نهج براغماتي.. كيف تحاول الإمارات بسط نفوذها في الصومال والقرن الإفريقي؟

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

شكلت زيارة وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، إلى أبوظبي، في 3 يناير/كانون الثاني 2023، فصلا جديدا من التقارب المشترك بعد سجل حافل من النزاعات والصراعات على مدار الأعوام الأخيرة. 

وفتحت وزارة الدفاع الإماراتية أبوابها لاستقبال نور المقرب من تركيا، وعقدت معه مجموعة من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية، وأخرى في مجال مكافحة الإرهاب. 

وشهدت العلاقات الإماراتية الصومالية تطورات مع صعود الرئيس الصومالي الحالي، حسن شيخ محمود، إلى سدة الحكم في 15 مايو/أيار 2022، خلفا لمحمد عبد الله فرماجو، صاحب الصدامات المتعددة بالدولة الخليجية. 

واختار الرئيس الجديد آنذاك الإمارات لتكون أول وجهات زياراته الخارجية، حيث استقبله رئيس الدولة محمد بن زايد آل نهيان في قصر الشاطئ.

ولطالما رسمت الإمارات إستراتيجيتها على الوجود في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، من خلال الضغط على الحكومة المركزية في الصومال. 

وبسبب تلك الضغوطات دخلت في أزمات مفصلية مع مقديشو، وصلت إلى حد القطيعة خلال الأعوام الماضية، إلى أن أعاد نظام حسن شيخ محمود الأمور إلى نصابها، مع وجود تساؤلات عن مسارات العلاقة مع أبوظبي، وأن عينها على القرن الإفريقي. 

خلافات كبيرة 

محاولات الإمارات فرض قبضتها على الصومال بدأت في أعقاب الربيع العربي، وتحديدا عام 2013، عندما وقعت وزيرة الخارجية الصومالية آنذاك فوزية يوسف آدم، مع نظيرها الإماراتي عبدالله بن زايد اتفاقية للتعاون السياسي والأمني. 

وبذرائع التعاون وضعت أبوظبي عينها على الصومال، خاصة أنه كان ينزلق سريعا إلى الفوضى والحرب الأهلية والتفكك، على غرار كثير من الدول المحيطة في ليبيا أو اليمن.

وحاولت الإمارات استغلال تلك الحالة لفرض سيطرة مطلقة على البلد الإستراتيجي.

لكن عام 2017 جاء بمعطيات مختلفة، وأتت الرياح بما لا تشتهي السفن، مع تصاعد الأزمة الخليجية وبدء حصار قطر في يونيو/حزيران 2017.

وقتها رفضت مقديشو، مقاطعة الدوحة، وفضلت الموقف المحايد، ما شكل صدمة سياسية لـ"دول حصار" قطر خاصة الإمارات.

وبعدها، حرصت الإمارات على ثني الصومال عن موقفها، عبر ضغوط سياسية على جميع المحاور.

وظهر بوضوح أن أكبر بلدان القرن الإفريقي عصية على الاستحواذ الإماراتي، ومن الصعب السيطرة عليها على نحو يجعلها تابعة بغير إرادة. 

وكان صعود محمد عبدالله فرماجو، لرئاسة الصومال في 16 فبراير/شباط 2017، مؤذنا بصدامات قادمة مع الإمارات.

إذ كان فرماجو مقربا من محور تركيا وقطر، وغير راغب في سيطرة الإمارات على منطقة القرن الإفريقي وموانئها. 

الصدام الأكبر حدث في 10 أبريل/نيسان 2018، حينما اقتحمت قوات صومالية، طائرة إماراتية بمطار مقديشو، واحتجزت جنودا إماراتيين، وصادرت حوالي 10 ملايين دولار، قالت الأجهزة الأمنية في البلاد إنها كانت دولارات أميركية غير مصرح بها، واتهمت أبوظبي بانتهاك القانون الدولي والعبث باستقرار البلاد.

حينها ردت الإمارات أن الأموال جرى نقلها جوا لدفع رواتب الجنود الصوماليين وتقديم مساعدات أخرى، وقللت من حضورها في مقديشو، وسحبت كثيرا من الاستثمارات، وقطعت المساعدات الإنسانية، حتى إنها أغلقت مستشفى الشيخ زايد بالعاصمة الصومالية. 

تهديد السيادة 

بعد خلافها مع الحكومة الصومالية الاتحادية، المقربة من تركيا وقطر، سعت الإمارات بكل أدواتها لتقويض سلطة الحكومة الشرعية وإسقاطها عبر سلسلة من الخطط والإجراءات. 

وأصبح مشروع تقسيم الصومال بدعم الولايات الفيدرالية، وإضعاف الدولة الاتحادية، هو جل اهتمام أبوظبي.

حتى إنها لم تتورع عن إنشاء كيان موازٍ للدولة الصومالية، عندما سلحت المخابرات الإماراتية بعض القبائل وأمدتهم بالمال السياسي، كما اتجهت نحو دعم الانفصاليين في إقليم أرض الصومال الانفصالي الشمالي.

ففي الوقت الذي لم تعترف فيه أي دولة باستقلال إقليم "أرض الصومال"، عملت الإمارات على تعزيز حضورها هناك.

وأعلنت عن تدريب قوات أمن في المنطقة، وعقدت اتفاقا لإنشاء قاعدة عسكرية إماراتية في مطار مدينة بربرة في الإقليم.

وهو ما عارضته السلطة المركزية في الصومال، التي عدت الأمر انتهاكا لسيادتها، وتجاوزا لشرعيتها.

وفي 21 فبراير/ شباط 2021، اتهم وزير الإعلام الصومالي آنذاك عثمان أبو بكر، الإمارات بخرق الأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية ودعم المعارضة وقادة بعض الولايات والتأثير على مواقفهم، وقال: "إن أبو ظبي تريد جعل الصومال مثل ليبيا واليمن وتسعى لإثارة الفوضى".

لم تكن إشارة وزير الإعلام الصومالي وقتها من فراغ، إذ لم تكتفِ الإمارات بالصدام مع الحكومة الصومالية المركزية فقط، بل مولت الانفصاليين بطريقة غير مباشرة.

وهو ما كشفه تقرير فريق الرصد التابع للأمم المتحدة في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، بالقول إن الإمارات لم تنفذ الحظر المفروض على تصدير الفحم، الذي يعد المصدر الرئيس لتمويل حركة الشباب المصنفة إرهابية ودعمتهم بأكثر من 10 ملايين دولار.

ليدخل الصومال في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، خاصة أن الحركة المصنفة على اللائحة الدولية للمنظمات الإرهابية، تضم ما بين 5 إلى 9 آلاف مقاتل، وترتبط بتنظيم القاعدة وتسيطر على مساحات كبيرة في الصومال.

تحولات مفصلية 

وأغفلت الإمارات أن سياستها الصدامية مع مقديشو، أودت بها إلى مزيد من التقارب مع تركيا وقطر غرمائها التاريخيين في المنطقة.

ويرى كثيرون أنه حتى ولو حدثت مصالحة سياسية (بين الإمارات وتلك الدول)، فإن التنافس الجيوسياسي ما زال قائما بقوة، ولا سيما أن الشركات التركية، تنشط بشكل واسع، في مختلف القطاعات الصومالية.

ويعيش حوالى 100 ألف صومالي في تركيا بحسب وكالة الأناضول التركية الرسمية. وتحتضن البلاد الآلاف من الشباب الصومالي في جامعاتها، كما دربت ما لا يقل عن 20 ألفا من عساكرها، وعلمتهم لغتها وزودتهم بالأسلحة والمعدات التركية.

حتى إن وزير الدفاع الصومالي الحالي عبد القادر محمد نور، هو خريج قسم العلاقات الدولية في كلية العلوم السياسية بجامعة أنقرة الحكومية. 

لذلك ارتأت أبوظبي أن تأخذ نهجا أكثر براغماتية وهدوءا مع الصومال، وتتجاوز سنوات الصراع والأزمة إلى مرحلة تسكين وسلام. 

وفي يناير/كانون الثاني 2022، أرسلت شحنات من المساعدات الإنسانية إلى الصومال المنكوب بالجفاف والجوع. 

ليرد رئيس الوزراء الصومالي السابق محمد حسين روبلي، بتقديم اعتذار عن حادثة مصادرة الأموال عام 2018، ويعلن بدء فجر جديد للعلاقات مع الإمارات. 

الرئيس الجديد 

في 15 مايو/أيار 2022 ، انتخب حسن شيخ محمود رئيسا للصومال في انتخابات رئاسية ماراثونية خلفا للرئيس محمد عبد الله فرماجو، صاحب التاريخ الصدامي مع الإمارات.

صعود محمود كان متسقا بشدة مع رغبة الإمارات، التي دعمت ذلك التغير الكبير بقوة، ورحبت به، نظرا لأن الرئيس الجديد أقرب إليها سياسيا وأيديولوجيا. 

جاء ذلك وسط حديث عن دعم أميركي وإسرائيلي لحسن شيخ محمود، الذي عد نجاحه انتصارا سياسيا للإمارات، وبرهن على ذلك بجعلها أول محطة لزياراته الخارجية. 

ومعروف أن شيخ محمود في ولايته الأولى للصومال (من سبتمبر/أيلول 2012 إلى فبراير/شباط 2017) كان قريبا من التطبيع مع إسرائيل.

وتحدثت تقارير إعلامية آنذاك عن زيارة أجراها محمود بها إلى "تل أبيب" سرا، في يوليو/ تموز 2016، والتقى خلالها برئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، لكن التحولات القائمة لن تكون على نسق الماضي، حتى إن التقارب حاليا أكثر حذرا.

وقد نشر "مركز الجزيرة للدراسات" ورقة بحثية في 14 يونيو/ حزيران 2022، بعنوان "مستقبل الصومال بقيادة الرئيس حسن شيخ في ظل تحولات إقليمية"، ذكرت فيها أن رؤية الأخير في سياسته الخارجية، تتركز على تصفير مشاكل الدولة الوليدة مع العالم، وفرض استقرار داخلي أمنيا وسياسيا".

وأضافت: "من حيث الاستقرار الأمني يريد تقويض نفوذ حركة الشباب، وجعل العاصمة، مقديشو، آمنة بسياسة نقل الحرب إلى عرين حركة الشباب في المناطق التي تسيطر عليها، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية".

وأكملت: "أما سياسيا، فيسعى شيخ محمود إلى فرض مصالحة بين الحكومة المركزية في مقديشو والولايات الفيدرالية، بحثا عن استقرار سياسي أكيد".

ليست وحدها 

ويأتي اهتمام الإمارات بالصومال ومنطقة القرن الإفريقي، بغير معزل عن الإدارة الأميركية، ففي 13 فبراير/ شباط 2017، تحدث موقع "تاكتيكال ريبورت" الاستخباراتي الأميركي، تقريره عن اهتمام واشنطن بتلك المنطقة.

وأشار إلى تطلعات محمد بن زايد، في المشاركة جنبا إلى جنب مع القوات البحرية الأميركية في تأمين ساحل اليمن حتى مضيق باب المندب.

وذكر أن ابن زايد وضع خطة لدولته لتوسيع الانتشار العسكري في مضيق هرمز وساحل اليمن وباب المندب وحتى سواحل القرن الإفريقي.

ونقل الموقع عن مصادر مقربة من القيادة العامة للقوات المسلحة الإماراتية أن هناك اتصالا دائما بين ابن زايد ووزارة الدفاع الأميركية لتوسعة وتعزيز دور البحرية الإماراتية في هذه المنطقة. 

وأضاف أن النفوذ الإماراتي المدعوم أميركيا في الصومال يعتمد على إستراتيجية شراء واستئجار وإدارة موانئ ومطارات ذات أهمية عسكرية واقتصادية متنوعة.

وتسعى أميركا إلى السيطرة الكاملة على ذلك المحور، وتستخدم الإمارات، وتفوض الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود لتلك المهمة.

فلم تمر 24 ساعة على إعلان انتخاب شيخ محمود، حتى وافق الرئيس الأميركي جو بايدن على خطة لإعادة نشر عدة مئات من القوات البرية في الصومال، بعدما سحبها سلفه دونالد ترامب عام 2020.

وبعد نحو 18 شهرا من انسحاب نحو 750 عسكريا أميركيا كانوا منتشرين في الصومال سيتمركز "أقل من 500" عسكري أميركي مجددا هناك وفق مسؤول لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية في 16 مايو 2022.

ورحب رئيس الصومال الجديد بإعلان نظيره الأميركي إعادة الوجود العسكري الأميركي إلى الصومال لمحاربة حركة الشباب.