عبر الجزائر وموريتانيا.. هكذا يتمدد النفوذ الإيراني في المنطقة المغاربية

عالي عبداتي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تحاول إيران وضع قدم لها بالمنطقة المغاربية منذ سنوات، وتسارع الخطى لأجل توطيد علاقاتها خاصة مع الجزائر وموريتانيا، في ظل قطع المغرب علاقاته مع الجمهورية الإسلامية.

وكانت الرسالة الموجهة من الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى نظيريه الجزائري والموريتاني آخر هذه المحاولات.

وذكرت الوكالة الموريتانية للأنباء في 6 يناير/كانون ثاني 2023، أن رئيس الجمهورية، محمد ولد الشيخ الغزواني، تسلم بالقصر الرئاسي في نواكشوط، رسالة خطية من رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية إبراهيم رئيسي.

وذكر المصدر ذاته، أن الرسالة سلمها محمد مهدي إسماعيلي، وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، المبعوث الخاص لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وقال الأخير إن الرئيس الإيراني دعا نظيره الموريتاني إلى زيارة بلده، مشددا على أن "إيران تسعى لتطوير علاقاتها مع موريتانيا في كافة المجالات".

بدوره، نقل موقع "الجزائر تايمز" الإخباري، في 8 يناير 2023، أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وجهت دعوة للرئيس عبدالمجيد تبون، من أجل زيارة دولة إلى إيران.

وأبلغ وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، نظيره الجزائري رمطان لعمامرة، في اتصال هاتفي، في 7 يناير 2023، بدعوة رئيسي للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لزيارة طهران.

ونقل المصدر ذاته، أن "وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، ناقش مع رمطان لعمامرة، أهم القضايا الثنائية التي تهم البلدين، فضلا عن التطورات في المنطقة والعالم الإسلامي"،

وأعلن اللهيان عن "استعداد بلاده لعقد لجنة اقتصادية مشتركة في المستقبل القريب"، واصفا "العلاقات بين البلدين بأنها جيدة ومتنامية".

من جانبه، دعا الوزير لعمامرة نظيره الإيراني إلى زيارة الجزائر، مؤكدا "الاستعداد لإجراء مشاورات سياسية وكذا عقد اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين في القريب العاجل".

تحركات مشبوهة

تأتي هذه التحركات الإيرانية مع البلدين الجارين للمغرب، وسط علاقات مقطوعة بين طهران والرباط.

إذ قرر المغرب في الأول من مايو/أيار 2018 قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، وطلب من سفيرها مغادرة الرباط، واستدعاء سفيره من طهران، في خطوة كانت كلمة السر فيها هي الصحراء الغربية.

وأعلن وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة حينها أن الجمهورية الإيرانية تقدم دعما "ماليا ولوجيستيا" لجبهة "البوليساريو" عن طريق "حزب الله" اللبناني الذي يوفر أيضا تدريبات عسكرية لها.

في المقابل، اعتبرت الخارجية الإيرانية حينها أن "المغرب يصدر مزاعم ليس لها أساس من الصحة، بل إنها اجترار للاتهامات ضد إيران من قبل الذين يرغبون في بث الشقاق والفرقة في العالم الإسلامي".

في قراءته لهذه الدعوات الإيرانية، قال الخبير في الشأن الإفريقي والعلاقات الدولية أحمد نورالدين، إن التحرك الإيراني يمكن قراءته من زاويتين.

وأضاف نورالدين في تصريح لـ "الاستقلال"، أن "الزاوية الأولى مرتبطة بالظرفية الدولية الحالية، والتي يحاول فيها نظام ولاية الفقيه فك الحصار السياسي والاقتصادي المفروض عليه من طرف النظام الدولي".

وينظر المجتمع الدولي إلى إيران على أنها "دولة مصدرة للإرهاب وتسهم في نشر عدم الاستقرار في العالم عامة وفي جوارها المباشر عن طريق ميليشياتها في العراق واليمن وسوريا وغيرها"، وفق نورالدين.

وتابع أنه "في هذا المستوى تحاول إيران فتح ثغرة في جدار الحصار الدولي ولو من خلال دول ضعيفة اقتصادية كموريتانيا أو تعاني من انهيار سياسي كالجزائر".

وأما الزاوية الثانية، فهي أيديولوجية، ذلك أن النظام الإيراني يحاول نشر مشروع التشيع في المنطقة المغاربية، وفق المتحدث.

وبين أن هذا المسعى "يشمل أيضا الدول الإسلامية والإفريقية، مع تركيز ملحوظ على إفريقيا في العموم، لأنها كانت خاصة وصافية من حيث المذهب السني، إذ إنه عبر التاريخ لم يجد المشروع الشيعي فيها موضع قدم".

وذكر نورالدين، أن التحرك الإيراني اليوم ليس الأول من نوعه، فطهران تمكنت من اختراق موريتانيا، عبر مراكزها الثقافية والمنظمات التي تتستر خلف المساعدة الاجتماعية، وأيضا عبر التجار ولا سيما من لبنان.

فضلا عن بعض الآليات الأخرى كتقديم المنح للطلبة، واختراق بعض الأحزاب التي كانت تدور في فلك (رئيس النظام العراقي السابق) صدام حسين سابقا، والتي ترى في إيران دولة تقاوم التوغل الأميركي في المنطقة.

وأيضا "هناك حزب صغير جدا في موريتانيا (لم يذكره) حصل على تمويل كبير خلال الحملة الانتخابية، مما أثار الاستغراب وملاحظة الجميع، واليوم، هناك الآلاف في البلاد يجاهرون بتشيعهم، وهذا يقودنا إلى قضية سخاء إيران في شراء الذمم والأحزاب الصغيرة".

وأردف أنه "في الجزائر الأمر نفسه، إذ تشتغل إيران بالأدوات نفسها مع بعض الاختلاف".

وأشار إلى أن النشاط الإيراني اتسع في الجزائر في فترة التسعينيات الماضية وما بعدها، كما نبه إلى أن لإيران تحرك قوي لنشر التشيع بين الجاليات المغاربية في أوروبا.

في الاتجاه نفسه، أكد رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني عبدالرحيم المنار السليمي، أن وصول المبعوث الإيراني إلى موريتانيا في هذا التوقيت يطرح علامات تعجب كبيرة.

وأوضح السليمي في تحليل مصور نشره على قناته في يوتيوب، 7 يناير 2023، أن سبب الاستغراب يكمن في أن وضع إيران الداخلي في توتر، كما فقدت مجموعة من الأوراق في المنطقة، وباتت تتوقع ضربات خارجية.

وقال المتحدث ذاته إن إيران تريد تحقيق بعض الأمور في المنطقة، على رأسها نشر التشيع، وأيضا استعمال جبهة البوليساريو لتنفيذ أعمال عدوانية ضد المغرب، مشددا على أنها تريد خلق نواة لحزب الله فوق الأراضي الجزائرية، على أن تشمل تحركاتها كل من موريتانيا وتونس.

وذكر السليمي أن المدير التنفيذي للاستخبارات الإيرانية، إسماعيل الخطيب، عقد لقاءين مع جبار مهنا، المدير العام للوثائق والأمن الخارجي (المخابرات الخارجية)، أولهما في طاجكستان في سبتمبر/أيلول 2022 بالسفارة الإيرانية، والثاني في لبنان خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بحضور أعضاء من حزب الله.

وانطلاقا من ذلك، أوضح أن إيران تسعى بهذه التحركات إلى اختراق موريتانيا لعزل المغرب، وفق تقديره.

وبعد أن قال الأستاذ الجامعي إن إيران توظف الجزائر والبوليساريو، لأنه من صالحها أن يقع الاضطراب في المنطقة، بغية تشتيت الأنظار، أي نقل الصراع إلى الشمال الإفريقي، أكد أن هذه التحركات تستدعي من الجانب الموريتاني الانتباه لما يقع.

ويدور الخلاف هنا على إقليم الصحراء الذي تقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا عليه في تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

تهديد أمني

في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2022، وجه عضو لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي أنتونيو لوبيز إستوريز وايت، سؤالا كتابيا إلى الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، استهله بالإشارة إلى تصريح عضو بجبهة "البوليساريو" بأن إيران ستزود الجبهة بطائرات بدون طيار من طراز “كاميكازي” لاستخدامها ضد المغرب.

وقالت الصحيفة الإلكترونية المغربية "هسبريس"، 6 يناير 2023، إن القيادي في جبهة "البوليساريو" عمر منصور، كان قد وجه تهديدا مباشرا إلى المغرب خلال زيارة أجراها إلى موريتانيا مطلع أكتوبر 2022، إذ توعد بأنهم سيستخدمون طائرات مسيرة ضد المملكة.

وحذر أنتونيو لوبيز إستوريز وايت من استخدام المعدات العسكرية الإيرانية في الصحراء الغربية، مشددا على أن ذلك "يمثل خطرا شديدا على الأمن والاستقرار الهشين في المنطقة ومنطقة الساحل".

كما شدد على أن توغل إيران في المنطقة "يشكل خطرا واضحا على اتفاق الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار (بين المغرب وجبهة البوليساريو) عام 1991، ويهدد عملية السلام وعمل بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، والجهود الدبلوماسية للمبعوث الشخصي للأمم المتحدة لإحضار الأطراف إلى مفاوضات جديدة".

وتساءل أنتونيو لوبيز إستوريز عن الإجراءات التي سيتخذها الاتحاد الأوروبي لمنع استخدام الطائرات المسيرة التي تزود بها طهران جبهة "البوليساريو"، ومنع التصعيد في المنطقة، والحد من تسلل إيران إلى منطقة الصحراء والساحل.

وسبق للمغرب، وفق ما ذكر "العربي الجديد"، 28 أكتوبر 2022، أن هدد باتخاذ "رد قوي ومناسب" في حال استعمال جبهة "البوليساريو" الطائرات المسيّرة الإيرانية لتهديد سلامة وأمن أراضيه، متهما طهران بـ"زعزعة استقرار" المنطقة.

جاء ذلك على لسان السفير الدائم للمغرب في الأمم المتحدة عمر هلال، خلال مؤتمر صحفي عقده 27 أكتوبر، بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء "مينورسو" عاما إضافيا، حتى 31 أكتوبر 2023.

وحذر هلال، خلال رده على سؤال صحفي، من استخدام جبهة "البوليساريو" طائرات مسيّرة إيرانية لتهديد أمن وسلامة المغرب، مؤكدا أن بلاده "ستتصرف بقوة وستكون هناك عواقب وخيمة".

ولم يقدم هلال تفاصيل أخرى عن طبيعة الرد المغربي في حال استعمال الطائرات المسيّرة الإيرانية، إلا أنه أكد أن "الأمر سيترك للقوات المسلحة الملكية لتحديد كيفية الردّ"، واصفا تزويد "البوليساريو" بتلك الطائرات بـ" الخطير جدا".

إلى ذلك، اتهم الدبلوماسي المغربي إيران بتسليح "البوليساريو" بأسلحة متطورة بينها طائرات مسيّرة، لافتا إلى أن طهران و"حزب الله" اللبناني انتقلا الآن من التدريب إلى تسليح الجبهة الانفصالية، و"هو أمر خطير جدا، إذ يعملان الآن على زعزعة استقرار منطقتنا بعد اليمن وسوريا والعراق".

وفي سياق اتهامه لإيران، عرض هلال صورا لطائرات مسيّرة قال إن طهران سلمتها لجبهة "البوليساريو"، لافتا إلى أن سعرها يتراوح بين 20 و22 ألف دولار، وأن شراء طائرة واحدة كفيل بإطعام 300 شخص في السنة في مخيمات تندوف وتقديم العلاج لـ 500 شخص وتعليم 120 طفلا.

وكان المغرب، قد اقترح خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في العاصمة الجزائر، إدراج نقطة حول التدخل الإيراني بمنطقة شمال إفريقيا، في جدول أعمال القمة العربية، التي عقدت في الأول والثاني من نوفمبر 2022.

ووفق ما نشر الموقع الإخباري "مدار 21"، في 30 أكتوبر 2022، قال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في تصريح مقتضب للصحفيين عقب نهاية الاجتماعات، إنها "سمحت بالتوصل إلى نتائج توافقية بعد مشاورات ثرية ومعمقة".

وذكر الموقع أن لعمامرة رفض مقترح المغرب بإدانة تسليح إيران لجبهة "البوليساريو" بالدرونات الحربية.

وكانت اللجنة الوزارية العربية الرباعية المكلفة بمتابعة تطورات الأزمة مع إيران وسبل التصدي لتدخلاتها في الشؤون الداخلية العربية، قد أكدت في بيان صدر بتاريخ 9 مارس/آذار 2022، على تضامنها مع المملكة المغربية في مواجهة تدخلات النظام الإيراني وحليفه "حزب الله" اللبناني في شؤونها الداخلية.

وأضاف البيان: "خاصة ما يتعلق بتسليح وتدريب عناصر انفصالية تهدد وحدة المغرب الترابية وأمنه واستقراره"، مؤكدا أن "هذه الممارسات الخطيرة والمرفوضة تأتي استمرارا لنهج النظام الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار الإقليمي".

أكد الخبير في العلاقات الدولية والشأن الإفريقي أحمد نورالدين لـ "الاستقلال" أن أي تقارب للجزائر أو موريتانيا أو أي دولة مغاربية أخرى من إيران، هو مكلف جدا لهذه البلدان، وليس من مصلحتها في شيء.

وأضاف أنه "من الناحية السياسية ليس من مصلحة النظامين الجزائري والموريتاني التقرب من هذا النظام المنبوذ دوليا، لا سيما من الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموما الذي يعتبره مصدرا لعدم الاستقرار".

وشدد على أن أي تقارب، لا سيما في الأمور السياسية والأمنية والإستراتيجية، قد يجعل هذه الأنظمة في حقل رماية الولايات المتحدة.

فبخصوص الجزائر، يردف المتحدث ذاته، ليس لها أي عائد من التقارب من إيران، لأنهما يشتركان في البنية الاقتصادية نفسها، أي تصدير النفط والغاز.

ويبقى العائد الوحيد للنظام الجزائري هو محاولة دفع إيران لإعادة الاعتراف بجبهة البوليساريو، لكن، يستدرك نورالدين، أن هذه المحاولات ستكون بمثابة لعب بالنار.

وبالنسبة لموريتانيا، يسترسل الخبير في العلاقات الدولية، "فقد نفهم تقربها من إيران طمعا في دعم مالي أو وعود اقتصادية أو استثمار، لكن تبين أنه كانت هناك وعود إيرانية في 2014 من طهران، لكن لم يتحقق منها أي شيء".

وعليه، يقول نورالدين، إن العائد الموريتاني صغير وضعيف مقارنة مع ما ستخسره إن عمقت علاقاتها بإيران، بالنظر إلى ما تتميز به موريتانيا حاليا من وحدة المذهب والتدين، وهي الخسارة نفسها التي قد تتعرض لها الجزائر إن فعلت الأمر نفسه.