رغم الحروب والخلافات.. لماذا لم يرسم العراق والكويت حدودهما حتى اليوم؟
عادت قضية ترسيم الحدود البحرية بين الكويت والعراق إلى الواجهة من جديد، بعد مطالبة رئيس الحكومة الكويتية أحمد نواف الأحمد الصباح، بإغلاق كل الملفات العالقة بين البلدين.
ودعا الصباح خلال كلمته في مؤتمر النسخة الثانية من مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون الذي استضافه الأردن في 20 ديسمبر/كانون الأول 2022، إلى إغلاق جميع الملفات العالقة مع العراق، خاصة استكمال ترسيم الحدود البحرية بعد العلامة "162".
وعد ذلك "بداية للانتقال بالعلاقات بين البلدين إلى آفاق جديدة تعكس ما يربطنا، وهي رغبة من قيادتي الدولتين". وفتح رئيس الحكومة الكويتية ملف الحدود البحرية التي كانت محطة خلاف مع العراق على مدار السنوات الماضية.
وبالعودة للتاريخ، جاءت أول محاولة لتحديد الحدود بين العراق والكويت ضمن الاتفاق البريطاني- العثماني عام 1913 الذي اتخذ فيما بعد أساسا لترسيمها من خلال تبادل المذكرات بين أمير البلاد أحمد الجابر الصباح والمندوب السامي البريطاني في الدولة الخليجية "الميجور مور" بشأن الحدود عام 1923.
وبعد انتهاء الغزو العراقي للكويت عام 1990، لعبت الأمم المتحدة دور الوسيط الأساسي في العلاقات بين البلدَين، إذ عملت على ترسيم الحدود رسميا بين البلدين، بموجب قرار مجلس الأمن رقم "833" عام 1993، وسميت باتفاقية "خور عبد الله".
وصدق العراق على الاتفاقية في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، التي أدت إلى تقسيم ممر "خور عبد الله" بين البلدين، والواقع في أقصى شمال الخليج العربي بين شبه جزيرة الفاو العراقية وجزيرة بوبيان الكويتية.
وحسب الاتفاقية، جرى تقسيم الممر الملاحي الموجود بنقطة التقاء القناة الملاحية في خور عبد الله بالحدود الدولية، ما بين النقطة البحرية رقم 156 ورقم 157 باتجاه الجنوب إلى النقطة 162 ومن ثم إلى بداية مدخل القناة.
ويعد ممر "خور عبد الله" خطا حدوديا بين الدولتين، وهي التي تقع شمال الخليج العربي بين جزيرتي "بوبيان" و"وربة" الكويتيتين، و"شبه جزيرة الفاو" العراقية.
ويمتد "خور عبد الله "إلى داخل الأراضي العراقية، مشكلا خور الزبير الذي يقع عليه ميناء أم قصر العراقي.
خلافات مستمرة
ولم تنه الأمم المتحدة قضية ترسيم الحدود البحرية بين العراق والكويت من خلال اتفاقية "خور عبد الله"، وتوقفت عند النقطة المعروفة بـ"العلامة 162".
أي النقطة الأخيرة التي عين الكويتيون والعراقيون حدودها في المراسلات البينية التي سبقت مرحلة الغزو العراقي للكويت.
وبين فترة وأخرى تنشب بعض الخلافات بين الكويت والعراق بـ"خور عبد الله، كان آخرها، ما تقدمت الدولة الخليجية مطلع ديسمبر 2022 بمذكرة لوزارة الخارجية العراقية، بشأن تجاوز ثلاث قطع بحرية عراقية بـ"المياه الإقليمية لدولتنا".
وطالبت الكويت في المذكرة، العراق بـ"سحب هذه القطع فورا خارج المياه الإقليمية"، وفق بيان صادر عن وزارة الخارجية الكويتية.
وقبل الخلاف الأخير، شهد عام 2019 غضبة عراقية على خلفية بناء الكويت منصة بحرية في منطقة "فشت العيج" بعد النقطة 162، ما دفع العراق لتقديم شكوى رسمية للأمم المتحدة.
وردت الكويت على الشكوى في خطاب لمجلس الأمن، قائلة إن "بناء منصة بحرية فوق منطقة فشت العيج الواقعة في المياه الإقليمية الكويتية هو حق كويتي".
وبينت أنها بنت هذه المنصة في سبتمبر/أيلول 2018 "بعدما جرت إحاطة الجانب العراقي علما في محضر الاجتماع السادس للجنة المشتركة المعنية بتنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله بتاريخ 26 يناير/كانون الثاني 2017، وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1981".
وأفاد الخطاب الكويتي، بأنه فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية، فإن الكويت طالبت منذ عام 2005 بالبدء في مفاوضات الترسيم بعد النقطة 162، المرسمة بموجب قرار مجلس الأمن 833 / 1993.
وقالت إنها استمرت في دعواتها للجانب العراقي حتى اجتماع الدورة السابعة التي عقدت في الكويت في مايو/أيار 2019 للبدء في هذه المفاوضات لاستكمال ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، لكن الجانب العراقي "لم يتجاوب مع كل تلك الدعوات".
مشكلة فنية
الباحث في الشأن السياسي العراقي، الناصر دريد، يؤكد أن مشكلة ترسيم الحدود البحرية بين الكويت والعراق فنية، لكنها اكتسبت زخما جماهيريا كبيرا أكثر من استحقاقه وأصبحت قضية رأي عام لدى الشعبين الكويتي والعراقي.
ويقول دريد في حديثه لـ"الاستقلال": "نقطة الخلاف بين البلدين عند النقطة 162 وهي آخر علامة رسمها مجلس الأمن الدولي".
ولكن ترسيم الحدود بين البلدين وحل الخلاف يكون باتفاق كويتي عراقي والاحتكام إلى هيئة دولية متفق على نزاهتها من الدولتين، وفق قوله.
والعلامة 162 هي آخر علامة رسمها مجلس الأمن الدولي وفق القرار 833 في 27 مايو 1993، وهي تقع في منتصف "خور عبد الله".
ويوضح دريد أن الكويت لن تقبل أي إعادة ترسيم الحدود البحرية من جديد في ظل ما تراه استحقاقا نالته وفق المجتمع الدولي وهو أمر لن يرسخ نهاية قريبة للجدل المستمر بين البلدين.
ويبين أن قضية ترسيم الحدود البحرية حساسة، ولكن يجب حلها بشكل عادل ومحق وأفضل مما حلت به سابقا طبقا للتاريخ والوضع الراهن.
بدوره، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، عايد المناع، أن الحدود بين الكويت والعراق، رسمت بشكل دولي قديما، ولكن الإشكالية بقيت في الحدود البحرية.
ويقول المناع في حديثه لـ"الاستقلال: "الكويت التزمت بالقرار الدولي حول ترسيم الحدود البحرية عند العلامة 162، ولكن العراق يقول ما قبل هذه العلامة هي مياه عراقية، وهو ما ترفضه الكويت".
ويضيف المناع: "الخلاف الأساسي على خور عبد الله والعلامة 162، والكويت لديها استعداد للحوار والتفاوض مع العراق حول حل الخلاف البحري وترسيم الحدود وهو ما أكدته الحكومة أخيرا".
ويبين أن هناك قوة سياسية في العراق تثير زوبعة للتكسب من استمرار الخلاف البحري وعدم ترسيم الحدود، إضافة إلى الأزمات الداخلية التي تشهدها بغداد.
ويشير إلى أن الكويت تعاني من تهريب المخدرات من منطقة خور عبد الله، وتريد ترسيم الحدود وضبط الحالة الأمنية هناك، لذلك أبدت القيادة السياسية الكويتية مرونة للحوار والتوصل إلى حل.