بعد نهاية فترة تفشي كورونا.. لماذا تستمر أزمة التجارة العالمية؟
أكدت صحيفة إيطالية أن أزمة التجارة العالمية لم تنته بعد على الرغم من أن النقل الدولي عاد إلى طبيعته، مؤكدة بأنه "لا يزال هناك نقص في السلع والمواد الخام".
وذكرت صحيفة "إيل بوست" أن أزمة سلسلة التوريد تقلصت إلى حد كبير بين نهاية عام 2022 وبداية عام 2023، بعد أن تسببت في مشاكل كبيرة في جميع أنحاء نظام التجارة العالمي وكذلك تسببها في نقص كبير بالعديد من السلع والمواد الخام.
كما تراجعت التأخيرات الكبيرة التي حدثت منذ النصف الثاني من عام 2021 في الشحنات البحرية جزئيا.
وتحسنت كذلك إمدادات السلع الاستهلاكية والمواد الخام ومواد البناء والمنتجات الإلكترونية الآن، مقارنة بما كانت عليه بين عامي 2021 و2022.
لم تنته
وصفت الصحيفة هذه الأخبار بالجيدة خاصة بالنظر إلى ارتفاع معدلات التضخم، الذي كانت أزمة التجارة أحد العوامل المتسببة فيها، مشددة في الآن نفسه على ضرورة أن يوضع في الحسبان أن الأزمة لم تنته تماما.
وتشير إلى أنه في العديد من القطاعات لا يزال هناك نقص في المواد الخام، كما يحدث في هذه الأسابيع في إيطاليا نتيجة فقدان الأدوية التي لا تستلزم وصفة طبية.
علاوة على ذلك، قد تتعقد الأمور مرة أخرى في الأشهر المقبلة، بسبب الموجة الخطيرة من جائحة كورونا التي تضرب الصين في الأسابيع الأخيرة.
وكانت منظمة التجارة العالمية قد أفادت في توقعات نشرتها في أكتوبر/تشرين الأول 2022 بأن نمو التجارة فقد زخمه في النصف الثاني من العام ذاته وسيبقى ضعيفا في عام 2023، إذ تستمر الصدمات المتعددة على الاقتصاد العالمي، مثل الآثار المتتالية للحرب في أوكرانيا.
وحذرت المنظمة من فرض قيود تجارية من شأنها أن تؤدي في النهاية إلى تباطؤ النمو وانخفاض مستويات المعيشة.
وتوقعت أن يتباطأ حجم تجارة السلع العالمية بنسبة تصل إلى 1 بالمئة خلال العام 2023، بانخفاض حاد عن 3.4 بالمئة المقدرة سابقا.
كما توقعت منظمة التجارة العالمية حدوث ضعف في الطلب على الواردات مع تباطؤ النمو في الاقتصادات الرئيسة لأسباب مختلفة.
أشارت إيل بوست إلى أن أزمة سلسلة التوريد العالمية، أي نظام النقل والإمدادات المعقد والمترابط الذي تقوم عليه التجارة والاقتصاد في العالم، كانت قد بدأت في النصف الثاني من عام 2021.
وذكرت بأنها نتجت عن عوامل مختلفة، في مقدمتها الأزمة التي تسبب فيها وباء كورونا، وكذلك انخفاض الإنتاج الصناعي، إلى جانب نقص العمالة.
فضلا عن بعض الخيارات السيئة الملحوظة من قبل شركات الشحن، والتي قللت من انتعاش التجارة في فترة ما بعد الوباء.
وأوضحت الصحيفة أن النتيجة كانت فرض حصار على الموانئ، وزيادة استثنائية في تكاليف الشحنات البحرية، إلى جانب تباطؤ كبير في شراء المواد الخام والعديد من السلع.
وتضيف أن ارتفاع التكاليف وندرة السلع، في مواجهة طلب كبير للغاية، أديا إلى ازدياد الأسعار.
وبذلك أصبحت الأزمة في التجارة العالمية أحد العوامل الرئيسة في ارتفاع التضخم خلال العام ونصف العام الماضيين.
مؤشرات ومشكلات
ولفتت إلى أنه في الفترة الحالية، سُجّل تراجع في معظم هذه الظواهر ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى حقيقة أن المشغلين المختلفين لسلسة التوريد العالمية حاولوا على مدار الأشهر الماضية حل المشكلات التي اعترضتهم في العام 2022 وكذلك التأقلم معها.
كما أرجعت الصحيفة الفضل في ذلك جزئيا إلى رفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية الغربية ما أسهم في انخفاض الطلب.
وأشارت إلى أن معظم التحسن حدث في الجانب اللوجستي والنقل لا سيما أن العديد من الموانئ التي كانت مزدحمة لعدة أشهر في أوائل العام 2022، خاصة في الولايات المتحدة والصين، تعمل الآن بشكل طبيعي.
وأكدت أن شحن البضائع الذي واجه حتى بضعة أشهر صعوبات هائلة، عاد إلى مستويات من الكفاءة مماثلة للفترة التي سبقت الأزمة.
ونوهت الصحيفة إلى أن من المؤشرات الجيدة على احتمال انتهاء أزمة النقل يكمن في تكلفة الشحن، مشيرة إلى أنه في سبتمبر/أيلول 2021، كلف شحن حاوية من الصين إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة 20600 دولار.
في المقابل، يكلف اليوم 1400 دولار أي بأقل بنسبة 93 في المائة، وهو رقم معادل إلى حد ما لمعدلات ما قبل الأزمة.
وأردفت الصحيفة أن هذا التحسن جرى تسجيله لأن بعض المشكلات (مثل نقص الحاويات) قد حلت ولأن الطلب انخفض.
وتشرح بأنه بمجرد انتهاء عمليات الإغلاق الشامل، غادر الناس منازلهم لأوقات طويلة وبدأوا في إنفاق أموالهم لا في الحصول على السلع الاستهلاكية ولكن في الخدمات، مثل الحانات والمطاعم ودور السينما والصالات الرياضية وما إلى ذلك.
في الولايات المتحدة، انخفض الطلب على السلع بنسبة 4.1 في المائة مقارنة في مارس/آذار 2021، وفي حالة تراجع الطلب، يجرى نقل كميات أقل من السلع، تؤكد الصحيفة.
وتذكر بأنه في موانئ لوس أنجلوس ولونج بيتش (في الولايات المتحدة) اللذين كانا من بين الموانئ الأكثر ازدحامًا، انخفض الطلب بنسبة 26 في المائة.
في المقابل، وصفت الصحيفة الإيطالية الوضع بأنه أكثر تعقيدا فيما يتعلق بنقص السلع والمواد الخام، وترى أنها من المشاكل التي يصعب حلها.
وتشرح بأنه "في العديد من المجالات، مثل القطاعات الكيميائية والصيدلانية والسيارات، لا تزال هناك عوائق وتباطؤ، بسبب حاجة الشركات إلى إجراء إصلاحات معقدة وطويلة الأمد بشأن الإنتاج ونظام التوريد".
واستدركت بالقول "في هذا القطاع أيضا تتحسن الأمور تدريجيا، إذ في ألمانيا، على سبيل المثال، بلغت نسبة الشركات التي اشتكت في ديسمبر (كانون الأول) 2022 من نقص في المواد الخام 50.7 بالمائة بعد أن كانت النسبة 59.3 في المائة، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) السابق".