تزامن ذكرى ثورة تونس وفشل "مسار يوليو".. هل يخرج قيس من قصر ليلى؟

12

طباعة

مشاركة

حركت نسبة المشاركة المتدنية في أول انتخابات تشريعية يجريها الرئيس التونسي قيس سعيد بعد انقلابه على المسار الديمقراطي في 25 يوليو/تموز 2021، المياه الراكدة في الحياة السياسية في البلاد.

إذ بلغت نسبة العزوف ومقاطعة التصويت قرابة 90 بالمئة من الناخبين التونسيين خلال الاقتراع في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، بالإضافة إلى جملة من الإخلالات والتجاوزات كان أبرزها خرق الصمت الانتخابي من قبل سعيد الذي ألقى خطابا من أحد مراكز الانتخاب.

وعدت المعارضة المقاطعة الواسعة للانتخابات بمثابة الحسم الشعبي في مسار قيس سعيد، خاصة سقوط سردية الدعم الشعبي لمشروعه، فتوالت الدعوات المعارضة بتنحي الأخير ورحيله عن مقر الحكم في قصر قرطاج، لإنقاذ البلاد من الأزمة الخطيرة التي تتجه إليها.

وأجمعت جل جبهات وأحزاب المعارضة وعدد كبير من الشخصيات الوطنية على ضرورة إنهاء هذا الوضع والاتفاق على خارطة طريق للخروج من النفق الذي دخلت فيه البلاد سياسيا واقتصاديا.

وتفاقمت الأزمة الاقتصادية مع تعثر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتصاعد الأزمة بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل الذي يهدد بالدخول في تحركات نقابية للدفاع عن حقوق منظورية.

وتتزامن حالة الفشل التي يعيشها "مسار يوليو" مع ذكرى اندلاع ثورة تونس في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، وذكرى خلع الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ونظامه الذي كانت تتحكم في جزء كبير منه زوجته ليلى الطرابلسي، وذلك في 14 يناير/كانون الثاني 2011.

مطالبات بالرحيل 

صدرت أولى الدعوات المطالبة برحيل قيس سعيد عن جبهة الخلاص الوطني والتي تضم عددا من الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية المعارضة من أبرزها حركة النهضة وأحزاب ائتلاف الكرامة وقلب تونس والعمل والإنجاز.

رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي، دعا في ندوة صحفية مساء 17 ديسمبر، الرئيس إلى "الرحيل فورا، وتولي شخصية وطنية محايدة، يمكن أن يكون قاضيا كبيرا، إدارة فترة انتقالية".

ورأى الشابي أن نتائج الانتخابات تؤكد أنّ "92 بالمائة من التونسيين أداروا ظهورهم للعملية غير القانونية التي تنتهك الدستور". ودعا المنظمة النقابية والأحزاب السياسية الأخرى إلى الالتقاء سريعا من أجل إنقاذ البلاد.

بدوره طالب الحزب الجمهوري، رئيس الجمهورية قيس سعيد، بالتنحي عن الحكم وفسح المجال أمام مرحلة انتقالية جديدة تؤمن عودة الاستقرار وتعافي مؤسسات الدولة المدنية الديمقراطية.

ودعا الحزب إلى إطلاق مشاورات عاجلة تمهيدا لإطلاق حوار وطني ينتهي إلى إقرار خطة وطنية للإنقاذ، ووضع برنامج متكامل للإصلاحات السياسية والاقتصادية ينتهي بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها.

حزب التيار الديمقراطي بين في 22 ديسمبر أن "المقاطعة التاريخية للانتخابات التشريعية تعدّ رسالة واضحة من الشعب التونسي تنزع عن قيس سعيد كل شرعية ومشروعية وتعلن إغلاق قوس مشروعه العبثي" وفقه.

وبرصد جملة التصريحات والمواقف السياسية في تونس بعد الانتخابات فإن جلّها تراوح بين المطالبة برحيل سعيد فورا عن السلطة وبين دعوته لإلغاء الدور الثاني للانتخابات التشريعية والذهاب لانتخابات رئاسية مبكرة.

هذه المواقف لم تقتصر فقط على الأحزاب المعارضة، إذ خرج  زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب الداعمة للرئيس قيس سعيد في تصريح أكد فيه أنّ نسب "العزوف التاريخية شكلت صدمة للحركة".

وأكد المغزاوي أنّه طلب "من الرئيس قيس سعيد خلال اتصاله به إجراء انتخابات رئاسية مبكرة".

فرصة للوحدة 

تشابه المواقف بين قوى المعارضة التونسية قد لا يعني تقاربا وتنسيقا فيما بينها، إن كان في صياغة تصوّر ورؤية للخروج من الأزمة السياسية، أو في توحيد جهودها من أجل قيادة حراك موحد في الشارع لتحقيق مطالبها.

وعلى الرغم من اختلاف القوى السياسية في توصيف قرارات قيس سعيد الاستثنائية في 25 يوليو، فقد اتفق أغلبها على اعتباره انقلابا بعد قرار تعليق العمل بالدستور في 18 سبتمبر/أيلول 2021.

إلاّ أن فشل انتخابات 17 ديسمبر، خلق نوعا من التقارب بين عدد من الأطراف وإن لم يجر الإفصاح عنه إلى الآن بشكل رسمي وعلني.

وكشف غازي الشواشي، السياسي المستقيل أخيرا من الأمانة العامة لحزب التيار الديمقراطي، عن طرحه مشروع مبادرة بمعية ثلة من الشخصيات من مختلف المشارب، "تكون محل إجماع من التونسيين".

وتهدف المبادرة إلى "بلورة خارطة طريق على المدى القصير والطويل لإنقاذ البلاد من الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المتردّي الحالي" .

وبين في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (الرسمية) في 23 ديسمبر أن هذه المبادرة لا تهدف إلى توحيد المعارضة ولا تكوين جبهة بل تبحث بالأساس عن "وصفة" لإنقاذ تونس من الأزمة الراهنة وإعادة البناء المشترك دون إقصاء.

وشدد على أن "الحل إما يكون جماعيّا أو لا يكون"، مشيرا إلى أنه عند الانتهاء من بلورتها سيقع طرحها على الأحزاب وعلى المنظمات الوطنية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل.

ما صرح به غازي الشواشي يقترب مما دوّنه القيادي في جبهة الخلاص الوطني جوهر بن مبارك على صفحته في فيسبوك بأن "الوقت حان، ونضجت الشروط لتشديد الخناق على الانقلاب ووضعه في زاوية العزلة والعزل". 

وقال ابن مبارك إنه "في أفق 14 يناير/كانون الثاني 2023، يجب إعداد العدة لتثبيت مركز ثابت للمقاومة تحت شعار (ارحل)، لا ينفض إلا بإعلان خريطة طريق جديدة تمضي فيها البلاد على درب استئناف العملية الديمقراطية بعد إغلاق قوس الانقلاب الفاشل".

ودعا إلى "اقتلاع تاريخ ثابت ومتّفق عليه لانتخابات رئاسية تكون بداية لعملّية إصلاح شاملة تحت راية الوحدة الوطنية وبرنامج رئاسي للوئام الوطني".

هدف واحد

وفي حديث لـ"الاستقلال"، بين عضو مجلس نواب الشعب سمير ديلو أن "التقاء المعارضة لا يكفي لتحقيق اختراق في الوضع السّياسي بأكمله، وحدة الموقع أكثر صعوبة وتعقيدا من وحدة الموقف".

وأشار إلى وجود محاولات متواصلة لتنسيق التّحرّكات المعارضة لسلطة قيس سعيد لكنها لم تنجح حتى الآن.

واستدرك: "إذا لم نقدر على خوض المعركة في صف واحد فلنصوّب- على الأقل- نحو الهدف نفسه".

وفي رده على سؤال حول نية خوض المعارضة لتحرك موحد في 14 يناير 2023، يجمع مختلف الأطياف، قال الناشط السياسي التونسي إن "هناك مساعي حثيثة ولكن ليس هناك أي ضمان لنجاحها".

فلا يزال شبح فشل التحرك الموحّد ليوم 10 ديسمبر يلقي بثقله على الأجواء، وفق قوله.

وفي هذا إشارة إلى اختلاف نقاط انطلاق مسيرة جبهة الخلاص ومجموعة الأحزاب الخمسة الديمقراطية، رغم اتفاقهما في نقطة الوصول ممثلة بشارع الحبيب بورقيبة.

وأكد ديلو أن دعوة الجبهة للحوار الوطني الذي تحدث عنه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي "وارد نظريّا".

وأضاف "لكن ليس في إطار الديناميكية الحاليّة بل في أفق مبادرة بصدد التبلور لا تُقصي إلا من أقصى نفسه".

وبدأ الاتحاد العام التونسي للشغل بالفعل ترتيب لقاءات مع المنظمات الوطنية التي سبق وأن أشرفت على الحوار الوطني عام 2013، وتحصلت إثره على جائزة نوبل للسلام.

وسبق أن دعا الطبوبي في خطاب له أمام تجمع عمالي في 20 ديسمبر 2022 "منظمات المجتمع المدني وفي مقدمتها الاتحاد ليلعب دوره بامتياز لأن السكوت اليوم يعد جريمة".

وأردف: "ليست لدينا حسابات سياسية كالتموقع في انتخابات رئاسية أو تشريعية ولكن الوطن وطننا ولن نترككم تعبثون به وقلنا إننا لن نخشى لا السجون ولا الاغتيالات ولا غيرها".