عالمية وشخصية جامعية ومجتمعية نادرة، ودرة النساء العاملات لخدمة الإسلام العظيم ونصرته في أنحاء المعمورة، وسابقة بالخيرات بإذن الله.

ولفت إلى أنه "لا يزال مؤلفها النفيس (حقوق المرأة وواجباتها في ضوء الكتاب والسنة) يطوف العالم منذ عقود ويترجم إلى لغات كثيرة وتنهل من معينه الأجيال المتنورة بأنوار الوحي الإلهي في زمن الفتن الكبرى والغفلة العظمى".

أما الشاعر السعودي عبد الرحمن العشماوي فكتب عنها أبياتا من الشعر يرثيها فيها:

أفاطمةَ العلمِ إنْ ترحلي -  فرحلةَ ذي الخُلُقِ الأجمَلِ

ورحلةَ من بذلتْ عمرها - لأعمالِ خيرٍ ولم تبخلِ

ورحلةَ داعيةٍ نفسُها - تتوق إلى العمل الأفضلِ

ولسنا نزكّيكِ لكنها - شهادتُنا للعطاءِ الجَلي

رحلتِ إلى اللهِ وهو الذي/ يجود بإحسانه الأكملِ.