سلطان الجابر.. ممول انقلابات ورئيس شركة محروقات يترأس "كوب 28" بالإمارات
غير آبهة بالتحفظات الحقوقية، أعلنت الإمارات في 12 يناير/ كانون الثاني 2023، تعيين وزير الصناعة والتكنولوجيا، الرئيس التنفيذي لشركة النفط الحكومية العملاقة (أدنوك) سلطان الجابر، رئيسا لمؤتمر مناخ 2023 "كوب 28".
وتستضيف الإمارات مؤتمر المناخ هذا العام ما بين 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/ كانون الأول 2023.
ومؤتمر المناخ من الأحداث السنوية البارزة التي تعد ركنا أساسيا من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، وهي معاهدة دولية وقعتها معظم دول العالم عام 1994، للحد من تأثير النشاط البشري السيئ على المناخ.
وفي 11 نوفمبر 2021، فازت الإمارات باستضافة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر المناخ، المعروفة بـ "كوب 28".
قال حينها رئيس الوزراء الإماراتي حاكم دبي، محمد بن راشد، عبر تويتر، إن بلاده فازت باستضافة مؤتمر "كوب 28" في 2023، وشدد أنه "اختيار مستحق لدولتنا".
مراقبون اعتبروا أن كلمة "مستحق" التي أطلقها ابن راشد، غير دقيقة، لمجموعة من الأسباب، على رأسها تمتع الإمارات بسجل مروع وحافل في انتهاك حقوق الإنسان والبيئة داخل البلاد وخارجها.
وجاء تعيين سلطان الجابر المقرب من رئيس الدولة محمد بن زايد، والمثقل بتاريخ حافل من التورط في أزمات وصراعات دولية، معضدا لجدل استضافة الإمارات لقمة المناخ، ومبرهنا أن الأمر لا يعدو كونه مجرد تلميع وغسيل سمعة لحكام الدولة الخليجية.
سلطان الجابر
ولد سلطان أحمد الجابر في 31 أغسطس/آب 1973 في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وهناك تلقى تعليمه الأولي حتى المرحلة الثانوية.
ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية، وفي عام 1997، حصل على بكالوريوس العلوم في الهندسة الكيميائية والبترول من جامعة كاليفورنيا الجنوبية.
ومن نفس الجامعة في 2001، حصل على درجة الماجستير في إدارة الإعمال، بعدها انتقل إلى بريطانيا ليحصل على الدكتوراة في الاقتصاد والإدارة من جامعة كوفنتري عام 2007.
في تلك الفترة كان الجابر من طليعة جيل جديد سيحكم البلاد في ظل محمد بن زايد الذي أصبح خلال سنوات أقوى رجل فيها بلا منازع، ومن ثم رئيسا للدولة.
سلطان الجابر دخل إلى دائرة النخبة المقربة من ابن زايد ومع وصول الأخير إلى الرئاسة، كان يصعد الجابر في المناصب والمسؤوليات الموكلة إليه.
وفي عام 2006، أسهم سلطان في تأسيس شركة "مصدر"، المتخصصة في الطاقة المتجددة، وجرى تعيينه في منصب الرئيس التنفيذي للشركة.
وفي عام 2009، ترأس الوفد المشارك في العرض الذي تقدمت به الإمارات لاستضافة مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) في أبوظبي.
ثم رشحته الإمارات عام 2011 ليشغل منصب عضو المجموعة الرفيعة المستوى للطاقة المستدامة التي أسسها في ذلك الوقت الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ليرتقي الجابر أكثر على الصعيد الدولي.
ممول الانقلابات
عندما اشتعل الربيع العربي وطرأت التحولات الجذرية في بنية حكم كثير من أنظمة الدول العربية سواء في تونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن، كانت الإمارات هي عاصمة الثورة المضادة، وسعت إلى إفشال تلك الحراكات.
هنا برز دور محمد بن زايد الإقليمي، الذي انخرط بأمواله وأدواته في النزاعات وحاول فرض سياسة بعينها من ترسيخ الحكم العسكري، وسحق أي تيار إسلامي أو ديمقراطي منتخب.
وفي 12 مارس/آذار 2013، اعتمد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات آنذاك التشكيل الوزاري الذي جرى بموجبه تعيين سلطان الجابر في منصب وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء.
وقتها كان الجابر من أهم أدوات الإمارات في إدارة النزاعات والتورط في المؤامرات الإقليمية، أهمها الانقلاب العسكري في مصر 3 يوليو/تموز 2013 بقيادة وزير الدفاع حينها ورئيس النظام الحالي عبد الفتاح السيسي.
أظهرت عدة وثائق كيفية تخطيط أبوظبي وحكامها منهم "سلطان الجابر" مع الجنرالات للانقلاب، ومن أهمها تلك المعروفة باسم "تسريبات مكتب السيسي" عام 2015.
وكان من بينها تسريبات بصوت رئيس المخابرات المصري اللواء عباس كامل والذي كان وقت التسجيلات يشغل منصب مدير مكتب وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي.
سلطان مصر
وتضمنت المكالمات الهاتفية، اتصالا خطيرا بين عباس كامل، ووزير الدولة الإماراتي آنذاك سلطان الجابر، وفيه طلب الأول من الثاني تسييل وديعة إماراتية في البنك المركزي المصري، لتتمكن القوات المسلحة المصرية من الاستفادة منها.
تلتها مكالمة ثانية بين كامل ووزير الدفاع وقتها صدقي صبحي، يتضح منها فتح الإمارات حسابا بنكيا لصالح حركة "تمرد" بقيمة 5 ملايين دولار، والتي مثلت غطاء شعبيا للإطاحة بحكم الرئيس محمد مرسي من قبل الجيش.
كما كشفت أيضا عن حساب آخر فتحته الإمارات بأمر من الجابر لصالح المخابرات المصرية لتمويل أعمالها السرية.
وكان الجابر فعليا في تلك المرحلة بمثابة مندوب سامي إماراتي في مصر، وأشرف على جميع أوجه الإنفاق العام، والخطط السياسية والاقتصادية.
كما أشرف على مراجعة مسار المساعدات المالية التي قدمتها بلاده للنظام المصري، خلال السنوات الأولى من الانقلاب العسكري.
وفي 22 ديسمبر/كانون الأول 2017 ، قال الكاتب الصحفي المصري المعارض جمال سلطان، إن الإمارات باتت تهيمن على وسائل الإعلام المصرية، وهو ما حدث في صفقة الاستحواذ على مجموعة (إعلام المصريين)، المالكة لعدد من الصحف والقنوات والمواقع الإلكترونية.
وأضاف: "إن الصفقات والتمويلات الإماراتية، جاءت للسيطرة على الأذرع الإعلامية في مصر، وشراء ولائها".
ثم أورد أن الهيمنة الإماراتية على الإعلام الخاص لم تكن مرضية لجزء مهم من الأجهزة المصرية، منها المخابرات العامة رغم أن الهدف واحد.
واستطرد: "بعض الممارسات الفجة كان فيها فرض وصاية غير لائقة ومستفزة، خاصة من قبل وزير الدولة الإماراتي سلطان الجابر الذي كان يوصف في أبوظبي بأنه (سلطان مصر) لهيمنته على قطاعات واسعة من الإعلام ومشروعات أخرى".
اعتراضات حقوقية
بعد سنوات من وجوده في منظومة إدارة ملفات الإمارات الإقليمية سياسيا، انتقل الجابر للعب دور جديد.
إذ جرى تعيينه وزيرا للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة بموجب هيكلة وزارية أعلن عنها في 5 يوليو 2020.
وظل أيضا محتفظا بمنصبه الذي تولاه منذ 15 فبراير/شباط 2016 كمدير عام لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك).
وأخيرا جاء تعيينه كقائد لمؤتمر قمة المناخ "كوب 28" الذي سيعقد في دبي، وتسعى من خلاله الإمارات لتحسين سمعتها الحقوقية وفي مجال الطاقة النظيفة كما فعلت مصر في قمة "كوب 27" التي عقدت في شرم الشيخ خلال نوفمبر 2022.
لكن تعيين سلطان الجابر في هذا الحدث لم يمر مرور الكرام، إذ نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 12 يناير/ كانون الثاني 2023، عن ناشطين قولهم إن وجود سلطان الجابر على رأس هذا الحدث مثير للقلق، وأنه يجب أن يتنحى عن دوره في مجال النفط أولا، لأن هناك تضاربا واضحا في المصالح.
وذكرت تسنيم إيسوب من مؤسسة "كلايمت أكشن إنترناشونال" الحقوقية، أنه "من الضروري أن يطمئن العالم بأن الجابر سيتنحى عن منصبه فورا باعتباره رئيسا تنفيذيا لشركة بترول أبوظبي الوطنية المهددة للبيئة".
وعقبت: "لا يستطيع أن يرأس مؤتمرا لمعالجة أزمة المناخ، في ظل تضارب مماثل في المصالح، إذ أنه على رأس صناعة مسؤولة عن الأزمة نفسها".
كما غرد ديفيد تونغ المسؤول في منظمة "أويل تشينغ إنترناشونال" التي تناضل للتخلص من الوقود الأحفوري، عبر حسابه بـ "تويتر" قائلا: "إنه أمر مقلق للغاية أن نرى تعيين رئيس تنفيذي لشركة نفط لإدارة مفاوضات المناخ.. هذا يمكن أن يقوض مصداقية مؤتمر الأطراف".
ويذكر أن هذه هي المرة الأولى منذ انطلاق مؤتمر المناخ في برلين عام 1995 والذي قادته وزيرة البيئة الألمانية (آنذاك) أنغيلا ميركل، يجري فيه تعيين مدير شركة بترول لقيادة مفاوضات المناخ.