علي رضا أكبري.. نائب وزير دفاع سابق أعدمه النظام الإيراني لإغضاب الغرب

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

"اتهموه بالتجسس للغرب، واتهمهم بكسر إرادته وتعذيبه ودفعه للجنون لفعل ما يريدون"، ذلك هو نائب وزير الدفاع الإيراني، علي رضا أكبري، الذي أعدمه النظام شنقا في 14 يناير/ كانون الثاني 2023.

ويعد أكبري أرفع شخصية عسكرية إيرانية يعدمها النظام في ظل صراعه الدائر مع الغرب خلال القرن الـ21، وذلك للمناصب الحساسة التي شغلها بعد الثورة على حكم الشاه عام 1979، وإقامة نظام الولي الفقيه بقيادة رجل الدين الراحل روح الله الخميني.

"جاسوس بريطاني"

وأعلنت السلطة القضائية الإيرانية، في 14 يناير 2023، تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحق "أكبري" (62 عاما)، المعاون السابق لوزير الدفاع، على خلفية إدانته بـ"التجسس" لصالح بريطانيا التي يحمل جنسيتها.

وأوردت وكالة "ميزان" التابعة للقضاء الإيراني، في بيان، أن أكبري، الذي يحمل الجنسيتين الإيرانية والبريطانية، أعدم بتهمتي "الفساد في الأرض"، و"تنفيذ أعمال تضر بالأمن الداخلي والخارجي للبلاد".

وأفاد البيان بأن "المسؤول الكبير السابق قام بالتجسس لمصلحة وكالة المخابرات البريطانية (MI6) مقابل مبالغ بالعملات الصعبة".

وكانت عائلة أكبري الذي اعتقل عام 2019 قد طلب منها في 11 يناير 2023 زيارته "للمرة الأخيرة" في سجنه، وقالت زوجته إن أكبري نقل بعدها إلى الحبس الانفرادي.

وأعلنت وزارة الاستخبارات الإيرانية، عبر بيان في 11 يناير 2003، أن المحكمة العليا أكدت الحكم بالإعدام على أكبري المدان بـ"التجسس لصالح بريطانيا".

وذكرت أن "أكبري كان أهم عملاء لجهاز التجسس في المخابرات البريطانية الذين جمعوا معلومات مهمة عن الدولة الإيرانية، حيث كان لديه إمكانية الوصول إلى بعض الأجهزة الحساسة في البلاد".

وأواخر ديسمبر/ كانون الأول 2022، أعلن الحرس الثوري الإيراني اعتقال شبكة تجسس لصالح بريطانيا، في محافظة كرمان، وسط البلاد، تعمل على "توسيع رقعة أعمال الشغب في البلاد".

وقال مقر ثار الله التابع للحرس الثوري في كرمان، في بيان إن شبكة التجسس تسمى "زاغرس" وتعمل بأمر من عناصر الاستخبارات البريطانية في المحافظة التي تقع وسط البلاد.

مسؤول كبير

علي رضا أكبري المولود في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، شغل مناصب عدة في هيكلية الدفاع والأمن في إيران، منها معاون وزير الدفاع للعلاقات الخارجية، ومستشار لقائد القوات البحرية ورئاسة قسم في مركز بحوث وزارة الدفاع، إضافة إلى عمله "في الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي".

وفي فبراير/ شباط 2019، أجرت صحيفة "إيران" الحكومية مقابلة مع أكبري، وقدمته على أنه "نائب سابق لوزير الدفاع في حكومة محمد خاتمي"، الإصلاحي الذي تولى رئاسة الجمهورية بين العامين 1997 و2005.

ولم يظهر أكبري، الذي كان يدير مؤسسة فكرية خاصة، علنا منذ عام 2019، عندما تم اعتقاله على ما يبدو.

كما أنه كان مقربا من المسؤول الأمني الكبير، علي شمخاني، مما دفع المحللين للإشارة إلى أن حكم الإعدام الصادر بحقه كان مرتبطا بصراع محتمل على السلطة داخل جهاز الأمن، بالتزامن مع الاحتجاجات.

وقاد أكبري في السابق تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار عام 1988 بين إيران والعراق في أعقاب حربهما المدمرة، التي استمرت 8 سنوات، وعمل عن كثب مع مراقبي الأمم المتحدة.

وقبل إعدامه بيومين، وتحديدا في 12 يناير 2023، بثت وكالة "إرنا" الإيرانية، مقطعا مصورا "يعترف فيه أنه لعب دورا في اغتيال العالم النووي الإيراني، محسن فخري زاده".

وقتل فخري زاده بالرصاص في منطقة دماوند شرق طهران في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وألقت إيران باللوم على إسرائيل في الاغتيال وهددت بالانتقام، فيما لم تؤكد إسرائيل ولم تنف مسؤوليتها عن العملية.

وامتد الفيديو لما يزيد عن 9 دقائق كاملة، تضمن صورا له بمفرده أو مع أشخاص ومسؤولين آخرين تم إخفاء وجوههم، متحدثا عن تواصله مع البريطانيين، ومعترفا بضلوعه في اغتيال فخري زاده.

وعام 2008 اعتقلت وزارة الأمن الايرانية أكبري، ثم أفراج عنه بصورة مشروطة، وذهب إلى لندن بخطة من الاستخبارات البريطانية التي كانت تخشى فضح "جاسوسها الكبير" في إيران، حسبما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية عما أسمته "اعترافات أكبري في سلسلة فيديوهات".

وحسب المقطع المنشور، قال أكبري: "عندما كنت في بريطانيا نصحوني بعدم العودة إلى طهران، وأكدوا لي أن ملفات اتهام كهذه لن تغلق إلى الأبد، وأنهم لا يستطيعون فعل شيء لو تم احتجازي من جديد في إيران".

وتابع: "قالوا لي أن أتظاهر بالإصابة بجلطة ليتم نقلي للمستشفى، وأبقى فيها لأسبوعين.. ومجرد الإصابة بجلطة دماغية ستمنعني من السفر والعودة إلى إيران، وتكون أفضل حجة للبقاء في بريطانيا وجلب العائلة أيضا لنقنعهم بعد مجيئهم بالبقاء في بريطانيا".

وعن تجنيده للعمل لصالح بريطانيا، قال أكبري في مقطع آخر: "تم التعرف علي خلال مؤتمر دبلوماسي وبدأت الاستخبارات البريطانية الارتباط معي من خلال سفير لندن وضابط استخبارات MI6".

وأوضح أن "سفراء بعض الدول كانوا حاضرين.. أتى السفير البريطاني ومعه شخص آخر وأعطاني بطاقة تحمل أرقامهم.. تمت دعوتي للسفارة بعد ذلك.. اتصلوا بي من رقم مجهول، وعرفوا أنفسهم بأنهم من طرف السفير وتمت دعوتي للقائه".

وأضاف: "بعد مدة قالوا إنهم يقدمون لي تأشيرة دخول إلى بريطانيا، وأكدوا أنه ليس علي أن أتوجه إليهم لتسليم الوثائق بل سيستلمونها مني.. ومن ثم أعلنوا أنهم من الاستخبارات البريطانية.. قدموا لي حاسوبا محمولا وقالوا إنهم صمموا صفحة خاصة بي وعندما أفتحها سيعلمون أني أحاول الارتباط بهم".

اعترافات بالإكراه

لكن أكبري، نفى الاعترافات التي ظهرت في مقاطع الفيديو التي بثتها وسائل الإعلام الإيرانية، وذلك خلال رسالة صوتية أرسلها إلى موقع "بي بي سي" فارسي ونشرت فحواها في 14 يناير 2023.

وقال أكبري إنه كان يعيش في الخارج قبل بضع سنوات عندما تمت دعوته لزيارة طهران، بناء على طلب دبلوماسي إيراني كبير كان مشاركا في محادثات نووية مع القوى العالمية.

وأضاف أنه "بمجرد وصوله إلى هناك، اتهم بالحصول على معلومات استخبارية سرية للغاية من أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني، مقابل زجاجة عطر وقميص".

وشدد أكبري خلال التسريب الصوتي على أنه "تم استجوابه وتعذيبه" من قبل عملاء المخابرات "لأكثر من 3500 ساعة"، مؤكدا أنه جرى "استخدام الأساليب النفسية والبدنية، كسروا إرادتي ودفعوني إلى الجنون وأجبروني على فعل ما يريدون".

وأضاف المسؤول الإيراني السابق "بقوة السلاح والتهديد بالقتل جعلوني أعترف بادعاءات كاذبة وفاسدة"، كما اتهم إيران بالسعي "للانتقام من بريطانيا بإعدامي".

وبعد ساعات من بث الرسالة الصوتية، أكدت وكالة "ميزان" الإيرانية للأنباء لأول مرة أن أكبري قد أدين بالتجسس، وأن المحكمة العليا رفضت طعنه على الحكم.

وتدهورت العلاقات بين إيران وبريطانيا في الأشهر الأخيرة، منذ أن فرضت لندن عقوبات على "شرطة الأخلاق" الإيرانية وشخصيات أمنية أخرى بارزة، ردا على حملة القمع العنيفة التي شنتها طهران على المتظاهرين المناهضين للحكومة، والتي انطلقت في 16 سبتمبر/ أيلول 2022.

واعتقلت طهران العشرات من الإيرانيين مزدوجي الجنسية أو أصحاب الإقامة الأجنبية الدائمة في السنوات الأخيرة، معظمهم بتهم تتعلق بالتجسس والأمن القومي.

وأولت صحيفة "الأندبندنت" البريطانية اهتماما واسعا لإعدام السلطات الإيرانية، لأكبري، إذ جاءت افتتاحيتها في 15 يناير 2023 بعنوان "إعدام علي رضا أكبري مؤشر على ضعف النظام الإيراني".

وقالت الصحيفة إن "إعدام أكبري، نائب وزير الدفاع السابق، يهدف إلى تعزيز دعاية النظام بأن الاحتجاجات التي هزت إيران تؤججها القوات الأجنبية".

وأفادت بأن "إعدامه يمثل علامة على ضعف النظام وليس قوته، وترى أن النظام لا يريد للشعب أن يصدق أن لديهم القوة لتأكيد حقوقه والحصول عليها، خاصة أن النساء الإيرانيات لديهن القوة للمطالبة بأن يعاملن على قدم المساواة مع الرجال".

وأشارت الصحيفة إلى أن "التعاطف مع عائلة أكبري ليس بالرد الكافي على النظام الإيراني، لكن المعضلة تتمثل في كيفية الرد على الجرائم التي ترتكبها الحكومات التي لا ترى نفسها ملزمة بالمعايير العالمية".

"إعدام مسيس"

وأثار إعدام طهران المواطن الإيراني البريطاني أكبري، إدانات دولية.

واستنكر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، إعدام مواطنه أكبري، واصفا ذلك بأنه "عمل جبان على يد نظام همجي لا يحترم حقوق الإنسان لشعبه".

وغرد سوناك في 14 يناير 2023، قائلا: "لقد صدمني إعدام المواطن البريطاني الإيراني علي رضا أكبري.. تعاطفي مع أصدقائه وعائلته".

وفرضت لندن، في اليوم نفسه، عقوبات على المدعي العام الإيراني محمد منتظري، على خلفية إعدام أكبري.

كذلك، أدان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إعدام أكبري، واصفا ذلك بالعمل "الشنيع والوحشي".

وقال ماكرون، عبر تويتر، إن "إعدام أكبري عمل شنيع ووحشي، تمت إضافة اسمه إلى القائمة الطويلة لضحايا القمع وعقوبة الإعدام في إيران".

وأعرب الرئيس الفرنسي عن تضامنه مع المملكة المتحدة والشعب الإيراني.

بدوره، قال وزير الخارجية الهولندي فوبكه هوكسترا، في تغريدة، إن بلاده تدين بشدة إعدام طهران “الشنيع” للمواطن الإيراني البريطاني أكبري.

وأضاف: "هولندا ستثير هذه التطورات على المستوى الأوروبي، وسيواصل العمل مع نظرائه الأوروبيين لفرض مزيد من الإجراءات ضد أولئك المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران".

من جانبها، وصفت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، إعدام أكبري بأنه "عمل غير إنساني آخر" من النظام الإيراني.

وأضافت في تغريدة: "نقف مع أصدقائنا البريطانيين، وسنواصل تنسيق عملنا بشكل وثيق ضد النظام (في طهران)، ودعمنا للشعب الإيراني".

وفي السياق ذاته، أدان وزير الخارجية الإيطالية إعدام إيران أكبري، معربا عن تضامن بلاده مع عائلته والمملكة المتحدة.

وقال في تغريدة: "الحكومة الإيطالية تدين بشدة الإعدام المروع لعلي رضا أكبري، ندعو إيران لوقف دوامة العنف الهمجية هذه ضد المحتجين السلميين والشرعيين".

وعلى الصعيد ذاته، أكد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، وقوف بلاده "بحزم" مع المملكة المتحدة في إدانة إعدام أكبري.

وقال بلينكن، عبر تويتر: "نحزن مع أحبائه وسنواصل محاسبة إيران عن محاكماتها الصورية وعمليات الإعدام المسيسة".