بعد 8 سنوات رئيسا.. هل فشل بخاري في إخراج نيجيريا من دائرة الفقر؟
ادعت صحيفة إيطالية أن حصيلة حكم الرئيس النيجيري محمد بخاري طيلة السنوات الثمانية الماضية كانت "غير مرضية"، خصوصا على الصعيدين الأمني والاقتصادي.
وبقي بخاري في الحكم ولايتين، وهو العدد الأقصى الذي يسمح به الدستور النيجيري، وبالتالي سيترك منصبه لرئيس جديد في غضون نحو شهر.
وقالت صحيفة "إيل بوست"، إن النيجيريين مدعوون للتصويت لاختيار رئيس جديد وتجديد أعضاء البرلمان في 25 من فبراير/شباط 2023، آملين في قائد جديد يحسن الأوضاع في أكبر دولة بإفريقيا من حيث عدد السكان.
مشاكل هيكلية
وشرحت الصحيفة الإيطالية أنه على الرغم من الوعود التي قطعها بخاري خلال حملته الانتخابية والتطلعات حوله، إلا أنه فشل في حل المشاكل الهيكلية الرئيسة لنيجيريا، خاصة الاقتصادية والاجتماعية.
ونيجيريا من أكبر وأهم دول إفريقيا، وسادس أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، فيما تبلغ مساحتها حوالي ثلاثة أضعاف مساحة إيطاليا وتضم 36 ولاية، مقسمة إلى أكثر من 700 إدارة محلية، كما أنها أكبر منتج للنفط في القارة.
وغالبا ما وُصفت بأنها "قوة عظمى ناشئة"، لكنها أيضا دولة مضطربة إلى حد ما، وتعاني من الكثير من المشاكل، مثل انتشار الفقر الذي يشمل حوالي نصف إجمالي السكان.
كما تشكو أيضا من مشاكل خطيرة وعميقة الجذور تتعلق بعدم الاستقرار السياسي، ويرجع ذلك أساسا إلى النزاعات الداخلية والهجمات المتكررة من قبل الجماعات المسلحة على غرار "بوكو حرام".
كما أن البلاد تعاني أيضا من مشاكل بيئية كبيرة، إذ تذكر الصحيفة أن الفيضانات تسببت على سبيل المثال في عام 2022 في وفاة أكثر من 600 شخص.
وانتخب بخاري لأول مرة رئيسا للبلاد في عام 2015 وأعيد اختياره لولاية ثانية في عام 2019.
وكان قد قاد بخاري البلاد من قبل في عام 1983 بتنفيذه انقلابا عسكريا وتولى السلطة إلى عام 1985 قبل أن يطيح به انقلاب آخر ليتم سجنه لمدة ثلاث سنوات.
وبعد ذلك، ترشح باستمرار في كل الانتخابات الرئاسية التي جرت في البلاد منذ عام 2003، منتقلا من حزب إلى آخر إلى أن فاز في عام 2015 مرشحا لحزب مؤتمر كل التقدميين الذي لا يزال ينتمي إليه حتى اليوم.
واستفاد في كل من عامي 2015 و2019، من ماضيه كعسكري ورئيس سابق للدولة لتقديم نفسه كقائد لصنع القرار قادر على تغيير مصير البلاد قاطعا وعودا بجعل نيجيريا دولة أكثر ثراء وأمانا.
وبعد أن مرت ثماني سنوات على انتخابه للمرة الأولى، نقلت الصحيفة عن محللين مختلفين رأيهم الذي تؤكده بعض المعطيات، بأنه لا يمكن الجزم بنجاحه في إدارة البلاد.
تراجع عام
ومن هذه المعطيات، تذكر أنه من عام 2015 إلى عام 2020، انخفض متوسط الدخل السنوي للفرد في نيجيريا، وزاد على نطاق واسع انتشار الفقر الذي يعد إحدى المشكلات الرئيسة في البلاد.
وفي الفترة بين 2014 و2019، سجلت نسبة الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر انخفاضا طفيفا، من 43 إلى 37 بالمئة، قبل أن تعود إلى 40 بالمئة وترتفع مرة أخرى أثناء الوباء.
عموما، وفقا للبيانات التي نشرها البنك الدولي في مارس/ آذار 2022، سجل الاقتصاد النيجيري نموا معينا في الخمسة عشر عاما الأولى من هذا القرن قبل أن يعود إلى الانكماش على غرار البلدان الإفريقية الأخرى.
وخلال فترتي ولاية بخاري، كان النمو الاقتصادي النيجيري أبطأ بشكل ملحوظ من نمو البلدان الإفريقية الأخرى.
أما بالنسبة للنزاعات والعنف المنتشر في البلاد، فلم تسر الأمور على ما يرام خصوصا مع زيادة عدد وشدة الصراعات العرقية والسياسية والاجتماعية والهجمات التي تسببت في وفيات خلال سنوات ولاية بخاري.
كما تشير البيانات التي استشهدت بها مجلة "الإيكونوميست"، إلى أن الهجمات المسلحة من مختلف الأنواع شملت في عام 2022 ما لا يقل عن 550 من 774 إدارة حكم محلية.
وتم اختطاف ما لا يقل عن ثلاثة آلاف شخص، أي ما يقرب من 30 ضعفا لعدد المختطفين في 2016 وقُتل نحو 10 آلاف.
في المقابل، قالت الصحيفة إن بخاري حقق بعض النجاحات، مثل استكمال الإصلاح الذي طال انتظاره بشأن منح شفافية أكبر للنظام الانتخابي.
وكذلك تنفيذ بعض مشاريع البنية التحتية الكبيرة كالطرق والسكك الحديدية وشبكات الكهرباء التي كانت قيد الأشغال منذ عقود.
وبحسب إيل بوست، لا يمكن بالتأكيد أن يُعزى استمرار المشاكل الهيكلية العديدة لنيجيريا إلى أدائه وحده، مشيرة إلى أنه من الناحية الاقتصادية، يُرجع ضعف نمو الاقتصاد النيجيري أيضا إلى افتقاره إلى التنويع ما جعله عرضة لتقلبات السوق.
وتشرح بأن نيجيريا تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط، التي انهار سعرها في السنوات الأولى من ولاية بخاري.
يضاف إلى ذلك تفشي الجائحة وتداعياتها على الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، وكذلك ارتفاع معدلات التضخم الناجمة عن الحرب في أوكرانيا.
خيارات خاطئة
وتعود لتحميله مسؤولية تردي الأوضاع بقولها إن الانطباع الذي يتقاسمه العديد من المحللين أن بخاري كان لديه بعض المسؤوليات الكبيرة، وأن استمرار الفقر والصراعات كان أيضا نتيجة لخياراته السياسية المعينة أو في بعض الحالات لعدم فعالية حكمه.
كما أشارت إلى أن بخاري أمضى حوالي 200 يوم في عام 2021 في المملكة المتحدة لأسباب طبية.
واتهم مثل القادة الأفارقة الآخرين بعدم القيام بأي مجهود لتحسين الظروف السيئة للمستشفيات النيجيرية وبأن تصرفه يشجع من يمتلك الإمكانيات على العلاج بالخارج.
كما نظم العاملون بالقطاع الصحي خلال ولاية بخاري إضرابات احتجاجا على تقاعس الحكومة الفيدرالية في معالجة الظروف السيئة للعديد من المستشفيات.
وأردفت الصحيفة أن الرئيس الحالي كان عرضة لانتقادات حول بعض خياراته الاقتصادية التي عُدّت ضعيفة البصيرة وضارة.
وتذكر على سبيل المثال، عندما ضرب الانهيار في أسعار النفط الاقتصاد النيجيري، اعتقد بعض الاقتصاديين أن أفضل خيار يكمن في ترك العملة تضعف، ما يجعل الصادرات أرخص للمشترين الأجانب وبالتالي تغطية الخسائر الناجمة عن ذلك جزئيا على الأقل.
وبدلا من ذلك، استجاب بخاري لانهيار الأسعار بسياسات حمائية وقديمة نوعا ما فارضا حظرا على بعض الواردات لتحفيز الاقتصاد المحلي.
دون مراعاة حقيقة أن الصناعة لم تتطور بشكل كافٍ في العديد من القطاعات وكانت النتيجة زيادة في الأسعار وبالتالي تضخم عام وإغلاق بعض المصانع.
من جهته، قال تشيتا نوانزي، المحلل النيجيري في مؤسسة الاستشارات "إس بي إم إنتيلجنس"، إن بخاري سياسيا يعطي الأولوية غالبا لترقية الأشخاص المقربين منه والموالين له بغض النظر عن قدراتهم.
في الأثناء، ستشهد انتخابات في فبراير تنافس مرشحي الحزبين النيجيريين الرئيسين وهما أتيكو أبو بكر من حزب الشعب الديمقراطي من يمين الوسط، وبولا تينوبو من حزب المؤتمر التقدمي، حزب بخاري من الوسط.
وينطلق تينوبو بأكثر حظوظ للفوز على الرغم من وجود مرشح ثالث يجذب الكثير من الاهتمام في نيجيريا وخارجها وهو بيتر أوبي، من حزب العمال، يسار الوسط، ولا سيما مع تصدره للعديد من استطلاعات الرأي.