زيارة ماكرون المرتقبة إلى المغرب.. هل تنهي الأزمة التي لم تعد "صامتة"؟

أحمد الزاهي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في زيارة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع ما عُرف إعلاميا بـ"الأزمة الصامتة" بين الرباط وباريس، يرتقب أن يحل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في المغرب خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023.

وأبدت الرباط وباريس، أخيرا، رغبتهما في "فتح صفحة جديدة"، بعد أشهر من "الأزمة الصامتة" التي عكرت صفو علاقاتهما الثنائية، بسبب توتر التأشيرات والموقف الفرنسي من نزاع الصحراء، الذي لا يرضي المغرب.

وفي 16 ديسمبر/ كانون الأول 2022، أكدت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، على هامش مؤتمر صحفي مع نظيرها المغربي ناصر بوريطة، أن ماكرون سيزور المغرب خلال الثلاثة الأشهر الأولى من 2023.

بدوره، شدد بوريطة أن زيارة كاترين كولونا للمغرب لها أهمية خاصة من منطلق أنها تأتي في إطار التحضير للقاءات على أعلى مستوى بين البلدين.

وعاشت العلاقات بين البلدين جمودا منذ حوالي سنتين كانت أبرز مؤشراته توقف الزيارات الدبلوماسية المتبادلة بينهما منذ شهور.

إذ تعود آخر زيارة لمسؤول فرنسي للمغرب إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ويتعلق الأمر بالوزير المنتدب المكلف بشؤون التجارة الخارجية "فرانك رياستر".

وأنهت زيارة وزيرة خارجية فرنسا إلى الرباط هذا الجمود الدبلوماسي من بعد لقائها نظيرها المغربي ناصر بوريطة في ديسمبر/كانون الأول 2022.

وخلال المؤتمر الصحفي، أعلن عن انتهاء "أزمة التأشيرات" التي ميزت العلاقات بين البلدين لما يزيد عن عام.

وفي سبتمبر/أيلول 2021، أصدرت باريس قرارا يقضي بخفض تأشيرات الدخول الممنوحة للمغاربة إلى النصف، بحجة إحجام المملكة عن إعادة استقبال رعاياها المقيمين في فرنسا بصورة غير قانونية.

وإضافة إلى "حرب التأشيرات" وتوقف تبادل الزيارات الدبلوماسية، زاد ما عُرف إعلاميا بـ"قضية التجسس" من توتر العلاقات بين البلدين.

واتهمت صحف فرنسية، الرباط في يوليو/تموز 2021، باختراق هواتف شخصيات مغربية وأجنبية عبر برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس".

غير أن الحكومة المغربية، نفت في 28 يوليو 2021، هذا الاتهام، وأعلنت في بيان، عن رفع دعوى قضائية ضد كل من صحيفة "لوموند" وموقع "ميديا بارت" و"فرانس راديو" بتهمة التشهير.

فما خلفيات ورهانات زيارة ماكرون للمغرب؟ وهل تنهي الأزمة الصامتة بين البلدين التي دامت حوالي سنتين؟

رهانات متشعبة

الخبير في العلاقات الدولية أحمد نورالدين، قال إن "زيارة الرئيس الفرنسي إلى المغرب تقليد دأب عليه كل رؤساء فرنسا، وماكرون نفسه لن يحل لأول مرة في المملكة".

وأضاف نورالدين، في حديث لـ"الاستقلال"، أن الزيارة أمر عادي لأن العلاقة بين باريس والرباط تتميز عن العلاقات مع باقي الدول الأخرى نظرا لتشعبها أفقيا وعموديا وفي كل المجالات، حتى إنها تجاوزت التعاون المركزي بين الحكومتين لتشمل التعاون بين الجهات والأقاليم.

وعن الرهانات المنتظرة من الزيارة، يرى نورالدين، أنه لا بد من استحضار الحسابات والمصالح المرتبطة بكلا البلدين، بالإضافة إلى الظرفية الدولية والإقليمية وتداعياتها الجيوسياسية.

فإذا نظرنا إلى الأمر من زاوية فرنسية، فإن باريس تشهد تراجعا اقتصاديا وثقافيا وعسكريا في مواقعها التقليدية داخل القارة السمراء.

وأكد نورالدين، أنه "ليس من مصلحة فرنسا أن تفقد شريكا إستراتيجيا كالمغرب نسجت معه علاقات متميزة طيلة السبعة عقود الماضية". 

بل على العكس من ذلك، يبين المتحدث نفسه، "باريس تطمح لزيادة حصتها داخل السوق المغربية من خلال الاستحواذ على الصفقات التجارية الكبرى".

وبين أن عين فرنسا على "استكمال خط القطار فائق السرعة الرابط بين مراكش وأكادير، ومشروع المحطة النووية، ومشروع محطة الغاز المسال بالجرف الأصفر وغيرها من المشاريع التي تُسيل لعاب كبريات الشركات الفرنسية".

وبخصوص زاوية نظر الرباط إلى مسألة الرهانات المنتظرة من زيارة ماكرون، يرى نورالدين، أن للمملكة "نظرتها الخاصة بشأن أمنها الإستراتيجي وسلامة أراضيها". وأكد أن "المغرب لم يعد يقبل التعامل معه كحديقة خلفية ويرفض ازدواجية المعايير".

وشدد الخبير في العلاقات الدولية، على أنه "لم يعد مقبولا لدى المغرب أن إمساك فرنسا العصا من الوسط في أخطر ملف يهدد وحدة وسلامة أراضي المملكة، ألا وهو المشروع الانفصالي في الصحراء الذي ترعاه وتُموله وتحتضنه الجزائر"، وفق قوله. 

وأضاف أن "المغرب عبّر بكل وضوح عن ذلك في خطاب أغسطس/آب 2022 وجعل من الاعتراف بسيادته على الصحراء معيارا ومنظارا لكل الشراكات الاقتصادية المستقبلية".

وكان العاهل المغربي محمد السادس قد شدد، خلال خطاب بمناسبة ثورة الملك والشعب في 20 أغسطس 2022، على أن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر منها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات.

وخلص نورالدين إلى أن "المغرب لا يفرض رأيه على أحد ولا يتدخل في القرارات السيادية للدول، ولكن من حقه أن يتخذ أيضا قراراته السيادية في شراكاته الاقتصادية والإستراتيجية بناء على مصالحه الحيوية".

اللعب على الحبلين

ومن المواضيع التي تثير استياء الرباط "إقليم الصحراء الغربية"، إذ تتردد باريس بشأن هذا الملف مقارنة مع الموقف الأخير لإسبانيا وأيضا للولايات المتحدة الأميركية.

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، اعتراف بلاده بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، وبالتوازي جرى الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين تل أبيب والرباط، بعد توقفها عام 2000 بفعل الانتفاضة الفلسطينية.

أما إسبانيا، فقد وصفت حكومتها، في رسالة بعث بها رئيسها بيدرو سانشيز، إلى محمد السادس، في 18 مارس/آذار 2022، مبادرة الرباط للحكم الذاتي في إقليم الصحراء، بـ "الأكثر جدية" للتسوية في الإقليم المتنازع عليه.

وبالتالي يشكل النزاع حول "إقليم الصحراء الغربية" منذ عقود بين المغرب وجبهة "البوليساريو الانفصالية" المدعومة من الجزائر، ملفا أساسيا في أجندة الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي.

رئيس مركز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية نبيل الأندلوسي، أكد أن "أجندة الرئيس الفرنسي، في هذه الزيارة، سيطغى عليها الجانب الاقتصادي والأمني".

فيما ستكون قضية الوحدة الترابية للمملكة والاعتراف بالسيادة الكاملة للمغرب على صحرائه، أهم النقاط التي تحظى بالأولوية في أجندة الجانب المغربي، وفق رأيه.

ويرى الأندلوسي، في حديث لـ"الاستقلال"، أنه "لحدود اللحظة لا وجود لأي مؤشر بتغير الموقف الفرنسي بشأن قضية الصحراء والاعتراف بالسيادة المغربية على هذه المنطقة المتنازع عليها".

ويرى أن "هذا ما سيفرغ الزيارة من أي رهانات إستراتيجية إذا لم يحسم الجانب الفرنسي في هذا الموضوع"، مبينا أن "فرنسا تحاول اللعب على الحبلين، للحفاظ على مصالحها بالمغرب والجزائر على حد سواء".

وعد أن هذا الموقف أو "اللاموقف"، إن كان مقبولا من طرف الجانبين في مراحل سابقة، فإنه لم يعد كذلك بالنسبة للجانب المغربي، بعد التطورات الأخيرة، وبعد خطاب الملك محمد السادس الأخير.

وأبرز الأندلوسي، أن "فرنسا مرتبطة بمصالح اقتصادية كبرى بالمغرب، وشركاتها تستفيد من عدد من المشاريع الكبرى بالمملكة".

وهو ما يستوجب من قصر الإليزيه إعادة النظر في القضية الوطنية الأولى للمغاربة، ملكا وشعبا، عبر تبني موقف واضح من هذا الصراع المفتعل بشأن مغربية الصحراء، وفق رأيه.

وسجل أن السياق الدولي والإقليمي مساعد ومُدعم لتبني فرنسا لموقف واضح وإيجابي بشأن هذا المشكل المفتعل، بعد الاعترافين الأميركي والإسباني، رغم عدم صدور أي إشارة في هذا الاتجاه إلى حدود اليوم.

جريمة تاريخية

أما الخبير في العلاقات الدولية أحمد نورالدين، فرأى أن "المغرب ينتظر من زيارة الرئيس الفرنسي اعترافا صريحا وواضحا بسيادته على إقليمي وادي الذهب والساقية الحمراء خاصة أن فرنسا إلى جانب إسبانيا تقفان وراء خلق مشكلة الصحراء من أساسها".

وأوضح أن "الدولتين الاستعماريتين هما من قسم في بداية القرن العشرين أراضي الإمبراطورية الشريفة، وهي التسمية الرسمية للمغرب آنذاك، إلى مناطق نفوذ فرنسية وإسبانية".

وتابع أنه "عندما أوشك جيش التحرير المغربي على طرد إسبانيا من الساقية الحمراء ووادي الذهب، تدخل الجيش الفرنسي بطائراته ودباباته انطلاقا من تندوف وبشار، التي كانت تحت الاحتلال آنذاك، لفك الحصار عن الجيش الإسباني في مدينة العيون سنة 1958 في معركة إيكوفيون",

وألحقت فرنسا خسائر فادحة بجيش التحرير المغربي، وأدى تدخلها إلى إطالة عمر الاحتلال الإسباني في الصحراء المغربية إلى غاية 1975، كما قال.

وأفاد بأن "هذا جزء بسيط من المؤامرات التي حاكتها باريس مع مدريد ضد وحدة أراضي المملكة، وإلا فالأرشيف يطفح بالاتفاقات السرية لاقتطاع وتقسيم المغرب".

وبالتالي، يقول نورالدين، إن "أقل ما يمكن أن ننتظره من باريس اليوم هو الاعتراف الصريح بسيادة المغرب بل والاعتذار عن تلك الجريمة التاريخية في حق وحدة أراضي المملكة والتي كلفتنا نصف قرن من النزيف الاقتصادي والبشري والسياسي أسهم في عرقلة قطار التنمية والوحدة".

وعلى الصعيد الاقتصادي، قال نورالدين، إن "من حق المغرب أن تكون له طموحاته الخاصة كما لفرنسا طموحاتها الخاصة، وأن تكون له شروطه في توسيع شراكاته الاقتصادية".

ومن حق المملكة أيضا، يضيف الخبير في العلاقات الدولية، أن "تطالب فرنسا ومن خلالها أوروبا برفع الدعم المباشر لمواجهة ظاهرة الهجرة على الأقل ليصل إلى حجم الدعم المقدم لتركيا وهو ثلاثة مليارات دولار بدل المائتي مليون دولار التي يُدعم بها المغرب حاليا". 

وأوضح أن "توطين أزيد من خمسين ألف مواطن إفريقي كانوا يقصدون أوروبا، وسوى المغرب وضعيتهم، أمر له كلفة مالية عالية على ميزانية البلاد من أجل خلق فرص الشغل لهؤلاء المهاجرين وعائلاتهم وإدماجهم في المنظومة الصحية والتعليمية وتوفير السكن وباقي الخدمات". 

وسجل أن "المغرب لا يمكنه أن يلعب دور الشرطي دون أن تساهم أوروبا في هذا الجهد"، مشددا على ضرورة زيادة حجم الاستثمارات الخارجية المباشرة لفرنسا وأوروبا في المملكة وفي أقاليمها الجنوبية كذلك.

وأشار نور الدين، إلى أنه "من حق المغرب أن يطالب فرنسا بالانخراط بشكل فعال في تمويل وإنجاز أنبوب الغاز الرابط بينه وبين ونيجيريا باتجاه أوروبا".

واستدرك: "ليس حبا في المغرب ولكن لأنه مشروع سيساهم أيضا في تحقيق الأمن الطاقي الأوروبي في مواجهة هيمنة الدب الروسي على سوق الغاز في القارة العجوز".